العلم الإلكترونية - الصديق بوعلام
"هو العلامة الأديب المؤرخ أبو العباس أحمد بن عاشر بن عبد الرحمن الحافي السلوي عالم سلا وواعية أخبارها، له كناشة نفيسة وعدة كتابنا بهوامش كتب الحديث عندي الكثير منها، وله( تحفة الزائر) في ترجمة فخر سلا أبي العباس ابن عاشر، استفدت من كناشته أنه كان يقرأ بفاس،، .." إلخ.
"هو العلامة الأديب المؤرخ أبو العباس أحمد بن عاشر بن عبد الرحمن الحافي السلوي عالم سلا وواعية أخبارها، له كناشة نفيسة وعدة كتابنا بهوامش كتب الحديث عندي الكثير منها، وله( تحفة الزائر) في ترجمة فخر سلا أبي العباس ابن عاشر، استفدت من كناشته أنه كان يقرأ بفاس،، .." إلخ.
فقد وجدت هذه العبارة أنسب ما أحلي به هذه الشخصية الأندلسية السلوية التي لا يخلو كتاب من كتب التاريخ أو التصوف أو التراجم والمناقب التي اعتنى أصحابها بذكر أعلام هذه الفترة المزدهرة من تاريخ الحضارة الإسلامية في المغرب، أو التأريخ للحياة السياسية والاجتماعية والدينية والثقافية خلالها، من التنويه به والوقوف مليا عند أوصافه وسيرة حياته ومناقبه وكراماته وشيوخه وتلاميذه وآثاره وأقواله وحكمه،
ورجائي أن تكون هذه الصفحات حافزا للجيل الحاضر لمزيد الاطلاع والتعرف إلى هذا العلم الصوفي، وإلى رجالات العلم والتصوف في مدينة سلا الأصيلة النبيلة، في العصر المريني خاصة، وفي سائر العصور .
عبد الرحمن بن أبي الضياء
أفرد صاحب (السلسل العذب) صفحتين نيِّرتبن من كتابه للحديث عن هذا التلميذ النبيل من تلاميذ سيدي الحاج أحمد ابن عاشر رضي الله عنه. وعنونهما ب"عبد الرحمن ابن الفقيه الجليل أبي الضباء مصباح”.
قال في مستهلهما: "ومن الطبقة الثانية رفيقهما في السير على طريقه الأمم(2)، الفاضل الخَيِّر العلم، الطالب المشارك، الصالح المبارك، ثالثهما في درجة الفضل والصلاح أبوزيد عبد الرحمن ابن الفقيه الجليل أبي الضياء مصباح "(3).
ويقصد برفيقيه: أحمد الزهري وقد تقدمت ترجمته ، وابا بكر بن إبراهيم بن عباد.
"فقد كان من أقرانهما اجتهادا وجدا وورعا وزهدا، وكان مبسوط أسِرَّة الوجه لا تلقاه إلا ضاحكا مستبشرا، يغلب عليه حسن الظن بالله تعالى"(4).
كما حلاه الحضرمي رحمه الله بهذه التحلية الجليلة معنى ومبنى: "محبا في أولياء الله تعالى
طامعا في سعة رحمة الله ، شاكرا لما لله تعالى عليه من الآلاء والنعماء، منطلق اليد بالبذل، محسنا لأصحابه بالقول والفعل، وكان من قوله: رجال الدنيا هم رجال الآخرة، إذا وفقوا لحسن الظن بالله تعالى والجد في العمل له".
"وكان رحمه الله تعالى قوي النفس، معمور القلب بالحق"(5).
"وكان صادق اللهجة في الشكر، وشكر الله تعالى متكفل بالمزيد، قال الله تعالى: (لئن شكرتم لأزيدنكم) (6).
. قال مصطفى بوشعراء عند سرده أسماء بعض تلاميذ وأصحاب الشيخ سيدي الحاج أحمد ابن عاشر رضي الله عنه:
"وعبد الرحمن بن أبي الضياء، مصباح أكراس، وكان من خواص الشيخ ابن عاشر ومن كبار الفقهاء بالمغرب"(7).
وعبر الحضرمي عن هذه المكانة العلمية بقوله: "الفاضل الخير العلم، الطالب المشارك"(8).
ومما يستخلص من صفاته غلبة رؤية الجمال عليه، ورسوخه في مقام الشكر علما وعملا وحالا، وقد ذكر كثير من شيوخ الصوفية أن الشكر أسمى مقام في سلوك الطريق إلى الله تعالى .
كما أكد الحضرمي أن هذا الفرع الطيب من تلك الشجرة المباركة بقوله: "وكان من خواص أصحاب الشيخ أبي العباس بن عاشر".
ومن نافل القول إن حسن الظن بالله سبحانه من أبرز ما تحلى به هذا التلميذ فأثمر له ذلك الثقة بالله تعالى وبما عنده من أجر عظيم، فانطلقت يداه بالبذل والعطاء، وانطلق لسانه بالحمد والشكر، وانطلق بكليته محسنا إلى عباد الله ولاسيما إخوانه في الطريق
كيف كانت علاقة الشيخ بهذا التلميذ المستبشر ؟
كان الشيخ أبو العباس ابن عاشر إذا رآه مال إليه وانشرح عند لقائه، وكذلك كان الغالب مع كل من يلقاه ويراه لا ينصرف عنه إلا بمزيد مسرة وطيب نفس”(9).
وكان مثل أحمد الزهري من خواص أصحابه رضي الله عنه. مع تقدم الزهري عليه في هذا الاختصاص، كما رأينا عند ترجمته.
وتقدم أنه كان من كبار الفقهاء في المغرب. ولاشك في أنه نهل من علوم شيخه الحاج ابن عاشر رضي الله عنه ما بوَّأه هذه المنزلة
وفاته
توفي الشيخ عبد الرحمن ابن الضياء مصباح بسلا في سنة 764 أي في نفس ناريخ وفاة شيخه سيدي أحمد ابن عاشر رضي الله عنه أو في تاريخ قريب منه جدا. وكذلك كانت وفاة بعض تلاميذه الآخرين في نفس التاريخ وهم الشيخ فاصكاه وأصله من قرية أقرميم بظاهر سلا، وأبو علي عمر السلوي، النفزي القبيل، وكان يعمل في بستان في سلا، وأبو الحسن علي البلنسي، ومحمد بن يحيى السلوي .
وقد ذكر هؤلاء مصطفى بوشعراء (9)
ولاحظ هذا التقارب في تاريخ وفاتهم وذهب إلى أن ذلك "مما يحمل على الاعتقاد بوجود مسغبة أو وباء أصاب المدينة في تلك الفترة، ولكني لم أعثر بعد على ما يدل على مجاعة أو طاعون"(10) .
ويغلب على ظني أن هذا التقارب في تاريخ الوفاة كان فعلا نتيجة انتشار وباء، وغالبا ما تتزامن الأوبئة والمجاعات، فالأولى تؤدي إلى الثانية، والعكس صحيح.
نعم، في سنة 750 للهحرة عم وباء خطير البقاع. وقد تحدث عنه الناصري، قال: "ففي سنة خمسين وسبعمائة كان الوباء الذي عم المسكونة شرقا وغربا على ما نبهنا عليه فيما مضى"(11).
وذكره في موضع آخر قبل ذلك حيث قال: "وباء منتصف المائة الثامنة أيام كان السلطان أبو الحسن بتونس فإنه كان وباء عظيما لم يعهد مثله قد عم أقطار الأرض وتحيف العمران جملة حتى كاد يأتي على الخليقة أجمع، والأمور كلها بيد الله لا يسأل عما يفعل وهم يسألون"(12).
ويحدثنا الناصري عن مجاعة عظيمة اجتاحت المغرب بعد ذلك بمدة:
"وفي سنة ست وسبعين وسبعمائة وهي السنة التي قُتِل فيها ابن الخطيب كان الجوع بالمغرب. قال أبو العباس بن الخطيب القسنطيني المعروف بالن قنفد في كتابه "أنس الفقير" ما حاصله: أنه رجع من هجرته بالمغرب الأقصى في السنة المذكورة إلى بلده قسنطينة فاجتاز في طريقه بتلمسان قال: وفي هذه السنة كانت المجاعة العظيمة وعم الخراب المغرب …. "(13).
وقد كانت وفاة سيدي ابن عاشر رضي الله عنه وهذه الثلة المباركة من تلاميذه الذين ذكرناهم قبل، في فترة إن كان يغلب على الظن فقط حصول مجاعة فيها أو استفحال وباء، فإن الخبر اليقين أنها فترة واقعة بين وباء عظيم ومجاعة منتشرة،
ولعل آثار الوباء الذي حصد الكثير من الأرواح قد امتدت إلى هذه الفترة التي توفي فيها هؤلاء الكرام.والله أعلم.
توفي عبد الرحمن ابن أبي الضياء مصباح سنة 764 للهجرة كما أشرنا إلى ذلك ، قال الحضرمي:"ودفن وراء الجامع من سلا"(14). أي وراء المسجد الأعظم بها
ــــــــــــــــ هوامش ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني: فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات، تحقيق: إحسان عباس: دار الغرب الإسلامي، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثانية، 1982، 2/841.
(2) الأَمَم: القصد .
(3) السلسل العذب، بتحقيق مصطفى النجار، ص63.
(4) نفسه، ص63.
(5) نفسه،ص63.
(6) سورة إبراهيم: الآية 7.
(7) الإتحاف الوجيز، ص90. الهامش32.
(8) محمد بن علي الدكالي: السلسل العذب، ص63.
(9) الإتحاف الوجيز، ص90. الهامش32.
(10) نفسه، ص90. الهامش32.
(11) أحمد بن خالد الناصري: الاستقصا، دار الكتاب، في الدارالبيضاء، ط 1997، الحزء4، ص82.
(12) نفسه، الجزء 3 ، ص 181.
(13) نفسه، الجزء4، ص83 .
(14) السلسل العذب، بتحقيق مصطفى النجار، ص63