العلم الإلكترونية - مروان حميدي
يعتبر النوم شيئا ضروريا في حياة الإنسان، فبفضله يستطيع أن يحظى بصحة جيدة، كما أنه يساعده على ترميم جسده ومنحه الطاقة الكافية للعمل بشكل طبيعي أثناء النهار خاصة بعد التخلص من البروتين السام "بيتا-أميلويد" الذي يؤثر على عمل الدماغ.
في المجمل فإن ساعات النوم تختلف من فئة عمرية لأخرى، لكن نوم الشخص يتعرض لمجموعة من التقلبات والتغيرات، وذلك ارتباطا بمجموعة من العوامل أهمها تغير درجة الحرارة و ارتفاعها في فصل الصيف، بحيث يصبح الفرد غير قادر على النوم بشكل طبيعي وكاف مما يعرقل السير العادي لحياته بحيث من الممكن أن يصاب بأمراض جسدية و نفسية خطيرة من المحتمل أن تؤثر على سلوكه داخل المجتمع.
"العلم" من خلال ورقتها الصحية هاته، تسلط الضوء على هذه المشكلة وانعكاساتها السلبية على صحة الموطن، من خلال استضافة جملة من الخبراء المغاربة.
أشعر أني منهك جدا...
طارق"خ" شاب ثلاثيني يؤكد في تصريح لـ "العلم"، أن ارتفاع درجات الحرارة خلال فصل الصيف تشكل عائقا له للحصول على قسط كاف من الراحة من أجل بدء دوامه اليومي الموالي. وأكد أن ساعات نومه "لا تتجاوز 3 إلى 4 ساعات على أقصى تقدير مما يؤثر على صحتي الجسدية، فكلما ارتفعت درجات الحرارة خلال الليل استيقظت منهك القوى مع إحساس بألم في الرأس والتعب والإرهاق، إضافة إلى تعكر مزاجي، فلا أحب الحديث كثيرا علاوة على هذا فإني أصبح شديد الانفعال".
تصرفاتي غير معقولة...
السيد طارق ليس الوحيد من يعاني من هذا المشكل، بل أيضا السيدة نجية "ب" هي ممن يعانون الأمرين بسبب قلة النوم الناتجة عن الحرارة المفرطة.
تقول لـ "العلم"، "النوم وسط غرفة مشتعلة بالحرارة أمر صعب جدا، بل أشبه بالمستحيل، فنومي خلال الليالي الصيفية أمر صعب يتميز بالتقلب و عدم الاستقرار"، مضيفة أن هذا يؤثر على حياتها الاجتماعية "حيث ينتج عن قلة نومي هذا مزاج متقلب قد يجعلني في بعض الأحيان مضطرة للقيام بتصرفات لا إرادية داخل الأسرة".
هذه القصص التي يعيشها كل من طارق ونجية تحيلنا على طرح جملة من الأسئلة، لعل أبرزها، هل حقا هنالك علاقة بين ارتفاع درجة الحرارة و نوم الإنسان؟
الطيب حمضي: طبيب وباحث في السياسة والنظم الصحية
ارتفاع درجة حرارة الجسم أثناء النوم يسبب الإرهاق وعدم التركيز
أكد الطيب حمضي، باحث في السياسة و النظم الصحية، أن هناك علاقة وطيدة بين درجة حرارة الجو، و تأثيرها على درجة حرارة الجسم المحدد أساسا في 37 درجة".
وأضاف حمضي، في تصريح لـ "العلم"، أن جسم الإنسان يقوم بمجموعة من العمليات المعقدة للحفاظ على درجة حرارته الطبيعية، لأن الجسم أثناء النوم يعمل على تخفيض حرارته بدرجة واحدة، لكن كلما ارتفعت حرارة الجو يصبح الخلود للنوم أمرا جد معقد ينتج عنه نوم متقطع وغير منتظم يؤدي إلى الشعور بالإرهاق و عدم التركيز.
عثمان أمزيان: طبيب عام
الأطفال وكبار السن هم أكثر عرضة لعدم القدرة على النوم في الجو الحار
اعتبر عثمان أمزيان، طبيب عام، أن البيئة التي ينام بها الشخص تعتبر عنصرا في غاية الأهمية من أجل النوم بشكل صحي وسليم.
وأضاف في تصريح لـ "العلم"، أن النوم في غرفة لا تتجاوز حرارتها المئوية 18,3 شيء مهم للحصول على نوم هادئ على اعتبار أن حرارة جسم الإنسان تتغير خلال اليوم بأكمله.
ونبه إلى أنه "كلما ارتفعت درجة غرفتك عن المعتاد كلما عانيت من نوم مضطرب، وهذا يعزى إلى حدوث انخفاض ما يعرف بنوم حركة العين السريعة".
وأشار إلى أن قلة النوم بسبب ارتفاع درجة الحرارة تنجم عنه أضرار جسدية كثيرة من ضمنها "الدوخة أو الإغماء ؛ الغثيان أو القيء ؛ التنفس أو سرعة ضربات القلب ؛ العطش الشديد ؛ أو بول غامق وأقل وفرة".
وأوضح أن "كبار السن والرضع والأطفال الصغار وذوي الاحتياجات الخاصة والمصابون بأمراض مزمنة، هم أكثر عرضة لخطر ارتفاع درجة الحرارة".
دراسة حديثة...
أكدت دراسة حديثة، أن جسم الإنسان بحاجة إلى درجة حرارة مثالية من أجل الخلود للنوم بشكل جيد، وأضافت الدراسة التي قادها الدكتور كاميرون فان دان هويفل، أن "الجسم يحتاج الى تخفيض درجة حرارة باطن جسمه حتى يشعر الشخص بالرغبة في النوم".
وارتباطا بالموضوع نفسه، يرى ميشال بيلسي، أستاذ علم وظائف الأعضاء وعلم الأعصاب بجامعة بوليتيكنيك الإيطالية في إحدى تصريحاته إلى أن "الخلايا النجمية تتولى في العادة تنظيف الدماغ عن طريق إزالة نواتج التآكل العصبي خلال اليوم و ذلك أثناء عملية النوم، لكن عند حدوث نقص في معدلات النوم تقوم تلك الخلايا بأكل نقاط الاشتباك العصبي، أي أن الدماغ يبدأ في إيذاء نفسه بدلا من أن ينظف نفسه".
فاطمة عسلو: باحثة بجامعة العلوم بالقنيطرة
تراجع ساعات النوم يضر بالتوازن الكيميائي لخلايا الدم
إن الحصول على قدر كاف من الاسترخاء أثناء النوم أمر أساسي، وعدم حصول هذا ستكون له عواقب وخيمة على صحة الإنسان الجسدية والنفسية، وهو ما تؤكده فاطمة عسلو، باحثة بجامعة العلوم بالقنيطرة، في حديثها مع "العلم"، وأوضحت "أن هناك دراسات أمريكية أكدت أن تراجع ساعات النوم يضر بالتوازن الكيميائي لخلايا الدم، إضافة إلى تراجع فعالية بعض المواد التي يقوم الدم بتوزيعها على الجسم كمادة الأنسولين.
وأضافت، أن قلة النوم قد تدفع بالإنسان إلى الهلاك، مما يسبب في ارتفاع حوادث السير الناتجة عن عدم التركيز. والأمثلة كثيرة، فمنها مثلا عدم قدرة الطلاب على فهم واستيعاب المحاضرات المقدمة لهم داخل قاعات التدريس.
وتابعت: "علاوة على هذا فإن الإصابة ببعض الأمراض المزمنة ستكون مصير قليلي النوم، منها الإصابة بمرض السكري و أمراض القلب وارتفاع الضغط و احتمالية الإصابة بالاكتئاب، و يبقى أخطر ضرر قد يحدق بالإنسان هو الإصابة بنقص المناعة التي تجعله عرضة للأمراض حتى العادية منها".
أنور رضى: طبيب وأخصائي في الأمراض النفسية والعقلية وعلاج الإدمان
اضطراب النوم المتكرر يؤدي إلى تدمير الدماغ
أكد أنور رضى طبيب، وأخصائي في الأمراض النفسية والعقلية وعلاج الإدمان، أن عدم قدرة الشخص على النوم في ظل ارتفاع درجة الحرارة يظل أمرا طبيعيا، لكن إن تكرر الأمر لدى الشخص ستكون له آثار نفسية قوية.
وحسب رضى فإن "استمرار قلة النوم يخلق التوتر والقلق بالإضافة إلى الاضطرابات المزاجية". واعتبر أن اضطراب النوم قد يؤدي إلى "إحياء بعض الأمراض النفسية كالاكتئاب، والإصابة بنوبات الهلع و مرض ثنائي القطب".
فاطمة الكتاني: أخصائية في العلاج النفسي
الأرق يزداد مع ارتفاع درجة الحرارة
من جهتها، نبهت فاطمة الكتاني، أخصائية في العلاج النفسي، إلى أن الأرق قد يزداد مع ارتفاع درجة الحرارة الذي ينجم عنه قلة التركيز وضعف الذاكرة.
واعتبرت الكتاني، أن النوم له ارتباط وثيق بالأنشطة اليومية للفرد، خاصة وأن قلة ساعات النوم تزيد من حدة شعور الشخص بالإرهاق، ويصبح أكثر غضبا ويزيد من عدم قابليته للتفاهم، و يؤثر سلبا على نمط حياته خاصة من حيث الإنتاجية و العمل.
ليس هذا فقط، بل إن مجموعة من الخبراء والمختصين النفسيين يؤكدون أن النوم المتقطع أو غير الكاف ينتج عنه غياب "الحلم" الذي يكون عاملا أساسيا في التخلص من التوتر والشحنات الزائدة من القلق، و غيابه يعني الزيادة في مستوى الاضطرابات النفسية واحتمالية التعرض لأمراض جسدية.
نصائح خبراء "العلم"
مع ارتفاع درجات الحرارة يصبح النوم صعبا جدا، إن لم يكن مستحيلا لدى عدد كبير من الناس، إلا أن هذا الوضع الموسمي يمكن التخلص منه بالاعتماد على مجموعة من النصائح والإرشادات، التي يؤكدها خبراء "العلم" وينصحون باتباعها.
وأكد الدكتور أنور رضى، في معرض حديثه لصحيفة العلم أن استخدام المكيفات من بين الوسائل المساعدة لتلطيف الجو والحفاظ على حرارة الغرفة، كما أنها تعمل على تبخير العرق، وتسهل الحفاظ على درجة حرارة متوازنة داخل الجسم، وتضمن للإنسان النوم في شروط مناسبة.
ودعا الأخصائي النفسي إلى ضرورة ممارسة الرياضة في الصباح بدلا من الليل وذلك للمساهمة في إفراز مادة 'الميناتولين، و البروستاكلوين" المساعدتان على ضبط أوقات النوم، وتابع: " يجب الابتعاد عن تناول المنبهات المحتوية على نسبة عالية من الكافيين كالمشروبات الغازية، القهوة، الشاي و الكاكاو، لأن لهم تأثير سلبي على النوم ويعيقون دورة النوم الطبيعية.
وأكد على ضرورة تجنب الالكترونيات خاصة وأن الأجهزة الإلكترونية والكهربائية ترفع من درجة حرارة غرفة النوم، "زيادة على هذا فإن الضوء الأزرق المنبعث من مثل هذه الأجهزة يؤثر بشكل سلبي على النوم".
من جانبها، تنصح فاطمة الكتاني، بارتداء الملابس القطنية، كونها أفضل اختيار في هذه الأجواء نظرا لقابليتها على امتصاص العرق مع الحرص على عدم ارتداء الملابس الضيقة التي تحبس الحرارة في الجسم. وأضافت أن الحفاظ على حرارة الغرفة المعتدلة تظل أمرا في غاية الأهمية و لهذا وجب فتح النوافذ عند النوم، فهي خطوة تقلل من مستويات ثاني أكسيد الكاربون و تحسين التهوية داخل الغرفة.
وأوضحت أن تجنب شرب الماء بكميات كبيرة يساعد على النوم بشكل غير متقطع نظرا لأن شرب المياه بكيفية مفرطة يؤدي إلى ازدياد الرغبة في التبول.
في المقابل ينصح أمزيان بأكل الأطعمة الخفيفة والمرطبة كالبطيخ كونه يخفض درجة حرارة الجسم، والابتعاد عن تناول الوجبات الثقيلة.
وأضاف :" أنصح بالاستحمام بالماء الفاتر (وليس البارد)، لأنه يساعد على ترطيب الجسم وانتعاشه وإرخائه من أجل الاستعداد بشكل أفضل للنوم"، وينبه إلى ضرورة الحفاظ على المناخ البارد في غرفة المعيشة عن طريق إغلاق الستائر والنوافذ أثناء النهار عندما يكون الجو باردًا وساخنًا.