العلم - الرباط
بعد فيلمي "زمن الرفاق" و"أفراح صغيرة" الذين عرفا نجاحا كبيرا وتتويجات على المستوى الوطني والدولي، يشارك المخرج السينمائي محمد الشريف طريبق بفيلمه الروائي الجديد "مذكرات" في الدورة 24 من المهرجان الوطني للفيلم بطنجة، وفي محاولة منا لتسليط الضوء على هذا العمل الجديد، أجرت "العلم" الحوار الآتي:
بعد فيلمي "زمن الرفاق" و"أفراح صغيرة" الذين عرفا نجاحا كبيرا وتتويجات على المستوى الوطني والدولي، يشارك المخرج السينمائي محمد الشريف طريبق بفيلمه الروائي الجديد "مذكرات" في الدورة 24 من المهرجان الوطني للفيلم بطنجة، وفي محاولة منا لتسليط الضوء على هذا العمل الجديد، أجرت "العلم" الحوار الآتي:
1- تحدث لنا عن بداية فكرة الفيلم، ثم كيف نضجت لتصبح عملا سينمائيا؟
هي في الحقيقة فكرة قديمة، كتبت رؤوس أقلامها الأولى، وأنا أُحضر تصوير "زمن الرفاق". وقد نجد بداياتها في مذكراتي الشخصية، التي غالبا ما كنت أكتبها بضمير الغائب، حتى إذا قرأها أحد، قد يعتقد أنها محاولات قصصية، وليست وقائع شخصية. في الفيلم أنا أكثر مباشرة، مع العلم انه فيه جزء كبير حياتي الشخصية، وتفاصيل وحكايات أصدقائي. وإذا تأملنا أفلامي الطويلة الثلاثة، نلاحظ أنها تتناول مرحلة الشباب في أزمنة مختلفة من تاريخ المغرب، الخمسينات بالنسبة لـ"أفراح صغيرة" والتسعينيات بالنسبة لـ"زمن الرفاق" والثمانينات بالنسبة لفيلم "مذكرات". وإذا عدنا إلى تصريحاتي سنجد أن كلها تتحدث على الانطلاق من مذكرات غيرية أو متخيلة أو شخصية حسب كرونولوجية الأفلام.
2- لماذا العودة إلى الذاكرة، هل هو تراكم عاطفي أم مشروع لم يكتمل بعد منذ فيلم " زمن الرفاق"؟
ربما لأنني كائن نوستالجي، يخاف من أن تضيع الأشياء واللحظات، وأحاول أن أوقف تدفق الزمن بالسينما والكتابة، وكل الأفلام على الأقل فيما يخصني هي أفلام غير مكتملة من وجهة نظري وهذا ما يعطيني الطاقة لكي أرتبط بمشروع جديد. مثلا جزء كبير من فيلم "مذكرات" كان متضمنا في لحظة ما في فيلم" زمن الرفاق"، وتخليت عنه في وقت لاحق نظرا لطول السيناريو. أما بالنسبة للفيلم الثاني، فعندما صورت "زمن الرفاق " اكتشفت أنني كنت مجحفا في حق مدينة تطوان، التي كنت أكتشفها برؤية مختلفة عن الطريقة التي عرفتها بها عندما كنت طالبا، فكانت النتيجة فيلم "أفراح صغيرة"... أما بالنسبة لفيلم "مذكرات " فهو بالإضافة إلى كونه كان من الممكن أن يكون متضمنا في "زمن الرفاق" كما أشرت إلى ذلك سابقا، فهو عودة إلى حد ما برؤية جديدة إلى أجواء الفيلم القصير "بالكون أطلنتيكو". عموما أفضل أن أبقى في "باب داري" حسب التعبير الدارجي المغربي، أي أن أبقى في عالمي الخاص الذي أعرفه جيدا، وأعتقد بنوع من اليقينية المفرطة أن دوري كمخرج في بلدي بالإضافة إلى صنع الفرجة السينمائية، هو أيضا المساهمة في بلورة ذاكرة وطنية.
3- كيف تم التعامل مع الممثلين (المبتدئين)، وكيف كانت أجواء التصوير؟
الكاستينغ في الحقيقة يجمع بين ممثلين يقفون لأول مرة أمام الكاميرا وآخرون لهم تراكم في المجال. لكن التعامل لم يكن يراعي التجربة، ولكن طبيعة الشخصية، والمساحة التي تحتلها في الفيلم. شخصيتا أحمد وهدى (أنيسة العناية ويوسف شغايش) كانت تتطلبا تداريب مكثفة، لوضعهما في أجواء الفيلم ...عموما أنا أعتمد في أعمالي السينمائية على التداريب وأحتاج إلى نوع من الالتزام الكلي للممثل، الشيء الذي يعفيني من الوجوه المعروفة، وحتى وإن كانت كذلك فإنها أسماء تربطني بها علاقة إنسانية، وجمعتني بها تجربة طويلة على في مجموعة من الأعمال، وهناك تواصل دائم بيننا، مسعود بوحسين وسكينة الفضالي مثلا. من عادتي أن أهيئ الفيلم مدة طويلة لكي تصبح مرحلة التصوير خالية من الضغط والتوتر الذي يغلب دائما على أجواء التصوير، لأنه بالنسبة لي (أي التصوير) هو رغم كل التعقيدات التقنية واللوجستيكية لحظة إبداع، وسفر في الزمان، أعيش من خلاله أجواء الفيلم الذي لا وجود له بعد أو له وجود مجزأ.
4- نادرا ما يتم تسليط الضوء على إشكالية الفرد ودوره داخل المجتمع، والبحث عن حلول لمشاكله بعيدا عن المؤسسات الرسمية أو قوانين تنظم المجال، هل تعتقد أن هناك ثغرة يجب العمل عليها أم أن مجتمعاتنا غير قادرة على الضبط وخصوصا المحافظة (بين قوسين)؟
أكيد، أغلب الإنتاجات السينمائية والتلفزيونية الوطنية هي ذات توجه اجتماعي، حيث أن الفرد أو الشخصية لا يوجد في العمل لذاته، ولكن كممثل لطبقة اجتماعية أو فئة مهنية أو أقلية ما ... ربما أن السياق التاريخي هو الذي فرض ذلك، ولن يفيدنا في شيء أن نحتج على هذا الوضع. ربما في نظري من الأفضل العودة إلى الذات، واقتراح سينما أخرى تقطع مع الخطاطات الدرامية السائدة إلى حد الآن ونمط من الشخصيات قد نجد صداها في القصة القصيرة لسبعينيات القرن الماضي أو مسرح الهواة، باختصار القطع مع نوع من القدرية. كان لدي حتى قبل أن أصبح مخرجا مهنيا هذا الهاجس، الذي تبلور من مقارنة كنا نقيمها بين ما كنا نشاهده في النادي السينمائي والقاعات التجارية وبين الإنتاج الوطني النادر آنذاك. بحكم المكون الثقافي العربي، وكل ما أنتجه الغرب عن هذه المجتمعات من صور نمطية، وبحكم مرحلة الاستعمار، أعتقد أن من آليات تجاوز هذا الإرث الاستعماري ومخلفاته، اقتراح كتابة سينمائية تنتقل بالإنسان المغربي من وضعية الكومبارس إلى شخصية لها عمق ولها تاريخ، وتنتقل بالجغرافيا من خلفية إلى سينوغرافيا مساهمة في المشهد.
5- هل تظن أننا خائفين من تصوير لحظاتنا الحميمية والتجارب الشخصية؟ أم أن الأمر أكبر من ذلك يتعدى الخوف بل الوجود في حد ذاته؟
تصوير لحظاتنا الحميمة فيه مغامرة، لأنه فيه نوع من البوح وتعرية للذات، وهذا يطرح إشكالا، ويتطلب في نظري بالإضافة إلى التمكن من الكتابة السينمائية والوعي بالذات وتناوله بحساسية عالية وجرأة. اللحظات الحميمية هي لحظات ميكروسكوبية، ولحظات تصبح خلالها أدق التفاصيل مهمة وحاسمة في مصير العلاقة بين الشخصيات وفي بناء الفيلم. كمخرج وأنت تدير مشهد حميمي، تضطر إلى أن تتحدث عن نفسك والبوح بها لكي توصل الإحساس الذي تريده للممثلين، الشيء الذي يتطلب منهم أيضا استثمار تفاصيل من حياتهم الشخصية واندماج مطلق وكلي يتجاوز تقنيات الأداء، ويمحي المسافة بين الحياة والتمثيل، بين الشخصي والموضوعي خلال التصوير. الفيلم في هذه الحالة يتحول من عمل ننجزه، نتقاضى عنه أجرا، ونمر لآخر إلى مغامرة إبداعية وتجربة إنسانية تبقى آثارها حتى بعد الانتهاء من التصوير.
هي في الحقيقة فكرة قديمة، كتبت رؤوس أقلامها الأولى، وأنا أُحضر تصوير "زمن الرفاق". وقد نجد بداياتها في مذكراتي الشخصية، التي غالبا ما كنت أكتبها بضمير الغائب، حتى إذا قرأها أحد، قد يعتقد أنها محاولات قصصية، وليست وقائع شخصية. في الفيلم أنا أكثر مباشرة، مع العلم انه فيه جزء كبير حياتي الشخصية، وتفاصيل وحكايات أصدقائي. وإذا تأملنا أفلامي الطويلة الثلاثة، نلاحظ أنها تتناول مرحلة الشباب في أزمنة مختلفة من تاريخ المغرب، الخمسينات بالنسبة لـ"أفراح صغيرة" والتسعينيات بالنسبة لـ"زمن الرفاق" والثمانينات بالنسبة لفيلم "مذكرات". وإذا عدنا إلى تصريحاتي سنجد أن كلها تتحدث على الانطلاق من مذكرات غيرية أو متخيلة أو شخصية حسب كرونولوجية الأفلام.
2- لماذا العودة إلى الذاكرة، هل هو تراكم عاطفي أم مشروع لم يكتمل بعد منذ فيلم " زمن الرفاق"؟
ربما لأنني كائن نوستالجي، يخاف من أن تضيع الأشياء واللحظات، وأحاول أن أوقف تدفق الزمن بالسينما والكتابة، وكل الأفلام على الأقل فيما يخصني هي أفلام غير مكتملة من وجهة نظري وهذا ما يعطيني الطاقة لكي أرتبط بمشروع جديد. مثلا جزء كبير من فيلم "مذكرات" كان متضمنا في لحظة ما في فيلم" زمن الرفاق"، وتخليت عنه في وقت لاحق نظرا لطول السيناريو. أما بالنسبة للفيلم الثاني، فعندما صورت "زمن الرفاق " اكتشفت أنني كنت مجحفا في حق مدينة تطوان، التي كنت أكتشفها برؤية مختلفة عن الطريقة التي عرفتها بها عندما كنت طالبا، فكانت النتيجة فيلم "أفراح صغيرة"... أما بالنسبة لفيلم "مذكرات " فهو بالإضافة إلى كونه كان من الممكن أن يكون متضمنا في "زمن الرفاق" كما أشرت إلى ذلك سابقا، فهو عودة إلى حد ما برؤية جديدة إلى أجواء الفيلم القصير "بالكون أطلنتيكو". عموما أفضل أن أبقى في "باب داري" حسب التعبير الدارجي المغربي، أي أن أبقى في عالمي الخاص الذي أعرفه جيدا، وأعتقد بنوع من اليقينية المفرطة أن دوري كمخرج في بلدي بالإضافة إلى صنع الفرجة السينمائية، هو أيضا المساهمة في بلورة ذاكرة وطنية.
3- كيف تم التعامل مع الممثلين (المبتدئين)، وكيف كانت أجواء التصوير؟
الكاستينغ في الحقيقة يجمع بين ممثلين يقفون لأول مرة أمام الكاميرا وآخرون لهم تراكم في المجال. لكن التعامل لم يكن يراعي التجربة، ولكن طبيعة الشخصية، والمساحة التي تحتلها في الفيلم. شخصيتا أحمد وهدى (أنيسة العناية ويوسف شغايش) كانت تتطلبا تداريب مكثفة، لوضعهما في أجواء الفيلم ...عموما أنا أعتمد في أعمالي السينمائية على التداريب وأحتاج إلى نوع من الالتزام الكلي للممثل، الشيء الذي يعفيني من الوجوه المعروفة، وحتى وإن كانت كذلك فإنها أسماء تربطني بها علاقة إنسانية، وجمعتني بها تجربة طويلة على في مجموعة من الأعمال، وهناك تواصل دائم بيننا، مسعود بوحسين وسكينة الفضالي مثلا. من عادتي أن أهيئ الفيلم مدة طويلة لكي تصبح مرحلة التصوير خالية من الضغط والتوتر الذي يغلب دائما على أجواء التصوير، لأنه بالنسبة لي (أي التصوير) هو رغم كل التعقيدات التقنية واللوجستيكية لحظة إبداع، وسفر في الزمان، أعيش من خلاله أجواء الفيلم الذي لا وجود له بعد أو له وجود مجزأ.
4- نادرا ما يتم تسليط الضوء على إشكالية الفرد ودوره داخل المجتمع، والبحث عن حلول لمشاكله بعيدا عن المؤسسات الرسمية أو قوانين تنظم المجال، هل تعتقد أن هناك ثغرة يجب العمل عليها أم أن مجتمعاتنا غير قادرة على الضبط وخصوصا المحافظة (بين قوسين)؟
أكيد، أغلب الإنتاجات السينمائية والتلفزيونية الوطنية هي ذات توجه اجتماعي، حيث أن الفرد أو الشخصية لا يوجد في العمل لذاته، ولكن كممثل لطبقة اجتماعية أو فئة مهنية أو أقلية ما ... ربما أن السياق التاريخي هو الذي فرض ذلك، ولن يفيدنا في شيء أن نحتج على هذا الوضع. ربما في نظري من الأفضل العودة إلى الذات، واقتراح سينما أخرى تقطع مع الخطاطات الدرامية السائدة إلى حد الآن ونمط من الشخصيات قد نجد صداها في القصة القصيرة لسبعينيات القرن الماضي أو مسرح الهواة، باختصار القطع مع نوع من القدرية. كان لدي حتى قبل أن أصبح مخرجا مهنيا هذا الهاجس، الذي تبلور من مقارنة كنا نقيمها بين ما كنا نشاهده في النادي السينمائي والقاعات التجارية وبين الإنتاج الوطني النادر آنذاك. بحكم المكون الثقافي العربي، وكل ما أنتجه الغرب عن هذه المجتمعات من صور نمطية، وبحكم مرحلة الاستعمار، أعتقد أن من آليات تجاوز هذا الإرث الاستعماري ومخلفاته، اقتراح كتابة سينمائية تنتقل بالإنسان المغربي من وضعية الكومبارس إلى شخصية لها عمق ولها تاريخ، وتنتقل بالجغرافيا من خلفية إلى سينوغرافيا مساهمة في المشهد.
5- هل تظن أننا خائفين من تصوير لحظاتنا الحميمية والتجارب الشخصية؟ أم أن الأمر أكبر من ذلك يتعدى الخوف بل الوجود في حد ذاته؟
تصوير لحظاتنا الحميمة فيه مغامرة، لأنه فيه نوع من البوح وتعرية للذات، وهذا يطرح إشكالا، ويتطلب في نظري بالإضافة إلى التمكن من الكتابة السينمائية والوعي بالذات وتناوله بحساسية عالية وجرأة. اللحظات الحميمية هي لحظات ميكروسكوبية، ولحظات تصبح خلالها أدق التفاصيل مهمة وحاسمة في مصير العلاقة بين الشخصيات وفي بناء الفيلم. كمخرج وأنت تدير مشهد حميمي، تضطر إلى أن تتحدث عن نفسك والبوح بها لكي توصل الإحساس الذي تريده للممثلين، الشيء الذي يتطلب منهم أيضا استثمار تفاصيل من حياتهم الشخصية واندماج مطلق وكلي يتجاوز تقنيات الأداء، ويمحي المسافة بين الحياة والتمثيل، بين الشخصي والموضوعي خلال التصوير. الفيلم في هذه الحالة يتحول من عمل ننجزه، نتقاضى عنه أجرا، ونمر لآخر إلى مغامرة إبداعية وتجربة إنسانية تبقى آثارها حتى بعد الانتهاء من التصوير.