2022 ماي 15 - تم تعديله في [التاريخ]

جودة البحث العلمي ورهان تحقيق التنمية بالمغرب


سعيد شكاك أستاذ باحث بجامعة شعيب الدكالي الجديدة
العلم الإلكترونية - بقلم سعيد شكاك 

يهدف التعليم العالي إلى تكوين الكفاءات وتطويرها وتنمية المعلومات ونشرها في جميع ميادين المعرفة، والإسهام في التطورات العلمية والتقنية والمهنية والاقتصاديــة مع الأخذ في الاعتبار الاحتياجات الخاصة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والتمكن من العلوم والتقنيات والمهارات وتنميتها بواسطة البحــــــث والابتكار. فضلا على الرفع من قيمة التراث الثقافي المغربي والعمل على إشعاع قيمه العريقة. وفي هذا السياق، يعد البحث العلمي رافعا لمشعل التقدم والتطور، وأحد المقومات الأساسية للحضارة، ورافعة أساسية للتنمية، فهو لا يستقيم إلا بتوفر شروط وآليات موضوعية لذلك.
 
في ظل التحولات التكنولوجيا والرقمية، فإن تنمية الرأسمال البشري القادر على استدماج ومواكبة هذه التحولات، يستلزم مراجعة عميقة وملائمة لصيغ وهندسة تكوين الكفاءات والموارد البشرية، باعتبارها الفاعل الأساس في هذا الانتقال السوسيو- اقتصادي والثقافي الحاسم. كما بات من الضروري القيام بمراجعة عميقة للمناهج، وللهندسة البيداغوجية للتكوينات المقدمة. ويقتضي هذا التجديد على مستوى الهندسة البيداغوجية، اعتماد أشكال متنوعة لاكتساب المعارف والكفايات والتعلم، والعمل بطرائق بيداغوجية مجددة وتفاعلية. 
 
وتجاوزا للنموذج البيداغوجي التقليدي دشن القانون رقم 00.01 المتعلق بتنظيم التعليم العالي، إصلاحا بيداغوجيا بنظام LMD (الإجازة، الماستر، الدكتوراه). يهدف إلى إرساء نظام تعليمي يمكن الطالب من تعميق المعارف وتنويعها واكتسابها في مجالات متعددة تلبي حاجيات المحيط السوسيو_اقتصادي والمهني. إضافة إلى إكساب الطالب مناهج عمل تنمي عنده الحس النقدي والقدرة على التحليل والتركيب والقدرة على التكيف. فضلا على استفادة الطالب كذلك من توجيه فعال وملائم يوفق بين رغباته واستعداداته قصد تحضيره الجيد إما للحياة العملية أو لمتابعة الدراسة الجامعية. 
 
واستحضارا لتوجهات الرؤية الاستراتيجية للإصلاح2015-2030، التي تعتبر الجامعة أحد مرتكزات التجديد مع الأخذ بعين الاعتبار كل الصعوبات والتحديات المرتبطة بأدوار التعليم العالي في الارتقاء بالتأهيل والتكوين والتدريس، نجد أن محدودية الجودة على مستوى التربية والتكوين تشكل الاختلال البارز في المنظومة التعليمية بمختلف مكوناتها ومستوياتها، لذلك يشكل الرفع من مقومات الجودة لدى الفاعلين التربويين، وفي المناهج والبرامج والتكوينات، وفي حكامة الجامعة، وفي البحث العلمي، أفقا حاسما لتجديد المنظومة التربوية، وضمان جاذبيتها وجدواها. من هذا المنطلق، يتعين العمل على بناء نموذج مرجعي وطني للجودة، يتم إغناؤه بشكل تدريجي ومتواصل، من خلال مؤشرات متقاسمة وقابلة للملاحظة، وشفافة للجميع.
 
يأتي نموذج التكوين بالجامعات المغربية في سياق مليء بالتحديات، التحديات العالمية، التحديات التكنولوجية، تحديات المنافسة العالمية والاحتكارات الدولية، التحديات الدولية والمحلية المتمثلة في تفشي ظواهر الحقد والعنف، تحديات التشغيل، تحديات إيكولوجية، تحديات صحية واقتصادية، تزايد ضغط الطلب الاجتماعي على التعليم العالي والتزايد المضطرد لحجم انتظارات السكان وحاجيات سوق الشغل، وكذا تحدي البحث عن تمويل التعليم العالي وضمان استمراريته وتنوع مصادره، تحدي ربط البحث العلمي بالتنمية وجعله رافعة أساسية للتنافسية والتطور التكنولوجي، تحدي تحفيز وتكوين الخلف من الباحثين وكذا تعدد المتدخلين وضعف التنسيق واستدامة تمويل البحث العلمي. تشكل هذه التحديات مجتمعة خيوطا بارزة في مسلسل المتغيرات التي يمر بها العالم اليوم. ما يهم من هذه التحديات والتحولات هو أنها تجعل من تطوير التعليم العالي خيارا استراتيجيا، يأخذ في اعتباره بعدين أساسيين، البعد المستقبلي للتعليم، والبعد العالمي، وما يرتبط بالبعدين المحلي والعالمي من نتائج مباشرة تتصل بالمناهج، وطرائق التدريس، وتنويع التكوينات واللغة التي تستخدمها إلى غير ذلك من النتائج المترتبة عن التصورات العقلانية المهتمة بإعداد مواطن الغد على مستوى الأدوار والمسؤوليات.
 
ولتجاوز هذه التحديات والصعوبات وضع المغرب عدة استراتيجيات ترتكز في مجملها على تحسين الولوج والدراسة بالتعليم العالي وتحقيق العدل والمساواة وتكافؤ الفرص واستدامة التعليم. فضلا على الارتقاء بالجودة لتحسين مخرجات التعليم العالي وملاءمتها مع متطلبات التنمية وسوق الشغل، والرفع من مردودية البحث العلمي وربطه بأهداف التنمية الشاملة، وتطوير حكامة منظومة التعليم العالي بهدف الرفع من أداءه. علاوة على وضع نظام إعلامي مندمج ومتناسق وتشجيع التكنولوجيا الحديثة بالتعليم العالي. 
 
إجمالا، يعد إصلاح المنظومة التربوية الجامعية ببلادنا عملا متكاملا لا يقبل التجزئة، ويتطلب مجهودا مضاعفا وحازما، ولاستماته في السعي لبلوغ الغايات المرسومة، ولا يقبل التعثر أو التسويف. فضلا على أن إصلاح اليوم يعتمد على التكوين المستمر لهيئة التدريس بالتعليم العالي وتحفيزها ماديا ومعنويا. فبالرغم من المجهودات والآليات الموجودة حاليا على مستوى التكوين والتدريس بالتعليم العالي لتحقيق التنمية المنشودة من خلال تثمين نتائج البحث العلمي والابتكار واستثمارها فإن النتائج مازالت لا ترقى إلى المستوى المطلوب. مما يتعين ضرورة وضع الإطار العام والمناسب والمحفز لاستمرار عمل شبكة حاضنات المشاريع والرفع من مردوديتها. علاوة على مواكبة أنشطة البحث العلمي لمتطلبات التنمية على المستويين الجهوي والوطني مع مواكبة الباحثين في تثمين نتائج أبحاثهم وابتكاراتهم. 



في نفس الركن