2024 أغسطس/أوت 22 - تم تعديله في [التاريخ]

روحها‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تسري‭:‬الثورة‭ ‬الوطنية‭ ‬التحريرية‭ ‬التي‭ ‬قادها‭ ‬الملك‭ ‬وشعبه


العلم _ الرباط
 
في مراحل حاسمة من تاريخ الدول، تتجلى القيادة الوطنية لثورات الشعوب، وتبرز صلابة المقاومة للسياسات الاستعمارية، وتظهر القدرة على مواصلة  معارك التحرير من نير الاحتلال وذل العبودية، من أجل الانعتاق والاستقلال، واستعادة الكرامة والعزة، واستئناف حياة الحرية في ظل السيادة الوطنية.

ولقد كانت السنوات الثلاث الأولى من خمسينيات القرن الماضي، أحلك فترة يعيشها المغرب، تفاقمت فيها الأزمة، وتصاعدت خلالها المواجهة  الضارية، بين سلطات الحماية الفرنسية وبين العرش المغربي، مما كان يمهد للانفجار الأعظم الذي وقع يوم 20 غشت من سنة 1953، وهو التاريخ المفصلي الذي فتح الطريق أمام بلادنا  نحو التحرير واستعادة الاستقلال.

ولم يكن القرار الإجرامي الذي اتخذته الإدارة الاستعمارية في يوم 20 غشت سنة 1953، إلا تصعيداً للسياسة القمعية العدوانية التي اتبعتها فرنسا ضد السيادة المغربية المتمثلة في جلالة الملك محمد الخامس، منذ الزيارة التي قام بها إلى باريس، التي كان الهدف منها،  الاتصال المباشر برأس الدولة الفرنسية،  من أجل تحقيق هدفين استراتيجيين، أولهما عرض المطالب المغربية، التي لم تكن تنفصل عن الإطار العام لوثيقة 11 يناير سنة 1944 في عمق مضمونها، وثانيهما التحرر من هيمنة الإقامة العامة على القرارات التي تخدم مصلحة البلاد، وهو الأمر الذي بلغ  درجة من الغليان في الاصطدامات بين جلالة الملك وبين المقيم العام الجنرال جوان.

وقد جاءت هذه المطالب الوطنية المستعجلة، في المذكرة التي وجهها الملك لرئيس الجمهورية الفرنسية ، في يوم 11 أكتوبر سنة 1950، والتي انتقد فيها أسلوب الحماية ، و طالب بإلغاء معاهدة سنة 1912.  ولما لم تكن لتلك المذكرة النتيجة المتوخاة، ولم يستجب لها مجلس الوزراء الفرنسي، قدم الملك مذكرة ثانية تعرب عن أسف الملك وحكومته على وجود خلافٍ أساسٍ بين الدولتين، وتؤكد في الوقت نفسه، أن عهد المجادلة في الإصلاحات الجزئية قد انتهى، وتطالب من جديد باستقلال المملكة وعقد معاهدة تحالف معها.

وعلى هذا الأساس من خيبة الأمل في التعامل السياسي مع دولة الاحتلال التي بنيت على قاعدة معاهدة الحماية ، توترت العلاقات بين الملك والمقيم العام، سواء في عهد الجنرال جوان، أو في عهد الجنرال كيوم الذي خلفه، والذي نفذ الجريمة الكبرى يوم 20  غشت سنة 1953، بنفي الملك محمد الخامس و ابنيه الأميرين مولاي الحسن ومولاي عبد الله، مع جميع أفراد الأسرة المالكة، إلى خارج  البلاد، بعد خلع الملك الشرعي وتنصيب دمية خسيسة هي محمد بن عرفة، سلطاناً للمغرب.

ولم تحسب فرنسا الحساب لما وقع عقب تنفيذ الجريمة التي يدينها القانون الدولي، ولم تراعِ أي اعتبار لما يمثله الملك محمد الخامس، من شرعية دينية وسياسية وتاريخية، وهو الذي رد على الجنرال كيوم حين طلب منه الاختيار بين قبول المطالب الفرنسية وبين التخلي عن العرش، بقوله الذي دخل التاريخ )إنني الملك الشرعية للمغرب، ولن أخون الأمانة التي في عنقي تجاه شعبي،  إن فرنسا قوية ، فلتفعل ما تشاء).

وكانت هذه الجريمة البشعة التي لا مثيل لها، الشرارة التي أشعلت نار الثورة التحريرية الوطنية الكبرى، والتي دخلت تاريخ المغرب  باسم ثورة الملك والشعب، وهو الاسم الذي أطلقه عليها الملك البطل في خطاب ألقاه يوم 18 يونيو سنة 1956 بمناسبة تخليد ذكرى الفدائي المقاوم الجسور محمد الزرقطوني.

إن الموقف الوطني الشريف الذي اتخذه جلالة الملك محمد الخامس تجاه ما عرف بالمطالب الفرنسية، هو الذي ارتفع باسمه إلى الذروة، لأن تلك المطالب تقوم على انضمام المغرب إلى الاتحاد الفرنسي، وإشراك  الفرنسيين المقيمين بالمغرب في المجالس المنتخبة بتقسيم السيادة الوطنية بين طرفين متعارضين في كل شيء، إلى محو الهوية المغربية بتذويبها في هوية فرنسية هجينة.

فهذا الرفض الثابت والمطلق للتفريط في صلاحيات العرش والخصوصيات الروحية والحضارية للشعب المغربي، هو الذي جعل الملك رمزاً للإرادة الوطنية، وقدوة للمقاومة الباسلة حتى قبل انطلاق حركات المقاومة والفداء لتعم معظم أنحاء المغرب.

وهكذا تمثلت في جلالة الملك محمد الخامس، القيادة الواعية والحكيمة لثورة الملك والشعب، فكان عاهل البلاد هو المقاوم الأول، والثائر الفذ، والرمز اللامع المضئ، والقدوة الحسنة، والمثال الرفيع  للقائد البطل في الزمن الصعب، الذي قاد شعبه في ثورة تحريرية وطنية كانت أم الثورات التحريرية في أفريقيا وفي آسيا وأمريكا الجنوبية.

وإذا كانت ثورة الملك والشعب قد حققت أهدافها الوطنية، فإن روحها لا تزال تسري، وعمقها  ما فتئ يؤثر في الحياة الوطنية، وامتداداتها الفكرية والحضارية والتاريخية، تتمثل اليوم في القيادة الحكيمة لحفيد قائد ثورة الملك والشعب، كما تمثلت في ابنه خلال المرحلة الوسطى. ذلك أن الثورات الشعبية الكبرى لا تنتهي بانتهاء المعارك الميدانية، وإنما تبقى روحها سائدة، وأهدافها البعيدة قائمة، وتاريخها حياً في الضمائر حاضراً في العقول.

وهكذا نخلص إلى التأكيد على الحقيقة الماثلة أمامنا، ألا وهي أن جلالة الملك محمد السادس، حفظه الله وأيده،  حفيد قائد ثورة الملك والشعب،  يجسد روح الثورة التحريرية الوطنية الكبرى، و قيمها المثلى، ومقاصدها السامية، وخصائصها الراقية، ودلالاتها العميقة، من أجل تجديد بناء الدولة المغربية الحديثة، وتعزيز قواعد الوحدة الوطنية القوية المتماسكة، وتعميق الولاء للعرش والالتفاف حول جلالة الملك، أدام الله نصره و عزه.

وتلك هي روح ثورة الملك والشعب، إذا ما نظرنا إليها ونحن نحتفل بالذكرى الواحدة والسبعين لانطلاقها، من هذه الزوايا كلها، وليس من زاوية واحدة، باعتبارها حدثاً وطنياً دخل التاريخ، وانقطع أثره في الحاضر والمستقبل.



في نفس الركن