العلم الإلكترونية - الرباط
كشفت دراسة قانونية أجريت مؤخرا، بخصوص مدى دستورية مشروع القانون رقم 23.15، القاضي بإحداث لجنة مؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر، مجموعة من المغالطات القانونية أوردها محمد الأعرج الوزير السابق للثقافة والاتصال والأستاذ الجامعي، من خلال مقال نشره عبر وسائل التواصل الاجتماعي مؤخراً تحت عنوان "قراءة دستورية وقانونية في مشروع القانون رقم 23.15 : "مشروع قانون اللجنة المؤقتة" تعطيل العمل بالشرعية الدستورية وخرق للمشروعية القانونية.
كشفت دراسة قانونية أجريت مؤخرا، بخصوص مدى دستورية مشروع القانون رقم 23.15، القاضي بإحداث لجنة مؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر، مجموعة من المغالطات القانونية أوردها محمد الأعرج الوزير السابق للثقافة والاتصال والأستاذ الجامعي، من خلال مقال نشره عبر وسائل التواصل الاجتماعي مؤخراً تحت عنوان "قراءة دستورية وقانونية في مشروع القانون رقم 23.15 : "مشروع قانون اللجنة المؤقتة" تعطيل العمل بالشرعية الدستورية وخرق للمشروعية القانونية.
وأوضحت الدراسة عبر مذكرة، من خلال مراجعة أولية لما تضمنه هذا المقال، الذي اعتبره صاحبه قراءة دستورية وقانونية، أن الأستاذ الوزير اعتبر من خلال ما أسماه القراءة المتأنية لمواد مشروع القانون، أن هذا المشروع يعطل الشرعية الدستورية ويطرح سؤال المشروعية القانونية، مثيراً بشأنه عدة ملاحظات على مستوى منهجية ومسطرة إعداده، وملاحظات على مستوى مضمونه؛
وقالت الدراسة، "على الرغم من الخلط في دلالة المفاهيم والمصطلحات المتوسل بها في تحرير المقالة المذكورة، وما تتضمنه من مغالطات وسوء فهم، وعدم إدراك لعدد من القواعد والمبادئ الدستورية الأولية، فإن اللافت وغير المفهوم، هو أن يكون هذا الخلط في المفاهيم، والمغالطات في قراءة النصوص القانونية، قراءة غير دستورية، وغير قانونية، تحت مسمى القراءة الدستورية والقانونية بلغة القطع والجزم، دون تمحيص مسبق أو فحص بروية وتثبت، ومما يجعل المسؤولية أثقل على عاتق كاتب المقال، الخلط المفرط بين اقتناعات سياسية موجهة، ليس من أجل القراءة المتأنية العلمية المفترضة، ولكن من أجل تقديم قراءة تحت الطلب، تحت يافطة القراءة العلمية المتأنية"؛
وتابعت، " إن سياق ما تضمنه مقال الأستاذ الوزير، ليس مقالا علمياً، ولا قراءة متأنية، ولا قراءة دستورية، بل هو قراءة سياسية تم خلاله استخدام مقتضيات الدستور، والمفاهيم القانونية استخداماً تعسفياً فيه كثير من الأخطاء التي تثير الاستغراب من أستاذ جامعي، وبرلماني شارك في ممارسة سلطة التشريع ومارس العمل الحكومي، ولا حق له في ارتكاب أخطاء دستورية وقانونية تؤدي إلى مغالطة الرأي العام، وتبنى عليها اقتناعات أطراف أخرى دون فحص أو تمحيص".
وأشارت الدراسة في مذكرتها، إلى أنه قبل توضيح هذه المغالطات، وتقديم عناصر الجواب بشأنها، دون ادعاء أو تطاول على أحكام الدستور والمفاهيم القانونية، التي يقوم عليها نظامنا القانوني، فإنه لا بد من الإشارة إلى أمرين اثنين:
أولهما: ضرورة الفصل بين القراءة السياسية القائمة على دعم موقف سياسي في مواجهة موقف آخر، في إطار مبدإ حرية الرأي والتعبير المكفول دستورياً للجميع، وبين القراءة الدستورية والقانونية، التي ينبغي أن تقوم على مبادئ وقواعد مرجعية، أساسها التحليل العلمي الدقيق، ومنطلقها الإثبات والحجة والتعليل. وهو أمر للأسف، سيتبين لاحقا أن صاحب المقال، الأستاذ الوزير، لم يراعيه، فأصبحنا نتيجة لذلك أمام نوع من التسيب وعدم الإدراك حيث أصبحت قراءة نصوص الدستور كما نقرأ وثيقة سياسية أخرى دون تمييز.
ثانيا: عدم التدقيق والتسرع في إصدار الأحكام دون تحر أو تمحيص، وممارسة نوع من الرقابة الدستورية المسبقة دون مراعاة للأصول والقواعد المرجعية المعتبرة الواجب الاحتكام إليها، بدل الاستناد إلى منهجية المساءلة والتحليل والمقارنة والنقد والتأصيل.
ويمكن بيان ذلك من خلال الملاحظات والتعقيبات التالية على ما جاء في مقال الأستاذ الوزير، كما يلي:
أولا: بخصوص الإخلال بمضمون المادة 19، من القانون التنظيمي رقم 13.065، المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها:
يعتبر صاحب المقال، أن المسطرة التي اتبعت في إعداد مشروع القانون 15.23، من أجل تعطيل أحكام قانون المجلس الوطني للصحافة، مخالفة لمقتضيات المادة 19، من القانون التنظيمي المذكور. وهذه المادة تنص على ما يلي: "كلما اقتضت الضرورة ذلك وبموجب قرار رئيس الحكومة، أن ترفق مشاريع القوانين الرامية إلى سن تشريع جديد أو مراجعة تشريع قائم بدراسة حول آثارها"، ويعتبر تبعاً لذلك أن الحكومة قامت بالمصادقة على مشروع القانون دون القيام بدراسة حول آثار القانون المنظم للمجلس الوطني للصحافة، وهو يعد بحد ذاته إخلال بأحكام القانون التنظيمي السالف الذكر والمسطرة الواجب اتباعها.
والجواب على هذه الملاحظة، أن مبدأ دراسة أثر مشاريع القوانين، ليس قاعدة ملزمة بكيفية دائمة وتلقائية بالنسبة لكل مشاريع القوانين التي يتم إعدادها من قبل الحكومة، إذ المادة 19 من القانون التنظيمي المذكور، التي تؤسس لهذا المبدإ، تقيد إعماله بشرطين اثنين:
- أولهما: وجود ضرورة تستدعي إنجاز دراسة الأثر لمشروع القانون المراد إعداده، كما هو مفهوم من منطوق وروح المادة 19 المذكورة، فهي دراسة تتعلق بالمشروع وليس بالقانون الخاص بالمجلس الوطني للصحافة الجاري به العمل، كما أشير إلى ذلك في مقال الوزير الأستاذ، والهدف من هذه الدراسة هو معرفة أهداف هذا المشروع وتحليل انعكاساته وآثاره وفق ضوابط ومساطر حددتها مقتضيات المرسوم رقم 2.17.585، بتاريخ 4 ربيع الأول 1439 (23 نونبر 2017) المتعلق بدراسة الأثر التي يتعين أن ترفق ببعض مشاريع القوانين.ي
فدراسة الأثر إذن تتعلق ببعض مشاريع النصوص التي تقتضي الضرورة القيام بها في حالات محددة، وليس بكيفية آلية وتلقائية، وإلا فإن مرفق التشريع سيتوقف كلية، وبالتالي سيتعطل إعداد وتنفيذ السياسات العمومية التي يسهر عليها كل من الحكومة والبرلمان وسائر المرافق العمومية.
- ثانيهما:ضرورة إصدار قرار من رئيس الحكومة، يتمبناء عليه القيام بهذه الدراسة بشأن مشروع محدد، وهو قرار يندرج اتخاذه ضمن ما يتمتع به رئيس الحكومة من سلطة تقديرية باعتباره رئيس السلطة التنفيذية، وهو صاحب المبادرة التشريعية في مجال تقديم مشاريع القوانين.
فأين وجه المخالفة الدستورية في المشروع الذي قدمته الحكومة، قد يمكن الاعتراض على مضمون المشروع من الناحية السياسية، لأن الأمر يتعلق بمجال الملاءمة السياسية، التي يرجع لكل طرف تقديرها، ولكن القولبمخالفة المشروع للدستور فيه كثير من التجاوز والخلط والمغالطة ما يؤكد سوء فهم، وعدم تمحيص مسبق، وإطلاق الأحكام على عواهنها دون حجة أو دليل.
ثانياً: بخصوص الإخلال بضمان الأمن القانوني
طرح صاحب المقال الوزير الأستاذ سؤالا اعتبره جوهريا بخصوص الأساس الدستوري لمشروع القانون، فيما إذا كان يندرج الأمر ضمن مجال القانون أو المجال التنظيمي، وهل يندرج مشروع إحداث لجنة مؤقتة ضمن الفصل 71 من الدستور، وخلص إلى أن هذه اللجنة يمكن إحداثها بمرسوم وليس بقانون.
ويضيف من باب التذكير، إلى أنه في الحالة التي يصعب معها وضع حدود واضحة بين المجال التشريعي والمجال التنظيمي، فإنه يمكن الرجوع وفق الممارسات الدستورية والقانونية إلى الفصل 73 من الدستور الذي يأذن للسلطة التنفيذية بتغيير النصوص التشريعية من حيث الشكل بمرسوم بعد موافقة المحكمة الدستورية إذا كان مضمونها يدخل في مجال من المجالات التي تمارس فيها السلطة التنظيمية اختصاصاتها.
والجواب على هذه الملاحظات هو كما يلي:
أولا: إن إقرار آلية اللجنة المؤقتة لتحل محل أجهزة المجلس في ممارسة مهامه المنصوص عليها في المادة 2، من قانون المجلس، وكذا المهام المنصوص عليها في المادة 4 من المشروع، وهو مقتضى من صميم اختصاص القانون، باعتباره جزءا لا يتجزأ من النظام القانوني الذي يختص المشرع بوضعه لقطاع الصحافة كما هو محدد بكيفية مزدوجة في الفصلين 28 من جهة؛ والفصل 71 من جهة أخرى، فالفصل 28 ينص على اختصاص السلطات العمومية بتنظيم قطاع الصحافة، وعلى وضع القواعد القانونية المتعلقة به، وهو ما تم القيام به من خلال مجمل التشريعات الصادرة والجاري بها العمل حاليا، وعبارة "تشجع السلطات العمومية على تنظيم قطاع الصحافة، بكيفية مستقلة، وعلى أسس ديموقراطية" القصد منه وضع الآليات التي تحقق ذلك، بما فيها الآلية التشريعية، وإلا فكيف يمكن وضع قواعد قانونية دون تدخل من قبل المشرع بواسطة القانون؟
إن الوسيلة الوحيدة لوضع قواعد قانونية هي إصدار قوانين عن السلطة التشريعية.
ومن جهة أخرى، فإن الفصل 71 من الدستور ينص صراحة على أن كل ما يتصل بنظام الصحافة، بكل أشكالها، يندرج ضمن مجال القانون، وإقرار قواعد تشريعية تتعلق بآلية اللجنة المؤقتة هو جزء من هذا النظام، فضلا عن كون المهام التي يمارسها المجلس، والتي ستتولها اللجنة المؤقتة بصفة استثنائية ومؤقتة، إنما تتعلق بمجال من مجالات الحقوق والحريات على الرغم من طابعها المهني.
وإقرار إحداث اللجنة المؤقتة بموجب قانون هو ضمانة دستورية وقانونية أقوى، وإلا فكيف يستطيع القول باقتراح إحداث لجنة مؤقتة بمقتضى مرسوم، لتمارس مهام المجلس الوطني للصحافة المحدث بقانون؟ في الوقت الذي يتم الاعتراض على تدخل الحكومة، علما بأن الكلمة الأولى والأخيرة تبقى للبرلمان باعتباره صاحب السلطة التشريعية دستورياً، وهو أمر منسجم تماماً مع مبدإ توازي الشكليات فيما يخص الإجراء المتخذ.
ثانيا: إن الادعاء بوجود صعوبة من أجل التمييز بين المجال التشريعي والمجال التنظيمي وأنه من أجل تدليل هذه الصعوبة يمكن إعمال الفصل 73 من الدستور، فهو ادعاء ينم عن مغالطة وخلط فادح في قراءة النص الدستوري قراءة سليمة.
إن أحكام الفصل 73 من الدستور، تتعلق بمسطرة تعديل النصوص التشريعية من حيث الشكل، بواسطة نصوص تنظيمية، كلما تبين للحكومة أن مقتضى من مقتضيات هذه النصوص يندرج ضمن المجال التنظيمي؛ أي إصدار مراسيم تنظيمية، والحق أن هذه الأحكام لا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بآلية اللجنة المؤقتة.
إن أحكام الفصل 73 من الدستور، تتعلق في التشريع المغربي، بالنصوص الصادرة إما في شكل ظهائر شريفة، أو ظهائر بمثابة قوانين، أو مقتضى من المقتضيات الواردة في قوانين، والتي تعتبر الحكومة أنها مندرجة ضمن اختصاص السلطة التنظيمية طبقاً لما هو منصوص عليه في المادة 72 من الدستور.
ولذلك فإن الإشارة أو الإحالة على الفصل 73 من الدستور، لا أساس ولا مبرر له في هذا السياق.
إن الحل أمام الحكومة لا يعدو أن يكون هو الأخذ بين خيارين:
الخيار الأول: تحديد مدة ولاية المجلس لفترة ثانية من أجل تنظيم انتخابات أعضاء المجلس، على الرغم من العوائق القائمة؛
الخيار الثاني: هو تنصيب لجنة مؤقتة خاصة لاتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل تنظيم هذه الانتخابات.
ولا يمكن في كلتا الحالتين أن يتم ذلك إلا بموجب قانون خاص، استناداً لأحكام الدستور الصريحة، وترسيخاً لما في هذا الإجراء من ضمانات دستورية، وهو المضمون الحقيقي للأمن القانوني، الذي يدعي الأستاذ الوزير، أن المشروع قد أخل به، وهو كلام مردود عليه، ولا يقوم عليه أي دليل.
ثالثاً: بشأن الإخلال بمسطرة معاينة انتهاء ولاية المجلس بقرار معلل منشور بالجريدة الرسمية.
لقد ورد في مقال الأستاذ الوزير أنه كان بالإمكان تطبيق مقتضيات المادة 9، من قانون المجلس في الجزء منه الذي نص على المسطرة التي يجب اتباعها في حالة ما إذا تعذر على المجلس القيام بمهامه من خلال نشر السلطة الحكومية المعنية لقرار معلل بانتهاء ولاية المجلس ونشره بالجريدة الرسمية قبل الإعلان عن مشروع قانون إحداث اللجنة المؤقتة، وهذا الاقتراح الذي اعتبر صاحب المقال عدم اتباعه إخلال بمسطرة معاينة انتهاء ولاية المجلس لا أساس له من الناحية القانونية لسبب بسيط هو أن مدة انتداب المجلس الذي تم تمديدها، قد انتهت بقوة القانون تلقائياً، ولا حاجة للإشهاد عليها بقرار للسلطة الحكومية، وهو أمر لا يحتاج إلى أي تعليل أو إجراء، كما هو الشأن في أوضاع قانونية مماثلة.
كما أن المادة 9 من قانون المجلس لا تنطبق إطلاقاً على حالة انتهاء ولاية المجلس، إذ أن هذا الفصل يتحدث عن حالة تعذر قيام المجلس بمهامه بسبب امتناع أغلبية أعضائه المنتخبين عن حضور اجتماعاته، ولذلك فمسطرة معاينة هذا الامتناع لها ما يبررها من أجل ترتيب الآثار القانونية، والتمييز واضح بين حالة انتهاء مدة الانتداب، وحالة امتناع الأعضاء عن حضور اجتماعات المجلس، وبالتالي فإن الملاحظة المثارة لا تقوم على أي أساس قانوني سليم.
رابعاً: بشأن الإخلال بقواعد التعامل مع القوانين السابقة والسارية المفعول في حالة وجود قانون ينظم موضوعا ما.
إن هذه الملاحظة تثير الاستغراب، وهي صادرة عن برلماني متمرس، خبر العمل التشريعي، وهو يعلم علم اليقين، أن الأمر يتعلق بإجراءات انتقالية واستثنائية ومؤقتة، تستلزم نصاً خاصاً مادامت تتعلق بسن قواعد خاصة ومؤقتة، وأن الإحالة على قانون المجلس تمت الإشارة إليه من أجل تخويل اللجنة حق ممارسة مهام المجلس كما هي محددة في قانونه، وبالتالي فإن أي تشكيك في التقنية التشريعية المتبعة والمتداولة في النظام القانوني المغربي، وفي أنظمة أخرى لا مبرر له، ولا أساس له لا منطقاً ولا قانوناً، فضلا على أن المشرع له كامل الصلاحية في اختيار أنسب الطرق المحققة للهدف المتوخى، وثمة حالات مماثلة تم خلالها إقرار نفس المنهجية، كما هو الشأن بالنسبة لهيئة أطباء الأسنان، حينما تم حل المجلس الأعلى و المجلس الوطني لأطباء الأسنان وتعيين لجنة خاصة لممارسة مهام المجلسين إلى أن تم إقرار قانون جديد وهيكلة جديدة للهيئة، تم في ضوئها تنظيم انتخابات مجلس وطني ومجالس جهوية.
وبالتالي، فإنه ليس ثمة أي إخلال بقواعد التعامل مع القوانين السابقة والسارية المفعول، لسبب واحد هو أن كلا من قانون المجلس وقانون اللجنة المؤقتة المقترح، له موضوعه الخاص، وأن الأمر لا يتعلق، كما جاء في المقال، بسن قانون جديد، بقدر ما يتعلق الأمر بإقرار مقتضيات ذات طبيعة انتقالية ومؤقتة ينبغي أن يكون لها إطارها التشريعي الخاص، وليست هناك أية قواعد دستورية تم خرقها في هذا الإطار، بل لا توجد هذه القواعد أصلا، إذ للمشرع كامل السلطة التقديرية في اختيار الطريقة الأنسب لإقرار المقتضيات التي يراها محققة للأهدافالتي يتوخاها.
خامساً: بشأن الإخلال بقواعد ومنهجية صياغة النصوص التشريعية
يعترض صاحب المقال على المشروع بدعوى عدم تقيده بقواعد الصياغة القانونية، التي يجب في نظره أن تكون خالية من اللبس وقابلة للفهم، وهو ادعاء عار من الصحة، وكلام مرسل لا دليل عليه، إذ يعترض بناء على ذلك، على استعمال ما سماه عبارات عرضية في العديد من المواد، دون أن يقدم على ذلك مثالا واحدا من أجل مناقشته والتثبت منه.
وأما اقتراحه استعمال عبارة "بصرف النظر" للربط بين قانون المجلس ومشروع قانون اللجنة المؤقتة، فإنه اقتراح لا سياق له، ولا ضرورة تستلزمه، ما دام الأمر يتعلق بإقرار مقتضيات خاصة واستثنائية تروم تمكين لجنة مؤقتة خاصة من ممارسة مهام المجلس خلال فترة وجيزة محددة. وقد تم استعمال عبارة " استثناء من أحكام القانون رقم 90.13، وهي عبارة كافية للتدليل على الطابع الاستثنائي للإجراء المتخذ.
سادسا: في شأن الإخلال بالأهداف المتوخاة من مشروع القانون الجديد.
إن وجه الاعتراض لدى صاحب المقال الرامي إلى القول بوجوب تحديد أهداف الإجراء التشريعي بدقة وتحديد الخيارات التي يمكن بلوغها، والاكتفاء بنسخ مقتضى قانوني ساري المفعول بغية إلغاء قاعدة قانونية معمول بها، بدعوى أنها تطرح بعض الصعوبات،وبناء عليه، فهو يعتبر المشروع المقترح لم يأخذ بهذه المنهجية، وهو اعتراض فيه كثير من المغالطة والتسرع في إصدار الأحكام.
إن الإشارة إلى الأهداف المتوخاة من أي نص تشريعي هي مكنة تبقى للمشرع، حسب كل حالة على حدة، حق استعمالها وقتما كان ذلك ضرورياً ولازماً، وليست قاعدة عامة ومطلقة ولا متواترة في جميع النصوص.
إن تحديد الأهداف المتوخاة من أي قانون يريد المشرع الإشارة إليها، عادة ما يتم التنصيص عليها عندما يتعلق الأمر بتشريع جديد أو مراجعة تشريع قائم، وعادة ما يكون ذلك عن طريقتخصيص باب خاص في النص يشكل تمهيدا أو مدخلا للقانون المراد سنه، في شكل أحكام عامة يستعرض من خلالها الأهداف والمضامين العامة للنص، التي يتم استعراض تفاصيلها ومقتضياتها في المواد اللاحقة من النص ضمن أبواب محددة تعكس تسلسلا منطقياً في البناء الهندسي للنص، ومثال ذلك، القانون رقم 88.13، المتعلق بالصحافة والنشر، الذي نص على هذه الأحكام العامة المحددة للأهداف المتوخاة من القانون ضمن الباب التمهيدي للقانون، ومشروع القانون المتعلق بإحداث لجنة مؤقتة لفترة محددة ليس القصد منه سن تشريع جديد بقدر ما هو إقرار آلية قانونية لممارسة مهام المجلس الوطني للصحافة وفق نفس التشريع المتعلق بالمجلس بالإضافة إلى المهام الأخرى المسندة لها فضلا عن كون الأهداف المتوخاة من هذه اللجنة قد تمت الإشارة إليها في مذكرة التقديم المرفقة بالمشروع من جهة، وفي المادتين الثالثة والرابعة من مشروع القانون المقترح.
وهو الأمر الذي لم يلتفت إليه صاحب المقال نتيجة التسرع في إصدار أحكام جزافية ومرسلة دون تمحيص أو تدليل.
سابعا: في شأن القول بأن المشروع تعطيل للعمل بالشرعية الدستورية.
إن صاحب المقال، دون سند علمي وجيه، اعتبر أن مشروع القانون تعطيل للشرعية الدستورية؛ أي تعطيل ــ وفق ما قال ــ لأحكام الدستور خاصة الفصل 28 منه، والباب الثاني منه، المتعلق بالحقوق والحريات، وبناء عليه، يعتبر أن هذا التوجه يشكل منهجية غير دستورية وغير مطابقة لأحكام الدستور، بعلة أن هذا المشروع يوقف العمل بأحكام الفصل 28 من الدستور الذي ينص على الاستقلالية والديمقراطية، وأنه يركز السلطة في يد السلطة التنفيذية عوض الإعلان عن انتخابات ديمقراطية، وهو ما يترتب عنه اعتداء على الحقوق والحريات المضمونة بموجب نص دستوري.
وفي سياق هذا الحكم يعتبر صاحب المقال أن تعطيل الدستور يأخذ إحدى صورتين، الصورة الأولى: ترك أحكام الدستور وإهمالها دون تنفيذ؛ والثانية: تنفيذ هذه الأحكام بشكل مختلف ومغاير تماماً لمضمونها الفعلي الوارد في الوثيقة الدستورية. ويعتبر أن مشروع القانون يندرج ضمن الصورة الثانية، لما فيه من إخلال وعدم الأخذ بالاستقلالية والديموقراطية، وهو بذلك تعطيل لأحكام الفصل 28 من الدستور.
والحق أن هذه القراءة التقييمية لمشروع القانون، وهو نص لا يزال في طور الدراسة والمناقشة، فيه كثير من الغلو والتعسف في قراءة نصوص الدستور وإعمال آلياته.
إن قراءة صاحب المقال لهذا المشروع هي قراءة سياسية يبحث لها عن غطاء قانوني، وأخطر ما في ذلك هو التوظيف السياسي لمبادئ دستورية من أجل ترسيخ الاقتناع لدى القارئ وإيهامه بأن مشروع القانون اعتداء على الدستور وعلى ما تتضمنه أحكامه من حقوق وحريات.
والحق ــ من منطلق الحجة القانونية المستندة إلى أحكام الدستور نفسه ــ أن ما ذهب إليه صاحب المقال ليس قراءة متأنية، ولا قراءة تَمتُإلى القراءة العلمية بصلة، وذلك لاعتبار وحيد أن ثمة واقعة قانونية قائمة لا بد لها من حلول قانونية يجب لزاما أن تكون مطابقة للدستور، ولا مجال للمزايدة في ذلك، ونحن بين خيارين: إما إصدار قانون آخر من أجل تمديد مدة انتداب المجلس مرة ثانية لمدة إضافية؛ وإما إقرار آلية مؤسساتية تقوم مقام الجهاز التداولي للمجلس من أجل تسوية وضعية المجلس، وتجاوز كل العراقيل التي حالت دون تنظيم انتخابات أعضائه، ومراجعة المقتضيات المعرقلة لذلك.
وقد تم اختيار الحل الثاني لمعالجة الأسباب التي حالت دون تنظيم الانتخابات في إبانها، وذلك وفق آلية مستقلة، نواتها الصلبة هي أعضاء المجلس نفسه، سواء تعلق الأمر بالرئيس أو نائبه أو رؤساء اللجان أو القاضي المنتدب من قبل الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية أو ممثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان. وكل هؤلاء لا يمكن الادعاء في أي حال من الأحوال بأن تعيينهم ضمن اللجنة المؤقتة إخلال بمبدئ التنظيم الذاتي القائم على الاستقلالية والأساس الديمقراطي.
أما بخصوص الخبراء المعينين من قبل رئيس الحكومة وعددهم ( 3 ) أعضاء، ففضلا عن صفتهم كخبراء وليسوا ممثلين للسلطة التنفيذية أصلا، فإن مشاركتهم ضمن أعضاء اللجنة المؤقتة، لا ينبغي أن يفهم منه أي سطو أو اعتداء على الحقوق و الحريات أو إخلال بالفصل 28 المتعلق بمبدإ التنظيم الذاتي لسببين اثنين:
- أولهما: الطبيعة المؤقتة للجنة من أجل إنجاز مهام محددة، عجز المجلس عن إنجازها في وضعيته السابقة، وبالتالي فوجود خبراء في اللجنة من المتخصصين في مجال الصحافة والنشر والإعلام، لا يمكن إلا أن يكون له قيمة مضافة، بالنظر لما يتصفون به من تجرد وحياد في ممارسة عملهم ضمن أعضاء المجلس.
- ثانيهما: إن ممثل السلطة الحكومية المكلف بالتواصل، أي الحكومة بصيغة أخرى، إنما يحضر أشغال اللجنة المؤقتة بصفة استشارية كما نصت على ذلك مقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 6، من المشروع، فكيف يمكن الادعاء بأن مشروع القانون تعطيل للشرعية الدستورية؟ أليس إحداث آلية مؤقتة من أجل ضمان استمرارية عملالمجلس بصفته مرفقاً عمومياً هو جوهر الالتزام بالشرعية الدستورية لتفادي التعطيل الفعلي الذي يوجد عليه المجلس حالياً، نتيجة تعذر تنظيم انتخابات أعضائه؟
وماذا سنقول بشأن عدد من المؤسسات التي بقيت دون تجديد أعضائها جراء عدم التمكن من القيام بذلك؟ بالنظر للظرفية التي كانت تعيشها البلاد خلال فترة جائحة "كوفيد ـ 19"، أليس من الشرعية الدستورية إيجاد حل عملي وواقعي لضمان عمل المؤسسة وتأمين استمرارية المرفق الذي تسهر على تدبيره بتكليف صريح من قبل المشرع؟
ثم متى كان اتخاذ مقتضى تشريعي ــ مطابق للدستور ــ من أجل إيجاد حل لواقعة قانونية متعثرة، وفق ضوابط محددة، ولمدة محددة، ولغاية محددة، اعتداء على الشرعية الدستورية وتعطيلالهذه الشرعية؟
ألا تنص أحكام الدستور في فصله 70 على آلية يمكن للمشرع بموجبها أن يأذن، بموجب قانون، للحكومة أن تتخذ في ظرف من الزمن محدود، ولغاية معينة، بمقتضى مراسيم تدابير تدخل في اختصاص المشرع أصلا؟
إن تعطيل الشرعية الدستورية هو عدم اتخاذ أي إجراء يضمن استمرارية عمل المؤسسات واستمرارية المرافق العمومية، التي تسهر على تدبيرها.
ولذلك، لا نعتقد بأن مشروع القانون المقترح فيه تعطيل للشرعية الدستورية، بل هو إجراء تشريعي يقدم حلا لواقعة قانونية قائمة من أجل تأمين استمرارية عمل ومهام المجلس وفق ضوابط محددة، لمدة مؤقتة.
وبالتالي، فالإجراء القانوني المتخذ سليم قانوناً وواقعاً.
ثامناً: فيما يخص ادعاء خرق المشروعية القانونية
لقد اعتبر صاحب المقال مشروع القانون خرق للمشروعية القانونية، أي تعطيل للنص التشريعي، وذلك استنادا إلى العبارة الواردة في مستهل المادة الأولى من مشروع القانون التي جاءت كمايلي: " استثناء من أحكام القانون المتعلق بالمجلس"، وهذا الاعتبار لا يستقيم من زاويتين:
- الزاوية الأولى: أن الأمر لا يتعلق بأي تعطيل للنص التشريعي، أو خرق للمشروعية القانونية كما يدعي صاحب المقال، الأستاذ الوزير، ما دام المشرع هو الذي أقر القانون رقم 90.13، وهو نفسه الذي ترجع له صلاحية البت بالموافقة أو بالرفضعلى مشروع القانون المقترح،بعد ما يدخل عليه ما يراه من تعديلات عند الاقتضاء، وبالتالي، فإن ما قام به المشرع في حالة الموافقة على المشروع هو تأمين استمرارية العمل بالقانون 90.13، وليس تعطيله، ويمكن الرجوع من أجل ذلك إلى أحكام المادة 3 من المشروع المعروض على البرلمان حالياً.
وعلاوة على ذلك، فإن عبارة الاستثناء الواردة في مستهل المادة الأولى، إنما هي من أجل التأكيد على الطابع الاستثنائي لآلية اللجنة المؤقتة، مقارنة بما هو منصوص عليه في القانون 90.13، لا سيما فيما يخص إسناد الاختصاص في ممارسة مهام المجلس إلى هذه اللجنة، وهو ما يبرر التنصيص عليها صراحة في النص، ضماناً لتناسق الأحكام ومضامين النصوص بين القانون السابق والقانون اللاحق، علماً بأن القانونين معاً لهما نفس المكانة في سلم الهرم القانوني ضمن المنظومة القانونية الوطنية، وأن الشرط اللازم الواجب احترامه والتقيد به، هو في الأساس انسجام المقتضيات وعدم تعارضها من أجل تأمين سلامة تطبيقها، وهو أمر تمت مراعاته في صياغة النص وإقرار مقتضياته، وكل كلام عن التعطيل وخرق المشروعية، هو كلام باطل من أساسه، ولا يستقيم بأي حال من الأحوال، ما دام نص المشروع نصاً تشريعياً، وما دام القانون الحالي رقم 90.13، لم يتم إيقاف تنفيذ مفعوله، إذ التمييز الذي لم يلتفت إليه صاحب المقال، الوزير الأستاذ، هو بين انتهاء مدة انتداب أعضاء المجلس، الذي لم تعد لهم الصفة كأعضاء، وبين بقاء مفعول القانون المتعلق بالمجلس سارياً وهما أمران منفصلان لا بد من أخذهما في الاعتبار.
وفي الختام، فإن ادعاء صاحب المقال، أن الباعث على إعداد هذا المشروع هو باعث سياسي، وأن تغليب هذا الباعث هو الدافع إلى ذلك، قول مردود لا يمس حرية الإعلام في شيء، وإلا فإن أي إجراء تشريعي لإدخال تعديلات على تشريع قائم أو مراجعته أو إصدار تشريع جديد أو إصدار تشريع من أجل إصلاح أوضاع قانونية معينة، سيصبح مرفوضاً بدعوى أن الباعث وراءه سياسياً.
إن الباعث السياسي في إصدار التشريعات ليس عيباً في حد ذاته، ولكن العيب أن يكون هذا الباعث هو البقاء في سجن الوضعية الحالية، بدون أفق وبدون حلول، وبدون بدائل.
ومع كل ذلك، فإن مشروع القانون هو اليوم بيد السلطة التشريعية لتتخذ بشأنه ما تراه مناسباً ومحققاً لضمان استمرارية المؤسسات والمرفق العمومي الذي تسهر عليه من جهة، وحماية المكاسب الدستورية التي حققتها بلادنا من جهة أخرى.