العلم الإلكترونية - الرباط
عادت قضية ممارسة السيادة الوطنية إلى واجهة الاهتمام موازاة مع الكارثة العظمى التي حلت بالشعب المغربي عقب الزلزال المدمر الذي ضرب مساحات شاسعة من التراب الوطني، وخلف خسائر مادية وبشريةً فادحة وصدمة نفسية عميقة لدى فئات كثيرة من الشعب المغربي، خصوصا عائلات و أقارب الضحايا و المصابين و المتضررين.
عادت قضية ممارسة السيادة الوطنية إلى واجهة الاهتمام موازاة مع الكارثة العظمى التي حلت بالشعب المغربي عقب الزلزال المدمر الذي ضرب مساحات شاسعة من التراب الوطني، وخلف خسائر مادية وبشريةً فادحة وصدمة نفسية عميقة لدى فئات كثيرة من الشعب المغربي، خصوصا عائلات و أقارب الضحايا و المصابين و المتضررين.
وفي الواقع فإن التوقيت لا يعتبر مناسبا لمناقشة قضية السيادة الوطنية في هذه الظروف الدقيقة والصعبة التي يجتازها الشعب المغربي ، بل كان من المنطقي ، بل من الواجب ، حصر كل الاهتمام و تركيز العمل و الاشتغال على سبل إجلاء العالقين تحت الأنقاض و إسعاف المصابين و فك العزلة عن الضحايا الذين عزلهم الزلزال عن العالم و إمداد الضحايا بالمواد الغذائية و إيواء المشردين منهم و تقديم جميع أشكال الدعم النفسي للسكان بصفة عامة و للأطفال و لذوي الاحتياجات الخاصة بصفة أخص ، و دراسة و مناقشة إمكانيات إعادة الأوضاع إلى طبيعتها على المدى المتوسط من خلال الإعمار و التأهيل .
وإذا كانت الغالبية من الاهتمامات في الداخل و في الخارج ركزت على هذه القضايا ، و حصرت كل انشغالاتها في تجسيد قيم التضامن و المساعدة ، فإن آخرين ، في الخارج بالخصوص، اختاروا النأي بالمأساة عن طبيعتها الإنسانية الصرفة إلى قضية سياسية بحتة في حزمة خلافات سياسية لا علاقة لها بالقضية الجوهرية التي تقتصر حاليا وفي هذه الظروف على كارثة الزلزال.
وهكذا ، فقد نظر البعض إلى الكارثة باعتبارها فرصة مناسبة لتصفية حسابات سياسية، أو لإعادة التوازنات السياسية المختلة ، و تم الركوب على قضية المساعدات الإنسانية التي عرضتها مجموعة من الدول و المنظمات الدولية ، خصوصا من طرف بعض الأوساط السياسية الرسمية في فرنسا و تطوعت كثير من وسائل الإعلام الفرنسية لتلعب دور الأداة الطيعة في أيادي الأوساط السياسية الفرنسية الرسمية .
إننا نجهر بالقول بهذه المناسبة جوابا عن كثير من اللغط الفارغ الذي حاول أن يحتل مساحات الاهتمام ، بأن لحظات تدبير الأزمات الحادة و الصعبة تعتبر ظروفا طارئة مناسبة لإعمال مبدإ السيادة الوطنية ، التي تغير مفهومها الضيق من إطار جغرافي ترابي محدود و محدد ، إلى المجالات التي تشمل الاختيارات و السياسات الوطنية و الخارجية للدول ، و لمواقف مؤسساتها من القضايا الدولية و الإقليمية ، و لمؤهلاتها الاقتصادية و الاجتماعية كالتي تحقق استقلال القرار الوطني عن أية ضغوطات أو اعتبارات خارجية . كما أن تطور مفهوم السيادة الوطنية ، محا محوا كاملا الممارسات التقليدية في النظام العالمي ، من استعمار و احتلال و إخضاع الدول و إكراهها بالقوة و إجبارها على الامتثال لقرارات أو مواقف أو توجهات معينة .
هذا ما لم يستوعبه البعض ، هناك تحديدا في بلاد الثورة الفرنسية، ومصرين على إعمال المقاربة التقليدية للسيادة الوطنية ، و هذا ما يتجلى بوضوح و باستغراب كبير جدا في ردود الفعل المتشنجة و الحقودة على القرار المغربي و يتأكد أيضا في توجيه الرئيس الفرنسي خطابا للشعب المغربي، في سابقة لم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلا ولا نظيرا. بما يعتبر تطاولا على السيادة الوطنية وتدخلا مباشرا في شؤون المغاربة وانفلاتا خطيرا عن القواعد المنظمة للعلاقات الدولية. لأن الرئيس ماكرون من صلاحياته مخاطبة شعب واحد في العالم، هو الشعب الفرنسي، وليس أي شعب آخر في العالم.
اليوم حينما تقدر السلطات المغربية أنها ليست في حاجة إلى مساعدات دولية من حكومات صديقة و شقيقة و من منظمات دولية لمواجهة آثار الزلزال الذي ضرب عمق المغرب ، فإنها ترى أن هذه البلاد قادرة على تدبير هذه اللحظة الصعبة بما تملكه و تتوفر عليه من إمكانيات بشرية و مادية وتقنية. وأن الوضع بداية كان يستوجب إنجاز تقييم موضوعي ودقيق للاحتياجات في ضوء ما خلفه الزلزال من دمار .و أن الأمر هنا ، كان و لا يزال، يتعلق بقرار سيادي غير موجه ضد أحد، ولا يقصد به أي دولة معينة .لأن أكثر من 60 جهة من حكومات دول ومنظمات دولية وغير حكومية اقترحت على المغرب تقديم المساعدات ، و من العبث التجاوب التلقائي مع هذا الحجم الهائل من العروض الذي يبين حجم المغرب و وزنه على المستوى الدولي و جودة علاقاته مع مجمل دول العالم ، بل الأمر كان يتطلب تريثا و دراسة و تقييما ، و إلا تحول الأمر إلى عبث و فوضى ، بل وفتنة .لذلك من صلب القرار السيادي أن يمارس المغرب هذه الصلاحيات .
وهذا ما تأكد فعلا بعد أيام قليلة جدا من حدوث الكارثة، حيث وقعت تعبئة وطنية شاملة شاركت فيها جميع أجهزة الدولة من مدنية وعسكرية ومجتمع مدني بقيادة جلالة الملك محمد السادس، ونجح المغرب في التعامل مع الكارثة بمنسوب عال من التفوق والنجاح، واتضح فعلا أنه لم يكن في حاجة ملحة إلى الكثير مما عرض عليه من مساعدات دولية، وبكثير من الواقعية قدر المغرب أن هناك مناطق أخرى في العالم أكثر حاجة منه إليها.
هذا الاستقلال الوطني فيما يتعلق بسيادة القرار الوطني لم يرق بعض الأطراف ، هذا ليس مشكل المغاربة ، بل هو تجسيد فعلي لعقدة ذاك الطرف مما يراكمه المغرب من مكتسبات كبيرة، في تصريف قراراته السيادية الوطنية على المستويات كافة. وتمثل حقيقي للإهانة التي شعر بها من تصرف الشعب المغربي مع ما عرضه مما يبدو عسلا، لكن يعلم الله وحده ما بداخل الإناء. وعكست الحملة الإعلامية المعادية للمغرب، التي استخدمت فيها بعض الأوساط الرسمية الفرنسية وسائل إعلام قبلت عن طواعية أو مكرهة بالقيام بدور حمالة الحطب في هذه العملية، حدة الشعور بالإهانة، وقوة الصدمة التي أصابتها من جراء ما قد يعتبرونه (تمردا لدولة تابعة وموالية، ليست قادرة على ممارسة قراراتها السيادية الوطنية بمنأى عن الإملاءات الخارجية، الفرنسية بالتحديد منها).
لا نملك إلا أن نعبر عن آسانا وأسفنا لما آلت إليه أوضاع وأحوال بلاد الثورة الفرنسية ومنبت العلماء والأدباء والمفكرين والساسة العظام الذين سيظل التاريخ الإنساني مدينا لهم بفضل ما أسدوه للبشرية جمعاء من خدمات جليلة وعظيمة.
أما نحن هنا في المغرب، فإننا منشغلون بقضايانا الداخلية وبالرهان على النجاح في مواجهة التحديات الكبرى التي تنتظرنا في مسار البناء التنموي والديموقراطي في ظل الاستقرار العام الذي لن تنفع مختلف أشكال المؤامرات في المساس به.