الافـتتاحية
أولوية الأولويات لمشروع قانون المالية للسنة القادمة 2025 الذي أعدته الحكومة، هي تعزيز ركائز الدولة الاجتماعية بكل أبعادها وما يرتبط بها و يتفرع عنها ويندمج فيها .وتتكامل هذه الأولوية الرئيسَة، مع أخريات تحمل العناوين التالية، وهي :توطيد دينامية الاستثمار وخلق فرص الشغل، ومواصلة تنزيل الإصلاحات الهيكلية، والحفاظ على استدامة المالية العمومية .
وهي أهداف استراتيجية يدخل تحقيقها ضمن الالتزامات الأساس التي قطعت الحكومة على نفسها الوفاءَ بها والعملَ على تنفيذها وبذلَ أقصى الجهود لتحقيقها، في أفق النصف الثاني من ولايتها الانتدابية، تفعيلاً للتوجهات الملكية السامية القاضية بتنزيل الإصلاحات الجوهرية التي يقودها جلالة الملك محمد السادس، حفظه الله وأيده.
إن القراءة المدققة في ضوء المنهج العلمي الرصين، للمذكرة التوجيهية للحكومة حول إعداد مشروع قانون المالية لسنة 2025، تنتهي بالدارس المتعمق المزود بقواعد العلوم الاقتصادية والمستند إلى علم الاقتصاد السياسي، إلى استخلاص النتيجة الجامعة لكل المجالات الحيوية، و مفادها أن الحكومة تبني برنامجها التفصيلي على أساس دعم إرساء قواعد الدولة الاجتماعية وتعزيز بنيانها والرفع من سقفها وضمان استدامتها ووضع هندسة سياسية ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وإنسانية، لرسم خريطة المستقبل للدولة الاجتماعية.
ولذلك يصح القول بكل ثقة ويقين، إن مشروع قانون المالية للسنة القادمة، هو مشروع الدولة الاجتماعية في المقام الأول، يجمع بين الابتكار والتحديث في العمق والجوهر، وبين الاستجابة لتحديات المرحلة والتفاعل مع المستجدات التي يشهدها العالم في مجالات بناء السياسات الاقتصادية ذات البعد الاجتماعي و العمق الإنساني ، التي تضع توفير الكرامة لكل مواطن في مقدمة الأهداف التي تعمل من أجلها .
وانطلاقاً من هذه الهندسة السياسية والاجتماعية، واستناداً إلى هذه الأبعاد الإنسانية، فإن مشروع قانون المالية للسنة المقبلة، ينبني على أساس الاقتناع العميق والإدراك الواعي، بأن توفير الكرامة وتأمين العيش الكريم للأسرة المغربية، لن يستقيما دون إرساء سياسة اقتصادية مهيكلة تقوم على تحفيز الاستثمار والتشغيل ومواكبة القطاعات الواعدة، بهدف تعبئة التمويلات الضرورية لضمان استدامة ركائز الدولة الاجتماعية.
في ضوء هذه الهندسة السياسية والاقتصادية ذات الأفق الاجتماعي الواسع، ستحرص الحكومة، خلال سنة 2025، والسنوات اللاحقة، على مواصلة ضبط مسار المالية العمومية ، و التحكم في عجز الميزانية على المدى المتوسط، في 4 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، سنة 2024، و 3,5 بالمائة سنة 2025، و 3 بالمائة سنة 2026. ويتوازى هذا المجهود المالي الذي يقوم على حسابات دقيقة روعي فيها استشراف المستقبل استناداً إلى معطيات الحاضر ، مع ضبط حجم المديونية في أقل من 70 بالمائة من الناتج الداخلي الخام ، في أفق 2026 .
بهذه الروح الوثابة، وبهذا الوعي الاجتماعي الرشيد، وبهذه الرؤية الاقتصادية الواضحة، يشكل الحفاظ على السيادة المائية والغذائية والطاقية وحماية القدرة الشرائية، العناوين الرئيسة للمجهود الحكومي خلال السنوات المقبلة . وتلك هي الأهداف الاستراتيجية للدولة الاجتماعية، في جميع أبعادها، كما يتوضح للمراقب المزود بالعلم والخبرة والدراية، ويبرز بشكل وافٍ للمحلل السياسي المستند إلى المنهج السليم والمعتمد على قواعد الاقتصاد السياسي .
وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار السياقَ الدولي المطبوع بالتقلبات الاقتصادية وبالتوترات السياسية الناتجة عن النزاعات والصراعات التي تنشب في بعض المناطق، نجد أن مشروع قانون المالية لسنة 2025 الذي أعدته الحكومة، تفعيلاً للتوجهات الملكية السامية، يعد، وبكل المقاييس، مشروعاً متقدماً وعلى قدر كبير من الجدة والابتكار والملاءمة بين الواقع الذي يحفل بالتحديات، وبين الطموح والاستجابة لتطلعات المواطنات والمواطنين ولانتظاراتهم ولآمالهم .
وتلك هي الخلاصة الوافية التي نخرج بها من قراءة المذكرة التوجيهية للحكومة، حول مشروع قانون المالية للسنة 2025، في ظل سياق الظرفية الحالية التي تعج بالتحديات التي تواصل الحكومة الجهود لرفعها.
*العلم*