العلم - بقلم زكية حادوش
قرأت باستمتاع افتتاحية الملحق الثقافي لـ"العلم"، إلى درجة أنني أضع لها "لايك" (أي إعجاب حسب لغتنا نحن المخضرمين) وأوصي بقراءتها عبر الرابط الإلكتروني أسفله.
أقول قولي هذا وأنا متيقنة أن الأخ العزيز محمد بشكار يعرفني حق المعرفة منذ كنا معا في نفس المكتب بشارع علال بن عبد الله في الرباط، في عمر السادسة والعشرين، أتغذى على ما ألقاه في طريقي مع الكثير من القهوة السوداء، بدون سكر، وعلى انتظارات شتى: انتظار مجلات "نيوزويك"، "تايم" و"إيل باييس سيمانال" الأسبوعية لكي أجد فيها ما يدفعني للترجمة والتعليق على الأحداث الدولية وكتابة "مفكرتي الأسبوعية"، وانتظار غد أفضل لوطني. بينما كان بشكار يتغذى بسندويتشه المنزلي الملفوف بعناية وعلى شعره الذي لا يشبه أبياتي ولا أبيات غيره وعلى "كلامه الأقل"!
بما أنه يعرفني، فإنه بالتأكيد يعلم أنه لا باع لي في النفاق، فعندما كنت مسؤولة عن تحرير الصفحة الأخيرة، كنت أعتبر كلامه الأقل "كلاما أكثر" وأحاول قدر الإمكان أن أخصص له حيزا في "الماكيت" قدره عمودا ونصف حتى لا أضطر إلى تصغير حروفه. لذلك، أرى أن افتتاحية الملحق المذكورة تستحق أن تخصص لها حروف بحجم العناوين، لأنها عبرت بشكل "رهيب" عما يعتمل في دواخل أغلبية صامتة أعتبر نفسي منها، حتى وإن كنت أتحدث "بالوجه المكشوف" بين الفينة والأخرى.
بدون مواربة أقول إني من بين المقاطعين لموازين والداعين إلى مقاطعته بالذات منذ أن أصبح يسمى مهرجان الرباط بهذا الاسم، ولم يحدث قط أن ذهبت إلى أحد عروضه، رغم أنني كنت أقطن أحيانا على مرمى حجر من بعض منصاته وفي غالب الأحيان كنت أتوفر على تذاكر مجانية.
حاشا أن أذكر هذا تفاخرا ولا تباهيا بموقفي، فالمواقف من القضايا الوطنية الكبرى ومن القضية الفلسطينية ومناصرة كل القضايا الإنسانية العادلة والحقوق الكونية سواء تلك الخاصة بالإنسان أو بالحيوان أو بالطبيعة، لا تقبل المزايدة لأنها من البدهيات في نظري المتواضع.
لكن الشاعر/الصحافي المتميز محمد بشكار أقنعني بالحجة والدليل بالتخلي عن مقاطعتي لمهرجان "الموازين المختلة" ذاك، وبأن أذهب كحجيج "الزومبي" إلى كل منصة، حتى أستمتع بالثغاء والنباح والنهيق...الخ على إيقاعات القصدير وخشب "الكونتربلاكيه" والبلاستيك "البهية". كما دفعني إلى الجري جريا للرقص مع "الفنانين" الذي أبدعوا في رقصات البطة والإوزة وتنطط القرد أو حتى النعامة التي رقصت لتبرز مؤخرتها للجمهور.
نعم، أقنعني بشكار بكلامه في الافتتاحية حتى كنت لأهرول نحو كل هذا، أنا من أعتبر أن لكل مقام مقال، فالترفيه له ظروف وأماكن خاصة، وما كنت أعتقد أن "الزلط والتفرعين" سياسة عمومية و"التضبيع" ينتج "التطبيع" مع الأزمات والمآسي والإبادات ومن تسبب فيها. كنت سأذهب، كأن شيئا لم يكن، كأن ما يجري في الداخل والخارج لا يهمني وليستمر العزف!
كيف اقتنعت؟ ببساطة، أولا، ما يحصل الآن هو من صنف مسرح العبث الممعن في خدش مشاعرنا الإنسانية وتجاهل مطالبنا المشروعة ولا تناسبه سوى السخرية السوداء التي جادت بها قريحة محمد بشكار. ثانيا، وكما نصح هو بذلك، علي الاستمتاع بكل درهم من أموال الشعب المغربي اليتيم كما يستغل كل مواطن كبش العيد الذي اشتراه من جيبه، حتى آخر قطعة لحم، آخر عظم، بل حتى القرون و"البطانة"!
أخيرا، أعتذر من كل تلك الخلائق التي ذكرتها في هذا المقال وقارنتها بنا نحن البشر، فهي لا تفعل سوى ما فطرت عليه وما تعرفه ولا تتعدى على ما تعرفه، إذ لن تصادف في حياتك نعجة تعوي ولا ذئبا يثغو. ومرة أخرى: الذئب لا يرعى الغنم.
قرأت باستمتاع افتتاحية الملحق الثقافي لـ"العلم"، إلى درجة أنني أضع لها "لايك" (أي إعجاب حسب لغتنا نحن المخضرمين) وأوصي بقراءتها عبر الرابط الإلكتروني أسفله.
أقول قولي هذا وأنا متيقنة أن الأخ العزيز محمد بشكار يعرفني حق المعرفة منذ كنا معا في نفس المكتب بشارع علال بن عبد الله في الرباط، في عمر السادسة والعشرين، أتغذى على ما ألقاه في طريقي مع الكثير من القهوة السوداء، بدون سكر، وعلى انتظارات شتى: انتظار مجلات "نيوزويك"، "تايم" و"إيل باييس سيمانال" الأسبوعية لكي أجد فيها ما يدفعني للترجمة والتعليق على الأحداث الدولية وكتابة "مفكرتي الأسبوعية"، وانتظار غد أفضل لوطني. بينما كان بشكار يتغذى بسندويتشه المنزلي الملفوف بعناية وعلى شعره الذي لا يشبه أبياتي ولا أبيات غيره وعلى "كلامه الأقل"!
بما أنه يعرفني، فإنه بالتأكيد يعلم أنه لا باع لي في النفاق، فعندما كنت مسؤولة عن تحرير الصفحة الأخيرة، كنت أعتبر كلامه الأقل "كلاما أكثر" وأحاول قدر الإمكان أن أخصص له حيزا في "الماكيت" قدره عمودا ونصف حتى لا أضطر إلى تصغير حروفه. لذلك، أرى أن افتتاحية الملحق المذكورة تستحق أن تخصص لها حروف بحجم العناوين، لأنها عبرت بشكل "رهيب" عما يعتمل في دواخل أغلبية صامتة أعتبر نفسي منها، حتى وإن كنت أتحدث "بالوجه المكشوف" بين الفينة والأخرى.
بدون مواربة أقول إني من بين المقاطعين لموازين والداعين إلى مقاطعته بالذات منذ أن أصبح يسمى مهرجان الرباط بهذا الاسم، ولم يحدث قط أن ذهبت إلى أحد عروضه، رغم أنني كنت أقطن أحيانا على مرمى حجر من بعض منصاته وفي غالب الأحيان كنت أتوفر على تذاكر مجانية.
حاشا أن أذكر هذا تفاخرا ولا تباهيا بموقفي، فالمواقف من القضايا الوطنية الكبرى ومن القضية الفلسطينية ومناصرة كل القضايا الإنسانية العادلة والحقوق الكونية سواء تلك الخاصة بالإنسان أو بالحيوان أو بالطبيعة، لا تقبل المزايدة لأنها من البدهيات في نظري المتواضع.
لكن الشاعر/الصحافي المتميز محمد بشكار أقنعني بالحجة والدليل بالتخلي عن مقاطعتي لمهرجان "الموازين المختلة" ذاك، وبأن أذهب كحجيج "الزومبي" إلى كل منصة، حتى أستمتع بالثغاء والنباح والنهيق...الخ على إيقاعات القصدير وخشب "الكونتربلاكيه" والبلاستيك "البهية". كما دفعني إلى الجري جريا للرقص مع "الفنانين" الذي أبدعوا في رقصات البطة والإوزة وتنطط القرد أو حتى النعامة التي رقصت لتبرز مؤخرتها للجمهور.
نعم، أقنعني بشكار بكلامه في الافتتاحية حتى كنت لأهرول نحو كل هذا، أنا من أعتبر أن لكل مقام مقال، فالترفيه له ظروف وأماكن خاصة، وما كنت أعتقد أن "الزلط والتفرعين" سياسة عمومية و"التضبيع" ينتج "التطبيع" مع الأزمات والمآسي والإبادات ومن تسبب فيها. كنت سأذهب، كأن شيئا لم يكن، كأن ما يجري في الداخل والخارج لا يهمني وليستمر العزف!
كيف اقتنعت؟ ببساطة، أولا، ما يحصل الآن هو من صنف مسرح العبث الممعن في خدش مشاعرنا الإنسانية وتجاهل مطالبنا المشروعة ولا تناسبه سوى السخرية السوداء التي جادت بها قريحة محمد بشكار. ثانيا، وكما نصح هو بذلك، علي الاستمتاع بكل درهم من أموال الشعب المغربي اليتيم كما يستغل كل مواطن كبش العيد الذي اشتراه من جيبه، حتى آخر قطعة لحم، آخر عظم، بل حتى القرون و"البطانة"!
أخيرا، أعتذر من كل تلك الخلائق التي ذكرتها في هذا المقال وقارنتها بنا نحن البشر، فهي لا تفعل سوى ما فطرت عليه وما تعرفه ولا تتعدى على ما تعرفه، إذ لن تصادف في حياتك نعجة تعوي ولا ذئبا يثغو. ومرة أخرى: الذئب لا يرعى الغنم.