2024 أغسطس/أوت 25 - تم تعديله في [التاريخ]

تبون يحرك جيوشه من أجل غزة

فلتات ونزوات نظام عاجز عن بناء أسس دولة ذات سمعة ومصداقية


العلم  _ رشيد زمهوط
 
وضع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في الأسبوع الأول من حملته الانتخابية لافتكاك عهدة رئاسية ثانية نفسه و حكومة بلاده في ورطة كبيرة حين تعهد و هو مأخوذ بحماسة و سخونة الأجواء الانتخابية و أقسم بأغلظ الأيمان أمام الآلاف من متتبعي خطابه الدعائي، بإرسال الجيش الجزائري إلى غزة بمجرد فتح الحدود المؤدية إلى القطاع الفلسطيني الجريح قبل أن يستدرك بعد ثوان من هفوته الكلامية المكلفة كثيرا للدبلوماسية الجزائرية المثخنة بالأعطاب المزمنة بأن الجيش الجزائري جاهز لدخول غزة لبناء ثلاثة مستشفيات خلال عشرين يوماً، وإرسال مئات الأطباء إلى القطاع .

و بغض النظر عن كون القضية الفلسطينية و معها الخلاف الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية و جمهورية الخيام الوهمية المصطنعة بصحراء لحمادة بتندوف،  تشكل عصب شعارات الحملة الانتخابية الرئاسية التي عبر عنها الرئيس المنتهية ولايته حتى قبل الانطلاق الرسمي للحملة و تندرج ضمن ثوابت العقيدة الراسخة لمؤسسة الجيش التي تدير البلاد منذ استقلالها بقبضة من حديد،  فإن المعتادين على نسق تصريحات الرئيس تبون  في شتى المناسبات و المندرجة في الغالب ضمن متطلبات الدعاية السياسية الداخلية المعتادة بالجزائر التي تخاطب عواطف الجزائريين عوض عقولهم،  مقتنعون بأن مجريات الحملة الانتخابية الرئاسية الجارية ببلاد المليون و نصف المليون شهيد،  تتسم ببرودة صقيعية تفرضها طبيعة المرشحين  الثلاثة المتنافسين على المقعد الرئاسي و خلفياتهم الحزبية، قناعاتهم السياسية و امتداداتهم الجماهيرية التي تترجم بعدم اهتمام واكتراث المواطنين باستحقاق انتخابي محسوم النتائج و المخرجات مسبقا .

خروج الرئيس الباحث عن تجديد عهدته المنتهية و حمله  مجددا شعارات تحرير فلسطين و تخليص غزة من المعتدين الصهاينة و مواصلة مسيرة دعم عصابة  انفصاليي  الرابوني هو تمرين دعائي و التزام مقدس  لا يمكن أن يتملص منه أي مسؤول جزائري يبحث في ظل الهيمنة العسكرية على مقاليد الحكم و السلطة عن موقع تمثيلي ضمن دواليب  ومؤسسات الدولة التي يحرسها بصرامة جنرالات الجيش، و الجميع يتذكر هنا مصير الرئيس المغتال  محمد بوضياف و رئيس البرلمان الجزائري الأسبق و زعيم جبهة التحرير عمار سعداني الممنوع من ولوج وطنه،  حين قرر الرجلان المحسوبان على قمة النظام الخروج عن الإجماع المقدس حول الموقف الرسمي المناهض لسيادة المغرب الترابية.

على أن العجيب و المثير في خرجة السيد تبون الأخيرة الذي أخدته حرارة الحملة خارج حدود المنطق البشري السوي هو حين يطالب بفتح الحدود للعبور إلى غزة، بينما ما زال هو شخصيا كقائد لنظام بلاده مسؤولا مباشرا منذ ثلاثة عقود على الأقل عن الاغلاق القسري للحدود البرية مع أقرب جيرانه .

فكيف يستقيم أن تطلب بصفة غير مباشرة من مصر فتح حدودها مع غزة في وجه جيشك، بينما أنت عاجز عن فتح حدودك البرية مع أقرب البلدان اليك فيما بقية واجهاتك البرية المتبقية مغلقة ضمنيا بقوة الواقع الأمني أو السياسي ...؟؟ ، و حتى لو تطوعت القاهرة ووفرت لك ولجيشك عبورا سلسا لقطاع غزة، فهل سيدوس رئيس الجزائر بسبق الإصرار والترصد على دستور بلاده الذي يحظر تنقل ونشاط جيش البلاد خارج حدودها، وهل سيمتلك شجاعة تحريك أسطوله البحري وغواصتيه الحربيتين العاطلتين عن العمل منذ اقتنائهما من موسكو قبل ثلاثة عقود للوصول الى قطاع غزة بحرا و تجاوز إكراهات و عواقب تحرك معدات و عتاد الجيش الجزائري لتراب ليبيا و مصر في اتجاه القطاع ...؟.

وهل من المنطقي و المستساغ أن يرفع السيد تبون علنا و أمام كاميرات العالم تحدي تشييد ثلاثة مستشفيات مكان أنقاض غزة و تجهيزها بالطاقم الطبي و المعدات في ظرف عشرين يوما فقط ...؟.

هل يتصور الرئيس الجزائري أن أحدا خارج حدود بلاده سيصدق مثل هذه المزايدات الشعبوية الفارغة و الحال أن التقديرات تفيد بأن قطاع غزة يحتاج سنوات و ليس أشهرا فقط من أجل تنظيف جبال الأنقاض و المباني المدمرة التي خلفتها الغارات الإسرائيلية قرابة السنة من حرب غير متكافئة ؟.

ربما يتصور المرشح الرئاسي المفضل للنظام أنه برفع تحد بهذه القوة سيؤكد مصداقية فلتة لسان صدرت عنه بعد أسابيع من تنصيبه رئيسا بداية 2020 من كون نظام الرعاية الصحية بالجزائر هو الأفضل على صعيد القارة افريقيا، قبل أن تطرق جائحة كورونا حدود الجزائر وتظهر بكاميرا الواقع وعبر مواقع التواصل محنة عشرات آلاف المصابين بالعدوى اللعينة للوصول فقط إلى مراكز العلاج ...وحتى تحول اللقاح المضاد للفيروس الى ترف مخصص للأعيان فقط وأسر كبار المسؤولين في أسلاك الدولة.

من الطبيعي أن يركب مرشح النظام على موجة قضية فلسطين ورمال تندوف لإرضاء عرابي عهدته الرئاسية الأولى و الثانية حتما و أن يؤكد انضباطه بخط المواقف و الثوابت المقدسة التي وضعها جنرالات النظام، ولو تطلب الأمر التضحية بالمصداقية الشخصية وبالمنطق البشري و المجازفة بمزيد من الانهيار للسياسة الخارجية للدولة الجزائرية التي تحولت إلى سخرية و تنذر لدى العديد من المنابر و المنتديات الدولية.

نزوات أقطاب النظام الجزائري و هفواتهم الموثقة و حتى منطق الغلو في الشعبوية والإثارة و القفز على الغرائز  الإنسانية للوصول الى سدة الحكم، تظل سلوكا اعتياديا يتجدد كل  خمس سنوات في أرض الجزائر التي يفترض أنها قدمت مليونا و نصف  المليون شهيد ثمنا لاستقلالها و لكنها لا زالت عاجزة عن اكتساب هوية دولة بمؤسساتها و تاريخها، سمعتها و مصداقيتها  بين الأمم.



في نفس الركن