ملخص
تهدف هذه الورقة البحثية إلى بيان دور الوكالات الحضارية في السياسة العقارية، وذلك من خلال مستويين اثنين. أولهما يرتبط بعلاقة العقار بالتعمير، إن تأثيرا أو تأثرا، وذلك بما يقتضي توفير المعطيات العقارية اللازمة في الإعداد لوثائق التعمير وتفعيل مضامينها، باعتبار ذلك من المهام الأساسية للوكالات الحضرية، سواء من حيث المساهمة في تحديد مجالات التهيئة وما يقتضيــه ذلك -وفقا لطبيعة الإقليم القروية- من تثمين للعقار الفلاحي، واستثماره في توجيه التوسع العمراني، وأو من حيث المشاركة في توفير الوعاء العقاري لإنجاز البنيات التحتية والمرافق العمومية اللازمة بوثائق التعمير. أما ثاني هذه المستويات فيتعلق باقتراحات تندرج عموما في مهام التهيئة العقارية، وفقا لحكامة أفقية فاعلة، تساهم في إرساء سياسة عقارية إقليمية منسجمة وتهدف إلى تحيين وتدبير البنية العقارية، وذلك من خلال توفير المعلومة العقارية بما يخدم تعبئة العقار العمومي واحترام العدالة العقارية والتنفيذ المجالي لنظام التكافؤ الاجتماعي، إن على مستوى التعمير أو الإسكان، وهو ما من شأنه أن يجعل الوكالات الحضرية في قلب تحولات المجال الترابي -الخاضع لنفوذها- الديمغرافية والاقتصادية والاجتماعية، والتي من شأنها أن تجعل العقار القروي مدخلا للتنمية المجالية بإقليم الخميسات.
على سبيل التقديم
تتولى الوكالات الحضرية تفعيل سياسة الدولة في مجال التعمير والتخطيط والتدبير العمراني، بهدف تهيئة وتدبير المجال، ومن ثم تخطيط التوسع العمراني. وفي هذا الإطار يوجد العقار في صلب مهام الوكالات الحضرية، باعتباره الوعاء لهذه المهام، وكذا باعتباره أساس التقائية السياسات الإقليمية لمختلف الشركاء والفرقاء في ذات القطاع.
ووعيا منها بالرهانات السوسيو-اقتصادية التي يمثلها العالم القروي، تواكب الوكالات الحضرية من خلال مهام التخطيط والتدبير العمراني رهانات التنمية المجالية، وهي تدرك في ذلك ما للعقار من دور حيوي في تحقيق هذه التنمية في شتى أبعادها، باعتباره أساس تنزيل السياسات العمومية في مختلف المجالات، من خلال المساهمة في تعبئة الوعاء العقاري اللازم لإنجاز البنيات التحتية والمرافق العمومية وتوفير احتياجات السكن ودعم الاستثمار المنتـــج.
وعلى هذا النحو، تبدو الحاجة ملحة لتفعيل الدراسات العقارية، من خلال تأكيد التداخل والتأثير المتبادل بين العقار والتعمير، وبخاصة دور الدراسات العقارية في التأسيس لنموذج تعميري ملائم سيأتي بيانه، ومن ثم المساهمة في إعداد وإنجاز وثائق تعمير ذات قابلية للتطبيق وذات فاعلية تنموية؛ وكذا من خلال المساهمة في التهيئة العقارية باعتبارها سياسة عقارية تقوم على تشخيص البنية العقارية بالإقليم، واستثمار ذلك في التدبير العقلاني للأوعية العقارية بما يخدم الاستثمار العقاري في التنمية المحلية بالإقليـم.
وفقا لذلك، فإن الأسئلة الجديرة بالطرح في هذا المقام، والتي نعنى بالإجابة عنها، إنما تتعلق أساسا
بالسؤال المنهجي حول مقومات الحكامة العقارية الناجعة؛
السؤال حول دور السياسة العقارية المتبعة في إعداد وتفعيل مضامين وثائق التعمير؛
السؤال حول دور الوكالة الحضرية للخميسات في بناء سياسة عقارية مواكبة للتنمية المجالية.
1. تأطير منهجي: في ضرورة بناء حكامة عقارية ناجعة
1.1 في مفهوم العقار
تقوم الحكامة العقارية الناجعة على استحضار وتفعيل الأبعاد الاجتماعية في التعامل مع الوعاء العقاري، وهو البعد الذي من شأنه تحقيق الأمن العقاري الذي يشمل اعتبارات الاستقرار السياسي، والتنمية الاقتصادية، والنجاعة المؤسساتية التي تتطلب التأسيس لاستراتيجية عقارية مندمجة بدلا من سياسات عقارية مختلفة؛ هذا فضلا عما تتأسس عليه هذه الحكامة من اعتبار البعد القانوني الماثل في دور التشريع العقاري في تأطير البنية العقارية واستجابتها لمتطلبات التنمية الشاملة، والاستثمارية منها خاصة.
ولأهمية الاعتبار القانوني، يُخص بالذكر نظام التحفيظ العقاري باعتباره أرضية لإقامة مشاريع التنمية بالإقليم ذات الطبيعة السكنية أو الاقتصادية أو السياحية، إضافة إلى مدونة الحقوق العينية العقارية الجامعة لشتات النصوص المنظمة للعقارات غير المحفظة، وكذلك قانون التعمير، وقانون الملكية المشتركة، وغيرها من القوانين...
2.1 في خصوصية العقار القروي
يشهد العالم القروي تحولات مستجدة، وهي التحولات ذات الصلة بأهمية الوعاء العقاري بالإقليم، ويتعلق الأمر بالتحولات الديمغرافية التي تستوجب اعتماد العقار مدخلا لتثبيت واستقطاب الساكنة النشيطة والحد من الانخفاض المتواصل لساكنة العالم القروي، وكذا التحولات الاقتصادية التي تتطلب - إلى جانب تشجيع وتثمين وحدات ومشاريع الإنتاج الفلاحي - الانتقال من الأنشطة الزراعية والرعوية الصرفة إلى تثبيت صبغات اقتصادية ظلت حكرا على الأوساط الحضرية، وذلك بما يأخذ في الحسبان أيضا التحولات الاجتماعية الناجمة عن تغير أنماط الاجتماع القروي وظهور حاجيات مستجدة تتلخص في ضرورة فك العزلة عن العالم القروي وتوفير الولوجية للمرافق والخدمات على حد سواء.
إن للمادة العقارية في السياق الخاص بالمجالات القروية خصوصية تتعلق إجمالا بموقع العقار في التنمية الفلاحية، إذ يشكل القطاع الفلاحي العمود الفقري لاقتصاد الإقليم، حيث يعتبر أهم مورد اقتصادي ومورد عيش غالبية السكان الذين يعيشون بالعالم القروي، ويتوفر على مساحة هامة من الأراضي الصالحة للزراعة والتي تقدر بحوالي 778.350 هكتار. وهو ما يستوجب إرساء رؤية مشتركة حول مستقبل المكون العقاري للمجالات القروية، من خلال الموازنة بين الحاجة للعقار الفلاحي لتحقيق أهداف التنمية الفلاحية وتحسين الإنتاجية الزراعية، وبين الحاجة لهذا العقار للرفع من الاستثمار وتوطين الأنشطة الاقتصادية الجديدة.
وعلى هذا الأساس، فإن من شأن الوكالات الحضرية توفير البيانات اللازمة لوثائق التعمير من أجل استثمار أمثل للعقار القروي في التهيئة المجالية وذلك لضمان ولوج أفضل للساكنة القروية إلى الخدمات الاجتماعية والبنيات التحتية؛ وتعزيز دينامية الاقتصاد القروي؛ وحماية وتثمين الموارد الطبيعية بما يساهم في تحقيق التوازنات الإيكولوجية وبخاصة أمام الدعوات الملحة والمستمرة إلى إدماج الأبعاد البيئية والمناخية في إعداد وثائق التعمير.
3.1 في البعد الاستشرافي والاستباقي للتهيئة العقارية
إن بناء سياسة عقارية يعني ألا ينحصر عمل المؤسسات المعنية بالتدبير العقاري في الإقليم في عمليات التفويت والاقتناء والتخصيص استجابة لحاجيات الاستثمار الآنية، حيث يجب أن تتم هذه العمليات كنتيجة لاعتماد سياسة عقارية استشرافية واستباقية، تروم الوكالات الحضرية عموما إلى إيجاد نقاط التقاء بين السياسات العمومية القطاعية في التعبئة والاستعمال العقلانيين للثروة العقارية.
وهنا تعنى الوكالات الحضرية بمهام الرصد ومعرفة أسواق الأملاك العقارية، وهي المهمة التي تصطدم بتعدد المتدخلين، والتي تستلزم بالتبع المساهمة في توفير نظام معلوماتي عقاري أو مرصد عقاري لتوفير وإنتاج المعلومة التي تدخل في نطاق اختصاص مختلف الهياكل الإدارية المعنية، والتي تشمل مؤشرات الأثمان للأملاك العقارية والمعطيات القانونية المتعلقة بالبنية العقارية سواء على مستوى ازدواجية النظام العقاري أو تعدد هياكله، وما يرتبط بذلك من القدرة على استعمال هذا العقار وتعبئته، فضلا عن توفير المعطيات الطبوغرافية التقنية والخرائطية التي يوفرها نظام المعلومات الجغرافي SIG.
وبالنظر لما يتوفر لدى الوكالات الحضرية من معطيات تتعلق بتعبئة العقار من خلال وثائق التعمير، فإنها القدرة على استشراف اتجاهات توسع مدارات التهيئة والتجمعات الحضرية والقروية، وذلك بهدف تكوين وتوفير الاحتياطات العقارية للتجهيزات العمومية والاستثمارات المنتجة. ولا شك أن مجموع هذه المعطيات تتجاوز مجرد تبادل وتوفير المعلومات، وتمتد أهميتها إلى توفير أرضية لتقييم القرارات السابقة وتهيئة القرارات المستقبلية المتعلقة بالعقار.
2. دور الدراسات العقارية في إعداد وتفعيل وثائق التعمير
1.2 دور العقار في التأسيس لنموذج تعميري ملائم
يلعب العقار دورا مهما في إعداد وإنجاز وثائق التعمير، باعتباره الوعاء والمادة الخام لهذه الوثائق، غير أن تشخيصا أوليا لموقع العقار في التخطيط العمراني، يؤكد على جملة من الإشكالات التي تتحدد على سبيل المثال في الارتفاع المتسارع للقيم العقارية وبخاصة في المجالات الحضرية للإقليم؛ استنزاف الأرصدة العقارية؛ الحاجيات العقارية التي تتجاوز عرض السكن والمرافق والبنيات الأساسية؛ ضعف تثمين الوعاء العقاري نظرا للإشكالات العقارية القانونية؛ صعوبة فتح مناطق جديدة للتعمير...إلخ.
يلعب العقار دورا مهما في إعداد وإنجاز وثائق التعمير، باعتباره الوعاء والمادة الخام لهذه الوثائق، غير أن تشخيصا أوليا لموقع العقار في التخطيط العمراني، يؤكد على جملة من الإشكالات التي تتحدد على سبيل المثال في الارتفاع المتسارع للقيم العقارية وبخاصة في المجالات الحضرية للإقليم؛ استنزاف الأرصدة العقارية؛ الحاجيات العقارية التي تتجاوز عرض السكن والمرافق والبنيات الأساسية؛ ضعف تثمين الوعاء العقاري نظرا للإشكالات العقارية القانونية؛ صعوبة فتح مناطق جديدة للتعمير...إلخ.
وفي مقابل ذلك، فإن ذات التشخيص، وفيما يتعلق بإكراهات التخطيط والتهيئة العمرانية، يسجل محدودية تنزيل مقتضيات وثائق التعمير، مع ما يرافق ذلك من إعلان المنفعة العمومية على امتداد عشر سنوات، وهو ما يؤدي إلى تجميد العقارات، وبخاصة أمام غياب آليات الموازنة العقارية وذلك لضعف تفعيل إجراءات تخصيص مناطق للاحتياط العقاري، وبخاصة باعتباره الإجراء الوحيد في تدبير العقار الذي تنص عليه قوانين التعمير، هذا فضلا عن غياب العدالة العقارية في وثائق التعمير في مجال تخصيص الأراضي للتنطيقات المختلفة وسوء توزيع العقارات المفتوحة للتعمير...إلخ.
أمام هذه الإشكاليات المزدوجة يدفع موقع العقار في التخطيط العمراني إلى التأكيد وفقا لمخرجات الحوار الجهوي للتعمير والإسكان بتاريخ شتنبر 2022، على مبادئ عامة لتخطيط حضري يراعي البنية العقارية، وذلك من خلال اعتماد آلية التخطيط الاستباقي للتهيئة المجالية؛ اعتماد الكثافة كمبدأ مؤطر للتهيئة المجالية ولضبط التوسع الحضري بوثائق التعمير؛ تعميم دراسة خرائط القابلية للتعمير وإدماجها في وثائق التعمير.
هذا فضلا عن ضرورة استحضار وتفعيل آلتي التعمير التشاوري والتعمير العملياتي في إعداد وثائق التعمير، من خلال اعتماد التشاور والتعاقد مع الفرقاء لتحقيق عمليات التحكم في استغلال أراضي المناطق ذات الأولوية؛ تأهيل الأنسجة الحضرية عبر آليات التجديد الحضري وإعادة الهيكلة للقضاء على السكن غير اللائق...
2.2 موقع العقار القروي-الفلاحي في التخطيط العمراني والتدبير الحضري
لا يزال العقار الفلاحي يطرح إشكالات كبرى على المستوى الإقليمي كما الوطني، وذلك بالنظر للإشكالات القائمة في هذا الباب، والتي تمنع من الاستغلال الأمثل لهذا العقار بشكل عام، وفي إعداد وتفعيل وثائق التعمير على وجه الخصوص، مع ما يتفق بشأنه من الفجوة بين خصوصية المناطق القروية واحتياجاتها وأساليب التهيئة المعتمدة التي تساهم في تكريس التوزيع غير المتكافئ للقيمة المضافة بين المجال الحضري والقروي، والذي يؤثر لا شك في الوضع العقاري بالمجال القروي والذي يشمل العقار الفلاحي.
كما أن هناك إكراهات بنيوية تتعلق بوضعية العقار، تتمثل في طبيعة الهياكل العقارية الفلاحية، حيث تتنوع الأنظمة العقارية للأراضي القابلة للفلاحة في مقابل ضعف فعالية نظام ضم الأراضي الفلاحية والحد من تقسيمها؛ التقسيمات المفتتة؛ عدم تعميم نظام التحفيظ العقاري؛ فضلا عن غياب شواهد الملكية والشواهد الإدارية...
هذا بالإضافة إلى إكراهات التدبير الحضري ذات الصلة، والتي تتحدد إجمالا في غياب شهادة الملكية العقارية؛ اشتراط الحد الأدنى للتجزيء؛ تعقد مسار الدراسة وبطؤه؛ نوعية المشاريع الاستثمارية بالعالم القروي وعلى الأراضي الفلاحية والتي تُمنح شهادة عدم الصبغة الفلاحية مما يستنزف الأراضي الفلاحية؛ وذلك إلى جانب إدماج وثائق التعمير للأراضي الفلاحية داخل المجالات الحضرية...
من ثم، وفي مقابل ذلك، تعنى الوكالات الحضرية بتأكيد تبني منظومة تخطيط ترابي ملائم للتهيئة بالوسط القروي، ومرن يراعي الخصوصيات المختلفة للمجالات القروية وخصوصيات ضوابط البناء بهذه المجالات في غير تمييز بين السكني والاستثماري؛ الحرص على تطبيق العدالة العقارية من أجل تنمية مجالية متوازنة وعادلة؛ إحداث مجمعات سكنية بالمجال القروي بما يساهم في تثمين العقار القروي-الفلاحي؛ اعتماد الدوار وحدة ترابية من خلال تقنين تحديد الدواوير بالعالم القروي مما من شأنه التقليص والحد من التوسع العشوائي على حساب الأراضي القروية-الفلاحية؛ إدماج التخطيط الرقمي للمجالات القروية بشكل يواكب في تلازم نظام المعلومات العقاري ويساعد على تصنيف العقار بالمجال القروي الذي يتوزع بين القروي السقوي والقروي الضاحوي والقروي العميق، ويساعد على إحداث مقتضيات قانونية تنظيمية خاصة بكل مجال؛ ومن ثم المساهمة في تجاوز إكراهات تفتت البنية العقارية القروية جراء التقسيمات غير القانونية ...
وفقا لدور العقار في قطاع السكن عموما، وفي سياق متصل بموقع العقار القروي – الفلاحي من عملتي التخطيط والتدبير، لابد من التفكير الجاد بتوفير ميثاق خاص بالبناء بالعالم القروي يراعي الخصوصيات العقارية، وما تعلق منها على سبيل المثال بغياب الوثائق المرتبطة بالعقار وإشكالية المساحة الدنيا ...
وفي علاقة مباشرة بدور العقار في دراسات إعادة الهيكلة، يظل لزاما تعبئة العقار العمومي والخاص كسبيل لتحقيق التوازن بين العرض والطلب، من خلال العمليات التي تهدف إلى إنجاح برامج مدن بدون صفيح، ومحاربة البناء العشوائي، والسكن غير اللائق، وتلبية الحاجيات المتزايدة من السكن، وإنجاز مشاريع سكنية جديدة مهيكلة ومندمجة، وذلك بهدف توفير السكن اللائق، ومنها مشاريع ودراسات إعادة الهيكلة.
وهو النوع من الدراسات - إعادة الهيكلة - الذي يحث الوكالات الحضرية على إيجاد إطار قانوني له، والذي يشتمل على آليات تصفية العقار، فضلا عن السعي اللازم للتحفيظ العقاري واستخراج الرسوم العقارية للمستفيدين من برامج إعادة الهيكلة بغية تحقيق الائتمان العقاري وتسهيل اللجوء الى القروض البنكية لاقتناء المنتوج السكني لمشاريع لإعادة الهيكلة.
ومن ثم يمكن للوكالات الحضرية وللفرقاء المحليين في مجال العقار من تمكين مرصد السكن أو مندوبية السكنى وسياسة المدينة من توفير المعلومات حول العقار المتاح والممكن تعبئته لإنجاز هذه العمليات، وهو ما يساهم كذلك من تسريع وتيرة إعادة الهيكلة بما يحقق الاستفادة دون تزايد عدد دور السكن غير اللائق، كما يمكن من تبني واعتماد مقاربة استباقية بدل المقاربة التصحيحية في معالجة كافة أنواع السكن غير اللائق.
3. دور الدراسات العقارية في التهيئة العقارية ومواكبة التنمية المجالية
1.3 وضعية البنية العقارية
إن تشخيص واقع العقار بإقليم الخميسات، وذلك من واقع المعاينة الميدانية للعقار بالإقليم، يُبرز إشكالتي ازدواجية النظام العقاري بين النظام العقاري التقليدي ونظام التحفيظ العقاري؛ وكثرة أنواع الأنظمة العقارية.
فالنسبة للنظام العقاري التقليدي نجد هشاشة الوضعية القانونية والمادية للعقارات غير المحفظة، فالعقود العدلية التي يعتمد عليها لإثبات حق الملكية لا تتوفر في أغلب الأحيان على المعلومات المدققة للعقار، لا من الناحية القانونية ولا من الناحية الطبوغرافية من حيث المساحة والحدود والمشتملات؛ عدم استقرار الوضعية القانونية لهذه العقارات بما يجعلها مفتوحة للنزاعات بشكل مكثف، ويعرض حقوق أصحابها أحيانا للضياع؛ عدم إشهار الحقوق العينية الواردة على هذه العقارات، الأمر الذي يصعب معه، في كثير من الأحيان، تتبع الوضعية القانونية لهذه العقارات، ومعرفة ملاكيها الحقيقيين وأصحاب الحقوق العينية عليها؛ تعقد مسطرة الخروج من الشياع؛ غياب جهة محددة لتقييد التحملات العقارية الواردة على العقارات غير المحفظة؛ ضعف سندات إثبات ملكية هذه العقارات وباقي الحقوق العينية الواردة عليها، وتعدد المنازعات المتعلقة بها، وكذا طول الفترة الزمنية للبت فيها؛ عدم صلاحية سندات ملكية هذه العقارات كضمانة رهنية لتمكين أصحابها من الحصول على التمويل البنكي، مما يجعلها لا تتوفر على الصفة الائتمانية.
أما فيما يخص نظام التحفيظ العقاري نجد تطهير العقار من الحقوق والتكاليف غير المصرح بها خلال مسطرة التحفيظ، مع تأسيس رسم عقاري يشكل هوية العقار ويكون نهائيا وغير قابل للطعن؛ ضبط الوضعية المادية للعقار عن طريق تحديده بدقة وبيان حدوده ومساحته ومشتملاته، من خلال وضع تصميم عقاري له وربطه بالشبكة الجيوديزية، مما يسهل التعرف على موقعه وحدوده في كل وقت وحين ويحول دون الترامي عليه من طرف الغير؛ إقرار الأثر الإنشائي والقوة الثبوتية للتقييدات المضمنة بالسجلات العقارية وعدم قابلية الحقوق المقيدة عليها للتقادم المكسب؛ يعكس الرسم العقاري، إذا ما تم تحيينه باستمرار، الوضعية الحقيقية للعقار من الناحيتين القانونية والمادية من حيث التعريف بمالك العقار والحقوق العينية الواردة عليه وبأصحاب هذه الحقوق وتواريخ نشوئها، وكذا بالتغييرات الطارئة على حدوده ومساحته ومشتملاته؛ إشهار التصرفات الواردة على العقار بما يمكن الجميع من الاطلاع على وضعيته الحقيقية؛ تسهيل تداول الملكية العقارية والقوة الائتمانية الكبيرة للعقار بفضل الضمانات العينية التي ترد عليه.
الإشكاليات المتعلقة بتعدد وتنوع الهياكل العقارية يتميز النظام العقاري المغربي بتنوع هياكله، فإلى جانب الملكية الخاصة التي تشكل حوالي 75 % من الوعاء العقاري الوطني، نجد أملاك الدولة العامة والملك الخاص للدولة، والملك الغابوي، وأملاك الجماعات الترابية، والأراضي السلالية، وأراضي الجيش، والأملاك الوقفية. ومع أن هذا التعدد لا يمثل إشكالا في حد ذاته، إلا أن طريقة تدبيره تنطوي على مجموعة من الإكراهات التي تؤثر على تأمين الوضعية القانونية لهذه الأنظمة العقارية المتعددة، وتعبئتها وإدماجها في التنمية.
أما على مستوى المجالات التي تتميز بطابعها القروي، فإن تعدد الهياكل العقارية وطريقة تدبيره يظل إشكالا مطروحا وذلك من خلال: تتعدد أنواع الأوعية العقارية بالإقليم أساسا بين أراضي الملك والتي تعاني من إشكالية التقسيم وما ينتج عنها من عدم الاستغلال الأمثل للملك الخاص؛ أراضي الجموع والتي تغيب فيها استمرارية استغلال العقار إضافة إلى صعوبة نزع ملكيتها؛ الأراضي التابعة لملك الدولة الخاص والعام حيث يصعب في الملك العام مباشرة مسطرة تحويل الملكية، كما يصعب في الملك الخاص للدولة ضبط الوعاء العقاري من حيث طبيعته ووظائفه ومساطر تدبيره وتثمينه وضمان حقوق والتزامات الدولة باعتبارها صاحب الملك وكذا النظام القانوني المطبق عليه.
2.3 تدبير البنية العقارية في خدمة الاستثمار العقاري
تتعدد إشكاليات تثمين العقار، وذلك لغياب بنية عملية تمنع الاستنزاف السريع للرصيد العقاري للدولة بالمجال الحضري، ولعدم حماية وصيانة الاحتياطات العقارية التي لها أن تدعم إعمار المجالات الحضرية والقروية. وهي الإشكاليات التي تتوزع بين الطبيعية والوظيفية والديمغرافية والوضعية المادية والقانونية للأراضي الفلاحية...
أمام هذه الإكراهات المتعلقة بتثمين العقار، يلزم التفكير في طرق مبتكرة لتثمين العقار؛ وتقترح الورقة في هذا السياق، توجيه تدبير البنية العقارية إلى إنعاش الاستثمار العقاري، وذلك من خلال توفير الوعاء العقاري لذلك، باعتباره أساسا لتخطيط وإنجاز بنيات استقبال الاستثمار سواء الصناعي أو السياحي...لذلك يتوجب التفكير في إرساء آليات تدبيرية جديدة لتفويت العقار من لدن الأشخاص العمومية كالشراكة بين القطاعين العام والخاص والإيجارات الطويلة الأمــــد، وهو ما من شأنه تمكين المستفيدين من إنجاز استثماراتهم دون الحاجة إلى تسخير جزء مهم من مصادر التمويل لاقتناء الأراضي من جهة، وأن يضمن للجهة المالكة للعقار القدرة على الحفاظ على ممتلكاتها من جهة أخرى.
وفي ذات السياق، فإن الوكالات الحضرية معنية بإيلاء الأهمية وإثراء النقاش حول موقع العقار ضمن ميثاق الاستثمار من خلال مساهمتها في توجه التدبير اللاممركز للاستثمار وتشجيع الاستثمارات العقارية في سياق الملاءمة مع متطلبات النموذج التنموي الجديد وفقا لمنطوق الظهير الشريف رقم 1.22.76 الصادر بتاريخ 09 دجنبر 2022 بتنفيذ القانون الإطار رقم 03.22 بمثابة ميثاق للاستثمار.
على سبيل الختـــــم
تزعم هذه الورقة البحثية القيام بتشخيص أولي للوضعية العقارية بإقليم الخميسات، وتقديم تحليل أولي لمختلف الإشكاليات العقارية، إضافة إلى اقتراح حلول تم بثها في متن هذه الورقة بشكل عرضاني ينسجم وطبيعة الموضوعات المثارة والتي يعبر عنها تصميم الورقة هذه.
ولغاية تقديم مقترحات عملية تتعلق بالتدبير والحكامة العقارية، فإن الخاتمة تعرض لذلك في شكل توصيات ذات طابع إجرائي، والتي تتمثل فـــي :
إجراء تشخيص تحليلي عقاري من خلال الاستثمار الأمثل للدراسات العقارية؛ إرساء نظام معلوماتي عقاري من خلال تحديد الفاعلين العقاريين، والبيانات العقارية ومواكبة السوق العقارية من خلال مؤشر الأثمان العقارية وتحليل العرض والطلب العقاري من خلال التواصل مع مصالح التسجيل والضرائب والمحافظة العقارية؛ إبراز أهمية المحدد العقاري في إنجاز وثائق التعمير وصياغة ضوابط التهيئة؛ جرد العقارات المخصصة لمشاريع إعادة الهيكلة قصد إدماجها في وثائق التعمير؛ المساهمة في تعبئة الوعاء العقاري؛
احترام العدالة العقارية في وثائق التعمير من خلال الاستثمار الإيجابي للقيمة المضافة الناجمة عن فتح العقارات للتعمير وفقا للتنطيقات المختلفة (التجهيزات، المرافق العمومية، الطرق والمساحات الخضراء...)؛ العمل على ملاءمة وثائق التعمير للتوجهات العقارية بالإقليم والقائمة على مراجعة التخصيصات العقارية (الصناعة، السياحة، السكن، المرافق العمومية...) لكل منطقة وفقا لخصوصيتها؛ استثمار وثائق التعمير كأداة لتحقيق الاستفادة المثلى من تخصيص العقارات المعبأة وفقا لمعيار تخصيص المساحات حسب نوعية مشاريع الاستثمار؛ مواكبة النقاش القانوني حول إصلاح ميثاق الاستثمار لإدماج العقار في تدابير التحفيز للاستثمار؛ دراسة أهمية إشراك وزارة المالية في إعداد وثائق التعمير؛ المشاركة في تحسين نظام التتبع والمراقبة بعد تسليم العقار المفوت لمعاينة الإنجازات.