2022 فبراير 11 - تم تعديله في [التاريخ]

ظاهرة التشرد بالمغرب: من المعني بها و من المسؤول عنها؟‼

مسنون وأطفال يفترشون الأرض ويلتحفون السماء في عز البرد القارس.‼


قال تعالى ﴿ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ الأنعام: 151.
 
      و قال عز و جل:﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ آل عمران: 159.

العلم الإلكترونية - محمد بلبشير  (تحقيق) 

ظاهرة التشرد هي إحدى الظواهر التي تعاني منها المجتمعات الغربيّة والعربيّة على حدٍ سواء، لكن باختلاف النسب والظروف في كل دولةٍ ومجتمع، وتظهر ملامح ظاهرة التشرد بشكلٍ كبير ومخيف في الدول النامية بشكلٍ خاص إضافةً للدول المنكوبة بفعل الكوارث الطبيعيّة مثل الزلازل والفيضانات والبراكين ...إلخ، أو كوارث بشريّة بفعل المشاكل الفرديّة اليوميّة في المجتمعات أو بفعل الحروب. و من أسباب انتشار هذه الظاهرة التشرّد أولاً، الكوارث البشريّة: المشاكل الاجتماعيّة على اختلافها، وهي من أهمّ أسباب ظاهرة التسرب من المدارس والتشرد وهدم البناء النسيجي للأسرة. الحروب بشكلٍ عام والتوترات السياسيّة التي تحدث في عددٍ من الأماكن حول العالم، بحيث تؤثر سلباً على المجتمعات بشكلٍ مباشر وغير مباشر. الفقر والبطالة. ثانياً، الكوارث الطبيعيّة وهي الناتجة عن الأعاصير والزلازل والبراكين والفيضانات والانهيارات الأرضيّة، وغيرها من ظواهر تسبب دماراً في المكان، و من بين نتائجها انتشار ظاهرة العنف والعدوانيّة بينهم والناتجة عن ترسخ مبدأ البقاء للأقوى في أعماق المشردين، ثم لجوء المشردين إلى الاستجداء والاستعطاف بشكلٍ ملح في سبيل الحصول على بعض النقود دون الحاجة إلى اللجوء للعمل في سبيل الحصول عليها، وهذا أحد أسباب انتشار ظاهرة التسوّل، و شيوع نظرة الحقد والكراهيّة بين المشردين اتجاه العامة والذين ينعمون بحياةٍ مستقرة، ثم الى انتشار الجريمة كوسيلةٍ للحصول على المال، أو كنوعٍ من الترهيب لعامة الناس في سبيل إظهار القوّة وعدم الخوف.. كما ينتج عن التشرد السلوكيّات السلبيّة والتي تتمثل في الغيرة والعناد ومحاولة افتعال المشاكل عن طريق التحرّش بالآخرين، و القدرة المذهلة على الكذب في سبيل كسب ود وتعاطف الآخرين بغية الوصول إلى حاجته منهم.. و تنتشر بين صفوف المشردين آفات خطيرة كتعاطي المخدرات بكافة أشكالها، أو استنشاق مواد مخدرة وإدمان المشروبات الكحوليّة.. و تؤدي الظاهرة الى الكثير من الآفات الخطيرة المنتشرة بين المشردين كظاهرة التحرش الجنسي والشذوذ الجنسي بين أفراد الفئة نفسها.. 

◄ أرقام صادمة للظاهرة تدق ناقوس الخطر.‼

تقدر منظمات الإغاثة عدد الأطفال بالمغرب الذين لا أسر لهم ب 6000 رضيع كل سنة، أي بمعدل رضيع من كل 50. وتتحدث تقارير أخرى أن مركز جمعية “بيتي” بمدينة الدار البيضاء يستقبل يوميًّا أطفالاً مشردين من مختلف الفئات والأعمار، قاسمهم المشترك البيئة المتردية والأوضاع المزرية التي عايشوها في منازل أسرهم وذويهم. (من مقدمة حوار لشبكة إيلاف مع د.نجاة أمجيد رئيسة جمعية بيتي الأربعاء7 أبريل2010). ومن جهة أخرى تقدر إحصاءات وزارة التخطيط والتوقعات الاقتصادية بالمغرب عدد المشردين الذين تطلق عليهم اسم الأطفال المتخلى عنهم بنحو 400 ألف طفل..     
 
وقبل هذا التاريخ، وفي كلمة له أمام المجلس العربي للطفولة سنة 2000 ذكر رئيس جمعية حماية الطفولة (المغربية) أن عدد المشردين يبلغ بالمغرب 237000، وتذكر بعض الوثائق الرسمية التي تعترض على هذا الرقم وتصفه بالمبالغ فيه، أن عددهم يصل إلى 140000 طفل بالمغرب. و أغلب هؤلاء من الذكور، وتشكل الإناث نسبة ضئيلة لكنها تعرف تزايدا. ومن جهة أخرى تذكر إحدى وثائق الاتحاد النسائي المغربي أن أكثر من 10000 أم عازبة تخلت عن طفلها بعد الوضع، ويتراكم العدد سنة بعد أخرى. ومن الأرقام التي تشكل صورة لعذاب الطفولة المغربية، ما توضحه نتائج الدراسات المتخصصة في الموضوع، فمن أصل عينة تتألف من 8000 طفل وجد أحد الباحثين نسبة 46% منهم لم يبلغوا سن السادسة قد تعرضوا لاعتداء جنسي بالعنف، وغالبا ما يكون صادرا عن مشردين بالغين أكبر سنا من الضحايا. واشتكى أكثر من 600 طفل من اغتصابات جنسية متتالية وجماعية أو استغلال جنسي أو اعتداء مادي. وبحسب دراسة ميدانية صادرة عام 2002 عن أطفال الشوارع شملت عينة من (411) طفلا من هؤلاء فإن التسول يأتي في مقدمة الأعمال التي يزاولونها بنسبة 18% يأتي بعدها مسح الأحذية وبيع الأكياس البلاستيكية بـ 15% وغسل السيارات بـ 13% ثم السرقة بـ 6% كما تفيد بعض الأرقام الرسمية الصادرة في العام الماضي بمناسبة الملتقى العربي الإفريقي حول الاستغلال الجنسي للأطفال، بأن 23 طفلا مغربيا يتعرضون للاستغلال الجنسي كل شهر..

◄ الصراع الأسري و علاقته بتشرد الأبناء‼

تؤدي الخلافات و الشجارات الأسرية الى خلق نزاع أسري بين أفراد الأسرة، مما يسمح بوجود جو أسري مشحون بالتوتر و المنافسة الندية بين الأولياء و الأبناء، و هو الأمر الذي يدفع بالآباء الى استخدام أساليب تربوية قد تكون في كثير من الأحيان خاطئة و غير مناسبة في التعامل مع الأبناء. و في المقابل قد يستخدم الأبناء آليات دفاعية كرد فعل لاستفزاز الآباء، أو تفادي المواجهة و الهروب من المنزل نحو الشارع.. و مما لا شك فيه أن الصراع داخل الأسرة يؤثر في النمو النفسي للأبناء و في تنشئتهم الاجتماعية و ذلك من حيث غموض الأدوار في الوسط الأسري المتأزم الذي قد يدفع بأبنائه نحو الشارع دون إدراك منه لخطورة الوضع على دواتهم و على مجتمعهم..
 
    وأظهرت نتائج إحدى الدراسات العربية أن نسبة 50 % من 98 فردا، ترى أن التفكك الأسري هو أهم سبب لظاهرة تشرد الأطفال فيما ترى نسبة 74 % أن تفعيل دور المؤسسات الدينية يمثل انسب أسلوب لعلاج تلك الظاهرة.
 
وأجمعت 88 % من أفراد العينة على أن الأسرة هي الجهة التي تقع عليها المسؤولية الكبرى في مواجهة هذه الظاهرة.
 
وأوصت الدراسة بضرورة توجيه جهود قطاع الخدمات الاجتماعية لتنمية وتمكين الأسرة ودعمها للقيام بمسؤولياتها تجاه الأطفال عبر برامج وتدخلات وقائية وعلاجية مستندة إلى التجربة العلمية.
 
    و جاءت دراسة أخرى بعنوان علاقة التفكك الأسري بتشرد الأحداث ، حيث تكمن أهمية الدراسة في معرفة العلاقة مابين التفكك الأسري و تشرد الأحداث وكيفية وضع الحلول والمعالجات المناسبة لهذه الظاهرة ، وهدفت هذه الدراسة إلي معرفة العلاقة بين التفكك الأسري وتشرد الأحداث ومعرفة أسباب التفكك الأسري و الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصحية للأحداث المشردين وأنواع التشرد واثر العامل البيئي علي الحدث وطرق السيطرة علي هذه الظاهرة وكيفية علاجها . وتمت صياغة الفرضية التالية : تشرد الأحداث ظاهرة تنطبق علي الذكور والإناث ، توجد علاقة بين التفكك الأسري وتشرد الأحداث ، وهنالك علاقة بين استقرار الأسرة الاجتماعي وتشرد الأحداث ، وتوجد علاقة بين المستوي التعليمي للأسرة و تشرد الأحداث . وكذا توجد علاقة بين تدهور الأحوال الاقتصادية للأسرة و تشرد الأحداث. اعتمدت الدراسة علي المنهج الوصفي وأدوات جمع المادة الميدانية المتمثلة في الاستبيان والمقابلة والملاحظة . وخلصت الدراسة بالنتيجة العامة التالية : ظاهرة التشرد تنطبق علي الذكور والإناث وتكثر في الفئات ما بين 10-18 سنة ، إن سوء الحالة الاقتصادية وعدم استقرار الأسرة الاجتماعي تسبب في خروج الحدث إلي الشارع ، التشرد الكلي بنسبة 31% والتشرد الجزئي والتعرض للتشرد بنسبة 69% ، ويشكل التشرد خطراً علي حياة الأحداث . وخلصت هذه الدراسة بجملة من التوصيات من أهمها إقامة ندوات إرشادية للأسر لمعرفة أسباب المشكلات التي تؤدي إلي التفكك الأسري ، تحسين الوضع الاقتصادي للأسر الفقيرة بتقديم المساعدات المادية والعينية ، إقامة ورش وندوات وحلقات تلفزيونية وإذاعية لتسليط الضوء علي ظاهرة التشرد ووضع الحلول لها ، تفعيل القوانين الخاصة بالأحداث المشردين وإقامة برنامج رعاية صحية لأحداث المشردين وأسرهم الفقيرة .

◄ التشرد، أسباب كثيرة و نتائج وخيمة.‼

يرجع ارتفاع أعداد أطفال الشوارع في المدن المغربية إلى أسباب كثيرة، ويفضل العديد من الأطفال الشارع على البيت لأسباب منها العنف أو غياب الإحساس بالوجود أو الشعور بالحماية أو نتيجة الفقر والتفكك الاجتماعي. تقول الباحثة المغربية في علم الاجتماع خديجة نعمان: "أطفال الشوارع هم في الأصل مراهقون، الأسرة في هذه المرحلة تدخل مع الأبناء في صراع بحيث يصبح التمرد على قرارات الأسرة مهربًا للأطفال، وهنا يمثل الهروب الحل الوحيد للطفل للهروب من الضغط العائلي". ويعاني 73.1% من أطفال المغرب من الحرمان على الأقل في مجال واحد، و40.3% يعانون الحرمان في مجالين على الأقل، منها الحق في الولوج إلى الماء وخدمات الصحة والتعليم والصرف الصحي والمعلومة، حسب دراسة أعدتها وزارة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية. ويعتبر طلاق الوالدين أحد أبرز أسباب استفحال هذه الظاهرة، ذلك أن افتراق الوالدين يعرض الأبناء للتشرد والضياع بالضرورة، كما تأتي قضية الأمهات العازبات في مقدمة العوامل المساهمة في تفشي ظاهرة أطفال الشوارع في المغرب، وتدعو المنظمات الحقوقية إلى إدماجهن في أي حل يهدف إلى الحد من هذه الظاهرة. وهناك صنف آخر وهو نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة الذي دفعته إلى الاعتماد على نفسه ربما نتيجة التفكك الأسري أو يتم الأبوين أو نتيجة لعلاقة غير شرعية، و بحكم أن الدولة المغربية ليس بمقدورها احتضان هؤلاء الأطفال فيبقى مصيرهم الشارع وما يترتب عليه من انحرافات سلوكية وتدهور صحي ناهيك عن مختلف أشكال الجرائم والعنف بين أقرانهم في نفس الوضعية". وأكد تقرير سابق لمنظمة "أوكسفام" البريطانية، سلط الضوء على واقع الفوارق الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها المغرب، وجود 1.6 مليون مغربي يعيشون تحت عتبة الفقر المدقع في البلاد، حيث لا ينالون كفايتهم من الغذاء وغير قادرين على الحصول على الضروريات الأساسية، رغم انخفاض معدلات الفقر بالبلاد..
 
وقد ساهم ارتفاع الانقطاع عن التدريس أيضًا، في ارتفاع أعداد المتشردين، وتقول إحصاءات رسمية صادرة عن وزارة التربية الوطنية المغربية إن نسبة التسرب المدرسي تبلغ 1.9% في المرحلة الابتدائية، وترتفع إلى 10.8% في الإعدادية، وإلى 11.5% في الثانوية. و قد اختار هؤلاء الأطفال الشارع مهربًا من المشاكل التي تواجههم، فقد استقبلتهم مشاكل أخرى لا تقل خطورة عن الأولى، و من بين المخاطر التي يواجهونها في الشوارع، سوء التغذية بحيث مجمل أطفال الشوارع يقتاتون من القمامة وبقايا الفضلات. إضافة الى المشاكل الصحية في غالب الأطفال ، فهم يتلقون جرعات المخدرات عن طريق الحقن بحيث يتم تمريرها عبر مجموعة الأطفال مما ينتج أمراض منقولة جنسيًا، بالإضافة إلى أشكال التحرش الجنسي والاغتصاب عند الإناث والذكور. و يجد أطفال الشوارع أنفسهم عادة يتخبطون في مشاكل نفسية عدة، فلا يوجد أي طرف يسمع مشاكلهم ولا أحد ينظر إليهم، ما يجعلهم فريسة سهلة للاستغلال المادي و الجنسي، و يمكن اقحامهم بيسر و دون عناء في عالم الجريمة بكل أشكالها..

◄ 3830 منهم 241 طفلا هو عدد المشردين عام 2018

أشارت بسيمة الحقاوي، وزيرة الأسرة و التضامن والمساواة و التنمية الاجتماعية، في جلسة أسبوعية سابقة لمجلس النواب ، إلى أن عدد المشردين في شوارع المغرب بلغ 3830 حالة سنة 2018، منهم 241 طفلا وطفلة. و قالت الحقاوي:”نراهن على دور الطالب والطالبة ونتمنى أن تساهم وزارة التربية الوطنية في هذا الأمر، لكي نساهم في التقليل من نسبة الهدر المدرسي و بالتالي الإبقاء عليهم في المدارس والمؤسسات التعليمية". و أشارت المسؤولة الحكومية إلى عمل الوزارة المعنية بالقطاع بشكل مستمر من خلال رهانها على الشراكة مع المجالس الترابية حتى تصبح المدن المغربية خالية من أطفال الشوارع. و أفادت أن المغرب يعتمد على المقاربة الحقوقية بشكل أساسي دون غيرها من أجل وضع حل للظاهرة. و حول تزايد أعداد الأطفال في الشوارع خاصة أولئك الذين يولدون خارج إطار مؤسسة الزواج، قالت الحقاوي إن الأمر ليس صحيحا، فالمشكل الحقيقي هو التفكك الأسري الذي يدفعهم لمغادرة منازلهم نحو الشارع، حسب قولها. قالت المندوبية السامية للتخطيط في المغرب، في مذكرة إخبارية أصدرتها حول الأشخاص من دون مأوى بالمغرب، بمناسبة اليوم العالمي للسكن، إن عدد الأشخاص من دون مأوى بالمغرب بلغ، في 2014، نحو 7226 شخصا، مقابل 7308، في 2004، حيث انخفض عددهم بنسبة ضئيلة تعادل 1,1 بالمائة خلال هذه الفترة، في وقت يعيش معظمهم .(89 بالمائة) بالوسط الحضري. واستعرضت المذكرة الإخبارية "بعض مميزات السكان من دون مأوى حسب نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى 2014"، مشيرة إلى أن 73,7 بالمائة من الأشخاص من دون مأوى يتمركزون في خمس جهات، بحيث تحتل جهة الدار البيضاء- سطات المرتبة الأولى بنسبة 23 بالمائة، تليها جهة طنجة - تطوان - الحسيمة ، بنسبة 14,0 بالمائة، ثم جهة فاس مكناس بنسبة 12,4 بالمائة، ثم جهة الشرق بنسبة 12,6 بالمائة، ثم جهة الرباط - سلا - القنيطرة بنسبة 11,6 بالمائة. أما جهات مراكش -آسفي - وسوس ماسة، فهي في وضع وسيط، حيث سجلت على التوالي 8,9 و8 بالمائة. من ناحية أخرى، سجلت الجهات الجنوبية الثلاث أدنى نسب من الأشخاص من دون مأوى (أقل من 1 بالمائة في كل منها). فيما تتميز محافظتا الدار البيضاء، وطنجة - أصيلة ، بتسجيلهما أعلى نسب من الأشخاص من دون مأوى، حيث بلغت على التوالي 15,9 و7,6 بالمائة.

◄ نظرة المجتمعات لظاهرة تشرد الأطفال.‼

تُعرِّف الهيئات الدولية تشرُّد الأطفال بأنه إبعاد الأطفال الذين هم تحت سنِّ الـ 18 عن عائلاتهم أو بيئتهم التي عاشوا فيها منذ البداية، وتُشير الإحصائيات إلى أنه يوجد ما يُقارب الـ 22 مليون طفلٍ مشرّد في العالم، ويشمل هذا العدد الأطفال الذين أصبحوا بلا مأوى بسبب انفصال الأبوين أو اللاجئين من الحروب والصراعات وطالبي اللجوء وغيرهم، وقد أشارات الدراسات أنَّ عدداً كبيراً منهم قد تشرَّد لمدةٍ كبيرةٍ تصل سنوات عديدة وخصوصاً الأطفال المتضررين من الصراعات المسلَّحة؛ إذ تبين أنهم قد واجهوا ما يُقارب الـ 6 أو 7 سنوات من التشرُّد. الأسباب التفكّك الأسريّ بأشكاله المتعددة، وتشمل الهجر والطلاق أو وفاة أحد الوالدين أو سفره. الأوضاع المعيشيّة السيّئة وارتفاع نسبة البطالة، إذ توجد عائلاتٍ كاملةٍ تعيش بدون معيل، مما يؤدّي ذلك إلى دفعهم بأطفالهم للشوارع للعمل أو التسوّل أو غير ذلك، بالإضافة إلى التسرُّب من التعليم والمدارس. انتشار التجمعات العشوائية التي تفتقر للظروف المعيشيّة الجيدة التي تمثّل البؤر المستقبلية لأطفال الشوارع. انتشار الثقافة الغربية بين المجتمعات والحريّة الشخصيّة، ممّا يؤدّي ذلك إلى خروج الطفل لحياةٍ خاصةٍ لا يعي نتائجها. سوء معاملة الآباء والأمهات لأطفالهم، ممّا يؤدّي ذلك إلى هروبهم وخروجهم للشارع. النتائج أكبر نتائج تشرُّد الأطفال هو التحوُّل للجريمة، فمن أخطر النتائج هو استقطاب المنظماتِ الإجراميةِ عدداً كبيراً من هؤلاء الأطفال وجلبهم للعمل معهم، واختلاط الأطفال بذوي السوابق الإجرامية، مثل: مدمني المخدرات، والسارقين، والقتلة. لجوء العديد من الأطفال إلى القبول بظروف عملٍ سيئة صعبة جداً للحصول على قوت يومهم، وقد يلجأ البعض الآخر إلى الطريقة الأسهل للكسب وهي السرقة أو العمل لدى المنظمات الإجراميّة. ظهور جيلٍ من الأطفال يعاني من اضطراباتٍ نفسية وأمراض فسيولوجية عديدة، حيث إنَّ تشرُّدهم في سنّ المراهقة الذي يُعدُّ سن تطوُّر شخصيتهم يساعد في تكوين شخصية مضطربة. إصابة الأطفال بالأمراض المزمنة مثل التيفوئيد والأمراض الجنسيّة والجلدية بما فيها الجرب وغيرها. الحلول إنشاء مؤسسات تربوية وتأهيلية خاصةٍ بالأطفال المشردين. إيجاد قوانين سريعة خاصة بظاهرة التسرب من المدارس التي تعتبر خطوة مهمة في مشكلة تشرد الأطفال. إيجاد الهيئات التي تُعنى بالمشاكل الأسرية والاجتماعيّة للتقليل من أعداد العائلات المنفصلة. تفعيل دور مؤسسة الضمان الاجتماعيّ لمساعدة الأسر الفقيرة والحدِّ من ظاهرة إخراج الأطفال من المدارس للعمل في ظروف معيشيّة صعبة بهدف إعالة عائلاتهم، وضع الأطفال المدمنين للمخدرات في مصحات نفسية ودور رعاية خاصّة، وتأهيلهم ليصبحوا عناصر فعّالة في المجتمع.
 
إنّ لظاهرة التشرُد آثار وأبعاد مُختلفة تمس المجتمع الذي تتواجد فيه، حيث ينظر البعض بدونية للأشخاص المشردين، ويحملونهم مسؤولية الوضع الذي يعيشونه بكونهم اختاروا طريقة عيشهم كذلك، دون أن يُفكر مثل هؤلاء الأشخاص بالأسباب الفعلية والحقيقية التي دعت لظهور مثل هذه المُشكلة، والتي قد تتمثل بسوء توزيع الموارد والدخل عبر طبقات المجتمع المختلفة، وغياب العدالة والمساواة أيضاً، ما يؤدي إلى تنامي الخوف في نفوس أفراد المجتمع، والحد من المشاركة في البناء والنمو، هذا بالإضافة إلى تفكيك نسيج صفوف بعض المجتمعات، وخلق انقسامات لبن أعضائها، و قد يتعدى ذلك لظهور مشاكل أكثر عمقا و حساسية في المجتمع.. و يُوصف المشرد عادة على أنّه فرد مُستهلك للموارد العامة، بدلاً من أن يكون مُنتجاً في المجتمع، إذ قد يُكلّف المشرد المجتمع كلفة اقتصادية عالية، بسبب ما يحتاجه من خدمات إضافية ومؤسسات خاصة يتم تمويلها من القطاع العام في بعض الدول، فعلى سبيل المثال خصصت ولاية فلوريدا مبلغاً ضخماً يبلغ 168 مليون دولار في التمويل الحكومي والاتحادي والمحلي، لدعم البرامج والخدمات الخاصة لمساعدة المشردين، بينما يُكلّف كلّ مُتشرّد في مقاطعة سانتا كلارا حوالي 83,000 دولار، أي بمعدّل يصل إلى 520 مليون دولار سنوياً، وبحسب ما ورد عن أحد المسؤولين الإداريين في لوس أنجلوس في عام 2015م بوجود ما لا يقل عن خمس عشرة وكالة تعمل بشكل منتظم لمساعدة المشردين، مع تخصيص بعض الإدارات مبالغ كبيرة لهم..

◄ آثار التشرد على السياحة و الصحة العامة.‼

يمتد الأثر السلبيّ للتشُرد ليشتمل قطاعات مهمة كقطاع السياحة، إذ إنّ انتشار هذه الظاهرة يساهم في تقليل السياحة في البلدان، ويعود ذلك إلى احتمالية ارتكاب بعض المشردين للجرائم أو أعمال العنف، كما قد تتسبب هذه الظاهرة بتقليل نسبة إنشاء أي أعمال أو استثمارات جديدة، إذ لا ترغب الشّركات بإنشاء بيئة عمل قد تكون مُزعجة لعملائها، ما سينعكس سلباً على الإيرادات التّجارية للدولة بشكلٍ عامٍ والمواطنين بشكلٍ خاصٍ، كما أنّ زيادة نسبة التشرُد في منطقة معينة قد يعرضها للموت الاقتصادي البطيء من خلال انخفاض الإقبال على المتاجر الموجودة فيها، أو حتى استئجار البيوت للسكن، و التعدي على الممتلكات العامة قد يتخذ المشردون المرافق العامة كالحدائق مأوى لهم، لا سيّما خلال ساعات النهار، إذ يجعلون مقاعد الحديقة على سبيل المثال مكاناً للاستلقاء، مما يؤثر على الإقبال على المرافق العامة، كما قد يؤدي هذا الأمر إلى نشوب الخلافات بين الزائرين والمشردين، إضافة إلى أنّهم قد يُلحقون الضرر بالممتلكات العامة من خلال تعطيل بعض خدمات هذه الأماكن كصنابير المياه، أو أماكن الشوي المخصصة لخدمة الزوار، ليصبح الأمر مربكاً أمام المسؤولين الذين يحسمون الأمر ويُصدرون قراراً في إزالتها، وإغلاقها في وجه الجميع.. آثار التشرُّد على صحة الفرد الصحة الجسدية يُعاني معظم المشرّدين من مشاكل صحيّة وأمراض متنوعة، والتي غالباً ما تكون مزمنة، منها: مرض السرطان، والأمراض التناسلية والمنقولة جنسياً، وأمراض تتعلق بسوء التغذية، والإصابة بالطفيليات، وأمراض الأسنان واللثة، وأمراض المفاصل التنكسية، والتهاب الكبد، والتليف الكبدي، والدوالي أيضاً ويُعزى إصابتهم بالأمراض السابقة إلى العديد من الأسباب، وهي: عدم تمكّنهم من زيارة المستشفى أو المراكز الصحية، وافتقارهم للنظافة الشخصية، بسبب قلة الوعي حول مدى أهميتها، إذ لا يكترث البعض منهم بالاستحمام، حتى وإن طالت المدّة والتي قد تصل إلى ثلاثة أشهر متتالية، هذا بالإضافة إلى النوم خارجاً بمختلف الظروف الجوية، وتناول الأطعمة قليلة القيمة الغذائية، والعيش مع آخرين يفتقرون للبيئة الصحية بشكل كامل.. و من جانب الصحة النفسية يصبح المشرّدون عرضةً للإصابة بالعديد من الأمراض النفسية، كانفصام الشخصية، والاكتئاب، والقلق، والاضطراب الثنائي القطب، والاضطرابات المُتعلقة بتعاطي المخدرات، ويُشير معظم العُلماء أنّ الأمراض العقلية والتشرد يخضعان لعلاقة وثيقة، والتي يمكن وصفها بالعلاقات المُعقدة الثنائية الاتجاه، إذ تسبّب الإصابة بالأمراض العقلية العديد من المشاكل المُصاحبة للسلوك والإدراك، والتي تُصعّب بدورها مُهمّة ممارسة الأنشطة اليومية، أو الحصول على دخل ثابت.
 



في نفس الركن