2024 مارس 4 - تم تعديله في [التاريخ]

مدونة النشر والصحافة.. تشريعات في حاجة إلى تعديل

خبراء ومهنيون يكشفون عن الاختلالات في القوانين المؤطرة لقطاع الإعلام


العلم الإلكترونية - الرباط

أجمع المتدخلون في الندوة التي نظمها فرع الرباط للنقابة الوطنية للصحافة المغربية يوم الجمعة فاتح مارس 2024 بالرباط على ضرورة إعادة النظر في القوانين المؤطرة للإعلام والاتصال، مؤكدين أن الشروط الموضوعية تستدعي النظر والتدقيق في هذه القوانين بما يتلاءم والمستجدات التي طرأت على القطاع، وأن تعديل منظومة قوانين الصحافة والنشر في بلادنا أصبحت ضرورة ملحة، خصوصا ما يتعلق بالقانون رقم 13/ 88 المتعلق بالصحافة والنشر، والقانون رقم 13/89 المتعلق بالنظام الأساسي للصحافيين المهنيين والقانون رقم 13/89 المتعلق بالمجلس الوطني للصحافة، وأن التجربة كشفت عن عدد من الاختلالات و النواقص التي شابت عدة فصول من هذه القوانين.

علي كريمي: تكليف قضاة متخصصين للبت في "جرائم" الصحافة والنشر

ركز علي كريمي، أستاذ التعليم العالي في مداخلة تقدم بها في هذه الندوة، على في قطاع الصحافة والنشر في الشق المتعلق بالاطار القانوني، وعاد كريمي بالحديث عن المسار التاريخي لهذه القوانين منذ سنة 1958 وانتهاء بقانون 2016 والنظرة الجديدة والمتطورة لهذا القانون، موضحا أن كثيرا من المياه جرت تحت جسر الاعلام والاتصال وحقوق الانسان بشكل عام.
 
وقال كريمي إن قانون 1958 جاء ليبراليا الى درجة أنه يمكن وصفه بأنه قانون تقدمي وضع في إطار دولة متقدمة، وهذا الوضع صار يتآكل شيئا فشيئا. ونفس الشيء حصل مع قانون 2016، حيث بدأ وكأنه متقدم مع وجود بعض الثغرات، ولكننا صرنا نتراجع عن أشياء جوهرية داخل هذا القانون، وهنا يكمن مطلب إعادة النظر في هذا القانون من أجل إزالة بعض الشوائب، وتطويره ليواكب المهنة في لحظاتها الحالية.
وأكد أستاذ التعليم العالي أن قانون 2016 حاول أن يلغي العقوبات السالبة للحرية ويزيلها في النص، وعوضها بالعقوبات المالية، وهذا ما يدفعنا الى إعادة النظر في قانون 2016.
 
وأكد أن الصحافي لا بد وأن يحاكم في إطار جرائم النشر في حالة سراح وليس في حالة اعتقال احتياطي. بالإضافة الى قضية الكشف عن مصادر الصحافي التي تحتاج إلى نوع من التوضيح والضبط أيضا، وطالب بتكليف قضاة متخصصين يعرفون دهاليز وكواليس الاعلام والاتصال للبت في قضايا النشر والصحافة.  
 

عبد الله البقالي: التجزيء والتشتت في منظومة القوانين سيد الموقف

من جهته قال عبد الله البقالي عضو اللجنة المؤتة لتدبير قطاع النشر والصحافة إن تعديل قوانين الصحافة هي قضية تحافظ على راهنيتها باستمرار، وأنها مفتوحة لارتباطها بمشهد أو بقطاع خاضع بالضرورة لتحولات وتغيرات سريعة جدا، وبالتالي من الصعب على أي مجتمع الادعاء بتوفره على تشريع مثالي ونهائي وحاسم في مجال الاعلام، والدليل على ذلك هو أننا في المغرب كما في العالم نعايش على المستوى المهني مرحلة ظهور مهن جديدة في الصحافة لم تكن معهودة في السابق، وبالتالي الاستعصاء الأول والرئيسي، هو كيف نتمكن من منهجة تدبير يمكننا من ملاحقة ولو نسبية لهذه التغييرات السريعة بتعديلات لائقة نسبيا.
 
وأفاد البقالي أن التشريع يرتبط بالمجتمع، خصوصا حينما نتحدث عن قطاعات وقضايا استراتيجية، علما أن المجتمع المغربي مجتمع هش، فمهما كانت القوانين جيدة، فإنه لابد من الاعتراف بالصعوبة الكبيرة في تشكيل وتطبيق هذه القوانين، وأن هشاشة المجتمع مرتبطة، بمستويات كثيرة، فيها الاقتصادي والاجتماعي والتربوي، الشيء الذي نتج عنه سلوكيات وممارسات ومظاهر لا يمكن للقوانين وحدها أن تكون ضابطة ومؤطرة لها، وبالتالي فهذه الهشاشة تلعب دورا حاسما ومركزيا في التنزيل والتطبيق السليم لمنظومة القوانين.
 
واعطى مثالا لذلك بمجموع الصحافيين في المغرب، الذي يصل عددهم حاليا حوالي إلى 3600 صحافي، في مقابل 1023 طلب الحصول على بطاقة الصحافة لأول مرة. وتساءل في هذا السياق عن قطاع يعيش الأزمة لكن في نفس الوقت يتميز بهذا الاقبال. وأكد عضو اللجنة المؤقتة أن أهم الاشكاليات المرتبطة بالتشريع، تكمن في علاقة هذا التشريع بحقيقة المجتمع المغربي، وأن التجزيء والتشتت الكبير الحاصل في منظومة الصحافة والاعلام هو سيد الموقف، لأننا نتحدث، كما جرت العادة عن ركائز ثلاثة، هي قانون الصحافة والنشر، والنظام الاساسي للصحافي المهني، وقانون المحدث للمجلس الوطني للصحافة، لكن هناك قوانين أخرى كثيرة في المجتمع لها ارتباط بحرية الصحافة، كقانون الحصول على المعلومة، وقانون حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي.

أحمد البوز: القوانين والتشريعات ليست محايدة وليست بريئة

أحمد البوز استاذ القانون الدستوري تدخل في موضوع، حدود التنظيم القانوني للصحافة والنشر، موضحا أن القوانين والتشريعات لا يجب التعامل معها بكونها محايدة أو بريئة، فالنصوص القانونية في نظر الاستاذ البوز هي تعبير عن اختيارات سياسية أو اقتصادية، وتعبير أيضا عن قناعات واحيانا تعبير عن مصالح، ولذلك لا يجب أن الانطلاق من منطق مثالي للنصوص القانونية.
 
وأكد البوز أنه لا يمكن الحديث عن إصلاح تشريعي أو إصلاح قانوني للصحافة والنشر دون تحديد رؤيتنا للإعلام وللصحافة بشكل عام، من خلال تحديد مميزات هذه الصحافة، وما هي طبيعة وظائفها وطبيعة رسالتها، وما طبيعة المهنة داخل مجال الصحافة والإعلام، وهل نريد صحافة مستقلة، وكيف يمكن تصور هذه الاستقلالية.
 
وناقش استاذ القانوني الدستوري حرية إنشاء الصحف، وأوضح في هذا السياق أن العديد من الدول الأوروبية وغير الأوربية لا تعتمد اجراءات قبلية وادارية لإنشاء الصحف، وتساءل عن السبب في عدم إخضاع الصحافة الاجنبية المعتمد في المغرب لنفس المسطرة القانونية التي يخضع لها انشاء الصحف الوطنية.
 
وتحدث عن الثوابت في قطاع النشر، مؤكدا أنها ثوابت موجود في الدستور وفي القيم وفي الممارسة، وأن الإشكال بالنسبة للأستاذ البوز يكمن في الاجتهادات التي ترافق وتصاحب هذه القضايا. وتوقف عند الهشاشة في القطاع، سواء ما يتعلق بالمقاولة الصحافية أو ما يتعلق بالأوضاع الاجتماعية للمهنيين.

محمد الطالبي: الصحافة ليست ترفا بل ضرورة وآلية من آليات الديموقراطية

وفي الندوة ذاتها، اعتبر محمد الطالبي عضو المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية الإعلام قطاعا ضروريا تستدعيه الحاجة المجتمعية، موضحا أن الإعلام اساسي لتكريس الديمقراطية، وأن الإعلام ليس ترفا، بل ضرورة وآلية يجب أن يتملكها المجتمع ويجب على المهنيين الاشتغال على هذا المستوى بشكل ديمقراطي، سواء من داخل أو من خارج المنظومة الإعلامية. وأضاف الطالبي انه حينما نتحدث عن الاعلام، فإننا نتحدث عن جميع أنواعه سواء العام أو الخاص، أي الاعلام العمومي الذي تمتلكه الدولة، والذي يجب أن يكون في خدمة المجتمع، وبالتالي يجب أن يؤطر بقوانين واضحة.
 
وأشار الى المؤتمر الأخير للنقابة الوطنية للصحافة المغربية، داعيا إلى استمرار المسار النضالي الذي امتد لأكثر من ستين سنة، من أجل الدفاع عن المهنة والمهنيين، ولهذا ارتأت النقابة وضع استراتيجية واضحة المعايير تؤطر المرحلة القادمة من أجل قوانين مضبوطة لمدونة النشر والصحافة، أساسا أن القوانين المعتمدة حاليا تجوزت، الأمر الذي يستدعي تغييرها سواء بشكل جزئي أو كلي.
 
وقال إن النقابة ساهمت في اعداد مجموعة من القوانين من خلال مذكرات ومراسلات وضعتها أمام الجهات المعنية وترافعت النقابة أمام جميع الفاعلين سواء احزاب السياسية، أو أمام البرلمان بغرفتيه.

ومن ضمن القضايا التي تطرقت إليها الندوة ما يتعلق بالنظام الأساسي للصحافي المهني، الذي لا يسمح بعقلنة الولوج إلى الصحافة، حيث أن الثغرات التي يتضمنها القانون الجاري به العمل، حالت دون ذلك. وتتثمل هذه الثغرات في صياغة النص نفسه، حيث يخلق نوعا من الغموض بحيث يحتاج تعريف الصحافي المهني إلى مزيد من التدقيق، حتى يكون واقعيا وواضحا.
 
 في نفس السياق، وفي إطار السعي إلى تعديل هذه القوانين، فإن تجربة المجلس الوطني للصحافة في مرحلة التأسيس أبانت عن العديد من الاختلالات القانونية والتي وجب تداركها، وتهم طريقة تشكيله والصلاحيات المخولة إليه وقوة إلزامية القرارات الصادرة عنه. 
 
ومن ضمن الاختلالات طبيعة النظام الانتخابي للمجلس الوطني للصحافة، الذي يمكن اعتباره غير منصف وغير متوازن بالنسبة لفئات الممثلة داخل المجلس، حيث يساوي بين المقاولة التي تشغل أكثر من مائة صحافي وعامل، والمقاولة التي تشغل ثلاثة أشخاص، وهذا غير مقبول، سواء من حيث المسؤولية المهنية أو من حيث التواجد التجاري والتبعات الاقتصادية والتحملات المالية.
 
أما بالنسبة لمسطرة عمل لجنة أخلاقيات الصحافة من داخل المجلس الوطني للصحافة، فإنه يجب إنهاء الإكراهات الحالية، مثل تحريك الشكاية المباشرة من طرف المجلس، باستدعاء مباشر كتابي أو هاتفي، وتقليص مدة تبليغ الشكاية ومدة اتخاذ قرار نهائي فيها، و ضرورة نشر العقوبات بالموقع الرسمي للمجلس، مع إخبار النيابة العامة بالقرارات، في حالة عدم تنفيذ القرارات والأحكام.
 
إن إصلاح قطاع الصحافة يتطلب أيضا ضبط عمل النشر والبث الرقمي لحماية المجتمع من التجاوزات الأخلاقية والتهديدات المحتملة للحريات والكرامة الإنسانية والأمن. ويتطلب الأمر إضافة مقتضيات تتعلق بالنشر والبث الإلكتروني.
 
ومن مخرجات هذا اللقاء، فتح باب النقاش بخصوص القوانين الثلاثة المشار إليها، مع تشخيص الوضع القانوني المؤطر لقطاع الصحافة والنشر بالإضافة والخروج ببدائل واقتراحات في الموضوع من أجل تصحيح الوضع وتجاوز كل ما من شأنه أن يعرقل تطوير ودمقرطة المشهد الإعلامي والصحافي في بلادنا.



في نفس الركن