
العلم الالكترونية - عزيز اجهبلي
ينظر الاقتصاديون إلى العقود والصفقات التي تجري بين المؤسسات المالية المغربية ونظيرتها الفرنسية من زوايا مختلفة ومتنوعة، منهم من يحلل الظاهرة من منطلق الاستحواذ والزحف الاقتصادي، ومنهم من يفسرها بعدم كفاية المؤسسات الفرنسية وعجزها عن خوض تنافسية حقيقية مع المؤسسات المالية المغربية، كما أن هذه الصفقات تثير العديد من التساؤلات حول سياقاتها، وما إن كانت تندرج ضمن سياسية حكومية مغربية تهدف إلى مغربة المؤسسات البنكية، وإنهاء استحواذ البنوك الفرنسية على القطاع المصرفي الوطني.
المسؤولون في المؤسسات المالية الفرنسية لم يحرجهم الوضع، ولم يشكل لهم رفع اليد عن فروع مؤسساتهم الموجودة بالمغرب أي عقدة، ومنهم من عبر عن تفاؤله، ومن الأمثلة على ذلك ما راج قبل سنة، على أن بنكا لشركة فرنسية أعلن عن موافقته على بيع حصة فرعه المصرفي بالمغرب لمجموعة مغربية مقابل 745 مليون يورو، في ثاني صفقة يستحوذ بموجبها بنك محلي على حصة مجموعة مالية فرنسية بالمغرب، في حين أعلنت مؤسسة بنكية فرنسية أخرى قبل أيام عن انسحابها من السوق المغربية وتفويت حصتها للاستثمار المغربي.
المحلل الاقتصادي عبد الخالق التوهامي يفسر العملية بأن كلا من البائع والمشتري يبحثان لهما عن السلوك الأمثل، موضحا أن الأبناك الفرنسية لم تعد تستفيد من الأرباح المنتظرة بالنسبة لها في ظل تنافسية الأبناك المغربية التي اقتنعت بأن تمركزها المالي واستحواذها على فروع الأبناك الفرنسية بالمغرب هو الأفضل.
وأضاف التهامي أن الأبناك الفرنسية لم تستوعب ولم تفهم متطلبات المستهلك المغربي، ولم تكلف نفسها عناء ملاءمة خدماتها مع البيئة المغربية، واحتفظت بنفس العروض وبنفس السلوك البنكي المعتمد في فرنسا، ولم تعمل على ملاءمته مع طبيعة المستهلك المغربي.
وأوضح المحلل الاقتصادي أن الأبناك الفرنسية لم تعتمد على سياسة القرب، وبهذا تكون قد فقدت قسما من السوق المغربية، بالإضافة إلى المنافسة القوية للأبناك المغربية. كما أن الأبناك الفرنسية لم تستطع تغيير السلوك المعتاد، وهو ما وقع لها في دول أفريقية أخرى، حيث تمكنت الأبناك المغربية من فرض وجودها، وهو ما يدل على أن الأبناك الفرنسية فشلت في تنزيل طريقة مثلى للتعامل مع الزبون الأفريقي.
بالنسبة للمشتري الذي لم يكن إلا مغربيا، الشيء الدي يؤكد ويدعم فرضية أن المستثمرين المغاربة أعرف من غيرهم، ومن الفرنسيين أيضا، بالسوق الداخلي وبظروف الاستثمار في المغرب، خاصة ما يتعلق بالانسجام والتفاعل الإيجابي مع انتظارات المستهلك والمواطن المغربي.
في هذا السياق تناولت مصادر إعلامية قضية انسحاب مؤسستين ماليتين فرنسيتين من المغرب باعتا فروعهما لفاعلين اقتصاديين مغاربة، الشيء الذي يحيلنا إلى مضمون البيانات الصادرة عن بنك المغرب، بحيث عززت البنوك ذات الرأسمال الخاص المغربي في عام 2023 حصصها السوقية في مختلف المجالات الرئيسية منها، إجمالي الأصول والودائع والقروض، في حين سجلت البنوك ذات الرأسمال الأجنبي، وخاصة الفرنسية، انخفاضات كبيرة في حصصها السوقية في العديد من القطاعات.
في المقابل مصادر عليمة بالسوق المالية قالت، إن عمليات الاستحواذ والابتكارات واستراتيجيات التوسع القاري للبنوك المغربية سمحت بتعزيز مركزها المهيمن، مع تنويع الاقتصاد المغربي وفتح أسواق جديدة، في حين كانت البنوك الفرنسية موجهة بشكل أساسي نحو دعم المستثمرين الفرنسيين، وتمركز هيكل إدارتها في باريس.
ونتيجة لذلك، لم تتمكن البنوك الفرنسية من التكيف بسرعة مع الديناميكيات المحلية، خاصة خلال فترات الأزمات، حيث كانت التوجيهات القادمة من الشركة الأم منفصلة في بعض الأحيان عن الواقع المغربي، وقد شهدت البنوك الفرنسية أيضًا أن قدرتها على الاستثمار محليًا محدودة بسبب سياسات تجميع النقد، كما تعمل على إعادة توجيه السيولة نحو كيانات المجموعة على المستوى الدولي.