رسائل الكفران

 

العلم الإلكترونية - محمد بشكار 

1

كان شِراء عُلْبة ثِقاب من بين ألعابنا في الصِّغر، ولا نرتاح حتى نحْرق كل أعْوادها المُتوَّجة بالكبريت، أعترف أنِّي اليوم أضحك بِملْء حيرتي مُتسائلا ما المُمْتع في هذه اللعبة الخطيرة، ربما كنا نطفئ بإضْرامها حُرقةً مكبوتة في النفس، ولكن حيْرتي لم تَطُل حين وجدتُ تفسيراً في كثرة الرماد الذي يُخيِّم جاثماً على حياتنا، أدركتُ أن ثمة من ما زال يستهويه اللعب بالنار في الكِبر، وعوض أن يحرق أعواد الثِّقاب ينْغمس في تفْحِيم البلد !

 

2

جَال بخاطري أنَّ المِحن العَصِيبة التي نُكابدها في الحياة، ما هي سوى تدريبٍ عبْر مراحل على الموت، فيا لَعبْقريتي..

ولكن الراقصة "فيفي عبده" قد تجاوزت هواجسي إلى مرحلة ما بعد التدريب على الموت حين قالت: أزور قبري قبل وفاتي لأتعوَّد عليه.. فيا لَعَقْرَبِيتها !

 

3

لا أعرف هل من الحكمة أو النقمة أنْ ينْصَبَّ الشك على منْ لا تحُوم حوله الشُّكوك !

 

4

وصلنا للزَّمن الذي من هَوْله يُولد الأطفال وهم في أرْذل العُمُر، ما جدوى الاستمرار في بثِّ برامج ناعمة حول الطفولة، وثمَّة من يعيش ميْعة الصبا إما بَنَّاءً أو حاملا للسِّلاح يُجيِّشُه المُرْتزقة في بقاع العالم، ما أفظع أن تَضِيق مسافة الحياة بين الرحم والقبر !

 

5

قد نَهْرب من الجميع ولكنَّنا لا نستطيع الهروب من أنفسنا، لذلك ربما ابْتكر المفكر "جيل دولوز" في غَمرة ومُغامرة إبداعه لمفاهيم جديدة تُثْري الفلسفة، مفهوم "خطوط الهروب" الذي لا يعْني في نظري ولو تعددت التآويل سوى الكتابة، أليس إلى الكتابة قد نهْرب حتى من أنفسنا لتحقيق حياة أخرى يلتقي في برزخها الواقعي بالخيالي، خطوط الهروب هنا ليست خوفاً من المُواجهة إنما دفاع عن النفس بِحدِّ القلم، وتحقيق الفرادة التي لا تُوجد إلا على حدود الخطر، أو بصيغة أوْضَح، ابتكر دولوز تَصوُّر خط الهروب كي لا نتورَّط مع باقي الخطوط التي تجعل الفرد في القطيع حمارا وحشياً !   

 

6

الحمد لله، لديَّ من الأعداء ما يعفيني من تغيير وجهي كما أغيِّر جواربي، وما يجعلني في مأمن من الأصدقاء !

 

7

لا أعرف لماذا أغلب زبائن الطبيب من النساء، ليس لأنهن الأكثر سقماً، فالمرض أعمى ولا يُفرِّق بين رجل وامرأة، ربما لأن النساء رغبتهن في العناية الفائقة والمُسْتمرة دون حدود، فالمرأة التي تقع فريسة مجتمع تسود أحاسيسه البلادة، من حقها أن تُدْمن الإقامة في العيادة !

 

8

لم يكن الفتى النَّحيل يسْتعير من القائد الفاتح طارق بن زياد خُطبته الشهيرة التي يمكن إجمالها في عبارة (البحر من ورائكم والعدو أمامكم..)، ولكنه كان يلقي كلمة لا تحتاج لوضع الأصبع على الزِّناد كي تصيب رصاصتها من لا يعنيهم الفقر في المقتل، كان يقول محمولا كقشَّة واهنة يجرفها طوفان المظاهرة في الشارع: لا يهم أن نرمي بأنفسنا في البحر، ما عاد ثمَّة شيء يستحق الحياة ما دمنا نموت كل يوم، ليفتحوا لنا الحدود، حدود البر والبحر، لا يهم أن نموت تباعا.. جياعاً، وأوصي آخر من يتبقى مِنَّا في الغُرفة عديمة الإنعاش لِهذه البلاد، أن يطفئ الضوء !     

 

9

هاتفي يحْصي عليَّ خطواتي، ويخبرني كل مساء أنِّي تجاوزتُ في المشي عشرة آلاف خطوة، لا أعرف هل يريد تشجيعي لأحقِّق لنبض قلْبي إيقاعاً أفضل، أم يخبرني أن طول قدميَّ قد تجاوز على رقعة الأرض الحيِّز الطبيعي !

 

10

أوْقفَ رجلٌ الطاكسي وخاطب السائق: السَّعادة..

نظر إليه السائق مُستفسراً بصيغةٍ لا تصدر إلا عن فيلسوف: وما السَّعادة؟

فأجابه الرجل بصيغة لا تصدر إلا عن حكيم:

ما السعادة التي أقصدها إلا إقامة سَكنية قُرْب مَطْرَح النفايات!

 

11

لضرورة شعرية قد أخِلُّ بنظام حياتي، وإذا اختل الوزْن في إحدى قصائدي مُحاكيا تعثُّر موازين القوى في المجتمع، أرفع شعار: لِيسْقط نظام القافية !