العلم الإلكترونية - بقلم عبد الله البقالي
لا شك في أن النظام العالمي بصدد مرحلة مخاض عسيرة لا تختلف عن مراحل صعبة اجتازها هذا النظام في السابق، والتي قادت إلى اشتعال حروب كونية دفعت البشرية تكلفتها غاليا. ولا شك في أن التطورات المتواترة منذ سنوات قليلة تعيد إنتاج نفس الأسباب التي أدت إلى ما قادت إليه في السابق، والتي تتلخص في مجملها في وصول الخلافات والنزاعات بين القوى العظمى القابضة برقبة النظام العالمي إلى لحظة المواجهة المباشرة.
الحرب المشتعلة في أطراف القارة الأوروبية بين أوكرانيا وروسيا هي لحظة المواجهة الراهنة بين القوى العظمى، التي أدت إليها نفس الأسباب التاريخية. ولا يكفي القول إن الأمر يتعلق بحرب بين دولتين جارتين جمعت بينهما عوامل الجغرافيا والتاريخ، وباعدت بينهما الحسابات السياسية، بل من المغالطة الترويج لمثل هذه الأطاريح لتفسير ما يحدث هناك. والحقيقة أنها حرب مباشرة بين أقطاب القوى العالمية من الشرق والغرب. وهي تمثل أهم عنوان محوري لمرحلة المخاض العسيرة التي يجتازها العالم، بين من يتشدد في تكريس القطبية الأحادية التي تضمن له الإمساك بقرني النظام العالمي، وبين من يعاند من أجل ضمان العودة إلى نظام القطبية الثنائية، الذي يمكن جميع فرقاء القوى العظمى من ضمان مصالحهم الاستراتيجية والحفاظ عليها.
مرحلة مخاض حقيقية أفرزت قوى جديدة ودفعت بأخرى إلى الوراء. هذا ما ينطبق بالتحديد على دول الاتحاد الأوروبي التي فرضت عليها الحقائق والمعطيات الجديدة، التي أفرزتها التطورات المتسارعة التواري إلى الخلف وراء الولايات المتحدة الأمريكية التي تدير المواجهة المباشرة مع القوة المضادة في عمق القارة الأوروبية وبتمويلات أوروبية، لتراكم هذه الدول الانتكاسات الاقتصادية والاجتماعية، في حين تتقلص التداعيات على الولايات المتحدة الأمريكية التي انتعشت عملتها بشكل يكاد يكون غير مسبوق، وكما أن مخزونها الاستراتيجي من المحروقات يجنبها لحد الآن التداعيات المترتبة عن أزمة النفط والغاز، التي تكتوي بنيرانها جميع الاقتصادات الأوربية. وكان من الصعب التصديق إلى وقت قريب جدا أن الاتحاد الأوروبي الذي كان يعتبر أحد أهم وأقوى التكتلات الاقتصادية في العالم ستكون دوله على ما هي عليه اليوم، في وضعية تبعية وموالاة لقوة أخرى تفصلها عنها آلاف الكيلومترات تحسبا وخوفا مما تحدق بها من أخطار تحملها رياح شرقية.
لم نكن لنصدق في يوم من الأيام أن تضع السلطات البلجيكية في وسط عاصمة الاتحاد الأوروبي سيارة إسعاف مدمرة وبجوارها دبابة روسية لاستجداء عواطف البسطاء وترهيبهم بالخطر الأحمر، لإخضاعهم لإرادة خارجية ولحسابات تخدم مصالح قوة أخرى. وقد يعني هذا المشهد الدرامي تعبيرا عن قناعة محدودية الحملة الإعلامية الغربية العنيفة التي تجندت لها جميع وسائل الاعلام الغربية، والتي حاولت إقناع الرأي العام الغربي بأن الحرب في أوكرانيا مجرد محطة في مسار حرب ستمتد إلى باقي دول القارة العجوز، وأن الوقت قد حان للانتقال إلى استهداف مشاعر وعواطف الناس.
وليس من السهل أيضا تبرير، ولا حتى تفسير، الانخراط القوي لجميع الدول الغربية في المواجهة العسكرية بين قطبي النظام العالمي فوق التراب الأوكراني. فقد عاش العالم حروبا وغزوات كثيرة خلال الثلاثين سنة الماضية، وأسقطت، ليس أنظمة سياسية فقط، بل وأزهقت أرواح الملايين من المدنيين الذين لا ذنب ولا مسؤولية لهم فيما حدث، ونزحت ملايين أخرى من مساكنها هروبا من الموت. لكن لم يحدث أبدًا أن أبدت الدول الأوربية والأمريكية ولا غيرها، نفس الحماس والاندفاع والانخراط المباشر في الحرب والسخاء الكبير في تمويلها. لأن ما يجري من مواجهة مباشرة في أوكرانيا، لا يعني الشعوب الضعيفة، وأنه يندرج في صلب وفي عمق حسابات المصالح الاقتصادية والجيواستراتيجية للقوى العظمى الحقيقية. لذلك فإن أوكرانيا ليست إلا ساحة حرب بالإنابة بين هذه القوى. وهذا ما يدفع إلى الاعتقاد بأن عمر هذه الحرب سيمتد أكثر في مستقبل الزمن الآتي، وليس كما روجت له أطرافها في البداية، بأن الحسم فيها لن يتجاوز شهورا قليلة، إذا لم تكن مجرد أسابيع محدودة.
إنها مرحلة مخاض دموي في عمق بنية النظام العالمي المعاصر، ولا أحد من الخبراء ولا المختصين ولا مراكز الأبحاث والدراسات، ولا علماء المستقبليات، يمكنه أن يحدد مدة هذا المخاض، ولا توقع مصير بنية النظام العالمي المقبل، ولا ما إذا كانت طبيعته أحادية أو ثنائية أو متعددة الأطراف، لأن هناك من يتربص بهذا النظام من خارج القوى العظمى المتحاربة وينتظر الفرصة والتوقيت المناسبين للإعلان عن هويته. وكل ما يمكن تأكيده اليوم، أن الأمر يتعلق بلحظة مصيرية في مسار النظام العالمي السائد، ولا يملك أي طرف سلطة الحسم النهائي فيه، وأنها لحظة ستعمر أكثر وستتضاعف تداعياتها مما سيزيد من تكلفتها التي ستدفع فواتيرها شعوب لا مسؤولية لها فيما يحدث ويجري.
لا شك في أن النظام العالمي بصدد مرحلة مخاض عسيرة لا تختلف عن مراحل صعبة اجتازها هذا النظام في السابق، والتي قادت إلى اشتعال حروب كونية دفعت البشرية تكلفتها غاليا. ولا شك في أن التطورات المتواترة منذ سنوات قليلة تعيد إنتاج نفس الأسباب التي أدت إلى ما قادت إليه في السابق، والتي تتلخص في مجملها في وصول الخلافات والنزاعات بين القوى العظمى القابضة برقبة النظام العالمي إلى لحظة المواجهة المباشرة.
الحرب المشتعلة في أطراف القارة الأوروبية بين أوكرانيا وروسيا هي لحظة المواجهة الراهنة بين القوى العظمى، التي أدت إليها نفس الأسباب التاريخية. ولا يكفي القول إن الأمر يتعلق بحرب بين دولتين جارتين جمعت بينهما عوامل الجغرافيا والتاريخ، وباعدت بينهما الحسابات السياسية، بل من المغالطة الترويج لمثل هذه الأطاريح لتفسير ما يحدث هناك. والحقيقة أنها حرب مباشرة بين أقطاب القوى العالمية من الشرق والغرب. وهي تمثل أهم عنوان محوري لمرحلة المخاض العسيرة التي يجتازها العالم، بين من يتشدد في تكريس القطبية الأحادية التي تضمن له الإمساك بقرني النظام العالمي، وبين من يعاند من أجل ضمان العودة إلى نظام القطبية الثنائية، الذي يمكن جميع فرقاء القوى العظمى من ضمان مصالحهم الاستراتيجية والحفاظ عليها.
مرحلة مخاض حقيقية أفرزت قوى جديدة ودفعت بأخرى إلى الوراء. هذا ما ينطبق بالتحديد على دول الاتحاد الأوروبي التي فرضت عليها الحقائق والمعطيات الجديدة، التي أفرزتها التطورات المتسارعة التواري إلى الخلف وراء الولايات المتحدة الأمريكية التي تدير المواجهة المباشرة مع القوة المضادة في عمق القارة الأوروبية وبتمويلات أوروبية، لتراكم هذه الدول الانتكاسات الاقتصادية والاجتماعية، في حين تتقلص التداعيات على الولايات المتحدة الأمريكية التي انتعشت عملتها بشكل يكاد يكون غير مسبوق، وكما أن مخزونها الاستراتيجي من المحروقات يجنبها لحد الآن التداعيات المترتبة عن أزمة النفط والغاز، التي تكتوي بنيرانها جميع الاقتصادات الأوربية. وكان من الصعب التصديق إلى وقت قريب جدا أن الاتحاد الأوروبي الذي كان يعتبر أحد أهم وأقوى التكتلات الاقتصادية في العالم ستكون دوله على ما هي عليه اليوم، في وضعية تبعية وموالاة لقوة أخرى تفصلها عنها آلاف الكيلومترات تحسبا وخوفا مما تحدق بها من أخطار تحملها رياح شرقية.
لم نكن لنصدق في يوم من الأيام أن تضع السلطات البلجيكية في وسط عاصمة الاتحاد الأوروبي سيارة إسعاف مدمرة وبجوارها دبابة روسية لاستجداء عواطف البسطاء وترهيبهم بالخطر الأحمر، لإخضاعهم لإرادة خارجية ولحسابات تخدم مصالح قوة أخرى. وقد يعني هذا المشهد الدرامي تعبيرا عن قناعة محدودية الحملة الإعلامية الغربية العنيفة التي تجندت لها جميع وسائل الاعلام الغربية، والتي حاولت إقناع الرأي العام الغربي بأن الحرب في أوكرانيا مجرد محطة في مسار حرب ستمتد إلى باقي دول القارة العجوز، وأن الوقت قد حان للانتقال إلى استهداف مشاعر وعواطف الناس.
وليس من السهل أيضا تبرير، ولا حتى تفسير، الانخراط القوي لجميع الدول الغربية في المواجهة العسكرية بين قطبي النظام العالمي فوق التراب الأوكراني. فقد عاش العالم حروبا وغزوات كثيرة خلال الثلاثين سنة الماضية، وأسقطت، ليس أنظمة سياسية فقط، بل وأزهقت أرواح الملايين من المدنيين الذين لا ذنب ولا مسؤولية لهم فيما حدث، ونزحت ملايين أخرى من مساكنها هروبا من الموت. لكن لم يحدث أبدًا أن أبدت الدول الأوربية والأمريكية ولا غيرها، نفس الحماس والاندفاع والانخراط المباشر في الحرب والسخاء الكبير في تمويلها. لأن ما يجري من مواجهة مباشرة في أوكرانيا، لا يعني الشعوب الضعيفة، وأنه يندرج في صلب وفي عمق حسابات المصالح الاقتصادية والجيواستراتيجية للقوى العظمى الحقيقية. لذلك فإن أوكرانيا ليست إلا ساحة حرب بالإنابة بين هذه القوى. وهذا ما يدفع إلى الاعتقاد بأن عمر هذه الحرب سيمتد أكثر في مستقبل الزمن الآتي، وليس كما روجت له أطرافها في البداية، بأن الحسم فيها لن يتجاوز شهورا قليلة، إذا لم تكن مجرد أسابيع محدودة.
إنها مرحلة مخاض دموي في عمق بنية النظام العالمي المعاصر، ولا أحد من الخبراء ولا المختصين ولا مراكز الأبحاث والدراسات، ولا علماء المستقبليات، يمكنه أن يحدد مدة هذا المخاض، ولا توقع مصير بنية النظام العالمي المقبل، ولا ما إذا كانت طبيعته أحادية أو ثنائية أو متعددة الأطراف، لأن هناك من يتربص بهذا النظام من خارج القوى العظمى المتحاربة وينتظر الفرصة والتوقيت المناسبين للإعلان عن هويته. وكل ما يمكن تأكيده اليوم، أن الأمر يتعلق بلحظة مصيرية في مسار النظام العالمي السائد، ولا يملك أي طرف سلطة الحسم النهائي فيه، وأنها لحظة ستعمر أكثر وستتضاعف تداعياتها مما سيزيد من تكلفتها التي ستدفع فواتيرها شعوب لا مسؤولية لها فيما يحدث ويجري.