2023 يوليو/جويلية 18 - تم تعديله في [التاريخ]

ربورتاج.. الرشيدية موطن الكرم والحفاوة وأرض القحولة والجفاف

سياحة صحراوية متنوعة وفريدة بمقدورها أن تحول الإقليم إلى نقطة جذب سياحي متميز...


مؤشرات تصنف المنطقة ضمن خانة أفقر جهات المملكة فيما يخص الولوج إلى الحقوق الأساسية

التعليم والصحة والتشغيل في مقدمة الإشكاليات المطروحة بقوة 

 

* العلم الإلكترونية: خيرة عاهيد - صحافية متدربة

الرشيدية موطن الكرم والحفاوة، وأرض القحولة والجفاف، البعيدة عن المركز والقريبة من قلوب أهلها، تقع بالجنوب الشرقي للمملكة، فما أن تَعبر الأقاليم الوسطى، حتى تحل محل السهول الخضراء الممتدة، مساحات قاحلة تنذر رائيها والمارين بها باقترابهم من منطقة تعاني الجفاف وندرة المياه.

 يقول محمد لعوان أحد أبناء الرشيدية: "كل شيء فيها يمثل الهشاشة، وغضب الطبيعة متجل في كثرة الغبار والأحجار دون النبات والأشجار، كل شيء فيها مسخ حتى الألوان، يطغى عليها اللون الأحمر في بناياتها، وسمائها الحمراء بالغبار، واسمرار أناسها بفعل حرقة شمسها." أصبح من  غير الممكن نفي أن مناظرها و مجالاتها كادت لا تخفى عن المعرفة،وتتجلى قيمة المنطقة في ما شهدته ،وما مرت به من أحداث تاريخية، فبنواحيها مهد الدولة العلوية الشريفة.


ثروات باطنية غنية مقابل واقع هش

يزخر إقليم الرشيدية بثروات ومؤهلات متنوعة، وموارد طبيعية غنية تحتضن مناجم ومعادن عدة، وتحتل مواردها مراكز مهمة في الاقتصاد الوطني، على غرار منجم "تيجخت" الذي يقع بمنطقة الريصاني، ومنجم "إميضر" الذي يوجد باقليم تنغير، ويعد أكبر منجم للفضة بأفريقيا، فضلا عن مناجم أخرى منتجة للنحاس والذهب ومعدن الكوبالت. 
 

لكن، وعلى الرغم من أطنان المعادن الثمينة التي تُستخرج سنويا على مدى عقود من منطقة الرشيدية، فهذه الأخيرة لم تشهد اهتماما كافيا ينعكس ايجابا على  البنية التحتية والمشاريع التنموية  والاقتصادية القادرة على تحريك عجلة الرواج والنشاط الاقتصاديين، ولم تر في ذلك غير استنزاف المياه الجوفية، كما يقول الفاعل الجمعوي عيسى اقشور متحدثا عن الأوضاع في بلدته "قصر توروك":" في البلدة التي أنتمي إليها على سبيل المثال،هناك شركتان ضخمتان تقومان باستخراج موارد معدنية منذ عقود من الزمن، وبالموازاة مع ذلك، وبعد أن وصلت إلى مئات الأمتار في أعماق هذه المناجم، فهي تسخر آلات ضخمة لضخ المياه التي تعرقل حركة عملهم تلك... تستنزف هذه المياه بملايين الأطنان بعد أن يتم التخلص منها على سطح الأرض، في وقت يجب استغلالها بعد تصفيتها من الشوائب التي تحملها خاصة من بقايا المتفجرات...والظاهر أنه وعلى الرغم مما تزخر به المنطقة من إمكانات طبيعية، إلا أن ذلك لم ينعكس على مستوى عيش الساكنة، التي تفتقر إلى شروط العيش الكريم التي تقتضي التوفر على ما يكفي من المرافق العمومية، كالمستشفيات والأسواق والمؤسسات الادارية والتعليمية الثانوية وغيرها..."


جفاف المنطقة يعزز بضعف التزود بالمياه

تعاني الرشيدية نقصا حادا في المياه، نتيجة التغيرات المناخية، وكذلك الاستهلاك غير المعقلن، ينضاف إلى الانقطاع المتكرر لهذه المادة الحيوية أحيانا كثيرة عن الدور السكنية.ويزداد الأمر خطورة مع حلول فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة بفعل طبيعة المناخ الصحراوي القاري الذي يميز المنطقة، إضافة إلى الجفاف الذي يعاني منه الاقليم والجهة ككل.


ويضيف الفاعل الجمعوي ورئيس جمعية "توروك" للماء الصالح للشرب والتنمية القروية عيسى اقشور:" كثيرا ما يحصل انقطاع في الماء،وخاصة بحلول موسم الصيف  بسبب ندرة المياه الجوفية، وتوالي سنوات الجفاف،وشح التساقطات المطرية في السنوات الأخيرة، وما يزيد الطين بلة هو إحداث بعض المشاريع الفلاحية الضخمة، منها ضيعات النخيل من نوع "المجهول"،والتي تستنزف المياه الجوفية بكثرة، من طلوع الشمس إلى غروبها.


 وقد عرفت مجموعة من العيون بإقليم الرشيدية اختفاء بسبب هذا الوضع، وأخص هنا بالذكر عين مسكي أو ما يعرف بالعين الزرقاء بالرشيدية، والتي توقف جريان مياهها قبل ثلاث سنوات، اذ يرجع البعض سبب ذلك إلى مجموعة من الضيعات الفلاحية المستحدثة مؤخرا بضواحيها ". 

قطاع الصحة في ترد والتعليم العالي يشهد خصاصا


بالحديث عن المستشفيات، يقول أحد الساكنة عن قطاع الصحة بالرشيدية: "قطاع الصحة لدينا شبه غائب، فلا تجهيزات ولا أجهزة و لا معدات طبية كفيلة بالتشخيص والعلاج، ناهيك عن قلة الأطباء،  فلا يجب على المريض أن يغامر بنفسه وحياته أكثر بمكوثه في مستشفياتها، لابد له أن يغادر ويغير المدينة." 


نفس الأمر ينطبق على قطاع التعليم، فبحضور تخصصات في الجامعة بالتعليم العالي بالرشيدية، تغيب أخرى لقلة ومحدودية الكليات أساساً، فهناك الكلية متعددة التخصصات التي  لا تتوفر على أهم المسالك والشعب بما في ذلك التاريخ  والجغرافيا والفلسفة وعلم النفس إلى جانب علم الاجتماع والقانون باللغة الفرنسية... إذ يجد الطالب نفسه مرغما على تغيير المدينة والتوجه صوب مدينة أخرى، الأمر الذي يخلق صعوبة ولوج هذه التخصصات، وبالتالي عدم القدرة على  استكمال الدراسة، بالأخص للطلبة الذين ينتمون إلى أسر ذات دخل محدود. كان ذلك مصير خديجة بعد نيلها لشهادة البكالوريا، تقول:" لم أستطع متابعة دراستي في تخصص علم الاجتماع، لعدم وجوده ضمن التخصصات المتاحة هنا بالرشيدية، فلا قدرة لنا على تحمل عبء مصاريف الكراء والحياة اليومية بمدينة أخرى."


إلى جانب الكلية سالفة الذكر، فهناك أيضا كلية العلوم والتقنيات، ومعهد للتكنولوجيا التطبيقية، وآخر تقني فلاحي، ثم التكوين المهني، والمعهد العالي لمهن التمريض وتقنيات الصحة.


السياحة الواحية الصحراوية ومعالم الجفاف

العديد من المعالم السياحية والمناظر الطبيعية يجتمع فيها التراث الثقافي والجمال الطبيعي بالرشيدية، فمسكي "العين الزرقاء" مثلا، كانت متنفس الساكنة وأهم وجهة يقصدها السياح  للاستجمام والنزهة، لكن الجفاف حوّلها إلى حفرة لم يعد أحد يقصدها أو يبحث عن الاستجمام بها، فلم تعد نقطة ماء تحملها، ولا ندى يظهر عليها. 


وما قد يخفف من حرقة هذا الهول، هو توفر المنطقة على سياحة واحية صحراوية، فالرشيدية أرض القصور والقصبات،التي بمقدورها التحول إلى متاحف ومآثر تاريخية، تساهم في التعريف بتراث المنطقة، فهذه الأخيرة من الأكثر إنتاجا للتمور، إذ تمتد واحات نخيل كثيفة على وادي زيز وغريس، وتعد واحة "زيز" الأكبر في افريقيا، هذا إلى جانب المضايق السياحية التي تعرفها الجهة عموما كمضايق تودغى ودادس بإقليم تنغير، زيادة على الكثبان الرملية التي تزخر بها مرزوكة العالمية.


مكون ديموغرافي فريد واقع الهجرة وشبح البطالة

بين لسان أمازيغي وعربي، تشهد الرشيدية تنوعا ديموغرافيا غنيا، فترى بها الأمازيغ بقبائلهم وانتماءاتهم، والعرب بأصولهم وجذورهم، اختلاف يغني الهوية الثقافية بالمنطقة، وتراثها الفني، فضلا عن تكونها من مجموعة من الفئات العمرية بنسب مرتفعة ومتفاوتة بين أطفال، شيب وشباب، أناس بسطاء على نياتهم يقدمون، قوم كرام جياد وطيبون، عنوانهم السخاء وحسن الضيافة، محافظين في تقاليدهم وعاداتهم، وقورين في أفعالهم وأقوالهم، ولهذا التعدد والوفرة والأخلاق والقيم انعكاس وتأثير على الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية بالمدينة.


 لكن، لإشكال البطالة رأي أخر، فكثرة الشباب، وضعف الأنشطة الاقتصادية بها، جعل من الاقليم خزانا مصدراً لليد العاملة، ومقبرة لمن لا جهد ولا امكانيات له، لتكون بذلك الهجرة للضفة الأخرى المصير المحتم والملاذ الآمن لغالبيتهم، ولعل حالة محمد تعكس هذا الوضع، يقول:" لاحياة لمن تنادي هناك بين دروب و دواوير الإقليم،إن لم توفق في الدراسة وان وفقت فيها حتى، فلن تنال غير البطالة والركود، لذا قررت الهجرة وأنا الآن والحمد لله في عيش هانئ، لا أقول هذا تبخيسا منها لكنه الواقع المر للأسف."


وتبقى الإشارة في الأخير إلى أن مجموعة من المؤشرات تصنف دوما جهة درعة تافيلالت التي ينتمي إليه إقليم الرشيدية، ضمن خانة أفقر جهات المملكة فيما يخص  الولوج إلى الحقوق الأساسية. 





في نفس الركن