2024 شتنبر 29 - تم تعديله في [التاريخ]

عَنْ كثَبْ نُتابع نهاية العَربْ !

افتتاحية ملحق "العلم الثقافي" ليوم الخميس 26 شتنبر 2024


العلم - محمد بشكار

قَالُوا إنّنا نُتابع الوضْع عن كثَبْ، ولا نَضْحك على الذُّقون، ولو اسْترْسَلتِ اللِّحى وسبَقتْها الشّواربُ إلى إناء الكذِبْ، قُلْنا إنَّ النِّيران بألْسنتها أصْدقُ حريقاً من الصُّحف والكُتُب، ها هي لا تنتظر القيامة لِتَطَّلِع على الأفئدة، ها هي تقْلِبُ الأرض على شعْب بِرُمّته في مقابر جماعيّة، ها هي تُروِّع الطِّفْل في الفِراش وهو قاب شفتين لِيبْتسم للملائكة، ها هي تُجمّدُ بالخوف أعْيُن النِّساء كالزُّجاج الكَسِير في النافذة، ها هي تُهجِّر أهالي كانوا آمنين في البيوت إلى أين الهَرب، قالوا إنّنا نُتابع الوضْع في أقرب مستشفى لولادة الرِّجال عن كثب
!

قالوا غداً أو بَعْد غد قبل نهاية القرن، سنضْرِب يداً بيد وملء أفْوَاهنا الحَوْقلة، نُزلْزل الأرْض تحْت أقْدامنا برقْصة الدّراويش، ونَرْفع عقيرتنا على إيقاع الدُّفوف، طالبين من السّماء المَددْ، قُلنا لقد صَدَق من وصَفَ العرب، بالظّاهرة الصّوتية، وهاهم رغم التّرْسانة الحَرْبية التي أكلها مع جُنْدِ الإحتياط الصّدأ، أصبحوا مُجرّد سلاح ضَرْط صوتيٍّ، ولا يملكون إلا ما أمْلاه الأسْياد منْ خُطَب!

قالت أطْيافٌ سيّاسية دارتْ مع الزّمن حول نفسها في حَلَقةٍ فارغة، لِتُصْبح في استفْرادِها بالسُّلْطة حزباً واحداً، إنّ قِوانا خائرة، ولا نسْتطيع أنْ نُحرِّك من الأسْلحة غير اللِّسان لاهِجين بالدُّعاء، أيْننا من الأمْجاد التّليدة حين كُنّا بضرْبة واحِدةٍ على المنبر، نُهيِّجُ هُتاف الجماهير، الهِمّة..الهِمّة يا جماهير الوطن العربي الأشاوس، الهِمّة.. الهِمّةُ أيتها النُّخْبةُ المُثقَّفة الذّيْلِيّةُ النابِغة، ما أحْوجنا لِمَنْ يضعُ النِّيةَ حيث  ترقُدُ الحيّة، ما أحْوجنا لِمثل تلك الأصْوات التي كانت تُراوِحُ في تأجُّجِها دون حطب، بين أغاني أم كلثوم وما يُلقيه جمال عبد الناصر من خُطَب، ولا عجب اليوم أن تفْقِد الأصوات حناجرها من حيث مَرّ السكين، لا عجب أنْ يُباع في المزاد العالمي مِذْياع صوت العرب، كم نشْتاق نحن النُّخَب السِّياسية المُتبقِّية مِنْ كراسي بائدة، أن تعُود نفس الأصوات لِتُحَمِّي الطّرْح وهي تُنادي بأسمائنا في الغُدوِّ والآصال، تارةً بالعويل وأخْرى بالطّبل والمِزْمار، ألا كَمْ يُشْفي غليل سادِيّتنا أنْ تُعبِّر الجماهير عن ولائِها الأعمى، آناً بالبكاء وأخْرى بالطّرب !

قالوا نَحْنُ لا نُعْطي إلا بَعْد أن نَأخُذ، وقد أخَذْنا بأصْواتكم المُشْتراةِ بأبْخَسِ الأثْمان، كراسي تَجْعلنا مُقْعَدين لبقيّة العُمر، لا نُحرِّكُ ساكِناً وإذا أحْدَق بأموالنا الخطر، نُفعِّلُ جنْسياتنا الأخرى في أكثر من جواز سفر، نخْضَع لِما يسْري على الإنْسان الآلي من برامِج وأزْرار، فما أحْلاهُ من شلَلٍ بعْد أن أخذْنا خزائن البر والبحر والجو، أخذنا التّصْفيق في كُلِّ المحافل الدّولية، وتركنا  لكم الحريق، واستطعْنا التحكُّم في الزمن وتلاعبْنا بالأمل، فجعلنا مُسْتقبلكم ماضياً في خبر كان، وماضيكُم حائط مَبْكى يحْجُب المُستقبل، فلا يُولد الجنينُ إلا طاعِناً في السِّن، لا تطلع الشمسُ إلا حمراء غائبة في الأعْين، انظروا إلى قُدْرتنا الهائلة في تنْغيص الحياة، فمن مات قبل أن نَشْرب حصّتنا الكافية من دمه، فقد "نجا مِنْ هذه الحياة بأعجوبة" بتعبير محمود درويش، ولكن هذا يكْفي لكي يَسْتمر على خشبةِ السِّياسة اللَّعب، نحن التَّمْثيلية بكل الأقْنِعة، نحن مَن ضيَّع الشُّعُوب العربيّة بِمُخطّطات فاشلة ولِيدة المِزاج، نحن نتيجة ما تعيشونهُ اليوم من اضطهادٍ سيُغيِّرُ خارطة المنطقة، نحْنُ الخُمُّ المُشْرَعُ للثّعالب وأنتُم الدّجاج، لا نَعْرِف لِمَ يشتدُّ عليْنا اليوْم الغضب، أوَ تَنْكُرون أنّنا لم نكُنْ شيئاً قبل أن تجْعلُوا مِنّا النُّخَب!

ملحق "العلم الثقافي" ليوم الخميس 26 شتنبر 2024




في نفس الركن