الكاتب يونس التايب
في هذا السياق، طالعت صباح يوم السبت 3 أبريل، مقالا نشره موقع إلكتروني محترم، تحت عنوان صريح هو: "المحكمة الدستورية تصفع البيجيدي وترفض إسقاط القاسم الانتخابي". وللأسف، دون أن أرجع إلى نص قرار المحكمة الدستورية لأقف بنفسي على مضمونه وحيثياته، اعتقدت أن الخبر صحيح ومضبوط، وتفاعلت معه من خلال كتابة وجهة نظر قصيرة، نشرتها على صفحتي بالفيسبوك.
لكن، دقائق قليلة بعد ذلك، عدت إلى الموقع الرسمي للمحكمة الدستورية، لأبحث عن نص القرار الرسمي، ليتبين لي أن الخبر الذي أوردته الجريدة الإلكترونية كان غير دقيق، وأنه اختلط لديها الأمر بين مضمون القرار رقم 117/21 الصادر يوم 31 مارس 2021، المتعلق بدستورية "قانون الأحزاب"، وبين قضية أخرى معروضة على نفس المحكمة للنظر بشأن القانون الانتخابي الجديد، وأساسا مسألة دستورية طريقة احتساب القاسم الانتخابي الجديد.
بدون شك، قد تحدث أخطاء غير مقصودة، وقد تختلط المعلومات في عدد من السياقات. وإذا كانت أخلاقيات الإعلام تقتضي من كل المواقع الإخبارية أن لا تنشر أخبارا غير صحيحة، خاصة في موضوع كهذا الذي بين أيدينا والذي لم يصدر بشأنه أي قرار رسمي عن المحكمة الدستورية، فإن الواجب الأخلاقي يقتضي مني التعبير عن أسف صادق لأنني تفاعلت، على غير عادتي، مع خبر غير صحيح وتحدثت عن "قرار" لم يصدر من الجهة ذات الاختصاص. وبالتالي، دون نية أو قصد، زكيت "خبرا خاطئا"، ولم أفصل بوضوح بين الخبر وبين التعليق، وأنا الذي أومن بالحكمة التي أبدعها محرر البلاد جلالة السلطان محمد الخامس طيب الله ثراه، وتعلمناها في المعهد العالي الصحافة بالرباط، بأن "الخبر مقدس والتعليق حر".
أما وجهة نظري فهي أنه، بمعزل عن ما ستقرره المحكمة الدستورية الموقرة بخصوص القاسم الانتخابي الجديد، وهو القرار الذي لم يصدر لحدود الساعة، أعتبر أن المحصلة النهائية في هذا الموضوع ستكون إيجابية لكل الأحزاب السياسية الوطنية، وسيتبين أنه ليس هنالك حزب "مظلوم" وأحزاب "ظالمة"، ولا أحزاب "منتصرة" ولا حزب "منهزم"، بما في ذلك حزب العدالة والتنمية الذي رفض طريقة احتساب القاسم الانتخابي الجديد على أساس عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية، وقدم الطعن بعدم دستوريته.
عمق ما وقع، رغم كل التجاوزات اللفظية والتأويلات غير الصحيحة وأجواء التأجيج الإعلامي السياسوي، هو تناقض حاد وقوي في المواقف بين أحزاب سياسية، بخصوص قانون لم يستطع الفرقاء تسوية الاختلاف بشأنه عن طريق التوافق السياسي. ولأن أحد الأحزاب لم يقبل بنتيجة التصويت الديمقراطي في إطار مؤسسة البرلمان، تشبث برأيه أن القانون الجديد "غير دستوري"، ولجأ إلى مؤسسة دورها هو "التأكد من مطابقة النصوص التشريعية والأنظمة الداخلية لمجلسي البرلمان وبعض المؤسسات الدستورية، وكذا الالتزامات الدولية للدستور". وهذا يعني، في النهاية، أننا كنا ولا نزال في سياق ديناميكية سياسية ضمن إطار مؤسساتي سليم، ولا يهم الاختلاف في وجهات النظر وفي المواقف، ما دمنا متفقين على سيادة القانون وعلى الاحتكام للمؤسسات الدستورية الوطنية في إطار سيادي.
شخصيا، فور بروز النقاش حول القاسم الانتخابي، انتقدت المغالاة التي سقط فيها البعض، و نبهت إلى أن الأمر أعطي له أكثر من حجمه. ودعوت إلى التزام الهدوء والحكمة، والتحرك باطمئنان وثقة بأن القوانين والمؤسسات الدستورية في المغرب، كفيلة بحماية الاختيار الديمقراطي ومنع أي مساس به أو تجاوز له. وبالتالي، لا معنى لأي مزايدات سياسوية أو تجييش تواصلي انفعالي، لأن التأجيج والتحريض لا يبني الديمقراطية ولا يفيد العملية السياسية في شيء.
كما نبهت إلى أن السجال إذا استمر أكثر من اللازم، سيمنح فرصة مجانية جديدة للمتربصين ببلادنا، لنشر خطابات التسفيه والتشكيك وترويج الانتقاد والتشويش على التجربة الديمقراطية المغربية، والإساءة إلى مصالح وطننا في مرحلة تاريخية دقيقة، أمامنا فيها أوراش استراتيجية كبرى هي أهم بكثير من عدد المقاعد البرلمانية التي سيحصل عليها هذا الحزب أو ذاك.
واليوم، في انتظار أن تقول المحكمة الدستورية للمملكة المغربية كلمتها و تصدر قرارها بشأن دستورية القاسم الانتخابي، وكيفما كانت فحوى ذلك القرار المنتظر، أعتقد أنه لا حكمة ولا معنى لاستعمال عبارات كاريكاتيرية من قبيل أن القرار "صفعة لهذا الطرف..." أو هزيمة لهذا الطرف أو انتصار لأطراف أخرى، لأن ما سينتصر هو النموذج المؤسساتي الديمقراطي المغربي، الذي يغيض نجاحه الكائدين والفاشلين، ويتربص به العدميون من مواقع مختلفة.
وبالتالي، علينا في انتظار صدور القرار، أن نطوي صفحة سجال عبثي لم يكن ضروريا، ونعود فورا لنشرح القوانين الانتخابية بشكل جيد وبموضوعية، ونركز على الاستعداد للعملية الانتخابية القادمة، ونشجع المواطنين المغاربة على المشاركة المكثفة فيها، لنجعلها محطة ديمقراطية شعبية متوهجة من حيث الشكل والمضمون، يفرح لها أصدقاء المغرب، ونحطم بها أوهام المتآمرين و دسائس كل من يريد السوء لهذا الوطن.
تلك مسؤولية مشتركة يجب أن يتقاسمها المواطنون الغيورون مع كل الأحزاب السياسية الجادة، التى عليها الجزء الأكبر من المسؤولية في إنجاح الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، عبر تقديم برامج انتخابية عملية ونوعية، وتزكية وجوه جديدة ومرشحين بخصائص النزاهة والكفاءة والاستحقاق التي يمكن أن تجعلهم قادرين على مسايرة تحديات المرحلة الدقيقة المقبلة.
بقلم | | يونس التايب