سوفيان بوشكور خبير اقتصادي
العلم الإلكترونية - أنس الشعرة/حوار
تحذر العديد من التقارير الدولية والوطنية من خطر التضخم، وانعكاساته المقلقة على الاقتصاد وتهديد القدرة الشرائية للمواطنين، وضمنَ السياق المغربي، عرف عام 2022، تضخمًا مهولاً وصل إلى 6,6 بالمائة في مستويات غير مسبوقة منذ عقود، ويؤثر هذا أيضا في ارتفاع معدلات البطالة، كما يساهم في تراجع المقاولات المتوسطة والصغرى، لأنشطتها الاقتصادية ولأدائها المالي، ويحد أيضا من نسبة النمو. ومن الحلول التي لجأ إليها بنك المغرب، تشديده لسياسته النقدية لتسهيل عودة التضخم إلى مستويات تنسجم مع هدف استقرار الأسعار، ورفع سعر الفائدة الرئيس ليصل إلى 2,5 بالمائة في نهاية السنة.
تحذر العديد من التقارير الدولية والوطنية من خطر التضخم، وانعكاساته المقلقة على الاقتصاد وتهديد القدرة الشرائية للمواطنين، وضمنَ السياق المغربي، عرف عام 2022، تضخمًا مهولاً وصل إلى 6,6 بالمائة في مستويات غير مسبوقة منذ عقود، ويؤثر هذا أيضا في ارتفاع معدلات البطالة، كما يساهم في تراجع المقاولات المتوسطة والصغرى، لأنشطتها الاقتصادية ولأدائها المالي، ويحد أيضا من نسبة النمو. ومن الحلول التي لجأ إليها بنك المغرب، تشديده لسياسته النقدية لتسهيل عودة التضخم إلى مستويات تنسجم مع هدف استقرار الأسعار، ورفع سعر الفائدة الرئيس ليصل إلى 2,5 بالمائة في نهاية السنة.
وفي سياق عيد العرش المجيد، استقبل صاحب الجلالة الملك محمد السادس، بالقصر الملكي بتطوان، عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، يوم السبت 29 يوليوز 2023 الذي قدم تقريره السنوي للبنك المركزي، حول الوضعية الاقتصادية والنقدية والمالية برسم سنة 2022.
قال والي بنك المغرب، أثناء إلقائه التقرير أمام جلالته، "على غرار معظم دول العالم، لم يسلم المغرب من التصاعد الحاد للضغوط التضخمية الذي ميز السنة، فبعد نسبة لم تتعدَ في المتوسط 1,5 بالمائة خلال العشرين سنة الماضية، بلغ التضخم 6,6 بالمائة في 2022 وهو أعلى مستوى منذ 1992".
وأوضح والي بنك المغرب، أن "التحولات العميقة التي تعرفها الساحة الدولية مع تصاعد الانقسام الجيو-سياسي والسيادة الاقتصادية، وكذا تواتر الظواهر المناخية القاسية وتفاقم الإجهاد المائي، تؤشر على تحديات كبرى سيواجهها المغرب خلال السنوات المقبلة".
بالمقابل، أكد عبد اللطيف الجواهري، أنه على مستوى المبادلات الخارجية، "تواصلت الدينامية المسجلة سنة 2021 مدعومة بالأداء الجيد للمهن العالمية للمغرب ولقطاع الفوسفاط، مبرزا أن مداخيل الأسفار تحسنت إلى مستوى قياسي فيما استمر التدفق الاستثنائي لتحويلات المغاربة المقيمين بالخارج."
وأبرز المتحدث، "رغم هذه الظرفية غير المواتية والمجهود الذي بذلته الدولة لتخفيف وقع ارتفاع الأسعار على الأسر والمقاولات، واستمرت وضعية المالية العمومية في التحسن، حيث تراجع عجز الميزانية إلى 5,2 بالمائة من الناتج الداخلي الإجمالي".
وضمن سياق ارتفاع موجة التضخم غير المسبوقة، قال عبد الحق التهامي، محلل اقتصادي، في تصريحه لـ" العلم"، إن "القدرة الشرائية للمواطنين تنخفض، ويرتفعُ الفقر، في ظل التضخم، لهذا هناك مؤسسات تحاربه مثل مؤسسة بنك المغرب، وكافة الأبناك المركزية في العالم، مؤكدا أن التضخم له أثار سلبية على الاقتصاد وعلى جميع المستويات الكبرى والصغرى،
وأكد، على أن الصدمات الخارجية المتوالية على الاقتصاد المغربي، أكد الخبير الاقتصادي، أنها أضعفت القدرة الشرائية للأسر، بما فيها التضخم، والحرب الروسية الأكرانية، بالإضافة إلى الجفاف، هذه الأزمات متضافرة أضعفت النسيج الاقتصادي الوطني.
ويعد مشكل التضخم مشكلة كبرى، لأنه يؤثر على مختلف الفئات الاجتماعية المغربية، وخاصة الطبقات الوسطى والهشة، والمشتغلين في القطاعات غير المهيكلة أساسا.
في حواره مع العلم سفيان بوشكور يؤكد تأثر الاقتصاد الوطني بالظرفية الدولية المتسمة بـ"اللايقين"
أكد سوفيان بوشكور، خبير في التنمية الترابية، وأستاذ الاقتصاد بكلية الحقوق بوجدة، لـ "العلم"، أن الحرب الروسية الأوكرانية جاءت بأزمات طاقية وغذائية غير مسبوقة، الأمر الذي أدى إلى اضطراب في الامدادات وتضرر اقتصاد العالمي بتراجع نسب النمو من 6,3 بالمائة سنة 2021 إلى 3,4بالمائة سنة 2022.
وأشار، إلى أن إلى التغيرات المناخية وارتفاع درجة الحرارة وتوالي سنوات الجفاف، ساهمت في إيقاف الدينامية الاقتصادية للمغرب وكبح النمو المسجل لنسيجها الاقتصادي، مضيفًا أن ارتفاع الأسعار يساهم في تقليص القدرة الشرائية للمستهلك ويعمل على خفض الطلب الموجه للنسيج الاقتصادي.
1- بتقديركم؛ كيفَ أثرت الحرب الروسية الاوكرانية على الاقتصاد الوطني؟
في الواقع، على المستوى الدولي، تسببت الحرب الروسية الأوكرانية في أزمات طاقية غذائية غير مسبوقة، كون الدولتين من أكبر المصدرين للطاقة والقمح بالعالم، وأد النزاع بينهما إلى تموقعات جيو -استراتيجية جديدة، وهو الأمر الذي أدى إلى اضطراب في الامدادات وتضرر اقتصاد العالمي بتراجع نسب النمو من 6,3 بالمائة سنة 2021 إلى 3,4بالمائة سنة 2022.
كما ساهمت الحرب في اضطراب سلاسل الإمدادات، وهو ما أدى إلى ارتفاع المستوى العام للأسعار، أو ما يعرف بالتضخم الذي بلغ نسبة 8 بالمائة بالولايات الامريكية و8,4 بالمائة بمنطقة الأورو، الشريك الاقتصادي الأول للمملكة المغربية.
وبسبب العوامل السالفة الذكر، بالإضافة إلى التغيرات المناخية وارتفاع درجة الحرارة وتوالي سنوات الجفاف، ساهمت في إيقاف الدينامية الاقتصادية للمغرب وكبح النمو المسجل لنسيجها الاقتصادي. فالمغرب سجل نسبة نمو مهمة سنة 2021 بلغت 7,9 بالمائة بفضل التدابير الاقتصادية والمالية والاجتماعية، التي اتخذتها الحكومة بتوجيهات ملكية سامية لتخفيف إثر كوفيد- 19، وتمكن من الخروج معافا وحقق نتائج مهمة سرعان ما تهاوت بعد الحرب الروسية الأوكرانية وتوالي سنوات الجفاف الأصعب منذ 40 سنة. إذ تأثر الاقتصاد المغربي بالظرفية الدولية المتسمة بـ"اللايقين" وتراجعت نسبة النمو خلال سنة 2022 إلى 1,3 بالمائة بعد تراجع القيمة المضافة الفلاحية بـ 12,9 بالمائة وتراجع القيمة المضافة غير الفلاحية بـ 3بالمائة.
ومن جهة أخرى لم يسلم سوق الشغل من تداعيات الأزمة الدولية وتأثيراتها على الاقتصاد الوطني، وهو ما يفسر فقدان سوق الشغل لحوالي 24 ألف منصب وارتفاع معدل البطالة الوطني ليبلغ 12,3بالمائة، مقابل 11,9بالمائة سنة 2020. وحسب تقرير المؤشرات الاجتماعية لسنة 2202، الصادر عن لمندوبية السامية للتخطيط، بلغ عدد العاطلين عن العمل إلى 1,5 مليون، وبلغت نسبة حاملي الشهادات 19,6بالمائة.
2- إلى أي حد ساهمت موجة التضخم العالمي من التأثير على الاقتصاد الوطني؟
التضخم هو الارتفاع العام في مستوى الأسعار، وهو ما يتجلى من خلال نفس كمية النقود، خلال المدة التي لم تعد تمكن المستهلك من شراء نفس كمية السلع مقارنة مع فترة زمنية سابقة، مثلا 100 درهم لم يعد المواطن يشتري بها نفس كمية الخضر كما كان في السابق، فاليوم صارت أقل بكثير.
وعندما ترتفع أسعار كل المنتجات والسلع، نتحدث إذن عن التضخم. وهو ما نسجله اليوم بالمغرب بعد الارتفاع العام لأثمنة الخضر والفواكه وكل السلع الأخرى، على غرار الدول الأوروبية وحتى المتقدمة منها كبريطانيا وفرنسا.
ونستحضر في هذا الإطار منتصف السنة الماضية، حيث بلغت فيه نسبة التضخم 8.3 بالمائة في أروبا و8.5بالمائة في مصر و7.5 بالمائة في السنغال، على سبيل المقارنة لا القياس، تمكن المغرب في التحكم في نسبة التضخم في حدود 5.8بالمائة خلال 8 أشهر الأولى من سنة 2022، بفضل دعم القطاعات الإنتاجية بـ 40 مليار درهم ودعم القدرة الشرائية، وتوقع قانون مالية 2023 أن يصل التضخم لمعدل 2 بالمائة، وذلك بعد تدابير السياسة النقدية بالمغرب كرفع سعر الفائدة الرئيس في مناسبتين بعد الزيادة الأولى مرورا من 2.5 بالمائة إلى 3 بالمائة، إلا أنه وبعد مرور أشهر قليلة ارتفع مستوى التضخم حسب المندوبية السامية للتخطيط إلى 10بالمائة.
وفي تقديري، فإن السبب الرئيس وراء ارتفاع الأسعار في البداية، كانَ خارجيا من خلال: أزمة كوفيد-19، والحرب الروسية الأوكرانية، أما اليوم مع استمرار ارتفاع أسعار المنتوجات الأساسية كالطماطم والبصل وجميع الخضر والفواكه، أصبح أصل الزيادة في الأسعار داخلي، مرتبط بتزويد الأسواق وندرة المنتجات الأساسية، نتاج شح الأمطار والتغيرات المناخية وقلة الماء الموجه خلال السنة الاخيرة للتزود بالماء الشروب كأولوية.
ونسجل اليوم بارتياح الانخفاض التدريجي في أثمنة السلع الأساسية، وهو نتاج التدابير الحكومية المتخذة من أجل حماية القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين، وكذلك حماية الاقتصاد الوطني. فارتفاع الأسعار يساهم في تقليص القدرة الشرائية للمستهلك وانخفاض الطلب الموجه للنسيج الاقتصادي. وعليه، تحسب للحكومة التي اتخذت بفضل التعليمات الملكية، تدابير تدعم المنتوجات الأساسية كالدقيق والسكر ودعم مهني النقل، الامر الذي ساهم في التخفيف من حدة التضخم على الأسر المغربية التي نسيد كذلك بصبرها بحسها المواطناتي.
3- كيف عملت الصدمات الخارجية منذ 2022 على إضعاف النسيج الاقتصادي الوطني وزيادة هشاشة الساكنة؟
في الحقيقة؛ لدي مقاربة مختلفة نوعا ما في الإجابة عن سؤالكم هذا، إذ اعتبر تلك الصدمات الخارجية فرص سانحة لتعزيز المغرب لتموقعه الدولي، مشفوعا بما حققته بعض القطاعات المنتجة كالمهن العالمية للمغرب، نتحدث عن قطاع السيارات والطائرات، والفوسفاط ومشتقاته، وهذه من النتائج الإيجابية في ظل الأزمات الدولية المتراكمة.
صحيح، لقد تضرر النسيج الاقتصادي الوطني كما سبقت الإشارة لذلك، لكن بالمقابل، ارتفعت صادرات المغرب بـ30,1بالمائة، ومداخيل الأسفار بـ 93,6 مليار درهم، وتحويلات مغاربة العالم لتصل حجم 110,7 مليار درهم.
وفي ظل حالة اللايقين على الصعيد الدولي، وما نتج من تحولات سياسية واقتصادية وجيو-استراتيجية عالمية؛ شكل المغرب الاستثناء وراكم حصيلة إيجابية بعد سلسلة من الأزمات:
- الأزمة العالمية المالية لسنة 2008؛
- أزمة كوفيد 19- وتداعيات الاقتصادية والاجتماعية؛
- الحرب الروسية الّاوكرانية وتأثيراتها على الأسعار ومستويات التضخم.
وإضافة للرصيد الايجابي، تمكن المغرب من تحويل الإكراهات لفرص حقيقية للتنمية المستدامة بالبلاد. ومع الوضع العالمي الحالي تتموقع الصين وحلفاءها مع روسيا، واصطفاف أمريكا وأوروبا مع أوكرانيا، وتحويل الحرب الباردة إلى حرب علنية اقتصادية وتجارية ورقمية وعسكرية؛ مجالات ترابية دولية (أوروبا) فقدت وستفقد ميزاتها النسبية "ses "avantages comparatifs، لصالح الدول الأكثر أمنا وأمانا واستقرارا، بل الأكثر جاهزية من حيث البنيات التحتية، واليد العاملة المؤهلة وبقربها الجغرافي.
وفي هذا السياق، بلدنا المغرب مرشح بقوة كي يشكل قاعدة بديلة، ليس فقط بفضل ما حققه من منجزات في مختلف المجالات، من بنيات تحتية واقتصادية وأوراش اجتماعية وبيئية، بل بفضل توفر المغرب على رؤية استراتيجية تبناها جلالة الملك محمد السادس نصره الله من خلال النموذج التنموي الجديد، ومن خلال حرصه وتوجيهاته المسترسلة والدائمة بهدف تنزيل هذا الورش، وضمان تموقع دولي ذكي ورصين انطلاقا من تكريس وتعزيز ثقة الدول الكبرى في بلدنا وهو ما يتجلى من خلال الديبلوماسية المغربية واستمرار فتح القنصليات والمكاتب الاقتصادية بالصحراء المغربية.
وعموما، بقدر ما مكنت الجائحة والأزمات المتعاقبة من حرب وتغيرات مناخية من ظهور مكامن الخلل، وهشاشة الاقتصاد الوطني، بقدر ما أظهر المغرب مقومات الصمود الاقتصادي. والمغرب جعل من الإكراهات فرصة حقيقية للتنمية المستدامة، بفضل توفره على رؤية استراتيجية هادفة لتحقيق السيادة الوطنيةـ في مختلف ابعادها الطاقية (تقليص التبعية الطاقية والاستثمار في الطاقات المتجددة والهيدروجين الأخضر)، والمائية والغذائية (تقليص التبعية للتقلبات المناخية، من خلال تحلية مياه البحر واستمرار بناء السدود الكبرى).