2022 أغسطس/أوت 22 - تم تعديله في [التاريخ]

ماذا لو اخترعت الكاميرا قبل 1500 عام أو أكثر؟ بقلم / / قاسم حول

الممنوعات والمحرمات في السينما ظاهرة واضحة إسلاميا بامتياز، في وقت تغزو فيه الفضاء قنوات تتسم بأعلى أشكال التجاوز الفكري والفني للقيم الأخلاقية إسلامياً وتراثياً وحاضراً، ما يسهم في تحطيم بناء شخصية المتلقي عربياً وإسلامياً، وتنجز هذه القنوات الفضائية بوعي وقصدية، كل أشكال الخلل الإجتماعي الذي نراه اليوم في مجتمعاتنا، وهي، أي الفضائيات، مجازة قانونياً وأخلاقياً وإسلامياً، ومن المحرمات.. تحريم تصوير الشخصيات المقدسة!



إن تصوير وإظهار الشخصيات القدسية في حياتنا على شاشة السينما شيء يمثل قمة الحرام، وهذا التحريم لا ينفرد فيه المرجع الأزهر في مصر وحده فحسب، بل يسري إلى مرجعيات طائفية أخرى ومنها الطائفة الشيعية في العراق وإيران. 

لقد تحركت الصورة الثابتة على جهاز الكنتوسكوب على يد توماس أديسون عام 1889 وتحركت على شاشة السينما عام 1895.. ماذا سيكون مصير التحريم لو كانت الكاميرا الفوتوغرافية الثابتة ومن ثم السينمائية المتحركة قد اخترعت قبل ألف وخمسمائة عام أو أكثر، وكانت الوثائق السينمائية المتحركة قد تركت لنا أرشيفا سينمائيا عن الحقبة الإسلامية بكل شخصياتها!؟   

حاول المخرج الراحل مصطفى العقاد إظهار شخصية رسول المسلمين "ص" في فيلم الرسالة، فمنع، وتحاشى إظهار شخصية النبي محمد (ص) على الشاشة، وجعلنا نشاهد فيلماً وهمياً أطلق عليه عنوان "الرسالة" ونفس الشيء سعى المخرج الإيراني "مجيد مجيدي" بالمقابل لإيجاد حلول بصرية تعويضية لإظهار شخصية النبي محمد (ص) من خلال ولادته ومرحلة صباه قبل الرسالة، فصور شخصيته "ص" صبياً من الخلف تلاحقه عدسة الكاميرا ومن ثم إظهار ملامحه مبرراً ذلك بأن تلك الصورة بملامحها قد أظهرها قبل نزول الرسالة السماوية.. فإلى أين قادنا هذا الخوف؟

ماذا وجدنا في فيلمين عن شخصية رسول المسلمين (ص)؟!


نحن شاهدنا عشرات الأفلام عن السيد المسيح وشاهدنا السيد المسيح مقدسا ليس في القصة والواقع التاريخي فحسب، بل شاهدناه مقدساً على الشاشة أيضاً، وتتمثل تلك القدسية في حقيقتين، الحقيقة الأولى هي أظهار شخصية السيد المسيح عبر زوايا وعدسات وحركة كاميرا وضمن إنارة تضفي على شخصية السيد المسيح القدسية وتفرض الإحترام على المتلقي، والحقيقة الثانية، أن أهم تلك الأفلام لا يسند فيها دور السيد المسيح إلى ممثل سبق وأن لعب أدوراً في السينما وفي التلفزيون وحتى في المسرح كما ويمنع من التمثيل في أي فيلم لاحق حتى لا تحصل الإساءة إلى شخص السيد المسيح من خلال تلك الأدوار. والعالم المسيحي يحتفل كل عام في أعياد الميلاد ورأس السنة ونحن نحتفي ونحتفل بالسيد المسيح في بيوتنا ونراه بيننا نسمعه ونسمع كلماته صورة وصوتاً في سوق الخضار وهو يحاور جند القيصر ويحاور الفلاحين المزارعين بالقول "أعطو لجند القيصر نقودكم التي عليها صورة القيصر كضريبة، وعودوا إلى مزارعكم وكلوا منها، "فما لله لله وما لقيصر لقيصر" نرى السيد المسيح يعيش بيننا في ذكرى ميلاده وميلاد النبوة ونحبه كثيرا شكلا ومضمونا.. ويشاهده كافة المسيحيين في كل أوربا ويشاهده أيضا كافة المسلمين في أوربا، والذين يقدرون بالملايين، ويدخل الفيلم الفرحة في ذواتهم!

عندما عدت إلى العراق بعد زوال الكارثة الدكتاتورية المريضة عن أرض العراق، شاهدت سبعاً وخمسين قناة فضائية هدمت مجتمعاً كان نبيلا يوما ما.. وترعى هذه الفضائيات مؤسسات دينية ومؤسسات إسلامية ليبرالية .. فماذا شاهدنا على الشاشة وفق هذه المحرمات؟.. شاهدنا الفيلمين عن الرسول محمد (ص) الأول هو فيلم "الرسالة" لمصطفى العقاد.. وهو فيلم لم يثر إعجابي ولم يستفز مشاعري السينمائية إيجاباً، لأنني شاهدت فيلماً عن الرسول محمد "ص" "ولم أشاهد الرسول" الذي كان يمكن أن يظهر بقدسية عالية من خلال زوايا الكاميرا والضوء وحركة الكاميرا وكل المؤثرات البصرية والصوتية.. لم أكن معجباً بفيلم الرسالة فهو لا يحتوي ملامح الشخصية الإسلامية بل بدا لي الفيلم شخوصاً تعتلي الجمال والخيول، وترتدي الملابس الثقيلة حاملة سيوفها لتفرض شروطها الإسلامية على البشرية دونما تحليل للواقع الإسلامي ولطبعية الصراع في الحقبة الإسلامية.. وحين شاهدت فيلم "محمد رسول الله" للمخرج الإيراني مجيد مجيدي، فإنني شاهدت فيلماً إفتقد إلى حقيقة ملامح الشخصية الإسلامية.. إن كل ملابس وإكسسوارات الأفلام الأسلامية تطوق الممثلين بثقل القماش وتحول دون إنسيابية حركة الممثل فهو، أي الممثل، وكأنه داخل في أكياس ثقيلة تحول حتى دون القدرة على إعتلاء ظهر الفرس والجمل.

وفي وقت غابت فيه شخصية الرسول محمد (ص) عن الشاشة وبالضرورة عن عين المتلقي وتحولت إلى عصا "عكازة" أحيانا وإلى "وجه ناقة" حينا آخر، بدلا من وجه الرسول وبالطريقة التي لا تفقد قدسيتها في فيلم "الرسالة"، فإننا شاهدنا في الفيلم الإيراني "محمد رسول الله" لمجيد مجيدي شخصية الرسول محمد (ص) صبيا من الخلف بشعر أسود سلس يغطي جل ظهره وبثوب أبيض أنيق وهو يركض بين الصخور أو يتوقف بينها على التلال.. لقد إختار المخرج صبياً أو طفلا من أحد البيوت الإيرانية المترفة أو ربما من أقرباء المخرج وربما من أولاده، ليمثل دور الرسول في صباه!!

إن حقيقة رسول الله للمسلمين، هو طفل من البادية العربية من الشمس اللافحة من الرمال المتحركة من جفاف الطبيعة من ضوء الشمس وحرقتها بملابس لا يوجد يومها مؤسسات لخياطة موديلات الملابس للمسلمين فهو كما أتصوره أسمر البشرة حاد الملامج أسود العينين كث الشعر.. طفل لفحته شمس البادية والجزيرة فنما بين أهلة بسيطاً وعظيماً وجميلا ومتميزاً في جماله.. ظهر الصبي في الفيلم الإيراني يركض بصورة الرسول محمد والهواء يعبث بشعره السلس الأسود ودشداشته البيضاء المتقنة الصنع!!

كل هذه الصيغ السينمائية يصنعها الخوف.. سؤالي حين ظهر الرسول محمد للبشرية.. ألم يشاهده الناس؟ أولم يتحدث معهم؟ ألم يتلو عليهم الآيات السماوية.. ألم يأكل التمر ويشرب حليب الناقة وينمو بين الناس من طفولته إلى صباه ورجولته! ماذا سيكون موقف المرجعيات الدينية وموقف الأزهر الشريف، لو كانت الكاميرا قد اخترعت في ذلك الزمان ونحن نشاهد كل الأنبياء والرسل والصحابة في أفلام وثائقية متحركة.. فكيف سيحصل المنع؟ ثم ما الفرق بين الناس في ذلك الزمان والذين عاشوا مع أنبيائنا ومع الصحابة وبيننا؟

نحن نوافق أحياناً على اداء ما نطلق عليه التشابيه نلبس الحدادين والسنكرية وباعة العصائر والمبردات، ملابس الشخصيات المقدسة في كربلاء بالعراق ليلعبوا دور الإمام الحسين، ونمنع تصوير الحسين بطريقة أنيقة وجميلة وبأدوات تعبير، فتظهر على الشاشة الفضية مقدسة تخلق الرهبة في وجدان المتلقي.

علينا من خلال السيناريو السينمائي وبالتالي من خلال الفيلم تحليل طبيعة هذه الشخصيات، وكذلك شخصية عبيد الله بن زياد وعمر بن سعد، ونحلل سيكولوجيتهم الطبقية والإجتماعية ونعرض قصورهم والصراع داخل تلك القصور الحاكمة، كل هذا يعتبر من المحرمات، فيما نحن بالمقابل، نرسم صورالأئمة على أقمشة بائسة تمزق عيونهم الساحرة الجمال ريح السموم الساخنة وهي معلقة على أعمدة الكهرباء، ثم نعيد شراءها كي ندفع مزيداً من الأموال، ونرفض أن نظهرهم على شاشة بيضاء هي الأخرى مقدسة لو شئنا أن نجعلها مقدسة وغير مقدسة لو شئنا أن نجعلها غير مقدسة. كل ذلك بسبب الخوف ودافعه من الممنوعات والمحرمات لشخصيات ليست وهماً، إنما هي شخصيات حقيقية كانت تتحدث مع الناس يوماً ما، وتعيش معهم وتنام على وسائد وفرش من وبر الأبل وصنعوا قوانين للحياة في صباحاتهم..

وبسبب هذا الخوف وعدم تحليل الواقع تحليلا موضوعياً، صنعنا من الإسلام فرق الدواعش وفلول القاعدة وعصابات الإرهاب، بل وزودناهم ليس فقط بأسلحة الدمار الشامل وسيوف الحديد بل زودناهم بالكاميرات والحواسيب وبكل وسائل الإعلام التي كان ينبغي أن نستخدمها نحن، لكشف الحقائق الموضوعية في التاريخ، فاستخدموا وسائل العصر الإعلامية التي أوصى بها هرتزل قوم إسرائيل لبناء دولتهم وتهديم بيوتنا وبلداننا الطيبة.

قاسم حول - سينمائي وكاتب عراقي مقيم في هولندا



في نفس الركن