2024 شتنبر 5 - تم تعديله في [التاريخ]

في‭ ‬ضوء‭ ‬الرؤية‭ ‬الملكية‭:‬ هندسة‭ ‬العلاقات‭ ‬المغربية‭ ‬الأفريقية‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬القوة‭ ‬المانعة‭ ‬و‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الناعمة


العلم الإلكترونية - الرباط 

يشكل‭ ‬التحولان‭ ‬اللذان‭ ‬وقع‭ ‬أولهما‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬2007‭ ‬وثانيهما‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬2016‭ ‬،‭ ‬الأساسَ‭ ‬الراسخَ‭ ‬الذي‭ ‬انبنت‭ ‬عليه‭ ‬هندسة‭ ‬العلاقات‭ ‬المغربية‭ ‬الأفريقية‭ ‬،‭ ‬في‭ ‬طورها‭ ‬الجديد‭ ‬،‭ ‬بقيادة‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬،‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬و‭ ‬أيده‭ . ‬فالتحول‭ ‬الأول‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬مقترح‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬في‭ ‬الصحراء‭ ‬المغربية‭ ‬،‭ ‬الذي‭ ‬تقدمت‭ ‬به‭ ‬المملكة‭ ‬المغربية‭ ‬إلى‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬2007‭ ‬،‭ ‬بينما‭ ‬يتمثل‭ ‬التحول‭ ‬الثاني‭ ‬في‭ ‬إعلان‭ ‬المغرب‭ ‬يوم‭ ‬17‭ ‬يوليوز‭ ‬سنة‭ ‬2016‭ ‬عن‭ ‬قراره‭ ‬بالعودة‭ ‬إلى‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأفريقي‭ ‬،‭ ‬بعدما‭ ‬انسحب‭ ‬من‭ ‬سلفه‭ ‬منظمة‭ ‬الوحدة‭ ‬الأفريقية‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬1984‭ ‬،‭ ‬احتجاجاً‭ ‬على‭ ‬قبول‭ ‬عضوية‭ ‬الجمهورية‭ ‬الوهمية‭ ‬ممثلةً‭ ‬لجبهة‭ ‬البوليساريو‭ ‬الإنفصالية‭ . ‬و‭ ‬شكل‭ ‬الحدثان‭ ‬معاً‭ ‬أرضيةً‭ ‬صلبةً‭ ‬لانطلاق‭ ‬زيارات‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬،‭ ‬نصره‭ ‬الله‭ ‬،‭ ‬لعدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأفريقية‭ ‬،‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬أولاها‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬2014‭ ‬،‭ ‬ثم‭ ‬توالت‭ ‬في‭ ‬الفترات‭ ‬اللاحقة‭ ‬،‭ ‬حتى‭ ‬شملت‭ ‬الزيارات‭ ‬الملكية‭ ‬خمسين‭ ‬بلداً‭ ‬أفريقياً‭ ‬،‭ ‬في‭ ‬مبادرة‭ ‬هي‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬نوعها‭ ‬،‭ ‬لا‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الأفريقي‭ ‬فحسب‭ ‬،‭ ‬و‭ ‬إنما‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الدولي‭ ‬،‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬يسبق‭ ‬لرئيس‭ ‬دولة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العصر‭ ‬،‭ ‬أن‭ ‬زار‭ ‬،‭ ‬وفي‭ ‬فترات‭ ‬متقاربة‭ ‬،‭ ‬هذا‭ ‬العدد‭ ‬غير‭ ‬المسبوق‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬،‭ ‬وفي‭ ‬قارة‭ ‬واحدة‭ .‬
 
لقد‭ ‬كانت‭ ‬الجولات‭ ‬الواسعة‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬،‭ ‬وفقه‭ ‬الله‭ ‬،‭ ‬للبلدان‭ ‬الأفريقية‭ ‬،‭ ‬بمثابة‭ ‬القاعدة‭ ‬المتينة‭ ‬لتطوير‭ ‬العلاقات‭ ‬المغربية‭ ‬الأفريقية‭ ‬،‭ ‬أطلق‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬إطارها‭ ‬،‭ ‬مشاريع‭ ‬مهيكلة‭ ‬،‭ ‬ساهم‭ ‬فيها‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬المغربي‭ ‬،‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬البنوك‭ ‬و‭ ‬التأمينات‭ ‬والاتصالات‭ ‬و‭ ‬الفلاحة‭ ‬والأسمدة‭ ‬و‭ ‬العقار‭ ‬و‭ ‬الطيران‭ ‬و‭ ‬غيرها‭ . ‬وتميزت‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬من‭ ‬التطوير‭ ‬الحديث‭ ‬للعلاقات‭ ‬المغربية‭ ‬الأفريقية‭ ‬،‭ ‬بإلغاء‭ ‬ديون‭ ‬عدة‭ ‬دول‭ ‬فقيرة‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬السداد‭ ‬،‭ ‬مما‭ ‬فتح‭ ‬المجال‭ ‬واسعاً‭ ‬أمام‭ ‬المغرب‭ ‬لتوطيد‭ ‬حضوره‭ ‬الفاعل‭ ‬و‭ ‬المؤثر‭ ‬في‭ ‬أفريقيا‭ ‬،‭ ‬حتى‭ ‬صار‭ ‬اليوم‭ ‬أول‭ ‬مستثمر‭ ‬أفريقي‭ ‬في‭ ‬أفريقيا‭ ‬الغربية‭ ‬،‭ ‬و‭ ‬ثاني‭ ‬مستثمر‭ ‬أفريقي‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬،‭ ‬بعد‭ ‬جنوب‭ ‬أفريقيا‭ .‬
لقد‭ ‬أقام‭ ‬المغرب‭ ‬هندسة‭ ‬علاقاته‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬الأفريقية‭ ‬،‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬توجه‭ ‬شراكات‭ ‬جنوب‭ ‬جنوب‭ ‬،‭ ‬في‭ ‬قطاعات‭ ‬واعدة‭ ‬،‭ ‬كالطاقة‭ ‬والعقار‭ ‬وتثمين‭ ‬الفلاحة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إنشائه‭ ‬لوحدات‭ ‬تصنيع‭ ‬الأسمدة‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬القارة‭ . ‬وحسب‭ ‬الأرقام‭ ‬الرسمية‭ ‬،‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬الفترة‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬جائحة‭ ‬كوفيد‭ ‬19‭ ‬،‭ ‬بلغت‭ ‬الاستثمارات‭ ‬السنوية‭ ‬المغربية‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬السمراء‭ ‬،‭ ‬6‭,‬4‭ ‬مليار‭ ‬درهم‭ ‬،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬907‭ ‬مليون‭ ‬درهم‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬2007‭ . ‬وهذه‭ ‬الأرقام‭ ‬في‭ ‬تصاعد‭ ‬مطرد‭ . ‬وهي‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬حال‭ ‬،‭ ‬ليست‭ ‬سوى‭ ‬عينة‭ ‬واحدة‭ ‬،‭ ‬من‭ ‬التطور‭ ‬الحثيث‭ ‬الذي‭ ‬تعرفه‭ ‬العلاقات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬وعديد‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬الأفريقية‭ .‬
 
ومن‭ ‬تفاعلات‭ ‬الهندسة‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬و‭ ‬آثارها‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬،‭ ‬أن‭ ‬حضور‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأفريقي‭ ‬يتسم‭ ‬بمزايا‭ ‬كثيرة‭ ‬،‭ ‬فهو‭ ‬ديناميكي‭ ‬و‭ ‬براغماتي‭ ‬وفاعل‭ ‬و‭ ‬متفاعل‭ ‬ومتعدد‭ ‬الأبعاد‭ ‬،‭ ‬ويكفي‭ ‬أن‭ ‬نذكر‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬يحتضن‭ ‬المرصد‭ ‬الأفريقي‭ ‬للهجرة‭ ‬الذي‭ ‬يوجد‭ ‬مقره‭ ‬بالرباط‭ ‬،‭ ‬ويتولى‭ ‬رئاسة‭ ‬مجلس‭ ‬السلم‭ ‬والأمن‭ ‬التابع‭ ‬للاتحاد‭ ‬الأفريقي‭ (‬من‭ ‬2022‭ ‬إلى‭ ‬2025‭) ‬،‭ ‬وله‭ ‬مواقف‭ ‬داعمة‭ ‬للقضايا‭ ‬الأفريقية‭ ‬،‭ ‬و‭ ‬مساندة‭ ‬لجهود‭ ‬التنمية‭ ‬الشاملة‭ ‬المستدامة‭ ‬للبلدان‭ ‬الإفريقية‭ . ‬
 
ومن‭ ‬إفرازات‭ ‬هندسة‭ ‬العلاقات‭ ‬المغربية‭ ‬الأفريقية‭ ‬،‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬عضو‭ ‬فاعل‭ ‬و‭ ‬متميز‭ ‬في‭ ‬المنتديات‭ ‬الآسيوية‭ ‬الأفريقية،‭ ‬وهي‭ ‬منتدى‭ ‬أندونيسيا‭ ‬أفريقيا‭ ‬،‭ ‬ومنتدى‭ ‬التعاون‭ ‬الصيني‭ ‬الأفريقي‭ ‬،‭ ‬و‭ ‬منتدى‭ ‬التعاون‭ ‬الياباني‭ ‬الإفريقي‭ ‬،‭ ‬ومنتدى‭ ‬كوريا‭ ‬الجنوبية‭ ‬الأفريقي‭ ‬،‭ ‬ومنتدى‭ ‬التعاون‭ ‬التركي‭ ‬الأفريقي‭ . ‬وهي‭ ‬منصات‭ ‬لترسيخ‭ ‬التعاون‭ ‬والشراكة‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬والقارة‭ ‬الأفريقية‭ ‬عموماُ‭ .‬
 
وتأتي‭ ‬مؤسسة‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬للعلماء‭ ‬الأفارقة‭ ‬،‭ ‬في‭ ‬طليعة‭ ‬القنوات‭ ‬التي‭ ‬تعزز‭ ‬التعاون‭ ‬المغربي‭ ‬الأفريقي‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الديني‭ . ‬وهي‭ ‬صيغة‭ ‬مبتكرة‭ ‬للدبلوماسية‭ ‬الدينية‭ ‬التي‭ ‬تساند‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬التقليدية‭ ‬و‭ ‬تدعم‭ ‬أهدافها‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬،‭ ‬وهي‭ ‬بناء‭ ‬السلام‭ ‬والأمن‭ ‬الروحي‭ ‬،‭ ‬و‭ ‬تقوية‭ ‬العلاقات‭ ‬التاريخية‭ ‬بين‭ ‬المملكة‭ ‬المغربية‭ ‬وشقيقاتها‭ ‬الدول‭ ‬الأفريقية‭ ‬،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬مؤسسة‭ ‬إمارة‭ ‬المؤمنين‭ ‬،‭ ‬مع‭ ‬الاحترام‭ ‬الكامل‭ ‬للقوانين‭ ‬الجاري‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬،‭ ‬وعدم‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬لجميع‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ . ‬و‭ ‬هذا‭ ‬الجانب‭ ‬من‭ ‬التعاون‭ ‬الأفريقي‭ ‬ينفرد‭ ‬به‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬القارة‭ .‬
 
وتلك‭ ‬هي‭ ‬مقومات‭ ‬القوة‭ ‬المانعة‭ ‬و‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الناعمة،‭ ‬اللتين‭ ‬تستندان‭ ‬إلى‭ ‬الرؤية‭ ‬المتبصرة‭ ‬لجلالة‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬،‭ ‬أعز‭ ‬الله‭ ‬أمره‭ ‬و‭ ‬نصره‭ .‬
 



في نفس الركن