2024 يناير 11 - تم تعديله في [التاريخ]

قفزة نوعية في مسار النضال الوطني: من مطالب الشعب المغربي المطالبة بالاستقلال والوحدة الترابية


الافـتتاحية


عَبَرَت الحركة الوطنية مسارات النضال منذ تأسيسها، من كتلة العمل الوطني، إلى الحزب الوطني لتحقيق المطالب إلى حزب الاستقلال، رافعةً ثلاث رايات هي مطالب الشعب المغربي في سنة  1934، والمطالب المستعجلة في سنة 1936، والمطالبة باستقلال المغرب ووحدة ترابه بقيادة العرش وفي النظام السياسي الديمقراطي في 11 يناير سنة 1944، التي مهدت السبل لتحرير البلاد وإعلان استقلالها في 18 نوفمبر سنة 1955، بعد ثلاثة أيام من عودة جلالة الملك محمد الخامس، قدس الله روحه وأكرم مثواه، من المنفى في 16 نوفمبر سنة 1955. 

وبين المسار الأول والمسار الثالث الذي تحل اليوم ذكراه الثمانون، عقد واحد كان حافلاً بجلائل التضحيات وعظائم المعارك السياسية التي خاضتها الحركة الوطنية عبر المراحل العصيبة التي سجلها تاريخ المغرب خلال العقود الثلاث الحاسمة.

لقد كان تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال إلى القصر الملكي في يوم الثلاثاء الحادي عشر من يناير  سنة 1944، ثم في اليوم نفسه إلى الإقامة العامة للحماية الفرنسية السلطة القائمة بالاستعمار، وإلى القنصليتين الإنجليزية والأمريكية بالرباط، تطوراً حاسماً  ارتقى إلى قفزة نوعية في النضال الوطني  بقيادة كتلة العمل الوطني، في المرحلة الأولى، والحزب الوطني لتحقيق المطالب في المرحلة الثانية، وحزب الاستقلال في المرحلة الثالثة التي تعد، وبكل المقاييس التاريخية والسياسية، المرحلةَ المفصليةَ التي انطلقت خلالها المعركة الكبرى الحاسمة من أجل التحرير والاستقلال، والتي استغرقت إحدى وثلاثين سنة كانت الأشد ضراوةً والأعنف احتداماً بين سلطات الحماية الاستعمارية و القصر الذي تحول إلى قلعة حصينة للصمود والتحدي  من جهة، وبين الحركة الوطنية بزعامة حزب الاستقلال وبقيادته من جهة أخرى.

فلم تأتِ وثيقة المطالبة بالاستقلال حدثاً منفصلاً عن التيار الوطني الذي أسسه ويتزعمه حزب الاستقلال منذ أن كان كتلةً للعمل الوطني، ثم حزباً وطنياً، وإنما  هي نتيجة طبيعية لتراكم سلسلة من النضالات السياسية التي قادها  هذا الحزب الذي صنع الحدث التاريخي العظيم الذي زعزع الأرض من تحت أقدام دهاقنة الاستعمار في الإقامة العامة للحماية الفرنسية.

وتعكس الحيثيات العشر التي هي بمثابة التمهيد للمطالبة بالاستقلال، الأسباب والعوامل التي أدت لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، ومنها أن الدولة المغربية تمتعت دائماً بحريتها وسيادتها الوطنية، وحافظت على استقلالها ثلاثة عشر قرناً، إلى أن فرض عليها نظام الحماية في ظروف خاصة. 

ثم تخلص حيثية أخرى إلى أن سلطات الحماية بدلت هذا النظام بنظام مبني على الحكم المباشر، والاستبداد لفائدة الجالية الفرنسية، التي توصلت بهذا النظام إلى الاستحواذ  على مقاليد الأمور واحتكرت خيرات البلاد دون أصحابها. وهي مبررات مقنعة لفساد نظام الحماية وللإطاحة به ولتجاوز معاهدة 30 مارس سنة 1912، التي فرضت على السلطان مولاي عبد الحفيظ ابن السلطان مولاي الحسن الأول وعم السلطان سيدي محمد بن يوسف جلالة الملك محمد الخامس.

إن حزب الاستقلال الذي حرر وثيقة المطالبة بالاستقلال وحمل مسؤولية تقديمها وعانى جراء مبادرته التاريخية تلك، أشد أنواع المعاناة، كان حريصاً على الربط بين الاستقلال ووحدة التراب المغربي، وبينهما وسيادة العرش وقيادة جلالة الملك للبلاد وإقامة نظام سياسي ديمقراطي. وهي المتلازمة التي تشكل عقيدة الحزب والقاعدة الراسخة لمبادئه وثوابته وأدبياته وتراثه الوطني النضالي الذي يتوارثه قادته جيلاً بعد جيل.

فالإستقلال لا يمكن فصله عن الوحدة الترابية للمغرب، ولا عن النظام الملكي الذي يجمع بين مختلف عناصر شعبنا، ولا عن الاختيار الديمقراطي  الذي  رسخه الدستور. 

ومن هذا المنظور  نحتفل بالذكرى الثمانين لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال الحدث التاريخي العظيم الذي صنعه حزب الاستقلال، من أجل تحرير المغرب واستقلاله والحفاظ على وحدة أراضيه في ظل العرش القائد الجامع  والموحد للبلاد.



في نفس الركن