إن الأهمية التي أعطيت لمدينة سيدي قاسم ومحيطها في تلك الفترة كانت استثنائية بكل المقاييس.
لقد تحولت المدينة ومحيطها القروي في زمن قياسي إلى مجال منتج وبمردودية كبرى، مجال جذاب بمقوماته الاقتصادية والطبيعية.
لقد تولى المهندسين المعماريين إعداد مخطط للتهيئة للمجال الحضري، مخطط لا زالت تحتفظ به السلطات العمومية والفعاليات المحلية كذكرى بارزة في تاريخ التمدين وكقيمة هندسية ومعمارية بالمنطقة.
الأهم من كل هذا، حرصهم على ضمان التنفيذ المتوازن لهذا المخطط، توازن كانت الغاية منه، بشهادة الفرنسيين والمغاربة، تحويل المدينة إلى مجال حضري بمقومات علمية (حياة حضرية بامتياز) وباقتصاد مجالي .
قد كان مستوى التنظير في السياسة الحضرية والنجاعة في التنفيذ (التخطيط والتدبير الحضريين) عاليا جدا إلى درجة مكنت من تحقيق الترابط الوثيق بين وثيرة التمدين (Rythme d’urbanisation) ومستوى التطور الاقتصادي المجالي المحلي وخاصة الصناعي منه.
وبالنظر إلى الأمس القريب ، وبالتأمل في حصيلة التدخلات في المجال الحضري زمن المغرب المستقل، وفيما آل إليه الوضع في المدينة ومحيطها، لا يمكن للمرء إلا أن يتأسف ويتحصر بحزن شديد.
لقد أغلقت المنشآت الاقتصادية، وتفشت ظاهرة السكن غير اللائق، وزادت حدة رداءة الخدمات العمومية خصوصا الاجتماعية منها، ورداءة جودة التجزءات والتجهيزات المتعلقة بها نتيجة تغليب منطق السياسة والصراع على المواقع، وإفلاس الشركات الفلاحية والصناعية المعروفة.
نتيجة لتراكم الإخفاقات التدبيرية ما بعد الفترة الحماسية لفجر الاستقلال، سرعان ما تحولت مدينة سيدي قاسم إلى حاضرة للنوم.
فقد عبرت التراكمات عن فشل ذريع في التدبير السياسي للمدينة ونواحيها إلى درجة أصبحت فيها السياسة مرتبطة أكثر برفع نسب المشاركة الانتخابية لا أقل ولا اكثر.
وبذلك ابتعدت المسؤولية التدبيرية عن المعرفة العلمية والاختيار السياسي المسؤول للنخب المحلية لصيانة التراكمات والزيادة من وتيرة الإنجازات التنموية بروح وطنية وتعبئة شاملة للمجتمعات المحلية.
ومن المتعارف عليه أن المدينة تعتبر نظاما متكاملا مكونا من عدة أنظمة فرعية تعمل في تزامن و تعاون، قصد الرقي إلى مستوى تطلعات المواطنين ، الذين يسعون دوما إلى الحصول على أعلى مستوى من الخدمات من حيث التنوع والتميز، وبذلك فان التعامل مع هذا الكائن الديناميكي ليس بالأمر السهل، بل يتطلب من المعارف ما يمكن من فهم تعقيداته، ومن التحكم ما يمكن من كبح جماحه و توجيهه في الطريق الصحيح، وهذا ما رايناه بمدينة سيدي قاسم حيث يسعى رئيس المجلس البلدي إلى توفيره من خلال التكوين المحصل عليه في نظم التسيير، حيث تمكن من الحصول على قاعدة صلبة من المعارف والتحصيل العلمي والتقني، مما مكنه من حسن التعامل مع مشاكل المدينة على اختلافها وتعقيدها. والتسيير الأفضل لها باستعمال الطرق العلمية الحديثة.
حيث ان الفكر الاكاديمي الممزوج بالعطاء السياسي الديمقراطي ادى بمحمد الحافظ وكما يعرف القاصي والداني الى سلك سبل الدفاع والبحث عن مشاريع وفرص يمكنها ان تعيد لمدينة سيدي قاسم رونقها وتاريخها ، اذ انه ظل يردد قولته الشهيرة كان والدنا وطنيا محبا لملكه ووطنه ، ونحن سنكمل المسار ونعيد كتابة تاريخ سيدي قاسم وذلك مابدا يتاتى منذ يونيو 2017 بمقر رئاسة جامعة ابن طفيل بالقنيطرة ، حيث بدا مرافعته للوكالة الحضرية بالتذكير ان مدينة سيدي قاسم كانت الى وقت قريب معلمة اقتصادية بمواصفات جيدة ، وتعدد للأنشطة التجارية و الصناعات البتروكيماوية والفلاحية.
وتساءل انداك كيف أن المدينة لا تتوفر على منطقة صناعية ولا نواة جامعية ولا منطقة سياحية وغياب تصميم التهيئة…وعدد من الاختلالات والحاجيات الأساسية.
وطالب بالحاح من المسؤولين المركزيين والجهويين والاقليميين الى الاهتمام بتنمية المدن الصغرى في المخططات الاستراتيجية، بدل تحويل كل الاستثمارات المهيكلة والاستراتيجية للمدن الكبرى، لضمان عدالة جغرافية.
وقد تاتى ذلك بجلب مشروع تأهيل المنطقة الصناعية، وكذا إحداث كلية متعددة التخصصات بمدينة سيدي قاسم، وهذا المطلب الذي لطالما سعت إليه ساكنة إقليم سيدي قاسم لسنوات عديدة.
حيث خصص لمكان إحداث الجامعة 23 هكتارا من أملاك الدولة، وغير بعيد عن ذلك تم تخصيص مساحة ارضية لتأهيل المنطقة الصناعية التي تعيش وضعية متدهورة جدا، حيث خصص لهذا المشروع ما مجموعه 14.5 مليون درهم، حيث من المنتظر أن يستهدف هذا التأهيل الجديد للمنطقة الصناعية، إعادة تأهيل البنية التحتية، والمساحات الخضراء، والإنارة العمومية، والتشوير الطرقي.
وهذا ان دل فانما يدل على الإرادة، والعزيمة والإصرار والتفاني في العمل، والتنسيق الجاد والمسؤول مع مختلف الفاعلين الإداريين والسياسيين، الذي أعطى نتيجته اليوم، وهاهي مدينة سيدي قاسم اليوم أصبحت تتوفر على قطب جامعي، سيساهم من دون شك في التنمية العلمية والفكرية والاقتصادية، كما سيخفف من ثقل كاهل المواطنين الذين كانوا يجدون مشقة مالية في إرسال أبنائهم لمواصلة تعليمهم العالي في مدن أخرى.
العلم الإلكترونية: وليد ميموني