افـتتاحية جريدة العلم
تلقى النظام الجزائري ضربةً قاصمةً من دولة مالي، حين قرر المجلس العسكري الحاكم في هذه الدولة الأفريقية، الانسحاب من اتفاق السلام والمصالحة الذي ترعاه الجزائر منذ سنة2015 ، الرامي إلى استعادة الهدوء في شمالي مالي، وذلك بعد أسابيع من انفجار أزمة دبلوماسية بين الدولتين الجارتين، مما أدى إلى تدهور العلاقات الثنائية بين البلدين، بسحب باماكو سفيرها من الجزائر .
وأصل الأزمة التي خلفت توترات في هذه المنطقة الملتهبة والمضطربة ،أن الجزائر رعت اجتماعات انعقدت في عاصمتها شارك فيها متمردون من الطوارق ورفضت باماكو حضورها، علاوة عن استئناف عدد من الجماعات المسلحة عملياتها العسكرية ضد الجيش المالي في شمال البلاد، في إشارة واضحة إلى المتمردين الطوارق والعرب الذين بدورهم يتهمون الجيش المالي بخرق اتفاق السلام المبرم في 1 مارس سنة .2015
وجاء القرار الذي اتخذه المجلس العسكري الحاكم في جمهورية مالي، بإنهاء العمل وبشكل فوري باتفاق الجزائر للسلام ، ليكشف عن ملف التآمر الذي تمارسه الجزائر على الدول الأفريقية الجارة لها ، وليؤكد أن السياسة التدميرية التي يتبعها النظام الجزائري لخلق بؤر الفوضى في المنطقة جنوبي الصحراء ، هي اللعبة القذرة التي تتعاطاها الجزائر على عديد من الأصعدة، وفي بعض البلدان الأفريقية التي تتشارك معها الحدود ، إما لحسابها ولخدمة مصالحها، أو لفائدة دول أجنبية نافذة تعمل من أجل توطيد نفوذها في المنطقة ، أو تسعى للتعويض عن الخسائر التي تكبدتها والمصالح التي كانت لها وضاعت منها.
واتفاق السلام الذي رعته الجزائر والمنبثق عما يعرف ب(مسار الجزائر) ، يهدف إلى منع انفصال إقليم الأزواد عن مالي ، وضمان تكفل باماكو بتنمية الإقليم الذي ظل مهمشاً منذ ما قبل استقلال اتحاد مالي في 20 يونيو سنة .1960 وقد وقع على اتفاق السلام المجلس الأعلى لوحدة أزواد ، والحركة العربية لتحرير أزواد ، والحركة الوطنية لتحرير أزواد، والإئتلاف الشعبي من أجل أزواد ، بحضور ممثلَين عن الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا.
ولكن النظام الجزائري خرق اتفاق السلام هذا ، و تعامل مع الجماعات المتمردة التي وقعت عليه ، وذلك من وراء ظهر المسؤولين في دولة مالي المعنية أصلاً بالأمر ، وبدأ ينفذ خطته لتفجير الوضع في شمال هذه الدولة التي يشترك معها في حدود برية تمتد لأكثر من 1359 كيلومتراً ، هي عبارة عن صحراء قاحلة و مهجورة ، تعد مرتعاً للشبكات العابرة للحدود التي تعمل في التهريب بكل أنواعه من البضائع والمخدرات إلى البشر ، وملجأً للجماعات الإرهابية التي تنشط في تلك المنطقة البعيدة عن العيون ، إلى جانب الجماعات العسكرية المتمردة التي تتعامل مع النظام الجزائري من جهة ، ومع القوى الكبرى الفاعلة الطامعة في الموارد الطبيعية التي تزخر بها المنطقة ، من جهة أخرى .وللجزائر قلم راسخة في مثل هذه المناطق الصحراوية من مالي والنيجر وتونس وليبيا المجاورة لها ، فهي تمارس السياسة العدائية لدول الجوار، وتنتهك مبادئ حسن الجوار والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول طبقاً لمقاصد ميثاق الأمم المتحدة .
هذه اللعبة القذرة التي تتعاطاها الجزائر في مالي والنيجر وتونس وليبيا، هي نفسها التي تمارسها مع المملكة المغربية من خلال دعمها واحتضانها للجبهة الانفصالية البوليساريو، مع الفارق الجوهري ، وهو أن المغرب يقف بالمرصاد، بمنتهى القوة و اليقظة وبكامل الجاهزية للردع وللرد و لإبطال الخطة التي تسلكها الجزائر ولإفشال المشروع الذي تتبناه وتعمل على تنفيذه. فالمملكة المغربية تواجه الاستفزازات الجزائرية بصمودها وثباتها وما تملكه من وسائل الردع التي تبطل مفعول أي مخطط تسعى الجزائر إلى أن تحقق به أهدافها الشريرة.
والنظام الجزائري الذي يتعامل بالتعالي مع مالي ويوجه إليها الضربات من تحت الحزام، هو النظام الاستبدادي الذي يهدد الأمن والسلم في منطقتنا، ويعمل على استدامة النزاع الذي أضرم فتيلته قبل خمسة عقود، ولا يزال يتعهده وينفخ فيه .
ولقد كشف البيان القوي الصادر عن المجلس العسكري الحاكم في دولة مالي حول إنهاء العمل وبشكل فوري، باتفاق السلام لسنة ،2015 عن الوجه الحقيقي للنظام الجزائري الذي يواصل عمليات التدمير والتخريب لقواعد الأمن والاستقرار في هذا الجزء من القارة الأفريقية .
العلم