2023 يوليو/جويلية 23 - تم تعديله في [التاريخ]

ربورتاج.. مغامرة إلى المجهول..


* العلم الإلكترونية : اسلام أعلاه

يغامر العديد من المغاربة، سواء كانوا راشدين أو قاصرين، على سلك طريق البلقان في محاولة للوصول إلى دول الاتحاد الأوروبي، أملا في تحقيق أحلام لطالما راودتهم، وظنوا أن أوروبا هي الملاذ الوحيد لتحويلها إلى حقيقة. شباب في ربيع حياتهم لم تنصفهم الحياة في بلدانهم، اضطروا للهجرة من أجل البحث عن أنفسهم في الضفة الأخرى، وهربا من جحيم البطالة والفقر. تاركين وراءهم عائلاتهم في ورعب، وخوف من أن يلقى أبناؤهم حتفهم في غابات البلقان.


هذه الفئة سلكت طريقا لا تقل خطورة عن البحر، هي عبارة عن غابات كثيفة، موحشة، في الشتاء تكسوها ثلوج كثيفة، وتتدنى درجات الحرارة إلى حضيض السلم، هذا البرد يجمد العظام ويشل الحركة ويخدر العقول. وفي وسط هذه المعمعة يسبر المهاجرون، بتهور منقطع النظير، أغوار ممرات مرسومة سلفا بأقدام المهاجرين السابقين. سالكين هذه الأدغال وهم يمنون النفس بألا يلقوا حتفهم جراء البرد أو رصاص الجنود الذين يتربصون بهم في كل وقت وحين.


عبد الله، شاب مغربي قاسى ويلات طريق البلقان، وفي حديثه لجريدة العلم قال: "خرجنا  ليلة يوم السبت من إسطنبول في سيارة شخص سوري، كنا 15 شخصا، بعد ساعات من السير وصلنا إلى "إدرا"، وهي منطقة حدودية، رمت بنا شبكة الهجرة في غرفة تكاد تكون زريبة الحيوانات أحسن منها، بقينا هناك حتى الصباح".


 وتابع:"في المساء ذهبنا إلى قرب نهر إيفروس الحدودي لنعبره، فتم القبض علينا من طرف الجنود الأتراك وجردونا من كل ما نملك، بل قاموا بتصويرنا، بعد حلول الظلام أخلوا سبيلنا".


واردف:"عبرنا الحدود اليونانية وكانت المنطقة الحدودية بين تركيا و اليونان تعج بالقوات والجنود في الليل يستعملون كاميرا ت حرارية لرصد المهاجرين غير الشرعيين. بعد وصولنا إلى تلك المنطقة أخذنا قسطا من الراحة، وفي وقت المناوبة بين جنود الحراسة انتهزنا الفرصة وبدأنا في السير حتى وصلنا إلى طريق سيار في سهل منبسط، رصدنا الجنود، أمرونا بالوقوف و أطلقوا رصاصات تحذيرية، لكن مع ذلك عبرنا ذلك المنبسط و بدأنا في صعود الجبل، كنا نجري لأن الجنود من ورائنا يطلقون الرصاص، لاحظت في ذلك الجبل ملابس ومحافظ و أكياس تعود لمهاجرين آخرين ربما تخلوا عنها للنجاة من  بطش هؤلاء الجنود، كنا نرتجف من شدة الخوف و الجوع، فحسب ما سمعت؛ إن أمسك بك الجنود فإنهم يبرحونك ضربا بدون رحمة حتى تتورم عظامك و تنكسر رقبتك، وينسلخ جلدك. بعد اجتيازنا تلك المنطقة، واصلنا السير وسط الغابة في الليل ونقتات على بعض المؤونة التي بقيت لدينا من سردين معلب وتمر. قطعنا مابين "كوكومنتوني" إلى اليونان في سلام. وفي طريقنا صادفنا نساء وأزواجهن وأطفالهم، وشباب وشابات   وقاصرين من افغانستان وسوريا والجزائر وغيرها من الدول، الكل هرب من جحيم البطالة في بلاده".


واستطرد عبد الله: "تابعنا المسير، لكن أنا كنت مريضا لم أقدر على تلك المشقة، فالجو بارد، لم أستطع تحمل ويلات السير في تلك الغابات الكثيفة الموحشة، أجبرت على إنهاء مغامرتي للوصول إلى أروبا، ودعت زملائي في السفر ونزلت الجبل إلى "كومونتني" لكي أسلم نفسي للشرطة، لكن عندما وصلت إلى تلك المدينة، لم أجد من يقلني و أنا كنت مريضا جدا، لم أجد حلا سوى الاستلقاء في الطريق لعل شخصا يغيثني، نجحت خطتي وأقلتني سيارة الإسعاف إلى المشفى". 


واصل عبد لله قصته وقال:"بعد أن تلقيت العلاج، كبلوا يدي بالأصفاد ونقلوني إلى مخفر الشرطة، حيث التقيت بنساء من المغرب هن وأطفالهن. قامت الشرطة بتجريدنا من كل ما هو ثمين ومن أي شيء يشكل خطرا علينا تفاديا ألا يحاول أحدنا الانتحار. السلطات اليونانية قامت بترحيلنا عبر شاحنات مغلقة إلى الحدود التركية، وصلنا مرة أخرى إلى ضفاف نهر إيفروس الحدودي. في تلك الليلة كنا تقريبا 300 مهاجر من كافة الأجناس والأعراق، حقا كانت معاناة لا تطاق و جحيم فوق الأرض".


وأضاف المتحدث ذاته: "وصلنا إلى إسطنبول عبر سيارة صغيرة تكدسنا فيها ب14 شخصا. أوقفتنا الشرطة وعلموا أننا من اليابنجي ( كلمة تركية تعني الأجنبي) فاقتادونا إلى مركز الشرطة، بعد أيام  ذهبوا بنا إلى سجن "توزلا" و ما أدراك ما سجن "توزلا"، يقع خارج إسطنبول يطلق عليه "قبر للأحياء"، الداخل إليه مفقود  والخارج منه مولود، هذا السجن خاص باليابنجي و المهاجرين و تجار مخدرات".


وصف عبد لله العذاب الذي مر به في سجن توزلا قائلا: "كانت قوات الأمن في السجن يصفوننا بالحمير، أدخلونا إلى زنزانة من الفولاذ بها 7 أسرة و حمام، لكنهم كدسونا في تلك الحفرة كالسردين وعددنا يتجوز 14 سجينا، بالكاد نلتقط الهواء في تلك الغرفة، لم نر الشمس لمدة أسبوع كامل، كانت عيناي تدمعان من شدة فظاعة المكان  بالرائحة الكريهة التي تخرج من الحمام. كان الحراس يعطوننا رغيفين من الخبز و قنينة ماء و علبة عصير صغيرة، و يا ويلك إن كنت مريضا و طلبت منهم أن يسعفوك سوف يخرجونك و يبرحونك ضربا. أما من خالف أوامرهم يجردونه من ملابسه  ويجلسونه في الساحة، كنا حقا المعذبون في الأرض في تلك  الحفرة".


ختم المتحدث ذاته بالقول:" أمضيت 6 أشهر في السجون التركية، تحت العنصرية والمعاناة وسط جحيم لا يطاق. كنت أتوسل إليهم لكي يطلقوا سراحي، ولولا تدخل القنصلية المغربية لتعفنت هناك".


إبراهيم شاب مغربي آخر سلك كذلك طريق البلقان، قال بدوره: "رأيت شخصا فقعت عينه، كدنا أن نتعرض للقتل، كنا نسمع بأن أشخاصا قتلوا برصاص الجنود . أحد أصدقائي قد تعرض لكسر في معصمه واضطر إلى تحمل الألم خلال تلك الرحلة ".  


وتابع حديث: "توجد مافيا المتاجرة في البشر، أشهرهم شخص يسمى ب "التطوتني"، تتكلف هذه المافيا بتوفير سلالم لعبور الحدود بين صربيا وهنغاريا مقابل مبلغ كبير، وهذه المنطقة محصنة جدا، يتواجد فيها جنود حلف الناتو، و الكاميرات الحرارية و الطائرات المسيرة للمراقبة، من حسن الحظ أن الجنود لم يقبضوا علينا لو وقع ذلك لانتهت  مغامرتنا، بل حتى حياتنا"


في معرض جوابه عن سبب إقبال الشباب على المخاطرة بأرواحهم من أجل الهجرة إلى أروبا عبر سلك طريق غابات البلقان، قال الباحث في قضايا الهجرة، الأستاذ عبد الفتاح الزين: "أولا هناك حرمان من حقوق التنقل على الصعيد العالمي، في الوقت الذي نقول فيه إن العالم أصبح قرية، والهجرة حق مكتسب تعترف به كافة المواثيق الدولية. وكل الدول التي ينطلق منها المهاجرون لها إمكانيات، ولكن مواطنوها ليس لهم الحق في الولوج إلى الثروة، مضيفا في تصريح ل"العلم" أنه ليس هناك تكافؤ في الفرص، وليس هناك خيارات أمام هؤلاء المواطنين سواء شباب أو أطفالا وشيوخا لولوج سوق الشغل، أو ما يمكن أن نعبر عنه عموما بأدوات بناء مشروع الحياة، فلهذا صار الأشخاص يرون أن  الهجرة هي البديل والحل و المفتاح السحري. وهذه الهجرة تصبح وبالا على المجتمع". 


 واستطرد الباحث نفسه "هذه الهجرة غير آمنة، والمهاجرون في نزاع مع القانون؛ أي أنهم أشخاص لم يجدوا بدائل أمام انعدام الحقوق، وغياب تكافؤ الفرص، والحق في الولوج إلى الثروة والحق في الشغل بالرغم من المؤهلات التي لديهم"، مشددا على أن أبرز مؤشر على ذلك هو سؤال صاحب الجلالة في خطابه: أين الثروة؟، وكما قال في كثير من خطبه أن هناك تطورا في التنمية لكن لا تنعكس على المجتمع.


وقال الخبير في الهجرة، "نلاحظ اليوم أن الثورة تجتمع في أيدي كمشة قليلة من الناس ومن المؤسسات العابرة للقارات، في وقت ينتشر فيه الفقر، وكل المحفزات على اليأس و الهروب من البلاد، في غياب سياسات تضمن للمواطن الحقوق، و تبين لهم مخاطر الهجرة وتقدم بدائل"، مؤكدا أن هناك بعض المشاريع التي قدمت للشباب مثل مشروع أوراش وفرصتي و مقاولتي، لكنها لم تقدم النتائج المرجوة منها حسب الرأي العام.


وأوضح أنه أمام غياب الأوضاع والشروط المناسبة، وأمام عدم توفير كل ما يجعل المواطن يفكر في البقاء في وطنه، فإن الهجرة لن تتوقف، لأنها نتيجة يأسه من الواقع الذي يعيشه، ولا يمكن أن نحد منها إلا عبر مرافقة هؤلاء الراغبين فيها، وتمتيعهم بحقوقهم من شغل ومساواة وثروة. فلا يمكن لأي قانون أن يحدث القطيعة مع الهجرة، والمقاربة الأمنية والقانونية شيء ضروري، لكن هذا غير كاف.


وختم الباحث في قضايا الهجرة كلامه بأن هناك أيضا هجرة قانونية يجب أن ننتبه إليها، تنشط مع نهاية الموسم الدراسي، وهي الهجرة باسم الدراسة والتكوين، فهذه الظاهرة تستنزف البلد في خيراته الفكرية، إنها هجرة الأدمغة".   




في نفس الركن