العلم الإلكترونية - بقلم عبد الله البقالي
ليس من السهل تفسير ما يحدث في عالم إنتاج وتسويق النفط في العالم، ولن ينجح كبار الخبراء والمتخصصين في هذا المجال في إقناع الرأي العام الدولي بأن ما يحدث في هذا العالم الغامض والمعقد يندرج في سياق المعادلة التجارية العادية المرتبطة بالعرض و الطلب .
فتقلبات أسعار منتوجات المحروقات، من نفط وغاز، في الأسواق العالمية تطرح أكثر من علامة استفهام ترتبط كلها بشرعية ومصداقية هذه التقلبات، وبالأسباب الحقيقية التي قد تكون مخفية عن أنظار الرأي العام الدولي، وراء هذه الوتيرة السريعة لهذه التقلبات، وما إذا كانت هناك عوامل سياسية صرفة تستخدم تقلبات أسعار المحروقات وسيلة لخدمة أجندة سياسية واستراتيجية مرتبطة بمصالح معينة ؟
في ظروف بالغة التعقيد و الحساسية التي تتزامن مع المواجهة المحتدمة التي يخوضها العالم مع تداعيات أخطر أزمة صحية طارئة عرفها في تاريخه المعاصر، قفزت أسعار النفط والغاز إلى مستويات قياسية لم تصلها طيلة الزمن الذي عمره فيروس كورونا بين أحضان العالم، ولا تزال جميع المؤشرات تدل على أن ارتفاع أسعار هذه المواد الاستراتيجية سيتواصل خلال الشهور القليلة المقبلة. وهو وضع دفع أوساط اقتصادية كثيرة في الولايات المتحدة الأمريكية إلى القول بأن الارتفاع المتواصل لأسعار هذه المواد في الأسواق العالمية، وبالصيغة الذي يستمر فيها هذا الارتفاع، يعيد إلى الأذهان أزمة النفط التي عرفها العالم سنة 1973، حينما قررت العديد من الدول العربية المنتجة للنفط وقف التصدير لأسباب سياسية صرفة.
وأنه في حال تواصل هذا الارتفاع إلى مستويات متقدمة فإن العالم سيجد نفسه في مواجهة جديدة مع أزمة أخرى تتعلق هذه المرة بمنتوجات المحروقات من نفط و غاز. وقد يجد هذا القول تفسيره فيما قد يترتب عما يحدث في مواد تمثل الدماء التي تسري في شرايين الاقتصاد العالمي، إن العديد من الدول الفقيرة و ذات الدخل المحدود و المتوسط ستجد نفسها، لأسباب مالية واقتصادية، عاجزة عن تلبية حاجياتها من هذه المواد الرئيسية، خصوصا الدول التي لا تنتج قطرة واحدة من هذه المنتوجات. و بالتالي ستكون هذه الدول معرضة إلى أخطار سياسية حقيقية مرتبطة باستقرار الأوضاع داخلها. لأن ارتفاع أسعار المحروقات لا تقتصر تداعياته على استهلاكها فقط، بل يطال مجالات وقطاعات أخرى بسبب اعتماد هذه المواد في وسائل نقل باقي المنتوجات والخدمات، و لذلك من الطبيعي أن تنعكس الزيادة في هذه المواد على أسعار باقي المواد الاستهلاكية والخدماتية. والواضح، فإن الطبقات الشعبية والمتوسطة هي التي ستدفع ثمن هذه الزيادات المتواصلة من قدرتها الشرائية، لأن محدودية السيولة المالية لهذه الفئة ستضطرها للتخلي عن اقتناء مواد استهلاكية لتغطية ما سيترتب عن الزيادة في أثمان الغاز والنفط بصفة مباشرة وغير مباشرة .
ما حدث في كثير من دول العالم خلال الأشهر القليلة الماضية لمواجهة هذا الطارئ الجديد يؤشر ويكشف عن طبيعة الأخطار السياسية المحدقة بها. ففي دولة الباكستان اضطرت الحكومة، رغم الظروف المالية والاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد، إلى إعلان زيادة هامة في الرواتب بنسبة 25 بالمائة، في محاولة منها لتهدئة الأوضاع العامة، بعدما استثمرت المعارضة السياسية موجة ارتفاع الأسعار، خصوصا أسعار المحروقات في تصعيد مواجهتها مع الحكومة. ومن جهته اضطر بوريس جونسون رئيس الحكومة البريطانية إلى التراجع عن الزيادة في الضريبة المفروضة عن استهلاك البنزين تحسبا لما قد يترتب عن ذلك. بينما تنامت وتيرة الغضب الشعبي من موجة ارتفاع الأسعار في العديد من أقطار العالم، وهي الموجة التي تكاد تكون غير مسبوقة طيلة العشرين سنة الماضية، والتي تداخلت فيها العديد من العوامل. فمن جهة فإن الاختلالات العميقة التي هزت سلاسل الإنتاج والتسويق في العالم، بسبب تداعيات الجائحة، تسببت في زيادات صاروخية في أسعار النقل والتأمين، وهذا ما انعكس على حقيقة أسعار المواد الاستهلاكية، وتعزز هذا الاتجاه العام بالارتفاع المتواصل والمقلق لأسعار النفط والغاز .
طبعا، الدول المنتجة للنفط والغاز تعتبر المستفيدة الرئيسية مما يحدث ويجري حاليا، ولكنها استفادة قد لا تكون دائمة و لا نهائية ولا شاملة. لأن الدول المنتجة للذهب الأسود والسائل، لا تعيش في جزيرة معزولة عن العالم، ولذلك فإن اقتصادياتها ستتأثر من جراء الاختلالات التي سيعرفها الاقتصاد العالمي، لأنها تصدر النفط والغاز فعلا، ولكن اقتصادياتها تتوقف على استيراد ما تتوقف عليه الحياة هناك .
طبعا، هذا الوضع، أعاد الحديث عن النموذج الاقتصادي التقليدي الذي لا يزال يعتمد بنسبة كبيرة جدا على المواد النفطية و الغازية في الإنتاج والصناعة والفلاحة والنقل والخدمات. وأن هذا النموذج يبقي الحياة الإنسانية مرتبطة بتقلبات أسعار هذه المواد في الأسواق العالمية، ورهينة حسابات سياسية واستراتيجية تتلاعب بهذه التقلبات. وارتفعت أصوات تطالب بتسريع وتيرة تغيير هذا النموذج الاقتصادي التقليدي الذي انتهت صلاحيته .
ومهم أن نسجل أن استفادة الدول المصدرة للنفط والغاز في العالم تبقى محدودة مقارنة مع الأرباح الطائلة التي تحققها شركات إنتاج وتسويق النفط والغاز في العالم. وهي شركات عملاقة مملوكة لرؤوس أموال غربية. والتي تربطها عقود تنقيب و إنتاج مع بعض الدول تصل فيها نسبة استحواذها على العائدات إلى 75 بالمائة. ولنا أن نستدل بحالة شركة واحدة من هذه الشركات العملاقة التي وصلت أرباحها الصافية في فرنسا لوحدها إلى 15 مليار أورو في سنة 2021، و يرتقب أن تتضاعف أرباحها في نهاية السنة الجارية .
نعود إلى البدء، للتأكيد على أن تقلبات أسعار النفط و الغاز، مرتبطة بخلفيات وبحسابات تتحكم فيها الأوساط المستفيدة مما يحدث، بما يخدم أجندة مصالح محددة. لذلك، هي هكذا هذه التقلبات، تارة يمكن أن تنخفض إلى أقل من 30 دولارا للبرميل الواحد، وفجأة تقفز إلى أعلى من 90 دولارا، بنفس كميات الانتاج، وبنفس حجم الاستهلاك، وبنفس الظروف والأجواء. إن الأمر يتعلق بسر خطير من أسرار الدولة العالمية العميقة.
ليس من السهل تفسير ما يحدث في عالم إنتاج وتسويق النفط في العالم، ولن ينجح كبار الخبراء والمتخصصين في هذا المجال في إقناع الرأي العام الدولي بأن ما يحدث في هذا العالم الغامض والمعقد يندرج في سياق المعادلة التجارية العادية المرتبطة بالعرض و الطلب .
فتقلبات أسعار منتوجات المحروقات، من نفط وغاز، في الأسواق العالمية تطرح أكثر من علامة استفهام ترتبط كلها بشرعية ومصداقية هذه التقلبات، وبالأسباب الحقيقية التي قد تكون مخفية عن أنظار الرأي العام الدولي، وراء هذه الوتيرة السريعة لهذه التقلبات، وما إذا كانت هناك عوامل سياسية صرفة تستخدم تقلبات أسعار المحروقات وسيلة لخدمة أجندة سياسية واستراتيجية مرتبطة بمصالح معينة ؟
في ظروف بالغة التعقيد و الحساسية التي تتزامن مع المواجهة المحتدمة التي يخوضها العالم مع تداعيات أخطر أزمة صحية طارئة عرفها في تاريخه المعاصر، قفزت أسعار النفط والغاز إلى مستويات قياسية لم تصلها طيلة الزمن الذي عمره فيروس كورونا بين أحضان العالم، ولا تزال جميع المؤشرات تدل على أن ارتفاع أسعار هذه المواد الاستراتيجية سيتواصل خلال الشهور القليلة المقبلة. وهو وضع دفع أوساط اقتصادية كثيرة في الولايات المتحدة الأمريكية إلى القول بأن الارتفاع المتواصل لأسعار هذه المواد في الأسواق العالمية، وبالصيغة الذي يستمر فيها هذا الارتفاع، يعيد إلى الأذهان أزمة النفط التي عرفها العالم سنة 1973، حينما قررت العديد من الدول العربية المنتجة للنفط وقف التصدير لأسباب سياسية صرفة.
وأنه في حال تواصل هذا الارتفاع إلى مستويات متقدمة فإن العالم سيجد نفسه في مواجهة جديدة مع أزمة أخرى تتعلق هذه المرة بمنتوجات المحروقات من نفط و غاز. وقد يجد هذا القول تفسيره فيما قد يترتب عما يحدث في مواد تمثل الدماء التي تسري في شرايين الاقتصاد العالمي، إن العديد من الدول الفقيرة و ذات الدخل المحدود و المتوسط ستجد نفسها، لأسباب مالية واقتصادية، عاجزة عن تلبية حاجياتها من هذه المواد الرئيسية، خصوصا الدول التي لا تنتج قطرة واحدة من هذه المنتوجات. و بالتالي ستكون هذه الدول معرضة إلى أخطار سياسية حقيقية مرتبطة باستقرار الأوضاع داخلها. لأن ارتفاع أسعار المحروقات لا تقتصر تداعياته على استهلاكها فقط، بل يطال مجالات وقطاعات أخرى بسبب اعتماد هذه المواد في وسائل نقل باقي المنتوجات والخدمات، و لذلك من الطبيعي أن تنعكس الزيادة في هذه المواد على أسعار باقي المواد الاستهلاكية والخدماتية. والواضح، فإن الطبقات الشعبية والمتوسطة هي التي ستدفع ثمن هذه الزيادات المتواصلة من قدرتها الشرائية، لأن محدودية السيولة المالية لهذه الفئة ستضطرها للتخلي عن اقتناء مواد استهلاكية لتغطية ما سيترتب عن الزيادة في أثمان الغاز والنفط بصفة مباشرة وغير مباشرة .
ما حدث في كثير من دول العالم خلال الأشهر القليلة الماضية لمواجهة هذا الطارئ الجديد يؤشر ويكشف عن طبيعة الأخطار السياسية المحدقة بها. ففي دولة الباكستان اضطرت الحكومة، رغم الظروف المالية والاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد، إلى إعلان زيادة هامة في الرواتب بنسبة 25 بالمائة، في محاولة منها لتهدئة الأوضاع العامة، بعدما استثمرت المعارضة السياسية موجة ارتفاع الأسعار، خصوصا أسعار المحروقات في تصعيد مواجهتها مع الحكومة. ومن جهته اضطر بوريس جونسون رئيس الحكومة البريطانية إلى التراجع عن الزيادة في الضريبة المفروضة عن استهلاك البنزين تحسبا لما قد يترتب عن ذلك. بينما تنامت وتيرة الغضب الشعبي من موجة ارتفاع الأسعار في العديد من أقطار العالم، وهي الموجة التي تكاد تكون غير مسبوقة طيلة العشرين سنة الماضية، والتي تداخلت فيها العديد من العوامل. فمن جهة فإن الاختلالات العميقة التي هزت سلاسل الإنتاج والتسويق في العالم، بسبب تداعيات الجائحة، تسببت في زيادات صاروخية في أسعار النقل والتأمين، وهذا ما انعكس على حقيقة أسعار المواد الاستهلاكية، وتعزز هذا الاتجاه العام بالارتفاع المتواصل والمقلق لأسعار النفط والغاز .
طبعا، الدول المنتجة للنفط والغاز تعتبر المستفيدة الرئيسية مما يحدث ويجري حاليا، ولكنها استفادة قد لا تكون دائمة و لا نهائية ولا شاملة. لأن الدول المنتجة للذهب الأسود والسائل، لا تعيش في جزيرة معزولة عن العالم، ولذلك فإن اقتصادياتها ستتأثر من جراء الاختلالات التي سيعرفها الاقتصاد العالمي، لأنها تصدر النفط والغاز فعلا، ولكن اقتصادياتها تتوقف على استيراد ما تتوقف عليه الحياة هناك .
طبعا، هذا الوضع، أعاد الحديث عن النموذج الاقتصادي التقليدي الذي لا يزال يعتمد بنسبة كبيرة جدا على المواد النفطية و الغازية في الإنتاج والصناعة والفلاحة والنقل والخدمات. وأن هذا النموذج يبقي الحياة الإنسانية مرتبطة بتقلبات أسعار هذه المواد في الأسواق العالمية، ورهينة حسابات سياسية واستراتيجية تتلاعب بهذه التقلبات. وارتفعت أصوات تطالب بتسريع وتيرة تغيير هذا النموذج الاقتصادي التقليدي الذي انتهت صلاحيته .
ومهم أن نسجل أن استفادة الدول المصدرة للنفط والغاز في العالم تبقى محدودة مقارنة مع الأرباح الطائلة التي تحققها شركات إنتاج وتسويق النفط والغاز في العالم. وهي شركات عملاقة مملوكة لرؤوس أموال غربية. والتي تربطها عقود تنقيب و إنتاج مع بعض الدول تصل فيها نسبة استحواذها على العائدات إلى 75 بالمائة. ولنا أن نستدل بحالة شركة واحدة من هذه الشركات العملاقة التي وصلت أرباحها الصافية في فرنسا لوحدها إلى 15 مليار أورو في سنة 2021، و يرتقب أن تتضاعف أرباحها في نهاية السنة الجارية .
نعود إلى البدء، للتأكيد على أن تقلبات أسعار النفط و الغاز، مرتبطة بخلفيات وبحسابات تتحكم فيها الأوساط المستفيدة مما يحدث، بما يخدم أجندة مصالح محددة. لذلك، هي هكذا هذه التقلبات، تارة يمكن أن تنخفض إلى أقل من 30 دولارا للبرميل الواحد، وفجأة تقفز إلى أعلى من 90 دولارا، بنفس كميات الانتاج، وبنفس حجم الاستهلاك، وبنفس الظروف والأجواء. إن الأمر يتعلق بسر خطير من أسرار الدولة العالمية العميقة.