العلم الإلكترونية - بقلم عبد الله البقالي
ارتفاع أسعار المواد الأساسية الغذائية منها وغيرها، خلال الشهور القليلة الماضية، واستمرار مؤشرات هذه الأسعار في الارتفاع في العالم بسبب التطورات المتلاحقة التي تستجد في الساحة الدولية، وعدم وجود أية موشرات حقيقية لكبح جماح هذا التغول في الأسواق العالمية، بقدر ما يطرح إشكاليات حقيقية مستعصية، فإنه يطرح أيضا ركاما من الأسئلة الحقيقية الحارقة حول الأسباب الحقيقية التي قد تكون مختفية وراء ستار التطورات الأخيرة المتهمة لوحدها بالتسبب فيما يجري. لأن جميع الأجوبة الحالية التي يتم التسويق لها لإقناع عامة الناس بشرعية ما يحدث لا تبدو مقنعة في نظر العامة. وتجد شكوك مشروعة حول الأسباب الحقيقية لها مساحات شاسعة في انشغالات واهتمامات الناس.
فالواضح على سطح التطورات أن ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية الغذائية و الطاقية منها تعود إلى الحرب الدائرة رحاها في أوكرانيا، و في هذا الصدد تكشف منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ( OCDE ) في تقرير حديث لها أن الارتفاعات الحالية ضاعفت التوقعات التي حددت في بداية السنة الخارجية ، و التي وصلت حاليا إلى نسبة 8,5 بالمائة و هي نسبة لم يعرف الاقتصاد العالمي مثيلا لها منذ سنة 1988 حينما هزت الأزمة المالية العالمية عرش اقتصاديات العالم ، و أن ربع دول العالم عرفت إلى غاية الثلث الأول من السنة الحالية زيادات في هذه الأسعار وصلت نسبتها إلى 5,5 بالمائة ، بل و أن نسبة هذه الزيادات تجاوزت في بعض الحالات سقف 80 بالمائة .و تجمع الأوساط الاقتصادية المختصة على أن الأزمة الحالية تكتسي خطورة أكبر و أقوى لأنها ترتبط هذه المرة بالتزويد من المواد الاستهلاكية في ظل أوضاع تتميز بحجم عرض يقل عن الطلب المتوفر ، و هو العنصر الذي يحد من هامش و إمكانيات تدخلات الحكومات في سبيل توفير حلول لها ، خصوصا بالنسبة للدول النامية و ذات الدخل المحدود و الضعيف التي تواجه تحديات إضافية تتمثل في فشل البرامج المستعجلة التي اعتمدتها لمواجهة تداعيات الأزمة الصحية التي اجتاحت العالم ، حيث تجد نفسها اليوم في حاجة إلى جهود إضافية و الى برامج بديلة للتفاعل مع التغيرات المستجدة ، بما يؤشر على أن الأزمة ، بالنسبة لهذه الدول ، مرشحة للاستفحال . و يكشف صندوق النقد الدولي في تقرير له في هذا الصدد عن معطيات مخيفة حينما يؤكد أن هذه التطورات ستلقي ب 23 مليون شخص إضافي من منطقة السوق الأوسط و أفريقيا إلى منطقة تحت عتبة الفقر، و أن زيادة واحد بالمائة في أسعار المواد الاستهلاكية تضيف ما مجموعه 500 ألف شخص إلى شريحة الفقراء .
و يضيف الخبراء الاقتصاديون إلى كل ما سبق تزامن هذه الأزمة مع وجود إكراهات اقتصادية و اجتماعية التي تكبح جماح البحث عن الحلول و تحد من جهود التصدي و المواجهة ، من قبيل أن كثيرا من الدول التي تعاني معاناة حقيقية من تداعيات ارتفاع الأسعار من تأثيرات حجم المديونية المرتفع ، خصوصا و ان 30 بالمائة من هذه الدول تواجه حالة إفراط قوي في المديونية الخارجية أو أنها قريبة جدا منها ، ويكشف صندوق النقد الدولي أن هذه الحالة تزداد استفحالا بوتيرة يومية بسبب الارتفاع المتواصل في أسعار الفائدة ، و يستدل ( Institute of international finance )، أحد أكبر تجمعات الدائنين الخواص على ذلك بأن 75 بنكا مركزيا من مختلف دول العالم زاد خلال الفترة الماضية في معدلات هذه الفائدة، كما وكشف أن التطورات السلبية الأخيرة تسببت في هروب عشرة مليار و نصف مليار دولار من الاستمارات نحو الخارج ، و و هو هروب تم في فترة وجيزة غير مسبوقة .و أن السندات الحكومية الطويلة الأجل ارتفعت خلال نفس الفترة بنسبة عالية بالنسبة لجميع الاقتصادات المتقدمة ، و يرى المعهد أن هذه المستندات ستتسبب من جانبها في الرفع من درجات العزوف عن المخاطرة و يؤثر سلبا على التدفقات الواردة من البلدان النامية .
كثير من الناس ينظرون إلى هذه التطورات من زاوية قطرية ضيقة جدا، ويحملون حكوماتهم مسؤولياتها، بيد أن القضية ذات مرجع وبعد عالمي يرتبط بمصالح القوى الاقتصادية المهيمنة على الاقتصاد العالمي. ولذلك فإن تفسير ردود الفعل الشعبية إزاء ما يحدث يكمن في عجز حكومات الدول المعنية بهذه التداعيات على إقناع رأيها العام الداخلي بحقيقة و أبعاد و تداعيات التطورات في الساحة الدولية التي قادت إلى هذا الارتفاع المهول في الأسعار .
من حيث عمق إدراك ما يجري ، فإن تداعيات الارتفاعات المهولة في أسعار المواد الاستهلاكية لا تقتصر على الجانب الاقتصادي ، بل إن الأمر أضحى مرتبطا ارتباطا مباشرا بالاستقرار السياسي العام في العديد من الأقطار ، لأنها تقود نحو ارتفاع منسوب التوتر و تغذية الغضب الاجتماعي . و هذا ما يفسر تنامي موجات الاحتجاجات الاجتماعية في العديد من الأقطار و التي بدأت فعلا في إسقاط أنظمة سياسية . و أن شحن الجماهير للتمرد على الأوضاع لم يعد منحصرا في الأشكال التقليدية من أحزاب و نقابات و جمعيات مهنية ، بل أضحى منفلتا عبر شبكات التواصل الاجتماعي التي تستحيل عملية تأطيرها أو ضبطها . ثم إن هذه التطورات تقود إلى مرحلة استقطاب سياسي جديد غير واضح في الشكل و المضمون .
و بالتالي يحق للمتابعين لتعقيدات هذه التطورات و التداعيات التساؤل عن الأسباب الحقيقة لما يحدث بوتيرة سريعة جدا .فهل هذه الأسباب مرتبطة فعلا بالزيادات في أسعار المواد الاستهلاكية في حد ذاتها ، أم أن هناك أسباب أخرى غير معلنة وراء ما يحصل ؟
الأكيد أن الزيادات في الأسعار متواصلة ، لكن لا يكفي أن يقتصر الاتهام على تداعيات الوباء و على الحرب في أوكرانيا ، بل لا شك في أن أطرافا معينة تتمثل في أوساط اقتصادية و مالية تستغل هذه المستجدات لمراكمة مكاسب مالية ضخمة . إن الأمر يتعلق باستفحال الليبرالية المتوحشة التي تستثمر في مآسي و أزمات البشرية ، و تتيح لأثرياء الأزمة الإفراط في الاستنزاف و الاستغلال . فالعرض ، و إن كان محدودا ما كان ليتسبب في ارتفاع الأسعار لولا وجود أوساط و كيانات تستغل الظروف لفرض هذه الزيادات ، غير آبهة بتأثيراتها على مستويات عيش الناس ، و لا بتداعياتها على الاستقرار السياسي العام في مختلف دول العالم . و حتى اذا تجاوزنا هذه الحقيقة الواضحة ، فإنه يمكن القول أيضا إن طبيعة النظام العالمي السائد مسؤولة بصفة رئيسية عما يعيشه العالم من جشع و تغول لنظام ليبرالي مفترس ، و إن هذا النظام قائم و سائد على أسس هشة ليست قادرة على حماية الضعفاء ، و أنها تضمن فقط حقوق و مصالح و أطماع الكبار.
ارتفاع أسعار المواد الأساسية الغذائية منها وغيرها، خلال الشهور القليلة الماضية، واستمرار مؤشرات هذه الأسعار في الارتفاع في العالم بسبب التطورات المتلاحقة التي تستجد في الساحة الدولية، وعدم وجود أية موشرات حقيقية لكبح جماح هذا التغول في الأسواق العالمية، بقدر ما يطرح إشكاليات حقيقية مستعصية، فإنه يطرح أيضا ركاما من الأسئلة الحقيقية الحارقة حول الأسباب الحقيقية التي قد تكون مختفية وراء ستار التطورات الأخيرة المتهمة لوحدها بالتسبب فيما يجري. لأن جميع الأجوبة الحالية التي يتم التسويق لها لإقناع عامة الناس بشرعية ما يحدث لا تبدو مقنعة في نظر العامة. وتجد شكوك مشروعة حول الأسباب الحقيقية لها مساحات شاسعة في انشغالات واهتمامات الناس.
فالواضح على سطح التطورات أن ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية الغذائية و الطاقية منها تعود إلى الحرب الدائرة رحاها في أوكرانيا، و في هذا الصدد تكشف منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ( OCDE ) في تقرير حديث لها أن الارتفاعات الحالية ضاعفت التوقعات التي حددت في بداية السنة الخارجية ، و التي وصلت حاليا إلى نسبة 8,5 بالمائة و هي نسبة لم يعرف الاقتصاد العالمي مثيلا لها منذ سنة 1988 حينما هزت الأزمة المالية العالمية عرش اقتصاديات العالم ، و أن ربع دول العالم عرفت إلى غاية الثلث الأول من السنة الحالية زيادات في هذه الأسعار وصلت نسبتها إلى 5,5 بالمائة ، بل و أن نسبة هذه الزيادات تجاوزت في بعض الحالات سقف 80 بالمائة .و تجمع الأوساط الاقتصادية المختصة على أن الأزمة الحالية تكتسي خطورة أكبر و أقوى لأنها ترتبط هذه المرة بالتزويد من المواد الاستهلاكية في ظل أوضاع تتميز بحجم عرض يقل عن الطلب المتوفر ، و هو العنصر الذي يحد من هامش و إمكانيات تدخلات الحكومات في سبيل توفير حلول لها ، خصوصا بالنسبة للدول النامية و ذات الدخل المحدود و الضعيف التي تواجه تحديات إضافية تتمثل في فشل البرامج المستعجلة التي اعتمدتها لمواجهة تداعيات الأزمة الصحية التي اجتاحت العالم ، حيث تجد نفسها اليوم في حاجة إلى جهود إضافية و الى برامج بديلة للتفاعل مع التغيرات المستجدة ، بما يؤشر على أن الأزمة ، بالنسبة لهذه الدول ، مرشحة للاستفحال . و يكشف صندوق النقد الدولي في تقرير له في هذا الصدد عن معطيات مخيفة حينما يؤكد أن هذه التطورات ستلقي ب 23 مليون شخص إضافي من منطقة السوق الأوسط و أفريقيا إلى منطقة تحت عتبة الفقر، و أن زيادة واحد بالمائة في أسعار المواد الاستهلاكية تضيف ما مجموعه 500 ألف شخص إلى شريحة الفقراء .
و يضيف الخبراء الاقتصاديون إلى كل ما سبق تزامن هذه الأزمة مع وجود إكراهات اقتصادية و اجتماعية التي تكبح جماح البحث عن الحلول و تحد من جهود التصدي و المواجهة ، من قبيل أن كثيرا من الدول التي تعاني معاناة حقيقية من تداعيات ارتفاع الأسعار من تأثيرات حجم المديونية المرتفع ، خصوصا و ان 30 بالمائة من هذه الدول تواجه حالة إفراط قوي في المديونية الخارجية أو أنها قريبة جدا منها ، ويكشف صندوق النقد الدولي أن هذه الحالة تزداد استفحالا بوتيرة يومية بسبب الارتفاع المتواصل في أسعار الفائدة ، و يستدل ( Institute of international finance )، أحد أكبر تجمعات الدائنين الخواص على ذلك بأن 75 بنكا مركزيا من مختلف دول العالم زاد خلال الفترة الماضية في معدلات هذه الفائدة، كما وكشف أن التطورات السلبية الأخيرة تسببت في هروب عشرة مليار و نصف مليار دولار من الاستمارات نحو الخارج ، و و هو هروب تم في فترة وجيزة غير مسبوقة .و أن السندات الحكومية الطويلة الأجل ارتفعت خلال نفس الفترة بنسبة عالية بالنسبة لجميع الاقتصادات المتقدمة ، و يرى المعهد أن هذه المستندات ستتسبب من جانبها في الرفع من درجات العزوف عن المخاطرة و يؤثر سلبا على التدفقات الواردة من البلدان النامية .
كثير من الناس ينظرون إلى هذه التطورات من زاوية قطرية ضيقة جدا، ويحملون حكوماتهم مسؤولياتها، بيد أن القضية ذات مرجع وبعد عالمي يرتبط بمصالح القوى الاقتصادية المهيمنة على الاقتصاد العالمي. ولذلك فإن تفسير ردود الفعل الشعبية إزاء ما يحدث يكمن في عجز حكومات الدول المعنية بهذه التداعيات على إقناع رأيها العام الداخلي بحقيقة و أبعاد و تداعيات التطورات في الساحة الدولية التي قادت إلى هذا الارتفاع المهول في الأسعار .
من حيث عمق إدراك ما يجري ، فإن تداعيات الارتفاعات المهولة في أسعار المواد الاستهلاكية لا تقتصر على الجانب الاقتصادي ، بل إن الأمر أضحى مرتبطا ارتباطا مباشرا بالاستقرار السياسي العام في العديد من الأقطار ، لأنها تقود نحو ارتفاع منسوب التوتر و تغذية الغضب الاجتماعي . و هذا ما يفسر تنامي موجات الاحتجاجات الاجتماعية في العديد من الأقطار و التي بدأت فعلا في إسقاط أنظمة سياسية . و أن شحن الجماهير للتمرد على الأوضاع لم يعد منحصرا في الأشكال التقليدية من أحزاب و نقابات و جمعيات مهنية ، بل أضحى منفلتا عبر شبكات التواصل الاجتماعي التي تستحيل عملية تأطيرها أو ضبطها . ثم إن هذه التطورات تقود إلى مرحلة استقطاب سياسي جديد غير واضح في الشكل و المضمون .
و بالتالي يحق للمتابعين لتعقيدات هذه التطورات و التداعيات التساؤل عن الأسباب الحقيقة لما يحدث بوتيرة سريعة جدا .فهل هذه الأسباب مرتبطة فعلا بالزيادات في أسعار المواد الاستهلاكية في حد ذاتها ، أم أن هناك أسباب أخرى غير معلنة وراء ما يحصل ؟
الأكيد أن الزيادات في الأسعار متواصلة ، لكن لا يكفي أن يقتصر الاتهام على تداعيات الوباء و على الحرب في أوكرانيا ، بل لا شك في أن أطرافا معينة تتمثل في أوساط اقتصادية و مالية تستغل هذه المستجدات لمراكمة مكاسب مالية ضخمة . إن الأمر يتعلق باستفحال الليبرالية المتوحشة التي تستثمر في مآسي و أزمات البشرية ، و تتيح لأثرياء الأزمة الإفراط في الاستنزاف و الاستغلال . فالعرض ، و إن كان محدودا ما كان ليتسبب في ارتفاع الأسعار لولا وجود أوساط و كيانات تستغل الظروف لفرض هذه الزيادات ، غير آبهة بتأثيراتها على مستويات عيش الناس ، و لا بتداعياتها على الاستقرار السياسي العام في مختلف دول العالم . و حتى اذا تجاوزنا هذه الحقيقة الواضحة ، فإنه يمكن القول أيضا إن طبيعة النظام العالمي السائد مسؤولة بصفة رئيسية عما يعيشه العالم من جشع و تغول لنظام ليبرالي مفترس ، و إن هذا النظام قائم و سائد على أسس هشة ليست قادرة على حماية الضعفاء ، و أنها تضمن فقط حقوق و مصالح و أطماع الكبار.