2023 يونيو/جوان 14 - تم تعديله في [التاريخ]

النقاد الشباب في المعرض الدولي للكتاب.. بين الممارسة والتطلع


العلم الإلكترونية - زهور العزوزي

احتضن المعرض الدولي للنشر والكتاب في نسخته 28 بالرباط، برواق وزارة الشباب والثقافة والاتصال، لقاءً علمياً رصيناً تحت عنوان: "نقد الشباب: مسارات وتطلعات"، بمشاركة ثلة من النقاد الشباب الذين سطع نجمهم في سماء الثقافة والنقد المغربيين، الحديث هنا، عن أبناء الجامعة المغربية الذين يراكمون الحضور في المشهد الثقافي بخطوات ثابتة.

وسير اللقاء الدكتور والناقد والباحث "إدريس الخضراوي" أستاذ الدراسات الثقافية والأدب ما بعد الكولونيالي بكلية اللغة العربية في جامعة القاضي عياض بمراكش، حيث افتتح الجلسة بتوطئة عن النقد المغربي وروافده ومناهله، وانطلق من قول مفاده إن النقد المغربي المعاصر شهد فورة واعترافا من لدن مجموعة من المؤسسات الأدبية العربية، وهنا خص بالذكر الجوائز التي حصدها النقاد المغاربة الشباب وعلى رأسهم الناقد سعيد الفلاق، مشيرا إلى مدى مساهمة النقاد الشباب في مشهدنا النقدي المغربي بوصفه مساهمة لافتة ولماحة، سواء من خلال الخلفيات النقدية والمنهجية التي يصدر عنها النقاد الشباب، ويسكنها هاجس الاختلاف، بحيث إن كل واحد منهم يشتغل على مشروع خاص به، والمبتغى من هذا الاختلاف يكمن في طموحهم إلى بلورة نقدٍ مغربيٍ جديد، والانفتاح على مناهج متعددة، كالنقد الثقافي ودراسات ما بعد الكولونيالية والأدب المقارن والسيميائيات والسرديات...، وهنا طرح الناقد إدريس الخضراوي مجموعة من الأسئلة المحورية:

كيف يتصور الناقد الشاب النقد؟ وكيف يمارس الناقد المغربي النقد؟ وما طبيعة العلاقة التي يقيمها بالمرجعيات التي شكلت وعيه النقدي؟ هل هي علاقة مطابقة أم علاقة اختلاف؟ وما الذي يشد هؤلاء النقاد إلى مبحث تتعالى الأصوات حول المخاطر المحدقة به في عصر العولمة هذا؟

من خلال هذه الأسئلة، وهذا الفرش النظري، أعطى الناقد إدريس الخضرواي الكلمة للنقاد الشباب المتدخلين، باختلاف مواضيعهم ومناهجهم ومشاربهم وروافدهم.

واستُهل نقاش الندوة بمداخلة الناقد الشاب والدكتور "سعيد أوعبو" الذي تنصب اهتماماته في الدراسات الأدبية والثقافية، وهو المساهم بالعديد من المقالات المنشورة في مجلات علمية محكمة، ومقالات في عدة منابر ثقافية، وأبحاث ضمن كتب جماعية محكمة، إلى جانب ذلك فهو  يعدّ روائيا صدرت له روايتين: "أن تكون هامشيا" عن دار جامعة حمد بن خليفة، و"توأم آدم" عن دار خطوط وظلال. وله كتابان قيد الطبع يتعلق الأمر بدراسة في الرواية العربية المعاصرة، وأخرى بنقد النقد تخوض في السرديات داخل الخطاب النقدي العربي بين الأصول النظرية والامتدادات.

وكان السبق للناقد والكاتب الشاب الدكتور "سعيد أوعبو"، الذي انطلق من عتبة عنوان الندوة "الشباب والنقد" سيما عنوانه الصغير "مسارات وتطلعات"، من هذا العنوان أبرز الناقد ملامح النقد وتحولاته العالمية أو المحلية، أو الانتقال من مرحلة تزفيطان تودوروف إلى مرحلة النقد الذي يعتمد على الأفق الإنساني.

أكد المتحدث، أن ملكة النقد تأتي انطلاقا من قراءة الممارسة النقدية، هاته الأخيرة التي تتصل بضرورة الاعتكاف والبحث في السياقات النقدية التقعيدية، محيلا على تجربته الخاصة، التي طورها من خلال نهله من ممارسة الرعيل الأول (محمد برادة والعوفي...)، من هنا، رسم طريقه بالبحث والتنقيب في المشاريع النقدية الوازنة، فبدأت أولاً من مشروعه الذي أنجزه عن "سعيد يقطين" من خلال موضوعه: "الخطاب الروائي" بإشراف الدكتور "إدريس الخضراوي"، وأقر الناقد سعيد أوعبو أن قراءته لأعمال سعيد يقطين استغرقت منه وقتاً طويلاً، بالنظر إلى لغته العالمة، لاسيما أنه لم يكن حينها يستوعبها أو يفهم تفاصيل النظريات بالشكل اللازم، بعدها بدأت روافده تتوسع بقراءة كتبٍ لنقادٍ عالميين في هذا الباب، سيما أعمال جيرار جنيت وغيرهم، وتقفي آثر التطبيقات النقديات.

وأثار أن امتلاك العدة النقدية للقراءة، دع به للاشتغال على المشاريع النقدية، خصوصا مع تجربة يقطين النسقية، الذي ينتقل في دراسة البنية من الخطاب إلى النص، فالخطاب يستند على آليات أو جماليات تعتمد بدورها على العمل الإبداعي الروائي، من هنا، استوعب أن النص يتكون من مجموعة من المفاهيم أو الإنتاج الإبداعي (النص، الخطاب، القصة) فالنص، يستهدف العودة إلى بنية الخطاب لفهم السياقات الخارجية، والقصة تراهن على المستويات المرتبطة بالمعنى والدلالة. بعدها جدد الناقد أسئلة النقد والانفتاح على الأسئلة الثقافية سيما مع "عبد الله إبراهيم" باشتغاله على "موسوعة النقد الأدبي"، ومن هنا أقر أوعبو أن النقد الأدبي أساساً أو النقد الثقافي يمكن أن يستفيد منه الباحث شريطة ضبط المفاهيم، فضبطها يساعد على التفاعل مع النقد بشكل فعّال، ويقول في هذا الصدد "حينما لا نستوعب المفاهيم وغاياتها ومقاصدها لن نقدر على ممارسة النقد، لأن الناقد الذي لا يتوفر في بداياته على عدة مفاهيمية فكأنه إناء فارغ. فالمفاهيم تملأ الفراغات التي توجد في الذهن والذاكرة"، وأقر أنّ الناقد يمارس النقد انطلاقا من النصوص التي يتفاعل معها، خصوصا ونحن نعلم أن النصوص لها مرجعياتها ومقاصدها ومستواها الثقافي. فأصبح الباحث ينهل من هذه النصوص التي غدت غنية بالهوية والمطابقة والاختلاف والتخييل التاريخي، منبها إلى ضرورة التعامل مع هذه النصوص باعتبارها نسقا في الكتابة.

ولقد حثَ الباحث على الاهتمام بالنصوص لما تتوفر عليه من تفاصيل ومساءلتها وفق نظريات معينة، مستحضرا المرجعية المرتبطة بنظرية الأدب، على مستوى السياق الأدبي أو الثقافي، الذي تتجلى رهاناته في محاولة استقصاء مشاريعَ نقديةٍ عربية يمكن أن تُجود وتُقدم له كباحث مجموعة من الأسئلة ومساءلة النص من زوايا متعددة، فممارسة النقد رهينة بالقراءة، وهي السبيل الوحيد والأوحد في نظره، من أجل قراءة النصوص وفهمها وتناولها بعيداً عن الأيديولوجيات والخلفيات التي يمكن أن توظف في النص.

بعدها، تناول الكلمة الناقد الشاب الدكتور "عزيز عمراوي"، الذي أوضح أن مساره النقدي انطلق من خلفيات مرتبطة بالإشكاليات المتعلقة بالهوية السردية وإعادة كتابة التاريخ، والذي شدد على أن "الشباب عدة المستقبل وهم الرجاء والأمل وعليهم المُعول". ويعد الناقد الشاب "عزيز عمراوي" باحثا في الدراسات الثقافية والدراسات ما بعد الكولونيالية، وعضوا بمختبر الدراسات المغربية والأندلسية، وعضو الفريق البيداغوجي لماستر الدراسات السيميائية، وعضو المجلس الدولي للغة العربية، له عدة مقالات منشورة في مجلات علمية محكمة، ومنابر ثقافية ومشاركات في عدة ندوات دولية مرتبطة بالدراسات الثقافية، وله قيد الطبع كتاب بعنوان: "هويات على الحدود. دراسة ثقافية لعينات من الرواية العربية المعاصرة".

لقد قام الناقد بتحديد جدوى النقد، الذي يعتبره إثارة للمواضيع الإنسانية المتعلقة بالإنسان، خاصة فيما يعانيه من تهجيرٍ وحروبٍ يشهدها العالم يومياً، والانتقال من بيئة إلى بيئة جديدة، ووضعيته القانونية وطلب لجوئه التي تقابل عادة بالرفض، وإن تم قبوله قانونيا يرفضه المجتمع لدواعٍ عدة أبرزها العنصرية.

من هذا المنظور، أقر الناقد باهتمامه بهذا الموضوع (الهوية) وخاصة الهوية البينية، فكل المهاجرين يجدون أنفسهم على حسب تعبير هومي بابا في الفضاء الثالث، (فلا هم في الفضاء الآخر ولا هم في الفضاء الأصلي)، حيث يعتقد المهاجر أن الهجرة تضمن له الاستقرار لكنه يجد نفسه في الجحيم على حد تعبير جون بول سارتر(الآخر والجحيم)، ومن هنا أقر الناقد الشاب عزيز عمراوي بمشروعه، فأطروحته الأساس هي الهوية البينية التي تتعرض للطمس والنسيان والتي تعيش على الحدود، وتعاني من التمزق الهوياتي، وصنف الهويات حسب الصراع والمخاض الذي تعيشه بين عالمين وثقافتين مختلفتين، واشتغاله مقرون بنماذج روائية: "الرجل الخراب" و"كيف ترضع من الذئبة دون أن تعضك" و"موت مختلف" و"خارج المكان". من هنا عاد الناقد إلى جدوى النقد وهو تسليط الضوء على المهمشين، والمقصيين الذين يعيشون على الحدود.

ولقد بيَن الباحث رؤيته إلى النقد وهي متأثرة بموجة ما بعد الحداثة الغربية، والتي جاءت رداً على الحداثة، معتبرا أن مجال الحداثة مجال خصب، وخاصة الدراسات الثقافية التي تهتم بمسألة الهوية، هنا سلط الضوء على إدوارد سعيد من خلال أطروحته للدكتوراه حول جوزيف كونراد، وكتابه الاستشراق، وكتاب هومي بابا، وكتاب الثالوث المقدس لنظرية ما بعد الكولونيالية: هومي بابا إدوارد سعيد وكياتري سبيفاك.

وختم الناقد عزيز عمراوي مداخلته بالقول، إن المبتغى الذي يطمح إليه هو بلورة مشروع متكامل حول الهوية البينية التي لم تأخذ حقها من الدراسات والاهتمام، ووسع اهتمامه إلى الكتابات الروائية التي كتبت بلغات أخرى كالإنجليزية والفرنسية.

من جهته، تطرق الناقد الشاب، الأستاذ سعيد الفلاق الفائز بجائزة راشد بن حمد الشرقي للإبداع بالإمارات في صنف الدراسات النقدية عن كتابه "التخييل التاريخي في الرواية العربية المعاصرة تفكيك النسق وتمثيل الأسئلة المضمرة" ونال الجائزة الوطنية للقراء، وجائزة كتارا عن كتابه الموسوم بـ"السرديات من النظرية البنيوية إلى المقاربة الثقافية" كما نشر مجموعة من المقالات العلمية المحكمة، في مختلف المجلات والمنابر الثقافية، إضافة إلى نشره مجموعة من القصص القصيرة.

ويعتبر سعيد الفلاق، من النقاد الذين شقوا طريقهم صوب السرديات التي تنهل من تصورات بول ريكور...، وانطلق الناقد من قول مفاده إن "هناك الأصول والشباب امتداد للأصول"، ولكن بأي معنى سيكون هذا الامتداد؟ هل من خلال التابع الذي يتبع أستاذه؟ أم من خلال تجديد مشروع  السرديات؟

وقد أقر الناقد بأن مجال السرديات مجال يحتوي الآلاف من الكتب ولكن ما هو الجديد الذي سيقدمه الناقد الشاب، فمن هنا اعتبر أنه إذا لم يُطرح هذا السؤال فإننا سنظل نجتر فقط ما كتب، ونتطرق إلى نفس المضامين. واستعرض الباحث تجربته ومساره النقدي الذي سطع بريقه في الماجستير، ممتنا في لحظة شكر وعرفان بالتوجيه الذي ساقه إليه مشرفه الأستاذ إدريس الخضراوي، إذ أرشده إلى الاهتمام بالجانب التاريخي الذي يعرف اهتماما كبيراً بالرواية التاريخية، والتي تحتاج إلى النقد. وطرح مجموعة من الأسئلة من قبيل: كيف يكتب الروائي التاريخ؟ وأكد على الدور الأساسي للروائي الذي يملأ البياضات التي يتركها المؤرخ، حيث إن هذا الأخير يقدم نظرة عامة حول أحداث تاريخية وقعت في زمن ما ومكان ما، بينما الروائي يُوجِدُ الحِبكَة التي تجعل من الأحداث كل متجانس، مقدمة أمثلة عن ذلك من مثل: بول ريكور وهايدن وايت. حيث إنهم من الكتاب البارزين الذين تنبهوا إلى هذا الأمر واعتبروا أن العلاقة ما بين التاريخ والسرد علاقة مترابطة ولا يمكن الفصل بينهما.

وطرح الناقد سؤالا إشكاليا: هل الرواية التاريخية هي رواية حقيقية؟ أم تدخل في عنصر التخييل؟

واستطرد الناقد، إنه حاول مقاربة إشكالات الرواية التاريخية في العالم العربي من زاوية ثقافية، من خلال كتابه "التخييل التاريخي في الرواية العربية المعاصرة تفكيك النسق وتمثيل الأسئلة المضمرة"، وأوضح أن الروائي الذي يكتب رواية تاريخية لا يكتبها كما كان يكتب جورجي زيدان، إلا أن النظرة تغيرت وأصبح الروائي يكتب بطريقة مختلفة عن التصور الجورجاني، كما تغيرت التصورات والمنظورات وكثرت الإشكالات، فأصبح الروائي يكتب التاريخ برؤى مغايرة.

بعدها انتقل الناقد للتفكير في السرديات في إطارها النظري، وسلط الضوء على البدايات السردية انطلاقا من الشكلانيين الروس، لتنشب بعدها صراعات بين الشكلانيين والماركسيين على اعتبار أن الماركسيين يعتبرون أن النص ينبغي أن يركز على المجتمع والتاريخ، بينما الشكلانيين يقرون بعزل النص عن السياق الاجتماعي والتاريخي، لتأتي البنيوية مع فيرديناند دوسوسير وتأسس ما يسمى بعلم الأدب، وذلك بدراسة نصٍ معين من خلال جوانبه الداخلية من زمان ومكان وأحداث دون النظر إلى تورطه في الواقع والتاريخ...

وسلط الناقد الضوء على كتابات النقاد البنيويين مثل رولان بارت وتودوروف من مثل كتاب "الأدب في خطر" حيث نادى تودوروف بدراسة الأدب بوصفه كِيانا ينفتح على المجتمع والثقافة والتاريخ...، وتحدث الناقد عن عدم الفصل بين الدراسات البنيوية والثقافية، مضيفا أن مساراته وتطلعاته تروم إلى الاشتغال على التمثيلات ضمن الإطار التاريخي "موضوع الأندلس" ليطرح السؤال: كيف نعيد تمثيل الأندلس في الرواية العربية والعالمية؟ كيف نعيد كتابة التاريخ الأندلسي سواء من نظرتنا نحن كعرب أو نظرة الآخر (الإسبان)؟ وخاض في الحديث عن الروايات التي كتبت بالإسبانية وتضارب الآراء حولها...

ويختم الناقد الشاب سعيد الفلاق حديثه عن مساراته وتطلعاته بالتأكيد على مواصلة مساره في هذا الجانب المرتبط بالسرديات بجانبها التاريخي والثقافي، ويعتبره جانباً مهماً يستحق تسليط الضوء عليه.

ليتناول الكلمة الدكتور إدريس الخضراوي، وينهي اللقاء المثمر والوازن بالتأكيد على أن الأدب العربي المعاصر شهد تحولات مختلفة سيما منها الرواية، والتي هي بحاجة إلى مثل هذه القراءات المتعددة، والتاريخ أحد مكوناتها البارزة، ليختتم مداخلته بسؤال: ما الذي يحرك الروائي العربي حينما يعيد تمثيل أحداث ووقائع وأجواء داخل روايته؟



في نفس الركن