2022 مارس 9 - تم تعديله في [التاريخ]

في سياق تفاقم الفقر المائي بالمغرب...

خبراء مغاربة يقدمون حلولا مبتكرة منها الرقمنة وتحلية مياه البحر بالطاقة النووية


العلم الإلكترونية - عبد الناصر الكواي

بعدَ تحذير نزار بركة، وزير التجهيز والماء، من تفاقم الفقر المائي بالمغرب، وتوضيحه خلال لقاء يوم الخميس المنصرم بالرباط، أن حصة الفرد في بلادنا من الماء لا تتجاوز 600 متر مكعب سنويا بينما خط الفقر المائي العالمي هو 1000 متر مكعب، وفي ظل تأخر التساقطات المطرية خلال الموسم الحالي، وتراجع منحاها بشكل عام في بلادنا منذ عقود، قدم خبراء مغاربة جملة من الحلول لهذه المشكلة، منها ترشيد استهلاك المخزون، ورقمنة تدبير المياه، وتحلية مياه البحر بواسطة الطاقة النووية كبديل...

في هذا السياق، التأم خبراء مغاربة أعضاء بالجمعية المغربية لخريجي الجامعات والمعاهد السوفييتية سابقا، قطاع المهندسين والمهندسين المعماريين بالرباط، وقدموا حلولا ناجعة ومبتكرة. وقال رئيس الجمعية، محمد فقيري، إن هذه الحلول تقنية تعطي البديل عبر الرقمنة والذكاء الصناعي. وشدد في تصريح لـ"العلم"، على أن الجمعية التي تلعب دورها ضمن المجتمع المدني بالمملكة المغربية، يهمها ما يهم المغرب وتحس بما يحس به المغاربة، خاصة مشكل الجفاف الذي هو مشكل هيكلي منذ سنوات.
وأضاف الدكتور في الجيولوجيا والمعادن، أنّ من حسن الحظ أن المغرب ليس لديه حدود ترتبط بدول يجب أن يتقاسم معها مشكل المياه أو الوديان، وذلك بحكم موقع بلادنا الاستراتيجي المحدود غربا بالمحيط الأطلسي وشمالا بالبحر الأبيض المتوسط، ووديانها تمر بجبالها وتذهب في مناطقها. ونوه بالرؤية الثاقبة للملك الراحل الحسن الثاني، في سياسة إنشاء السدود وتشجيع برنامج الغيث للأمطار الاصطناعية وتحلية مياه البحر.

وبما أنّ الجمعية المغربية لخريجي الجامعات والمعاهد السوفييتية سابقا، تزخر وفق رئيسها بأطر متخصصة في مختلف تخصصات الماء، فقد قررت المشاركة الفعالة في تسليط الضوء على هذا المشكل واقتراح حلولٍ له وإعطاء توصياتٍ بشأنه لعلها تنفع المسؤولين في هذا الميدان للتخفيف من حدة الجفاف وندرة التساقطات.

بدوره، ذكر عيماد بوعزيز، الخبير في المياه الجوفية، بالمناظرة التي احتضنها مقر الجمعية في الرباط يوم 26 فبراير الماضي بعنوان: "شح المياه في المغرب بين التحولات المناخية وتحديات التدبير"، والتي خرجت بمقترحات وتوصيات تساعد على إيجاد حل لهذا المشكل الهيكلي.

وقال المهندس ذاته، إن جميع الدراسات أوضحت أن المغرب تجاوز مرحلة الفقر المائي، بما أننا أصبحنا نعيش في 650 متر مكعب لكل مواطن سنويا، والأكثر من ذلك أن هناك بعض الدراسات أنجزت منذ عشر سنوات تتوقع أن نصل إلى 500 متر مكعب في حدود سنة 2040، لكن المؤشرات الحالية تبين أننا قد نصل إلى هذه النسبة خلال سنتين أو ثلاث سنوات المقبلة.

وتطرق بوعزيز، لتناول المناظرة لثلاثة محاور منها التحديات والآفاق، ومحور عن السدود: المزايا والقيود، مشيرا إلى أنه في حال سقوط الأمطار تكون للسدود مزايا كثيرة في بلادنا منها أن حقينتها تصبح خزانا مهما للمياه، متسائلا في تصريح لـ"العلم"، عن دورها في حال عدم سقوط الأمطار، خاصة وأن بعض السدود لم يبلغ ملء حقينتها هذه السنة سوى 2 في المائة، وهناك سدودٌ تقدر حقينتها بصفر في المائة، على غرار سد عبد المومن بأكادير، وهذا راجع حسب الخبير إلى توزيع التساقطات المجالي المختلف بالمملكة، حيث تسقط الأمطار بوفرة في الشمال وتنعدم بالجنوب، أو يقع العكس، إذ نجد أحيانا فيضانات بالجنوب وجفافا بالشمال.

ونبه عيماد بوعزيز، إلى الحالة الكارثية التي تشهدها السدود بالمغرب، مثل سدود المنطقة الشرقية، حيث لم تتجاوز نسبة الملء هذه السنة 5 في المائة، لدرجة أنه تم الشروع في قطع مياه سدين كانت تذهب إلى محطة المعالجة التي تزود مدنا مثل وجدة والعيون سيدي ملوك وتاوريرت، الأمر الذي حتم على المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، البحث عن تأمين مياه الشرب من المياه الجوفية.

الوضع نفسه تعيشه مدن الناظور والدريوش وبركان، وفق المتحدث، الذي أضاف في تصريح لـ"العلم"، أن السدود أحسن سياسة تبناها المغرب منذ الستينيات، لكن دورها يبقى مقيدا في حال عدم نزول أمطار، إضافة إلى مشكل الطمي الذي يقلص من نسبة ملئها، والحل حسب المتحدث دائما، تمديد طول السد بما أن تصفية الطين العالق به أمر معقد جدا.

ودعا الخبير في المياه الجوفية، الحكومة الحالية إلى الاستمرار في سياسة إنشاء السدود وتجهيزها، التي من شأنها التخفيف من وطأة الجفاف، في حال شهدت البلاد وفرة في التساقطات المطرية، موضحاً أن مشكل الجفاف الذي يعاني منه المغرب هذا العام، بدأت معالمه منذ 2015، لكن الحكومتين السابقتين لم تطرحاه أبدا من أجل معالجته، وهو ما أدى إلى تفاقم الوضع.

وتطرق الخبير بوعزيز، في حديثه إلى نقطة مهمة، هي المياه الجوفية التي يمكن اعتبارها رصيدا إضافيا للفرشة المائية، حيث تمتلك سعة أكبر من سعة السدود وتتكون عن طريق نفاذ المياه الشتوية إليها وذوبان الثلوج، لكن يجب حسن استعمالها، لأن امتدادها محدود مقارنة بالسدود، مشيرا في الوقت ذاته إلى الخطر الذي يحيط بها والمتمثل في التلوث، بدليل أن البلدان الأوروبية أصبحت تعالج المياه المستخرجة من الآبار بسبب تلوثها، عكس المغرب الذي يكتفي بترشيحها فقط عن طريق إضافة الكلور بالنظر لكونها نقية.

كما لفت الباحث نفسه، الانتباه إلى ندرة الدراسات المتعلقة بالمياه في المغرب، وخاصة الفرشات المائية الباطنية، حيث يتم الاعتماد على ثلاثة مراجع هي المتوفرة بالنسبة لخبراء المياه منذ الستينيات، دون أن يتم تحيينها، داعيا الوزارة الوصية إلى تشكيل لجنة خاصة من أجل تحيين هاته المصادر، وإضافة دراسات أخرى إليها، من شأنها تسهيل تحديد الفرشات المائية التي هي في حاجة للمعالجة في بلادنا. 

وهنا اقترح عضو الجمعية المغربية لخريجي الجامعات والمعاهد السوفييتية سابقا، حل الترشيد والعقلنة لهذه المياه، ومن الحلول المستقبلية رقمنة سلسلة إنتاج الماء وتوزيعه، مشيرا إلى أن هذه العملية تتم من المصدر المائي إلى القنوات والاحتياطي وشبكة التوزيع والزبون وكذا تتبع جودة المياه التي تلقى في الواد الحار، وذلك يمكن أولاً من ترشيد المياه ثم جعل الرقمنة أداة للحكامة تمكن المسؤولين من أخذ القرارات في الوقت المناسب.

وذلك بفضل الذكاء الاصطناعي، المسخر لمعالجة المعلومة وإعطاء الحلول. وهذا بحسب بوعزيز، يجعل الرقمنة من أولويات التسيير ليس فقط في قطاع الماء ولكن في كل القطاعات. والحال، أن المغرب لم يعرف الرقمنة إلا في القطاع البنكي والآن في قطاع الخدمات العامة شيئا فشيئا.

وتساءل عن نقطة أخرى، وهي نسبة 90 في المائة من المياه التي تذهب إلى القطاع الفلاحي هل فيها ترشيد أم لا؟ خاصة في ظل مخطط المغرب الأخضر. واستدرك أن زراعة البطيخ الأحمر في زاكورة، وتصدير الطماطم إلى أوروبا يشكل تصديرا لفرشاته المائية، بينما هناك الآن مزروعات تمثل بديلا لهذه المزروعات التي تستهلك كمية كبيرة من المياه. إلى جانب انعدام العدالة في توزيع المياه، التي تذهب إلى الضيعات الكبيرة وليس إلى الفلاح الصغير، كما أن تكلفة تحلية المياه في مناطق مثل أكادير جد مكلفة.

من جهته، قال محمد أيت سالم، دكتور مهندس في استغلال المحطات النووية لإنتاج الطاقة الكهربائية وتحلية المياه، إن موضوع تحلية مياه البحر باستعمال الطاقة النووية يمثل بديلا واقعيا في المغرب الذي يشكل الفقر المائي مصدر قلق كبير له وللبلدان المجاورة للبحر الأبيض المتوسط والعالم ككل، التي تعاني من النقص في الماء بما يعادل من 1000 إلى 650 متر مكعب لكل نسمة سنويا.

وفسر الخبير ذاته، هذا النقص بعدة عوامل منها تكرر فترات الجفاف التي باتت طويلة الأمد، والتفاوتات بين المناطق الحضرية والقروية، ثم التوزيع غير المنتظم وغير المتكافئ لموارد المياه في مختلف مناطق المملكة، إضافة إلى زيادة عدد الساكنة والتلوث والتعرية التي تطال الأحواض المائية، مما أدى إلى زعزعة التوازن الهش للوسط البيئي.

وبخصوص مواجهة هذا النقص في المياه، شدد المتحدث، على أن المغرب نهج استراتيجية واضحة من خلال تعبئة شاملة للمياه، والجميع يتحدث عن سياسته المائية رغم التغيرات المناخية بما في ذلك استخدام تحلية مياه البحر لتلبية الطلب المحلي المتزايد، والمناطق الصناعية في الشريط الساحلي والمحيطة بها، مقترحا القيام بهذه التحلية بواسطة الطاقة النووية بتكلفة منخفضة، مقارنة مع المحطات الحرارية والطاقة المتجددة الأخرى.

وأكد الدكتور محمد أيت سالم، أنه إذا قارنا بين هذه الوسائل الطاقية سنجد أن المحطات النووية هي التي تعطي إنتاجا بأقل تكلفة، ويمكن استخدام الطاقة المتجددة ولكن ليس كأفق استراتيجي لتغطية الحاجيات من الماء، لأنها لا يمكن أن تحل الأزمة التي يعانيها المغرب، مشيرا إلى أن أغلبية الدول اعتمدت الطاقة النووية لتحلية مياه البحر  وضمنها دول الخليج التي تتوفر على مصادر أخرى للطاقة.

واستطرد قائلا إن هناك دراسة أجرتها وكالة الطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، في وقت سابق تؤكد أن حوالي ثلاثة ملايير نسمة في العالم يعيشون في مناطق فقر مائي يبلغ نصيب الفرد منهم أقل من 1000 متر مكعب سنويا، مضيفا أن الوكالة اعتبرت أن المغرب يستجيب لجميع الشروط التقنية والإدارية والقانونية والأمنية والتدبيرية، ويملك المؤهلات البشرية والتجربة والكفاءات العلمية لإطلاق برامج الطاقة النووية من أجل أغراض سلمية خصوصا في مجال إنتاج الطاقة الكهربائية وتحلية مياه البحر.
 
وقال عضو الجمعية المغربية لخريجي الجامعات والمعاهد السوفييتية سابقا، إن الوكالة الذرية تكون بذلك عبدت الطريق أمام المغرب لإعادة إحياء مشروع بناء محطات نووية لأغراض سلمية واقتصادية، مشيرا إلى إمكانية توفر بلادنا على مفاعلات نووية متوسطة القوة يمكن استعمالها سلميا في المجال الاقتصادي والصناعي، من قبيل الفلاحة وصناعة الأدوية وإنتاج الطاقة الكهربائية وتحلية المياه.

وأكد الخبير في تشغيل محطات الطاقة النووية للاستخدام السلمي، أن الوكالة ذاتها، أعلنت أن المغرب حقق تقدما ملموسا في المجالات الأمنية والتقنية والتشريعية المتعلقة بالمشاريع ذات الطابع النووي، التي تستجيب للمعايير الدولية المعتمدة على البرامج النووية لأغراض سلمية، ضمنها إنشاء هيئات جديدة للتعاطي مع الملف النووي، ووضع خطط استراتيجية محددة الأهداف والبرامج، منها تلك المتعلقة بقدرتها في مجال الطاقة النووية الحرارية المستعملة في إنتاج الكهرباء ومعالجة النفايات المشعة، وأشار إلى أن المغرب يتوفر على لجنة لدراسة إمكانيات استخدام الطاقة النووية في إنتاج الكهرباء وتحلية مياه البحر، على المحيط الأطلسي.

واعتبر أيت سالم، أن الرباط لا تزال تدرس مسألة تحلية المياه المالحة وخلق برامج لمواجهة شح الأمطار ببلادنا، وندرة المياه العذبة في المناطق الجافة والصحراوية، ومن أجل خلق اكتفاء ذاتي محلي من هذه المادة الحيوية لابد من استعمال الطاقة النووية، مشددا على أن تكلفة المفاعلات النووية الموجودة بالمغرب تتماشى مع نسبة القوة.

توصيات وحلول

الحلول الآنية:

-حل مشكل التسربات في شبكات التوزيع (28 بالمائة تضيع تحت الأرض)؛
- صيانة مصادر الماء: الأثقاب المائية وتحسين مردوديتها؛
- استغلال المياه "الراكدة" بالسدود؛
- استغلال جميع الفرشات المائية مؤقتا؛
- معالجة مياه الفرشات المائية الممعدنة؛
- توزيع الماء عن طريق الشاحنات الصهريجية بالمناطق النائية؛
- مواكبة ومساعدة الجمعيات المسيرة للنظم المائية بالقرى والمداشر؛
 
الحلول بالقريب العاجل:

-مكافحة الترسبات بالسدود؛
- تعميم الري الحديث بالضيعات الفلاحية؛
- تقييد استعمال المواد الملوثة للماء؛
- تعميم معطيات معالجة المياه العادمة؛
-استعمال الطاقة البديلة لمعالجة المياه؛
تحيين الدراسات الهيدرولوجية التي مر عليها أكثر من 50 سنة؛
- الزيادة في سعة تخزين السدود وبناء سدود جديدة؛
 -الزيادة في محطات تحلية مياه البحر؛
-تحويل السياسة الزراعية بالمغرب نحو المزروعات التي لاتستهلك الماء بكثرة، أو التي لاتحتاج للماء في الشهور الجافة؛

الحلول في الآجال المتوسطة:

-تعميم شبكات الواد الحار المنفصلة بالمدن (المياه العادمة/المطرية)؛
-تشجيع الأبحاث العلمية في مجال الطاقات المتجددة وأساليب المعالجة؛
-تكثيف التشجير على جنبات الوديات والسدود للحد من التسربات في حقينة السدود؛
-تشجيع الأبحاث العلمية في مجال المناخ للتنبؤ المسبق؛
-رقمنة سلسلة إنتاج الماء من المصدر إلى الزبون حتى يتم التحكم بعقلانية في طريقة التوزيع؛
 



في نفس الركن