2023 يونيو/جوان 21 - تم تعديله في [التاريخ]

نساء ضحايا العنف الرقمي يعانين في صمت..


العلم الإلكترونية - محسن بالقسم

بالرغم من إقرار المغرب قانونا يجرم كافة أشكال العنف ضد المرأة ويوفر الحماية القانونية للنساء ضحايا العنف، دخل حيز التنفيذ في شتنبر 2018، إلا أن المندوبية السامية للتخطيط كشفت تعرض ما يناهز 1.5 مليون امرأة مغربية  لـ"عنف رقمي"، سواء بواسطة رسائل إلكترونية أو من خلال مكالمات هاتفية ورسائل نصية.
 
وأوضحت المندوبية السامية للتخطيط في أرقام قدمتها بمناسبة اليوم العالمي لحقوق النساء، أن استعمال التكنولوجيات الحديثة للمعلومات والاتصالات ساهم في ارتفاع العنف ضد النساء بجميع أشكاله، بنسبة بلغت 19 بالمئة.
 
كما كشف المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أنه أنجز دراسة شملت 180 حكما قضائيا يتعلق بقضايا العنف ضد النساء، مسجلا أن العنف الرقمي ضد النساء يتصدر قائمة أشكال العنف التي تتعرض لها النساء بنسبة 31 في المائة، يتبعه العنف الجنسي بـ26 في المائة، ثم العنف الاقتصادي بـ20 في المائة، والعنف النفسي بـ18 في المائة، ثم العنف الجسدي بـ5 في المائة.

العنف ضد النساء من الفضاء الواقعي إلى العالم الافتراضي
 
يمكن توصيف العنف الممارس ضد النساء في العالم الافتراضي حسب سعيد بنيس، أستاذ علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس بالرباط والمتخصص في الإعلام والظواهر الاجتماعية، بكونه امتداد للعنف الممارس في العالم الواقعي، وأنه مكتسب من الوسط الاجتماعي على اعتبار أن العنف ضد المرأة في مواقع التواصل الاجتماعي يتجسد في ثلاثة تمظهرات أولها التنميط والسب والشتم المبني على لغة انفعالية قائمة على التنافر والعداء، ثانيها الدعوة إلى الكراهية من خلال خطاب صدامي يرتكز على التمييز السلبي ضد المرأة وثالثها يتجلى في منسوب مرتفع لحقل دلالي حيواني قدحي ينهل من التحريض المجتمعي ومن الإقصاء الجنسي.
 
ويرجع السوسيولوجي بنيس، أنه من الأسباب المباشرة لتفشي خطاب العنف ضد النساء في الأنترنت إلى اضمحلال مقومات العيش المشترك، وتصلب التمثلات الاجتماعية، إضافة إلى توغل فوبيا المساواة بين الجنسين في المجتمع، وعدم استيعاب مسارات المواطنة المتساوية.
 
كما دعا بنيس إلى اعتبار الفضاء الافتراضي فضاء عامّا تسري عليه  القوانين والتدابير نفسها المتخذة فيما يتعلق بالفضاء العام الواقعي، بحيث يصبح العنف الرقمي متساويا قانونا مع العنف الواقعي.
 
إذا كانت تسمية النساء اللائي يتعرضن للعنف الجسدي أو الجنسي ناجية من العنف، فللأسف الشديد، لا يمكن تسمية النساء ضحايا العنف الرقمي بذلك؛ لأن هذا العنف يشبه القاتل المتسلسل الذي يطاردهن طوال حياتهن، بل يتجاوز ذلك عابرا لحدود العالم الواقعي، وفي كل مرة يطور أساليب جديدة لتأثير أكبر.

من مشروع زواج إلى تدمير نهائي توقفت الحياة بسببه

وفجأة رأيته أمامي يطلب المزيد من المال.. ليلى فتاة تبلغ من العمر 29 سنة، تعرضت للابتزاز والتهديد الرقمي لما يزيد عن أربعة سنوات، من طرف خطيبها السابق التي كانت تجمعهما علاقة حب، انتهت منذ وقت قصير، ولكنهما بقيا على اتصال واستمرا في التواصل عبر الإنترنت. بعد فترة طويلة من انفصالهما، قام خطيبها السابق بإرسال صورهما الحميمية التي التقطها بغير علم منها وهي في حالة ضعف ظنا منها أنه لن تنخدع به، وهو ما تسبب في حالة من الصدمة والذعر لدى ليلى، وبعد ذلك، بدأ خطيبها السابق بالتهديد بنشر هذه الصور إذا لم تقابله وتعود معه أو ترسل له المال، كانت ليلى تشعر بالضعف والعجز في مواجهة هذا الابتزاز، ولم ترد التوجه للقضاء، بدلا من ذلك قررت ليلى التصرف بشكل سري وترسل المال لخطيبها السابق لتجنب نشر الصور. لم تكن ليلى تعلم أن هذا السلوك قد يؤدي إلى مزيد من الابتزاز في المستقبل، مع مرور الوقت كانت ترضخ لطلباته خوفا من الفضيحة والتشهير بسمعتها، وهذا ما زاد الطين بلة، حيث كان يستغلها جنسيا كلما أراد  ذلك، رغما عنها، مهددا إياها بإرسال كل ما لديه من صور وفيديوهات إلى أبيها و إخوتها، وكان يطالبها بالمال كل مرة يلتقي بها..بات خطيب ليلى السابق يرسل لها رسائل جديدة لطلب المال، وأصبحت تشعر بأنها محاصرة في هذا الابتزاز السام. مرت الأيام وأعاد الكرة مرارا، لكن ليلى هذه المرة لم تطع ابتزازاته، فكانت النتيجة أن فتـح صفحـات باســمها فـي الفايسبوك ووضع رقمها الهاتفي الخاص وصورها، بــل تعـداه وأرسل كل ما لديه مـن صور وفيديوهات إلى إخوتها.. طردت ليلى من المنزل وعاشت المرارة والألم، بعد ذلك قررت القيام بالإجراءات اللازمة للتعامل مع الموقف بشكل صحيح، وضعت ليلى شكاية في مخفر الشرطة وأبلغتهم بما حدث، وبدأوا في التحقيق في الأمر وتتبع هوية خطيبها المبتز. ولحسن الحظ، تمكنوا من القبض عليه ومحاكمته بتهمة الابتزاز تعلمت ليلى من هذه التجربة السيئة أنها يجب عليها توخي الحذر في التعامل مع الأشخاص الذين تثق بهم، وعدم السماح لأي شخص بالتحكم فيها أو التحكم في حياتها الشخصية. أصبحت أكثر حذرًا في مشاركة المعلومات الشخصية عبر الإنترنت. فقدت ليلى الثقة في الكل.. فقــد نفسها. بالنسبة لليلى، لم يكن فقط عنفا نفسيا واستغلالا جنسيا، لقد كان بمثابة نار أحرقت حياتها ودمرتها.

معتد مجهول برسائل خبيثة...
 
من الرباط إلى مكناس، حليمة 26 سنة هي الأخرى إحدى ضحايا العنف السيبراني، بعدما كانت حليمة تستعد لشراء لوازم زفافها مع اقتراب موعده، بدأت تبحث عن خياطة يكون عملها متقنا وذو جودة وتلتزم بالمواعيد، فكان الأنترنت هو وجهتها الأولى والطريقة المناسبة للبحث، دخلت لعدة صفحات في مواقع التواصل الاجتماعي، وأرسلت لعدة خياطات مصممات لألبسة تقليدية، تطلب نوع الألبسة المتوفرة ونوع الأثواب ومجموعة من الأمور، بعد ذلك توصلت بجواب من خياطة بسرعة فائقة كأنها كانت تعرفها، بعد أخذ ورد في الكلام بخصوص الألبسة، وعدتها أنها سترسل لها في المساء مجموعة من الموديلات الحديثة في السوق، بحجة أنها ليست في المحل. في المساء توصلت حليمة بكم من الرسائل، عندما فتحتها فإذا بها ترى صورا إباحية جنسية مخلة وصور لأعضاء تناسلية، الخياطة أصبحت خياطا، انتحال شخصية والتحرش بالنساء وابتزازهن، صدمة قوية وخوف اعتراها بما توصلت به، لم تكن تعرف ماذا يجب عليها فعله، لم تكن لديها الشجاعة للتحدث مع أحد، وكيف لها أن تتصرف في هذه الكارثة.. تشجعت حليمة وحذفت تلك الرسائل وجميع المحادثات وأغلقت جميع حساباتها الشخصية، ومع ذلك بقي في نفسها نوع من الإثم، خاصة أن مبادرة التواصل كانت من طرفها، لم تضع حليمة شكاية بسبب الخوف من سمعتها وأن موعد زفافها اقترب، وعادت حليمة لإعداد زفافها بعيدا عن الإنترنت رغم الحرقة التي أحست بها و أوقعتها في هذا الموقف.

آثار نفسية واجتماعية واقتصادية  وصحية وخيمة.. وجرائم إلكترونية تسرق أمن النساء في الواقع
 
قالت بشرى عبدو، رئيسة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة في تصريح لها، إن خطورة العنف الرقمي تكمن في قدرته على تطوير آليات خاصة به تجعل تأثيره مستمرا ومتجددا في النطاقين الزماني والمكاني، الشيء الذي يجعله أكثر خطورة في إلحاق الأذى بالنساء، موضحة أن هذه الخطورة يمكن أن تشمل الطرد من العمل أو التعنيف أو مغادرة أقسام الدراسة بالنسبة للطالبات أو التلميذات أو تغيير المقر السكني، كما يمكن أن تصل أحيانا إلى الإقدام على الانتحار، وأشارت المتحدثة نفسها أن مراكز الاستماع التابعة للجمعية، ومنذ تسجيل أول حالة لهذا النوع من العنف سنة 2016، سجلت العديد من محاولات الانتحار، وهناك حالة انتحار سببها العنف الرقمي.

وفي إطار الجهود التي تكرسها جمعية التحدي للمساواة والمواطنة لمحاربة هذا النوع الجديد من العنف، أفادت رئيسة الجمعية في حديثها أن الجمعية أطلقت تطبيقا إلكترونيا جديداً "سطوب العنف الرقمي"، الذي يعد تطبيقا مبتكراً وسهل التحميل والاستعمال؛ لأنه يعتمد لغة تفاعلية بسيطة مصمم لتزويد ضحايا العنف الرقمي ببيانات ومعلومات غنية وعملية تشمل نصوصا تشريعية وأحكاما ومساطر قانونية، بالإضافة إلى أسماء وأرقام وعناوين مختلف الجهات المتدخلة، كما يوفر عددا من النصائح المفيدة للنساء من الضحايا الفعليين أو المحتملين عن كيفية التعاطي مع العنف الرقمي.

وللتصدي لهذه الظاهرة تشدد بشرى على ضرورة التبليغ وتوقيف أي معتد يتجاوز حدوده مادام هناك هذا الفعل، وتعزو المتحدثة ذاتها أسباب عدم التبليغ والإفصاح إلى الخوف من المحيط الأسري وتهديدات المعتدي بالإضافة إلى الجهل بالقوانين أو عدم إعطاء الأمر أهمية، بحيث كشفت دراسة قامت بها جمعية تحدي للمواطنة والمساواة، أنه من أصل 215 ضحية للعنف الرقمي 34 بالمائة فقط قمن بتبليغ السلطات أو أحد أفراد العائلة أو أحد الأصدقاء أو الصديقات، في حين أن 66 بالمائة لم تستطعن الإفصاح عما لحق بهن من عنف لأي كان.

بهدف التصدي للعنف ضد المرأة بطريقة متكاملة، أصدرت جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، بشراكة مع سفارة هولندا بالمغرب، دليل توصيات لتقوية الاستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف الرقمي، من بين أبرز التوصيات المذكورة:
1. الوقاية والتوعية بالعنف السيبراني: إشراك وسائل الإعلام العامة والخاصة في هذه الحملات الوقائية ضد العنف السـيبراني، الهـدف منها هـو زيـادة الوعـي بمخاطر العنـف السـيبراني وطـرق مكافحـة ومنع هـذا النوع من العنف؛ تشجيع السلطات الوطنية المختصة، مثـل وزارة الصحة والتعليم والداخلية وحتى اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابـع الشـخصي على القيام بحملات وقائية على المستوى الوطنـي.

2. إنشاء هيئة وطنية مسؤولة عن الإشراف على أمن المواطنين على الإنترنت: إنشاء سـلطة، بموجب القانون، تكون مخولة، على ســبيل المثال، لتقديم المعلومات والنصائح العملية حـول العديد مـن المجالات المتعلقـة بالأمن علـى الإنترنت، وإرشادات عامة حول ما يمكن للضحايا فعله، للإبلاغ عـن العنـف السـيبراني، وتوفيـر تكوينـات في هـذا المجال عبر الإنترنـت، لجميع المستويات؛

3. إنشاء وحدات متخصصة داخل الشرطة / الـدرك للتعامــل مع حالات العنـف السيبراني: إنشاء وحـدات متخصصـة بالعنـف السـيبراني، مـع وجـود نسـاء فـي الفريـق، لتلقي الشـكاوى والتحقيـق فـي جرائـم العنف السـيبراني. التنصيــص علــى وجــوب إعطــاء الأولوية للتنبيهــات المتعلقــة بارتــكاب أعمــال عنــف، حتى عبـر الإنترنت، والتي تهدد السلامة الجسدية والجنسية والنفسـية للمرأة. التنصيص على إلـزام هـذه الوحدات المتخصصة بالاستماع والبحث عند تلقي الشـكاوى وإبـلاغ المشــتكيات بكافـة حقوقهـن، والتنصيـص على إمكانية سـماع ضحايا أنواع معينة من العنف الإلكتروني، في حضـور أخصائي نفسي أو مساعد اجتماعي.

4. توفيــر التكويــن لموظفـي القطاع الصحي، الاجتماعي، التعليمي، بالإضافة إلى قـوى الأمـن والقضاة في مجال العنف السيبراني.

في هذا المنحى، قالت صفاء السعدي نائب وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بالخميسات ورئيسة الخلية المحلية ضد العنف، إن مسألة العنف المبني على النوع الاجتماعي في العالم الرقمي، هي مشكلة تواجهها الكثير من النساء في المجتمعات العربية والإسلامية، مضيفة أن الضابطة القضائية في حاجة ماسة لخلية وضابطات متخصصات في الميدان، بحيث إن هناك نقصا كبيرا في عدد الموارد البشرية لمواكبة ودراسة جميع القضايا.

وأوضحت السعدي أن النساء، تمثل واحدة من أكثر الفئات المعرضة للعنف الرقمي، وهذا يشمل العنف الجسدي والنفسي والاكراهات المختلفة التي تمنعها من تحقيق حقوقها والمشاركة بكامل قدراتها في المجتمع، وهو ما دفع العديد من المنظمات النسائية والحقوقية إلى النهوض بحملات توعية للتحرر من هذه المشكلة.

وفي هذا السياق، أشارت وكيل الملك إلى أهمية توفير الحماية والدعم اللازمين للنساء المعرضات للعنف الرقمي، مع التأكيد أن القانون يحمي حقوق النساء وينص على العقوبة الصارمة لمرتكبي الجرائم ضدهن، كما أضافت أنه يجب التحري عن جميع الشكاوى المتعلقة بالعنف المبني على النوع الاجتماعي وتقديم الدعم اللازم للنساء اللواتي يعانين من هذه المشكلة بالإضافة إلى ضرورة العمل بشكل تشاركي مع مختلف مؤسسات المجتمع المدني.

ولمعالجة مخاطر العنف الافتراضي، دعت صفاء السعدي إلى ضرورة توفير المزيد من الدعم النفسي والاجتماعي للنساء المعرضات لهذا العنف، وتعزيز التوعية حول هذه المشكلة، وتشجيع المرأة على التحدث عن تجاربها والتبليغ عن أي حالات عنف قائمة؛ لأن النساء مازلن لا تتجرأن على سلك المسطرة القانونية عن طريق التبليغ لدى مصالح الأمن، إما بفعل التقاضي كما هو حاصل في المجتمع الواقعي أو نتيجة طول مسار التبليغ وتتبع الشكاية إلى نهايتها أو خوفا من نظرة المجتمع.

جدير بالذكر أن القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من 2.000 إلى 20.000 درهم، كل من قام عمدا، وبأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية، بالتقاط أو تسجيل أو بث أو توزيع أقوال أو معلومات صادرة بشكل خاص أو سري، دون موافقة أصحابها. كما يعاقب بنفس العقوبة، من قام عمدا وبأي وسيلة، بتثبيت أو تسجيل أو بث أو توزيع صورة شخص أثناء تواجده في مكان خاص، دون موافقته.

وتنص المادة 2-447، أنه يعاقب بالحبس من سنة واحدة إلى ثلاث سنوات وغرامة من 2.000 إلى 20.000 درهم، كل من قام بأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية، ببث أو توزيع تركيبة مكونة من أقوال شخص أو صورته، دون موافقته، أو قام ببث أو توزيع ادعاءات أو وقائع كاذبة، بقصد المس بالحياة الخاصة للأشخاص أو التشهير بهم.



في نفس الركن