2024 نونبر 21 - تم تعديله في [التاريخ]

الـمفاهيم‭ ‬الجديدة‭ ‬للجهاد‭ ‬الأكبر‭ ‬وللأعياد‭ ‬الثلاثة


الافـتتاحية


طرح‭ ‬خطاب‭ ‬العرش‭ ‬بتاريخ ‭ ‬18نوفمبر‭ ‬سنة‭ ‬1955،‭ ‬الذي‭ ‬ألقاه‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬الخامس‭ ‬،‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬و‭ ‬أكرم‭ ‬مثواه‭ ‬،‭ ‬بعد‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيام‭ ‬من‭ ‬عودته‭ ‬والأسرة‭ ‬الملكية‭ ‬،‭ ‬إلى‭ ‬أرض‭ ‬الوطن‭ ‬،‭ ‬مفهوماً‭ ‬حديثاً‭ ‬للجهاد‭ ‬الأكبر‭ ‬،‭ ‬القصد‭ ‬منه‭ ‬الانصراف‭ ‬الكلي‭ ‬‮ ‬إلى‭ ‬بناء‭ ‬الدولة‭ ‬المغربية‭ ‬المستقلة‭ ‬العصرية،‭ ‬على‭ ‬قواعد‭ ‬الديمقراطية‭ ‬و‭ ‬الملكية‭ ‬الدستورية‭ ‬و‭‬الحريات‭ ‬العامة‭ ‬و‭‬المساواة‭ ‬،‭ ‬بما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬المرحلة‭ ‬السابقة،‭ ‬‮ ‬وبكل‭ ‬ما‭ ‬حفلت‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬تضحيات‭ ‬بذلها‭ ‬العرش‭ ‬والشعب،‭ ‬كانت‭ ‬جهاداً‭ ‬أصغرَ،‭ ‬‮ ‬انقلب‭ ‬إلى‭ ‬جهاد‭ ‬أكبر‭ ‬مع‭ ‬استرجاع‭ ‬الاستقلال‭ ‬الوطني‭ ‬وعودة‭ ‬ملك‭ ‬البلاد‭ ‬إلى‭ ‬العرش‭ ‬عزيزاً‭ ‬منتصراً‭ ‬،‭ ‬حيث‭ ‬دخل‭ ‬المغرب‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬تتطلب‭ ‬تضافر‭ ‬الجهود‭ ‬وحشد‭ ‬الطاقات‭ ‬لبناء‭ ‬‮ ‬الركائز‭ ‬الراسخة‭ ‬للعهد‭ ‬الجديد،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬عبر‭ ‬عنه‭ ‬الملك‭ ‬المجاهد‭ ‬بالجهاد‭ ‬الأكبر‭ ‬،‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬المفصلية‭ ‬الحرجة‭ ‬،‭ ‬فكان‭ ‬التعبير‭ ‬الملكي‭ ‬دقيقاً‭ ‬وصائباً‭ ‬وعميقاً‭ ‬،‭ ‬استوعبه‭ ‬الشعب،‭ ‬وتجاوبت‭ ‬معه‭ ‬النخب‭ ‬الوطنية،‭ ‬وجعلته‭ ‬شعاراً‭ ‬مقدساً‭ ‬‮ ‬لها‭ .‬

وعلى‭ ‬هدي‭ ‬ذلك‭ ‬التعبير‭ ‬الملكي‭ ‬البليغ‭ ‬سياسياً‭ ‬أقوى‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬البلاغة‭ ‬السياسية‭ ‬،‭ ‬سار‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬الحسن‭ ‬الثاني،‭ ‬طيب‭ ‬الله‭ ‬ثراه‭ ‬،‭ ‬فخاض‭ ‬‮ ‬معارك‭ ‬استكمال‭ ‬تحرير‭ ‬التراب‭ ‬الوطني‭ ‬،‭ ‬وتدشين‭ ‬الحياة‭ ‬النيابية‭ ‬،‭ ‬و‭‬تحصين‭ ‬البلاد‭ ‬ضد‭ ‬المؤامرات‭ ‬و‭‬الدسائس‭ ‬و‭‬الأطماع‭ ‬الشريرة‭ ‬و‭ ‬النوايا‭ ‬الخبيثة،‭ ‬والتأسيس‭ ‬لدولة‭ ‬الحق‭ ‬والقانون‭ ‬،‭ ‬و‭‬إعلاء‭ ‬صروح‭ ‬التنمية‭ ‬الشاملة‭ ‬و‭‬المستدامة‭ ‬،‭ ‬وكانت‭ ‬معاركه‭ ‬تلك‭ ‬جهاداً‭ ‬أكبرَ‭ ‬،‭ ‬لأنه‭ ‬يستهدف‭ ‬تطوير‭ ‬المغرب‭ ‬وتهيئته‭ ‬للانتقال‭ ‬إلى‭ ‬‮ ‬المرحلة‭ ‬التي‭ ‬تتحقق‭ ‬فيها‭ ‬الأهداف‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬البناء‭ ‬و‭ ‬النماء‭ ‬والانتماء‭ ‬إلى‭ ‬العصر‭ ‬،‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬سلامة‭ ‬الوحدة‭ ‬الترابية‭ ‬،‭ ‬و‭ ‬الرفع‭ ‬من‭ ‬مكانة‭ ‬المغرب‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬‮ ‬،‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬كانت‭ ‬عسيرة‭ ‬،‭ ‬و‭‬في‭ ‬وجه‭ ‬تحديات‭ ‬صعبة‭ ‬،‭ ‬استطاعت‭ ‬بلادنا‭ ‬تجاوزها‭ ‬بأدنى‭ ‬الخسائر‭ ‬،‭ ‬و‭‬بأقل‭ ‬التضحيات‭ .‬

وتجدد‭ ‬مفهوم‭ ‬الجهاد‭ ‬الأكبر، ‬الذي‭ ‬رفعه‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬الخامس‭ ‬،‭ ‬قدس‭ ‬الله‭ ‬روحه‭ ‬،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العهد‭ ‬الميمون،‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬،‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬و‭ ‬أيده‭ ‬،‭ ‬مجدد‭ ‬الدولة‭ ‬المغربية‭ ‬،‭ ‬من‭ ‬النواحي‭ ‬كافة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المفاهيم‭ ‬و‭ ‬المعاني‭ ‬و‭‬الدلالات‭ ‬و‭ ‬الرموز‭ ‬والقيم‭ ‬،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬التجديد‭ ‬يندرج‭ ‬مفهوم‭ ‬الجهاد‭ ‬الأكبر‭ ‬،‭ ‬و‭ ‬يدخل‭ ‬المعنى‭ ‬العميق‭ ‬للأعياد‭ ‬الثلاثة‭ ‬التي‭ ‬أطلقت‭ ‬على‭ ‬الأيام‭ ‬السعيدة،‭ ‬16‭/‬17‭/‬18‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬نوفمبر‭ ‬سنة‭ ‬1955،‭ ‬وهي‭ ‬عيد‭ ‬العودة‭ ‬،‭ ‬وعيد‭ ‬الانبعاث‭ ‬،‭ ‬وعيد‭ ‬الاستقلال‭ . ‬‮ ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬العودة‭ ‬المظفرة‭ ‬قد‭ ‬تحققت‭ ‬بفضل‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬،‭ ‬ثم‭ ‬بالالتحام‭ ‬الشديد‭ ‬بين‭ ‬العرش‭ ‬والشعب،‭ ‬وبالتضحيات‭ ‬الجسام‭ ‬التي‭ ‬بذلها‭ ‬الملك‭ ‬بطل‭ ‬التحرير‭ ‬والمقاومة‭ ‬والاستقلال،‭ ‬فإن‭ ‬الانبعاث‭ ‬الذي‭ ‬رمز‭ ‬له‭ ‬بيوم‭ ‬17‭ ‬نوفمبر‭ ‬،‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬انبعاث‭ ‬أمة‭ ‬يقودها‭ ‬ملك‭ ‬مجاهد‭ ‬،‭ ‬وهو‭ ‬غير‭ ‬محدد‭ ‬بزمن‭ ‬معلوم،‭ ‬لأن‭ ‬الانبعاث‭ ‬حركة‭ ‬مطردة‭ ‬‮ ‬لا‭ ‬تتوقف‭ ‬عند‭ ‬مرحلة‭ ‬محددة‭ . ‬فقد‭ ‬حصل‭ ‬انبعاث‭ ‬الأمة‭ ‬المغربية‭ ‬في‭ ‬17‭ ‬نوفمبر‭ ‬قبل‭ ‬تسع‭ ‬و‭ ‬ستين‭ ‬سنة‭ ‬،‭ ‬و‭ ‬تكرر‭ ‬هذا‭ ‬الانبعاث‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬الحسن‭ ‬الثاني،‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬،‭ ‬وهاهو‭ ‬اليوم‭ ‬يتجدد‭ ‬انبعاث‭ ‬الأمة‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس،‭ ‬نصره‭ ‬الله‭ ‬،‭ ‬ليكون‭ ‬الانبعاث‭ ‬الثالث‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬وجيز‭ ‬لا‭ ‬يتعدى‭ ‬سبعة‭ ‬عقود‭.‬

وكما‭ ‬يتجدد‭ ‬انبعاث‭ ‬الأمة‭ ‬،‭ ‬يتطور‭ ‬استقلال‭ ‬الوطن،‭ ‬لأن‭ ‬تعزيز‭ ‬الوحدة‭ ‬الترابية‭ ‬هو‭ ‬تعزيز‭ ‬للاستقلال،‭ ‬وتحصين‭ ‬البلاد‭ ‬ضد‭ ‬المؤامرات‭ ‬والاستفزازات‭ ‬وحماية‭ ‬السلامة‭ ‬الإقليمية‭ ‬للمغرب،‭ ‬هما‭ ‬تطوير‭ ‬للاستقلال‭ ‬الوطني،‭ ‬ومواصلة‭ ‬تحقيق‭ ‬النهضة‭ ‬الحضارية‭ ‬الشاملة‭ ‬اقتصادياً‭ ‬واجتماعياً،‭ ‬هو‭ ‬طور‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬تطوير‭ ‬الاستقلال،‭ ‬‮ ‬أو‭ ‬هو‭ ‬بعبارة‭ ‬أدق،‭ ‬تعميق‭ ‬مضمون‭ ‬الاستقلال‭ ‬،‭ ‬وتأصيل‭ ‬مفهومه،‭ ‬وتقعيد‭ ‬أسسه‭. ‬وهكذا‭ ‬ذواليك‭ ‬يتراكم‭ ‬الاستقلال‭ ‬ويتعمق‭ ‬و‭ ‬يتعزز‭. ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬نفسه‭ ‬مع‭ ‬الانبعاث‭ ‬مفهوماً‭ ‬ودلالةً‭ ‬ومضمونا‭.‬

وتلك‭ ‬هي‭ ‬السلسلة‭ ‬الذهبية‭ ‬لاستمرار‭ ‬التجديد‭ ‬في‭ ‬أساليب‭ ‬الحكم،‭ ‬والتطوير‭ ‬للأنظمة‭ ‬القانونية‭ ‬وللمنظومة‭ ‬المفاهيمية،‭ ‬والتطوير‭ ‬الممنهج‭ ‬للشعارات‭ ‬الوطنية‭ ‬التي‭ ‬رفعت‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬مفصلية‭ ‬ولحظة‭ ‬تاريخية،‭ ‬حين‭ ‬عاد‭ ‬الملك‭ ‬المقاوم‭ ‬والمجاهد‭ ‬محمد‭ ‬الخامس‭ ‬من‭ ‬المنفى‭ ‬إلى‭ ‬أرض‭ ‬الوطن‭ ‬،‭ ‬لتبدأ‭ ‬حركة‭ ‬الانبعاث،‭ ‬وتتطور‭ ‬مرحلة‭ ‬بعد‭ ‬مرحلة،‭ ‬ولتتعمق‭ ‬معاني‭ ‬الاستقلال‭ ‬وتتأصل‭ ‬وتزداد‭ ‬رسوخاً‭ ‬و‭ ‬ثباتاً‭ ‬ومتانةً‭.‬

من‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬المنظور،‭ ‬نفهم‭ ‬دلالات‭ ‬الجهاد‭ ‬الأكبر،‭ ‬ومعاني‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬العرش‭ ‬بعد‭ ‬حقبة‭ ‬سوداء‭ ‬امتدت‭ ‬قرابة‭ ‬الثلاث‭ ‬سنوات،‭ ‬ومفاهيم‭ ‬انبعاث‭ ‬الأمة‭ ‬واستقلال‭ ‬الوطن‭ .‬وهي‭ ‬الدلالات‭ ‬والمعاني‭ ‬والمفاهيم‭ ‬التي‭ ‬تتبلور‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬الرؤى‭ ‬الحكيمة‭ ‬والمستنيرة‭ ‬لجلالة‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس،‭ ‬رعاه‭ ‬الله‭ ‬ووفقه،‭ ‬باني‭ ‬المغرب‭ ‬الحديث‭ ‬ومجدد‭ ‬الدولة‭ ‬المغربية‭.‬

العلم



في نفس الركن