العلم الإلكترونية - بقلم عبد الله البقالي
إذا كانت جائحة كورونا قد نجحت، بمستويات عالية و قياسية، في توقيف أو تقليص العمل في العديد من الأنشطة الاقتصادية والتجارية في العالم، حيث أرخت الأزمة الصحية العالمية الطارئة بظلالها، بما فرضته من قيود تضييق على الأنشطة الاقتصادية و من تدابير إغلاق و عزل، على الغالبية الساحقة من مجالات الأنشطة الاقتصادية في مختلف أرجاء المعمور، و تسببت لها في أزمات عميقة و حادة انتهت في بعض الأحيان بشل الحركة، بينما اكتفت في أخرى بتقليص النشاط و الانتاج، مما كانت له تداعيات و انعكاسات على حياة الملايين من الأشخاص في مختلف دول العالم الذين وجدوا أنفسهم في مواجهة أوضاع غاية في الصعوبة و القسوة .
إذا كان الفيروس اللعين تسبب في كل هذه التداعيات الخطيرة، فإنه، على ما يبدو، لم يفلح في كبح جماح الأنشطة المتعلقة بالتسلح في العالم. ولم تنجح الأزمة الصحية العالمية الطارئة في إعادة ترتيب الأولويات في التجارة العالمية بوقف، ولو بصفة مؤقتة، الزيادة المتواصلة و المضطردة في التسلح على المستوى العالمي.
هذا ما كشف عنه تقرير حديث صادر عن معهد ستوكهولم لأبحاث السلام (سيبري) قبل أيام قليلة من اليوم، و الذي أكد أن " المبيعات العالمية للأسلحة لم تتباطأ بالرغم من جائحة كورونا " بل الأخطر من ذلك ، فإن التقرير المذكور يكشف عن أن هذه المبيعات وصلت في زمن الجائحة إلى " مستويات غير مسبوقة ، إذ باعت مائة شركة متخصصة في مجال الصناعات العسكرية أسلحة بما لا يقل عن 531 مليار دولار خلال سنة 2021 " و هي السنة التي وصلت فيها الأزمة الصحية الطارئة في العالم أوجها بسبب قوة الفتك التي أبداها الفيروس ، في وقت كانت الأوساط العلمية والصحية العالمية تجهل الكثير من المعطيات المتعلقة بطبيعة وهوية الفيروس و قدرته على الفتك ، بما كان سببا في تسجيل معدلات عالية جدا من الوفيات. و سجل التقرير في هذا الصدد أنه " لأول مرة يتجاوز حجم الإنفاق العسكري عالميا 2 تريليون دولار في سنة 2021. و هي السنة التي واجه خلالها المجتمع الدولي أزمة أخلاقية فظيعة همت الاختلالات العميقة و التفاوتات الكبيرة فيما يخص تحقيق العدالة في توزيع اللقاحات المضادة لفيروس كورونا. بمعنى أن المجتمع الدولي الذي لم يجد التمويل الكافي لتعميم اللقاحات على البشرية جمعاء لحماية الحياة البشرية ، بما كان يتطلب ذلك من بضع عشرات ملايير الدولارات، هو نفسه المجتمع الدولي الذي يهدر ملايير الملايير من الدولارات في تجارة الموت التي تهدد العالم بالفناء . و مهم أن نسجل أن الدول التي هيمنت على مبيعات الأسلحة في العالم، هي نفسها الدول تقريبا التي قامت بتصنيع اللقاحات، لكنها تضرعت بالضائقة المالية فيما يتعلق بتعميم اللقاحات على البشرية في مختلف أنحاء المعمور. و هكذا فإن الدول التي بررت حماية الحياة البشرية من خطر صحي حقيقي بالخصاص في التمويل ، هي نفسها التي أهدرت ملايير الملايير من الدولارات في تجارة الهدف الرئيسي منها، والمتمثل في تهديد سلامة و أمن و حياة نفس البشر الذي قيل إن اللقاحات صنعت لحمايتهم من شراسة الفيروس. و في هذا السياق يشير تقرير (سيبري) إلى أن " أكثر من نصف تكلفة تجارة الأسلحة صرفتها دول أعضاء حلف الشمال الأطلسي " و أن الدول الأكثر تمويلا و صرفا للتسلح خلال السنة الماضية هي، الولايات المتحدة الأمريكية و جمهورية الصين الشعبية والهند والمملكة المتحدة و روسيا، و هي لوحدها سيطرت على 62 بالمائة من التكلفة الإجمالية للتسلح في العالم. وتزعمت الولايات المتحدة الأمريكية لائحة الدول الأكثر إنفاقا على الأسلحة بما قيمته 801 مليار دولار في سنة واحدة، في حين وصلت التكلفة بالنسبة لجمهورية الصين ، التي يجمع المراقبون على أنها بصدد البحث عن تحقيق ملاءمة كاملة بين استمرار نمو نفوذها الاقتصادي في العالم و قوتها العسكرية ، فقد وصلت قيمة تكلفة التسلح لديها إلى 293 مليار دولار، بيد أن نفس المعدلات سجلت أرقاما قياسية أخرى في كـل من المملكة المتحــدة ( 68،4 مليار دولار ) و فرنسا و ألمانــيا ( 56 مليار دولار لكل واحدة منهما).
و الأخطر من كل ذلك ، بما يؤشر على مستقبل أكثر قتامة، و على إصرار القوى العظمى في العالم على قيادة المعمور نحو الدمار الشامل، و على تسريع وتيرة السعي نحو وضع نهاية للحياة البشرية برمتها ، أن تقرير معهد ستوكهولم لأبحاث السلام يشير إلى الزيادات المهولة في الميزانيات المخصصة للأبحاث في مجال التسلح ، حيث تسعى كل دولة من الدول التي ترى نفسها معنية بصفة مباشرة بالسباق نحو التسلح إلى ضمان التفوق العسكري، الذي لن يتحقق لها إلا من خلال تكثيف البحوث العلمية المتخصصة في هذا الصدد، بما يضمن التمكن من التكنولوجيات الحديثة التي أضحت عصب الحروب الحديثة . و تكفي الإشارة في هذا الشأن إلى أن جزء الميزانية المخصص للأبحاث من ميزانية الإنفاق العسكري في الولايات المتحدة الأمريكية عرف خلال السنة الفارطة زيادة بنسبة 24 بالمائة .
و عوض أن ينشغل العالم، و في مقدمته القوى الاقتصادية و العلمية منه، بالقضايا التي من شأنها تجويد و تحسين ظروف العيش بالنسبة للبشر جميعا، بغض النظر عن جميع عوامل التمييز والتفرقة، فإن هذه الدول العظمى نجدها مركزة كل التركيز على عقدة التفوق العسكري التي تحولت إلى مرض نفسي مستفحل . لذلك ليس من الغرابة بمكان أن يوصي حلف الشمال الأطلسي الدول الأعضاء فيه بتخصيص ما لا يقل عن 2 بالمائة، ليس لتطوير البنى الاجتماعية، و لا للرفع من مستوى عيش المواطنين، و لكن لتمويل الدفاع الوطني .
و المثير فيما يحدث و يجري، انه بالرغم من كل هذه الملايير التي لا تعد و لا تحصى، التي تهدر في تمويل تجارة الموت المحقق ، بمبرر تحقيق الأمن و السلام للدول العظمى، فإن المواطن في تلك الدول لا يشعر بالأمن. بما يعني أن التجارب أكدت أن الأمن لا يمكن أن يتحقق بعوامل و هواجس أمنية أو عسكرية ، مهما بلغت مستويات التطور في هذه المجالات، بل أن الأمن و الطمأنينة و الاستقرار و امتلاك القدرة على مواجهة الأخطار كافة، يستوجب إعادة النظر في النظام العالمي السائد الذي يرتكز في إدارة العلاقات الدولية والقضايا التي تهم حياة البشر على امتلاك القوة .
ففي استطلاع للرأي أجري بحر السنة الفارطة شارك فيه حوالي 30 ألف مواطن من دول الحلف الأطلسي، جاء فيه أن 30 بالمائة من المستجوبين صرحوا أنهم لا يشعرون بالأمن، في حين كانت نسبة هؤلاء في استطلاع آخر أجري قبل سنتين لا تتجاوز 19 بالمائة .و الأكيد أن أعداد هؤلاء ستتضاعف بنسب عالية في ضوء الحرب الروسية الأوكرانية المستجدة، و التي ستزيد في تقوية مخاوف الأوروبيين من المستقبل القريب قبل البعيد .
وبالتالي فإن مستويات التسليح العالية و الخطيرة جدا التي وصلتها الدول العظمى، و سخرت لها أموالا طائلة و خيالية، لم تنجح في إقناع مواطنيها بالأمن، بما يكشف أن القضية لا تتعلق بتحقيق الأمن في حد ذاته، بل إن الأمر يتعلق بتجارة وبصناعة وباقتصاد تراكم فيه أوساط معينة الأرباح الرهيبة عن طيق المتاجرة بحياة المواطنين .
إذا كانت جائحة كورونا قد نجحت، بمستويات عالية و قياسية، في توقيف أو تقليص العمل في العديد من الأنشطة الاقتصادية والتجارية في العالم، حيث أرخت الأزمة الصحية العالمية الطارئة بظلالها، بما فرضته من قيود تضييق على الأنشطة الاقتصادية و من تدابير إغلاق و عزل، على الغالبية الساحقة من مجالات الأنشطة الاقتصادية في مختلف أرجاء المعمور، و تسببت لها في أزمات عميقة و حادة انتهت في بعض الأحيان بشل الحركة، بينما اكتفت في أخرى بتقليص النشاط و الانتاج، مما كانت له تداعيات و انعكاسات على حياة الملايين من الأشخاص في مختلف دول العالم الذين وجدوا أنفسهم في مواجهة أوضاع غاية في الصعوبة و القسوة .
إذا كان الفيروس اللعين تسبب في كل هذه التداعيات الخطيرة، فإنه، على ما يبدو، لم يفلح في كبح جماح الأنشطة المتعلقة بالتسلح في العالم. ولم تنجح الأزمة الصحية العالمية الطارئة في إعادة ترتيب الأولويات في التجارة العالمية بوقف، ولو بصفة مؤقتة، الزيادة المتواصلة و المضطردة في التسلح على المستوى العالمي.
هذا ما كشف عنه تقرير حديث صادر عن معهد ستوكهولم لأبحاث السلام (سيبري) قبل أيام قليلة من اليوم، و الذي أكد أن " المبيعات العالمية للأسلحة لم تتباطأ بالرغم من جائحة كورونا " بل الأخطر من ذلك ، فإن التقرير المذكور يكشف عن أن هذه المبيعات وصلت في زمن الجائحة إلى " مستويات غير مسبوقة ، إذ باعت مائة شركة متخصصة في مجال الصناعات العسكرية أسلحة بما لا يقل عن 531 مليار دولار خلال سنة 2021 " و هي السنة التي وصلت فيها الأزمة الصحية الطارئة في العالم أوجها بسبب قوة الفتك التي أبداها الفيروس ، في وقت كانت الأوساط العلمية والصحية العالمية تجهل الكثير من المعطيات المتعلقة بطبيعة وهوية الفيروس و قدرته على الفتك ، بما كان سببا في تسجيل معدلات عالية جدا من الوفيات. و سجل التقرير في هذا الصدد أنه " لأول مرة يتجاوز حجم الإنفاق العسكري عالميا 2 تريليون دولار في سنة 2021. و هي السنة التي واجه خلالها المجتمع الدولي أزمة أخلاقية فظيعة همت الاختلالات العميقة و التفاوتات الكبيرة فيما يخص تحقيق العدالة في توزيع اللقاحات المضادة لفيروس كورونا. بمعنى أن المجتمع الدولي الذي لم يجد التمويل الكافي لتعميم اللقاحات على البشرية جمعاء لحماية الحياة البشرية ، بما كان يتطلب ذلك من بضع عشرات ملايير الدولارات، هو نفسه المجتمع الدولي الذي يهدر ملايير الملايير من الدولارات في تجارة الموت التي تهدد العالم بالفناء . و مهم أن نسجل أن الدول التي هيمنت على مبيعات الأسلحة في العالم، هي نفسها الدول تقريبا التي قامت بتصنيع اللقاحات، لكنها تضرعت بالضائقة المالية فيما يتعلق بتعميم اللقاحات على البشرية في مختلف أنحاء المعمور. و هكذا فإن الدول التي بررت حماية الحياة البشرية من خطر صحي حقيقي بالخصاص في التمويل ، هي نفسها التي أهدرت ملايير الملايير من الدولارات في تجارة الهدف الرئيسي منها، والمتمثل في تهديد سلامة و أمن و حياة نفس البشر الذي قيل إن اللقاحات صنعت لحمايتهم من شراسة الفيروس. و في هذا السياق يشير تقرير (سيبري) إلى أن " أكثر من نصف تكلفة تجارة الأسلحة صرفتها دول أعضاء حلف الشمال الأطلسي " و أن الدول الأكثر تمويلا و صرفا للتسلح خلال السنة الماضية هي، الولايات المتحدة الأمريكية و جمهورية الصين الشعبية والهند والمملكة المتحدة و روسيا، و هي لوحدها سيطرت على 62 بالمائة من التكلفة الإجمالية للتسلح في العالم. وتزعمت الولايات المتحدة الأمريكية لائحة الدول الأكثر إنفاقا على الأسلحة بما قيمته 801 مليار دولار في سنة واحدة، في حين وصلت التكلفة بالنسبة لجمهورية الصين ، التي يجمع المراقبون على أنها بصدد البحث عن تحقيق ملاءمة كاملة بين استمرار نمو نفوذها الاقتصادي في العالم و قوتها العسكرية ، فقد وصلت قيمة تكلفة التسلح لديها إلى 293 مليار دولار، بيد أن نفس المعدلات سجلت أرقاما قياسية أخرى في كـل من المملكة المتحــدة ( 68،4 مليار دولار ) و فرنسا و ألمانــيا ( 56 مليار دولار لكل واحدة منهما).
و الأخطر من كل ذلك ، بما يؤشر على مستقبل أكثر قتامة، و على إصرار القوى العظمى في العالم على قيادة المعمور نحو الدمار الشامل، و على تسريع وتيرة السعي نحو وضع نهاية للحياة البشرية برمتها ، أن تقرير معهد ستوكهولم لأبحاث السلام يشير إلى الزيادات المهولة في الميزانيات المخصصة للأبحاث في مجال التسلح ، حيث تسعى كل دولة من الدول التي ترى نفسها معنية بصفة مباشرة بالسباق نحو التسلح إلى ضمان التفوق العسكري، الذي لن يتحقق لها إلا من خلال تكثيف البحوث العلمية المتخصصة في هذا الصدد، بما يضمن التمكن من التكنولوجيات الحديثة التي أضحت عصب الحروب الحديثة . و تكفي الإشارة في هذا الشأن إلى أن جزء الميزانية المخصص للأبحاث من ميزانية الإنفاق العسكري في الولايات المتحدة الأمريكية عرف خلال السنة الفارطة زيادة بنسبة 24 بالمائة .
و عوض أن ينشغل العالم، و في مقدمته القوى الاقتصادية و العلمية منه، بالقضايا التي من شأنها تجويد و تحسين ظروف العيش بالنسبة للبشر جميعا، بغض النظر عن جميع عوامل التمييز والتفرقة، فإن هذه الدول العظمى نجدها مركزة كل التركيز على عقدة التفوق العسكري التي تحولت إلى مرض نفسي مستفحل . لذلك ليس من الغرابة بمكان أن يوصي حلف الشمال الأطلسي الدول الأعضاء فيه بتخصيص ما لا يقل عن 2 بالمائة، ليس لتطوير البنى الاجتماعية، و لا للرفع من مستوى عيش المواطنين، و لكن لتمويل الدفاع الوطني .
و المثير فيما يحدث و يجري، انه بالرغم من كل هذه الملايير التي لا تعد و لا تحصى، التي تهدر في تمويل تجارة الموت المحقق ، بمبرر تحقيق الأمن و السلام للدول العظمى، فإن المواطن في تلك الدول لا يشعر بالأمن. بما يعني أن التجارب أكدت أن الأمن لا يمكن أن يتحقق بعوامل و هواجس أمنية أو عسكرية ، مهما بلغت مستويات التطور في هذه المجالات، بل أن الأمن و الطمأنينة و الاستقرار و امتلاك القدرة على مواجهة الأخطار كافة، يستوجب إعادة النظر في النظام العالمي السائد الذي يرتكز في إدارة العلاقات الدولية والقضايا التي تهم حياة البشر على امتلاك القوة .
ففي استطلاع للرأي أجري بحر السنة الفارطة شارك فيه حوالي 30 ألف مواطن من دول الحلف الأطلسي، جاء فيه أن 30 بالمائة من المستجوبين صرحوا أنهم لا يشعرون بالأمن، في حين كانت نسبة هؤلاء في استطلاع آخر أجري قبل سنتين لا تتجاوز 19 بالمائة .و الأكيد أن أعداد هؤلاء ستتضاعف بنسب عالية في ضوء الحرب الروسية الأوكرانية المستجدة، و التي ستزيد في تقوية مخاوف الأوروبيين من المستقبل القريب قبل البعيد .
وبالتالي فإن مستويات التسليح العالية و الخطيرة جدا التي وصلتها الدول العظمى، و سخرت لها أموالا طائلة و خيالية، لم تنجح في إقناع مواطنيها بالأمن، بما يكشف أن القضية لا تتعلق بتحقيق الأمن في حد ذاته، بل إن الأمر يتعلق بتجارة وبصناعة وباقتصاد تراكم فيه أوساط معينة الأرباح الرهيبة عن طيق المتاجرة بحياة المواطنين .