العلم الإلكترونية - بقلم عبد الله البقالي
مع كل التعقيدات التي ترافق التطورات المتسارعة في الساحة الدولية في ضوء الأحداث الكبيرة والوازنة التي يعيشها العالم، خصوصا ما يتعلق بالحرب الروسية، الأوكرانية، وما أفرزته من حقائق و معطيات ظلت لفترات طويلة من الزمان طي الكتمان والتخفي من طرف القوى المتحاربة نفسها، فإنه يمكن المجازفة بالحديث عن بعض المؤشرات المتعلقة بالنظام العالمي الذي يعيش مخاضا عسيرا في هذه الظروف الدقيقة و الصعبة التي يجتازها العالم بأسره .
فالحرب على أطراف روسيا كشفت للرأي العام العالمي الاصطفاف الحقيقي المباشر في العلاقات الدولية السائدة، و في ضوء ذلك يمكن اليوم الحديث بوضوح و دقة تامة عن لائحة كاملة بالمصطفين مع هذا الحلف أو ذاك. ونكاد نقول بكثير من المجازفة إن العلاقات الدولية كانت في حاجة ماسة و ملحة إلى لحظة اصطدام قوي بين القوى العظمى المهيمنة على النظام العالمي السائد لتتضح صورة الاصطفافات والتكتلات .ولعل وضوح الصورة بهذا الشكل في هذه الظروف الصعبة يساعد كثيرا على فهم طبيعة العلاقات الدولية السائدة و يسعف في صياغة مشاريع أجوبة لأسئلة متعلقة بالتجاذب الحاصل في شأن تغيير النظام العالمي السائد ، و يمكن من الحديث عن بعض من مؤشرات النظام العالمي المتوقع .
المرجح إلى حدود ما تتيحه المعطيات حاليا أن مياها كثيرة تجري من تحت مسار الأحداث التي تدور وقائعها في العلن، خصوصا ما يتعلق بالحرب الروسية - الأوكرانية.و أنه من الغباء الاعتقاد أن موسكو اندفعت نحو حرب كانت تعلم مسبقا خطورتها ومتطلباتها المادية و العسكرية و الإعلامية و الديبلوماسية و هي تشك في قدرتها على خوضها أولا ، و على تحقيق مكاسب منها ثانيا ، بغض النظر عن طبيعة وحجم هذه المكاسب .و من السذاجة الشك لحظة واحدة في وجود تسخينات سابقة لاندلاع الحرب و بتنسيق إقليمي و جهوي حاولت من خلاله موسكو توظيف و استغلال جميع المعطيات التي من شأنها أن تسندها في مرحلة الحرب و تمكنها من إحداث اختلالات عميقة في بنية النظام العالمي الذي تقبض قوى غربية معادية بأنفاسه .
في هذا السياق لابد من استحضار حدث هام و دال لم ينل حظه من الاهتمام الإعلامي الدولي، ربما لأن لا أحد كان يعتقد بأن لذلك الحدث ارتباط مباشر و قوي بالتطورات التي عرفتها المنطقة في الفترة الموالية. و يتعلق الأمر بإعلان (الشراكة بلا حدود) بين جمهورية الصين الشعبية والفدرالية الروسية التي توجت زيارة الرئيس الروسـي فلاديمير بوتين إلـى بيكين، ثلاثـة أسابيع فقط قبــل بـداية الحـــرب الروسية-الأوكرانية .و كان لافتا بأن صرح الرئيس الصيني أثناء مقام ضيفه بوتين في الصين بأنه" يدعم مطالب روسيا بعدم ضم أوكرانيا لحلف الناتو " وفي المقابل أعلن الرئيس الروسي اعترافه ب " سيادة الصين على تايوان " وليس الملاحظ في حاجة ملحة إلى استعمال حاسة فك الرموز للتأكد من أن اللقاء بين الرئيسين الروسي و الصيني تطرق إلى قرار بوتين القاضي بالاجتياح الروسي لأوكرانيا، وأن بيكين باركت هذه العملية التي قد تكون رأت فيها الفرصة المناسبة لإشعال حرب موازية تتعلق هذه المرة بالنظام العالمي السائد .
ولا شك في أن إعلان (الشراكة بلا حدود) حقق لبكين ما كانت تحتاجه استراتيجيا، حيث شملت اتفاقات هذه الشراكة عقودا ضخمة لتصدير الغاز الروسي إلى الصين بما يضمن لها تدفق إمدادات الطاقة، مع شريك، آخر تنص التفاهمات الحالية معه على عزل هذه الإمدادات عن التأثيرات السياسية . و جدير بالذكر أن ضمان تدفق كميات كافية من امدادات الطاقة إلى الصين، كان أقوى نقط ضعف الاقتصاد الصيني. ثم إن هذا الإعلان الذي لم يكن من قبيل الصدفة خروجه إلى الوجود قبل ثلاثة أسابيع بالضبط من بداية الحرب الروسية - الأوكرانية، يؤشر على اتفاق الطرفين على تفاهمات استراتيجية تهم العلاقات الدولية و تتعلق بمواجهة القوة المتنامية للغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية . فسواء بالنسبة إلى موسكـو أو بكين، فإن الشعار المناسب للظروف الحالية تلخصه المقولة الشهيرة (عدو عدوي صديقي).
فالصين توجد في صلب مواجهة عنيفة جدا مع الغرب بريادة الولايات المتحدة الأمريكية ، فيما يتعلق بالعديد من مناحي الأنشطة الاقتصادية و المالية، خصوصا في الصناعات المتطورة و في التكنولوجيا الحديثة ، و في كثير من مناحي الإنتاج . حيث أضحى التنين الصيني مخيفا لأقوى الاقتصادات في العالم،و اكتساح الإنتاج الصيني لم يعد خافيا، بل أضحى من شبه المستحيل كبح جماحه أو محاصرته.لذلك لم تجد كثير من الدول العظمى من بديل غير الدخول في مواجهة مباشرة مع الصين ، من خلال تكثيف التدابير الحمائية و إجراءات الحصار و التضييق .و هكذا وجدت جمهورية الصين نفسها من خلال التطورات الأخيرة جنبا إلى جنب مع شريك بمرتبة حليف لمواجهة إرادة الهيمنة التي تكرس سياسة الخنوع و الخضوع .و في الجهة الأخرى كانت روسيا تواجه وحيدة رغبة غربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في محاولة عزل موسكو و تقزيم دورها في العلاقات الدولية، و تقليم أظافرها لكي لا تكون قادرة على خدش جيرانها من خلفاء الغرب. و كانت بسبب ذلك تخوض حربا ضروسا مع القوى المعادية لها على المستويات الأمنية والعسكرية والطاقية. وتحضر الخلفيات التاريخية في هذه المواجهة حينما كان الاتحاد السوفياتي فاعلا رئيسيا في القطبية الثنائية التي كانت تميز النظام العالمي السابق . وروسيا التي تعتبر نفسها الوريث الشرعي لماضي الاتحاد السوفياتي تمني النفس بالعودة إلى موقعها التاريخي الذي يضعها الند للند مع غريمها التقليدي .
يحدث كل هذا تحت مراقبة دقيقة للدول الغربية بقيادة بلاد العم سام ، لكنهم عاجزون لحد هذه اللحظة عن كبح هذا التحالف القوي الذي يعلن دخوله التدريجي إلى ساحة العلاقات الدولية متوعدا النظام العالمي بالتغيير و التحول و إعادة البناء . ولم تنجح رزمة العقوبات الكثيرة و الكبيرة التي فرضت على روسيا في كبح جماحها و لا شل حركتها. و هي عقوبات و إن تميزت بالخطورة إلا أنها تكشف عن عجز آخر لدى الدول الغربية التي تعيش انكماشا اقتصاديا يكاد يكون غير مسبوق ، لأنها تحاشت أن تفرض حصارا اقتصاديا شاملا ضد روسيا، لأنها لا تقدر على ذلك بسبب أن جزءا مهما من العملية الاقتصادية في الغرب نفسه يدور بسبب مواد أولية روسية .
خلاصة القول إن الحرب الروسية، الأوكرانية التي تدور وقائعها المباشرة في مساحة جغرافية محدودة ومعينة، فإن وقائعها الأكثر أهمية وخطورة تدور رحاها في ساحة العلاقات الدولية، و من الطبيعي أن يلقي ذلك بظلاله على طبيعة النظام العالمي السائد حاليا.
مع كل التعقيدات التي ترافق التطورات المتسارعة في الساحة الدولية في ضوء الأحداث الكبيرة والوازنة التي يعيشها العالم، خصوصا ما يتعلق بالحرب الروسية، الأوكرانية، وما أفرزته من حقائق و معطيات ظلت لفترات طويلة من الزمان طي الكتمان والتخفي من طرف القوى المتحاربة نفسها، فإنه يمكن المجازفة بالحديث عن بعض المؤشرات المتعلقة بالنظام العالمي الذي يعيش مخاضا عسيرا في هذه الظروف الدقيقة و الصعبة التي يجتازها العالم بأسره .
فالحرب على أطراف روسيا كشفت للرأي العام العالمي الاصطفاف الحقيقي المباشر في العلاقات الدولية السائدة، و في ضوء ذلك يمكن اليوم الحديث بوضوح و دقة تامة عن لائحة كاملة بالمصطفين مع هذا الحلف أو ذاك. ونكاد نقول بكثير من المجازفة إن العلاقات الدولية كانت في حاجة ماسة و ملحة إلى لحظة اصطدام قوي بين القوى العظمى المهيمنة على النظام العالمي السائد لتتضح صورة الاصطفافات والتكتلات .ولعل وضوح الصورة بهذا الشكل في هذه الظروف الصعبة يساعد كثيرا على فهم طبيعة العلاقات الدولية السائدة و يسعف في صياغة مشاريع أجوبة لأسئلة متعلقة بالتجاذب الحاصل في شأن تغيير النظام العالمي السائد ، و يمكن من الحديث عن بعض من مؤشرات النظام العالمي المتوقع .
المرجح إلى حدود ما تتيحه المعطيات حاليا أن مياها كثيرة تجري من تحت مسار الأحداث التي تدور وقائعها في العلن، خصوصا ما يتعلق بالحرب الروسية - الأوكرانية.و أنه من الغباء الاعتقاد أن موسكو اندفعت نحو حرب كانت تعلم مسبقا خطورتها ومتطلباتها المادية و العسكرية و الإعلامية و الديبلوماسية و هي تشك في قدرتها على خوضها أولا ، و على تحقيق مكاسب منها ثانيا ، بغض النظر عن طبيعة وحجم هذه المكاسب .و من السذاجة الشك لحظة واحدة في وجود تسخينات سابقة لاندلاع الحرب و بتنسيق إقليمي و جهوي حاولت من خلاله موسكو توظيف و استغلال جميع المعطيات التي من شأنها أن تسندها في مرحلة الحرب و تمكنها من إحداث اختلالات عميقة في بنية النظام العالمي الذي تقبض قوى غربية معادية بأنفاسه .
في هذا السياق لابد من استحضار حدث هام و دال لم ينل حظه من الاهتمام الإعلامي الدولي، ربما لأن لا أحد كان يعتقد بأن لذلك الحدث ارتباط مباشر و قوي بالتطورات التي عرفتها المنطقة في الفترة الموالية. و يتعلق الأمر بإعلان (الشراكة بلا حدود) بين جمهورية الصين الشعبية والفدرالية الروسية التي توجت زيارة الرئيس الروسـي فلاديمير بوتين إلـى بيكين، ثلاثـة أسابيع فقط قبــل بـداية الحـــرب الروسية-الأوكرانية .و كان لافتا بأن صرح الرئيس الصيني أثناء مقام ضيفه بوتين في الصين بأنه" يدعم مطالب روسيا بعدم ضم أوكرانيا لحلف الناتو " وفي المقابل أعلن الرئيس الروسي اعترافه ب " سيادة الصين على تايوان " وليس الملاحظ في حاجة ملحة إلى استعمال حاسة فك الرموز للتأكد من أن اللقاء بين الرئيسين الروسي و الصيني تطرق إلى قرار بوتين القاضي بالاجتياح الروسي لأوكرانيا، وأن بيكين باركت هذه العملية التي قد تكون رأت فيها الفرصة المناسبة لإشعال حرب موازية تتعلق هذه المرة بالنظام العالمي السائد .
ولا شك في أن إعلان (الشراكة بلا حدود) حقق لبكين ما كانت تحتاجه استراتيجيا، حيث شملت اتفاقات هذه الشراكة عقودا ضخمة لتصدير الغاز الروسي إلى الصين بما يضمن لها تدفق إمدادات الطاقة، مع شريك، آخر تنص التفاهمات الحالية معه على عزل هذه الإمدادات عن التأثيرات السياسية . و جدير بالذكر أن ضمان تدفق كميات كافية من امدادات الطاقة إلى الصين، كان أقوى نقط ضعف الاقتصاد الصيني. ثم إن هذا الإعلان الذي لم يكن من قبيل الصدفة خروجه إلى الوجود قبل ثلاثة أسابيع بالضبط من بداية الحرب الروسية - الأوكرانية، يؤشر على اتفاق الطرفين على تفاهمات استراتيجية تهم العلاقات الدولية و تتعلق بمواجهة القوة المتنامية للغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية . فسواء بالنسبة إلى موسكـو أو بكين، فإن الشعار المناسب للظروف الحالية تلخصه المقولة الشهيرة (عدو عدوي صديقي).
فالصين توجد في صلب مواجهة عنيفة جدا مع الغرب بريادة الولايات المتحدة الأمريكية ، فيما يتعلق بالعديد من مناحي الأنشطة الاقتصادية و المالية، خصوصا في الصناعات المتطورة و في التكنولوجيا الحديثة ، و في كثير من مناحي الإنتاج . حيث أضحى التنين الصيني مخيفا لأقوى الاقتصادات في العالم،و اكتساح الإنتاج الصيني لم يعد خافيا، بل أضحى من شبه المستحيل كبح جماحه أو محاصرته.لذلك لم تجد كثير من الدول العظمى من بديل غير الدخول في مواجهة مباشرة مع الصين ، من خلال تكثيف التدابير الحمائية و إجراءات الحصار و التضييق .و هكذا وجدت جمهورية الصين نفسها من خلال التطورات الأخيرة جنبا إلى جنب مع شريك بمرتبة حليف لمواجهة إرادة الهيمنة التي تكرس سياسة الخنوع و الخضوع .و في الجهة الأخرى كانت روسيا تواجه وحيدة رغبة غربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في محاولة عزل موسكو و تقزيم دورها في العلاقات الدولية، و تقليم أظافرها لكي لا تكون قادرة على خدش جيرانها من خلفاء الغرب. و كانت بسبب ذلك تخوض حربا ضروسا مع القوى المعادية لها على المستويات الأمنية والعسكرية والطاقية. وتحضر الخلفيات التاريخية في هذه المواجهة حينما كان الاتحاد السوفياتي فاعلا رئيسيا في القطبية الثنائية التي كانت تميز النظام العالمي السابق . وروسيا التي تعتبر نفسها الوريث الشرعي لماضي الاتحاد السوفياتي تمني النفس بالعودة إلى موقعها التاريخي الذي يضعها الند للند مع غريمها التقليدي .
يحدث كل هذا تحت مراقبة دقيقة للدول الغربية بقيادة بلاد العم سام ، لكنهم عاجزون لحد هذه اللحظة عن كبح هذا التحالف القوي الذي يعلن دخوله التدريجي إلى ساحة العلاقات الدولية متوعدا النظام العالمي بالتغيير و التحول و إعادة البناء . ولم تنجح رزمة العقوبات الكثيرة و الكبيرة التي فرضت على روسيا في كبح جماحها و لا شل حركتها. و هي عقوبات و إن تميزت بالخطورة إلا أنها تكشف عن عجز آخر لدى الدول الغربية التي تعيش انكماشا اقتصاديا يكاد يكون غير مسبوق ، لأنها تحاشت أن تفرض حصارا اقتصاديا شاملا ضد روسيا، لأنها لا تقدر على ذلك بسبب أن جزءا مهما من العملية الاقتصادية في الغرب نفسه يدور بسبب مواد أولية روسية .
خلاصة القول إن الحرب الروسية، الأوكرانية التي تدور وقائعها المباشرة في مساحة جغرافية محدودة ومعينة، فإن وقائعها الأكثر أهمية وخطورة تدور رحاها في ساحة العلاقات الدولية، و من الطبيعي أن يلقي ذلك بظلاله على طبيعة النظام العالمي السائد حاليا.