العلم الإلكترونية - محمد الحبيب هويدي
في زمن تشتد فيه الحاجة إلى ترسيخ مبادئ العدالة وتعزيز الثقة في المؤسسات القضائية، التأم عشرات القضاة من مختلف أرجاء القارة الإفريقية بمدينة الدار البيضاء، ضمن فعاليات مؤتمر المجموعة الإفريقية للاتحاد الدولي للقضاة. مناسبة تحمل أبعادًا تتجاوز الطابع المهني البحت، لتلامس جوهر المشروع الإفريقي المشترك في بناء أنظمة قضائية قوية وفعالة.
تحت شعار "من أجل قضاء إفريقي مستقل"، ناقش المشاركون التحديات التي تعيق استقلال القضاء، وتداولوا حول سبل تحصين القاضي من التأثيرات التي قد تمس بحياده، باعتبار أن استقلالية القاضي هي الأساس الحقيقي لضمان حقوق المتقاضين وتكريس المحاكمة العادلة. وفي هذا السياق، شدد محمد رضوان، رئيس الودادية الحسنية للقضاة، على أن القارة تواجه اليوم لحظة مفصلية تتطلب مراجعة عميقة للأنظمة القانونية بما يواكب تطلعات الشعوب نحو الإنصاف وسيادة القانون.
المؤتمر لم يكن مجرد لقاء تقني، بل أتى في سياق يتقاطع فيه القضائي مع السياسي والتنموي، خاصة في ظل المبادرة الملكية التي أطلقها الملك محمد السادس لبناء تكتل أطلسي إفريقي. هذه المبادرة، التي وصفها رئيس الودادية بكونها منصة استراتيجية للتعاون جنوب-جنوب، يمكن أن تفتح المجال لتأسيس شراكات قضائية ومؤسساتية من شأنها أن تعزز ثقافة حقوق الإنسان وتوسع من دائرة العدالة لتشمل مجتمعات لا تزال تعاني من هشاشة مؤسساتها.
اللقاء شهد مشاركة قضائية وازنة من مختلف الدول الإفريقية، بما يعكس إرادة جماعية لتوحيد الجهود وبناء مرجعيات مشتركة في قضايا العدالة، خصوصًا في ظل التحديات العابرة للحدود مثل مكافحة الفساد، حماية استقلال المحاكم، وتأمين ولوج المواطنين إلى العدالة بشكل منصف وفعال.
في العمق، يعكس هذا المؤتمر وعياً متزايدًا لدى النخب القضائية الإفريقية بضرورة الخروج من النطاق الوطني الضيق والانفتاح على تجارب الشراكة الإقليمية، حيث لم تعد العدالة ترفاً مؤسساتياً، بل شرطًا حاسمًا لتحقيق التنمية الشاملة.