2021 أغسطس/أوت 10 - تم تعديله في [التاريخ]

منهم من لم يتلق الدعم الذي أقرته الدولة

مهنيو القطاعات المعنية بالإغلاق بين مطرقة الحكومة وسندان كورونا.. "العلم" تستقي شهادات المتضررين وترصد وضعيتهم الصعبة


العلم الإلكترونية - إيمان مسلك ليام: (صحافية متدربة)

خلف قرار الإغلاق الأخير نوعا من السخط والغليان والتذمر في أوساط مختلف القطاعات المعنية، فما كاد المهنيون يتنفسون الصعداء حتى قررت الحكومة العودة إلى إقرار مجموعة من التدابير جاءت بصيغة الإغلاق الذي اعتبره البعض "قرارا ارتجاليا لا يراعي الفئات الهشة والمتضررة". 
 
وتحت ذريعة حالة الطوارئ، تلقى عدد من عاملي المقاهي والحمامات الخبر، ليجر وراءه هما يثقل كاهل الأسرة التي تكسب قوتها اليومي بمشقة من هاته الفضاءات. فما خلفه الإغلاق الثاني "لا يعلم به سوى الله" كما يقولون. "العلم" وضمن هاته الورقة تنقل للقراء معاناة هاته الفئة الهشة، في انتظار قرار رسمي يخفف من وطأة الإغلاق وتداعياته المادية الصعبة.

    إغلاق إلى إشعار غير محدد...    
 

العونية امرأة في الخمسينات من عمرها عاملة بقطاع الحمامات، رغم كبر سنها إلا أنها لاتزال تكابد لكسب قوتها اليومي. وكما العادة تتوجه العونية، إلى عملها يوم الأربعاء لتتفاجأ بقرار الإغلاق، الذي لم تعرف عنه إلا يومها، تقول بكل حسرة :" سألت صاحب الحمام عن سبب الإغلاق فأجابني أن عون السلطة أخبرني بضرورة الإغلاق تطبيقا للقرارات الاستعجالية".
 
عادت العونية أدراجها نحو البيت، وألف سؤال يدور برأسها، فالإغلاق جاء على حين غرة، والمصيبة بحسبها " أن لا وقت محدد للرجوع، هو إغلاق إلى شعار غير محدد".
 
تتابع العونية حديثها بحزن شديد، وملامح التعب بادية على محياها كمن سافر من مدينة إلى أخرى لمدة لا تقل عن الساعتين سيرا على الأقدام :" ليس لي أي دخل، تلقيت الخبر كباقي العاملات، فلم نتخلص بعد من تداعيات الإغلاق الأول حتى صدمتنا الحكومة بالإغلاق الثاني، ودون سابق إنذار".
 
وأوضحت المتحدثة، أنها أم لبنتين من ذوي الاحتياجات الخاصة وزوجها متوفي، والحمام هو مورد رزقها الأول.
 
وفي إشارة منا للدعم الذي تقدمه الدولة، قاطعتنا قائلة: " لم أستفد نهائيا من الدعم الأول، وعشت مرارة الظروف الصعبة للجائحة دون معيل أو سند"، وتابعت:"إذ لم أقم بإحضار لقمة العيش لصغاري لا أحد سوف يقوم بذلك، أنا المرأة والرجل في آن واحد، وأنا من يتحمل مسؤولية المصاريف".
 
   الحكومة تضع كفة في الأعلى وكفة أسفل السافلين     
 

الجيلالي البالغ من العمر 46 سنة هو الآخر، ضحية ثانية لقرار الإغلاق، رجل منهك الوجه، تبدو ملامحه شاحبة اللون، فهو المسؤول عن اشعال حطب تدفئة مياه الحمام، رغم شقاء عمله وصعوبته إلا أنه كان قنوعا به فمن خلاله يستطيع تسديد حاجياته ومتطلبات أولاده.
 
يقول الجيلالي، بنبرة صوت حادة، وملامح الغضب ترتسم على محياه "راه حنا ماعندنا مانكلوا من غير هاد الخدمة دابا مني سديتوه شنو أنوكل لولادي". لم تكن جملة الجيلالي الأولى من نوعها، فقد سبق واستمعنا لعدد من العاملين بقطاع الحمامات، الذين أكدوا "أن القرارات العشوائية التي اتخذتها حكومة العثماني لم تراع إمكانياتهم المادية"، ونسيت وهي تسطر قرارها أن "لا مصدر آخر للدخل بالنسبة للعاملين بالحمامات".
 
يتابع الجيلالي، بعصبية: " الحكومة تضع كفة في الأعلى وكفة أسفل السافلين "، وأضاف "قرار الحكومة ضيق وغير متزن، ولا علم لها بأننا لا نتوفر حتى على ثمن شراء خبز وشاي، لست وحدي فنحن جميعا مسؤولون عن أسرة تتكون من زوجة وأبناء، وقد يمتد الوضع في حالات أخرى إلى الأب والأم أيضا".
 
ويرى الجيلالي، أن المسؤولية تقع على عاتق الحكومة لأنها لم تفكر في "حال الضعيف" واختارت الحل المرضي لها وللأسف ليس "المجدي"، ففي نظره قرار الإغلاق لن يغير الوضعية الوبائية التي تمر منها المملكة، بل سوف يزيد الوضع سوءا، وبدل أن نعيش وضعية صحية مضطربة، سوف نعيش أيضا وضعية اقتصادية مزرية، في حال استمر قرار الإغلاق الذي سيرمي بنا لا محالة في زنزانة الفقر.
 
    الديون باتت تثقل كاهلنا...    
 

خديجة البالغة من العمر 35 سنة، ضحية أخرى من ضحايا الإغلاق، تشتغل " ممونة حفلات"، تقول باستغراب "هذه القرارات دمرتنا قمنا بمجموعة من الالتزامات مع الناس ومع الطباخين والنكافة ...وغيرها، فبدلا من أن نجني قوتنا ونحاول تخفيف ضرر الإغلاق الأول نصدم بإغلاق ثان ونغوص في دوامة أخرى ستثقل كاهلنا بديون جديدة".
 
لم تكن تعلم خديجة، أن الحكومة ستتجه نحو إقرار الإغلاق، وإلا لما عمدت إلى عقد اتفاقات مع أصحاب العرس أولا والموردين (نكافة، المغنيين...)، وترى أن فرصة العودة الثانية كانت ستخفف من ديون الإغلاق الأول، خاصة وأن الظروف قادتها لبيع عدد من المعدات قصد توفير القوت اليومي.
 
محاولة استدراك أعطاب المرحلة الأولى، التي قامت بها خديجة لم تأت أكلها، في ظل القرارات "الارتجالية والعشوائية" التي اتخذتها الحكومة. وتقول " نحن نعيش الإفلاس، وربما ما سيأتي أسوأ مما مضى، فغالبية أصحاب العرس ممن تعاقدت معهم، يطالبون باسترجاع العربون، الذي سبق وقدمته لمن أتعامل معهم لتخفيف الديون"، وتابعت " كنا نظن أن هاته السنة ستكون حافلة بالأعراس، وسنتدارك ما فات، لكن المفاجأة جاءت من الحكومة وقلبت الموازين".
 
    القرار صدمة لكل العاملين بالقاعات الرياضية   
 

فريد، 38 سنة صاحب قاعة رياضة، رجل ذو جسم رياضي، اعتاد ممارسة الرياضة منذ الصغر، يحب مهنته، حريص على القيام بها باستمرار.  
 
هو الآخر، يعلق بآسف شديد "كان قرارا صادما جدا، لقد عانينا الأمرين منذ بداية الوباء ولم يستفد عملائي من أي دعم مادي أو تعويض لما لحقهم من ضرر". ويتابع بألم ".. ليأتي هذا القرار الصادم مرة أخرى، وكأنه يحيلنا على حافة الفقر".
 
 وأكد فريد، أن الإقبال على القاعات الرياضة كان كبيرا في الفترة الأخيرة، خاصة وأن مجموعة من الناس اختاروا هذا المكان لتفريغ الطاقة السلبية و التخلص من مخلفات الحجر الصحي، الذي ترك أثارا نفسية وخيمة.
 
وتابع : "بعد أن فتحت القاعات الرياضة قصدها العديد من الناس كمتنفس لهم وهناك من لجأ لها بغية نقص الوزن بسبب تدهور الوضع الصحي عند البعض جراء الإغلاق الطويل، لكننا اليوم أمام قرار سيضرب عرض الحائط كل ما نحاول تداركه".
 
ويرى فريد، أن حل الإغلاق ليس الأنسب والأجدر، خاصة وأن الأعداد لا تزال مرتفعة، مشيرا إلى أن قاعة الرياضة التي يملكها لم يسبق لها أن سجلت حالة واحدة بكورونا، "نحن اتخذنا احتياطاتنا واحترمنا الاجراءات على عكس المتاجر الكبرى والأسواق وغيرها، فلماذا يتم قطع رزقنا وليس لنا ذنب فيما يقع؟".
 
    رأي الشارع:    
 

من هذا وذاك، غليان الشارع هو الأخر لم يسلم من انتقاد ومعارضة لما يتم اتخاذه من قرارات "عشوائية". في سيارة الأجرة نوقش الموضوع، تقول سيدة "وا الإغلاق هو لي غادي يحمينا من كورونا، راه الاجراءات الاحترازية لي متطبقش هي الموصيبة، واش دابا الحمام لي الناس كتغسل فيه من الفيروس سدوه، مفهمنا والو". ومن جهة أخرى، هناك من يرى أن هذه القرارات صائبة وتروم الحد من الوباء. لكن قول الأغلبية تتجه نحو الرفض التام نظرا لعدم مراعاة الحكومة للطرف المتضرر "دون أن تكلف نفسها ولو بدعم مادي لهذه الفئة، خاصة وأن عددا كبيرا من المتضررين لم يستفيدوا من الدعم الأول"، وبالرجوع إلى سائق سيارة الأجرة الذي ختم الحديث قائلا: "واش بغيتي يحس بيك واحد عايش مزيان، راه كتجي غير فالضعيف، غير الله يصاوب وصافي، كون ما سيدنا الله ينصروا كون الحكومة دايرة فينا مابغات".

محمد ذهبي: الكاتب العام للاتحاد العام للمقاولات والمهن
أكد محمد ذهبي، الكاتب العام للاتحاد العام للمقاولات والمهن أنه تم إصدار بلاغ من قبل مركزية الاتحاد العام للمقاولات والمهن بصدد الإجراءات الأخيرة، والذي اعتبر أن هذه القرارات هي ارتجالية وعشوائية وغير محسوبة العواقب، ولن تساهم إلا في تأزيم وضعية المقاولة المغربية خصوصا الصغيرة جدا والصغيرة وحتى المتوسطة.
 
وأشار ذهبي، في تصريح لـ"العلم"، على أن القرار القاضي بإغلاق الحمامات سيترتب عنه مجموعة من التبعات، نظرا لأن الأول فرض على أرباب الحمامات القيام بإصلاحات عديدة بسبب تلف مجموعة من الآليات التي تعرضت للتآكل نتيجة التوقف الطويل والمكلف، ناهيك عن العاملين بهذا القطاع (كسالة ــــ طيابات) وما تعرضوا له من مشاكل مادية طيلة مدة الإغلاق لأن مصدر قوتهم الوحيد هو هذا العمل.
 
وتساءل المتحدث، عن الدافع وراء إغلاق الحمامات، خاصة وأنها كانت تشتغل بأقل من 20في المائة من طاقتها الاستيعابية ولم تسجل أية حالة بسبب الحمامات، وقال:" البروفيسور شكيب عبد الفتاح وهو عضو بارز في اللجنة العلمية للوقاية من كوفيد اعترف بلسانه بأن فضاء الحمامات هو فضاء مناسب لقتل الفيروسات والبكتيريا".
 
وفيما يهم إغلاق قاعات الحفلات، أوضح المصدر ذاته أن هذا القطاع هو الآخر عانى من مشكل الإغلاق بعد ما تم استئناف العمل بعد أقل من شهرين تم الإغلاق مرة أخرى في يوم الجمعة 23 يوليوز 2021 دون لفت الانتباه لما عاشه مهنيوا هذا القطاع من مشاكل، "وفي الأشهر الأخيرة قامت هذه القاعات بمجموعة من الالتزامات لتنظيم حفلات زبنائها وكذا التزامات مع مورديهم، إضافة أن هذه الفئة لم تقدم لها الدولة أي إعانات أو مساعدات ليجدوا أنفسهم أمام مجموعة من الديون المتراكمة".
 
وعن إغلاق المقاهي والمطاعم على الساعة التاسعة ليلا، يرى الكاتب العام للاتحاد العام للمقاولات والمهن أنه "قرار غريب نوعا ما خاصة أن أغلب الزبناء في الفترة الصيفية يقصدون هذه المرافق في الفترة المسائية الممتدة من الساعة الثامنة وإلى غاية الحادي عشر ليلا وتعتبر تلك الفترة هي الأكثر رواجا".
 
ودعا المصدر نفسه، الحكومة إلى تحمل مسؤوليتها الكاملة تجاه هذه القرارات، ودعم أرباب الحمامات وقاعات الحفلات عن طريق إعفائهم من أداء جميع الضرائب والرسوم والجبايات برسم سنتي 2020 و2021، وتأجيل أداء جميع الديون المستحقة عليهم إلى ما بعد جائحة كرونا مع تمكينهم من قروض بفوائد تفضيلية، وتخصيص دعم شهري للعاملين بالحمامات وقاعات الحفلات إلى حين إعادة فتح هاته المرافق، واتخاذ قرار إجبارية التلقيح قائلا: "ليست هناك دكتاتورية أكبر من أن يعارض الناس التلقيح لإنقاذ الوضع عوض اتخاذ قرارات عشوائية ستقضي على مجموعة من المقاولات المغربية الصغيرة جدا منها والصغيرة والمتوسطة".
 



في نفس الركن