2023 أغسطس/أوت 29 - تم تعديله في [التاريخ]

"العلم" تفتح النقاش حول الهندسة اللغوية.. خبراء ومختصون يؤكدون غياب الحكامة اللغوية عن المنظومة التربوية ببلانا


* العلم: مريم البورقادي (صحافية متدربة)
أكد القانون الإطار رقم 17-51، الصادر في: 09-08-2019، على ضرورة اعتماد التعددية اللغوية والتناوب اللغوي، الذي يهدف إلى تنويع لغات التدريس إلى جانب اللغتين الرسميتين للدولة، (العربية والأمازيغية)، ويرومُ هذا القانون، ضمانَ جودة التعليم الأساسي والثانوي الإعدادي، والرفعٍ من الكفاءة اللغوية للتلاميذ والتلميذات، كما يسعى إلى ضمان مستوى يساير المستويات العليا في المعاهد والجامعات، بما يفضي إلى مواكبة البحث العلمي في التعليم العالي، وارتباطا بالموضوع، صدر في 16 غشت الجاري، تصنيف "شنغهاي رانكينيغ كونسلتنسي"، الذي غابت فيه الجامعة المغربية مجددًا، الشيء الذي يدفعنا لطرح جملة من التساؤلات على رأسها: ما موقع التعددية اللغوية التي يسعى المغرب لتحقيقها؟ وكيفَ سيسمح له ذلكَ ببلوغ أهدافه البيداغوجية وتمكين الجامعة المغربية من منافسة الجامعات الدولية المصنفة؟ ومواكبة لهذا السياق، تفتح "العلم" نقاشا هادئا لخبراء ومختصين، من داخل الميدان التربوي، لتسليط الضوء على مسألة الهندسة اللغوية بالمملكة، ودورها في تطوير المنظومة التربوية.

قال خالد الصمدي، كاتب الدولة السابق المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي، إن "اللغة الإنجليزية مقارنة مع اللغة الفرنسية، لها مكانة متميزة على مستوى التعليم والتكوين، وعلى مستوى البحث العلمي، لكن تغيير لغة بأخرى يعتمد  مبدئيا على قاعدتين أساسيتين":

·      الأولى: وضع هندسة لغوية شاملة، تضم اللغتين الوطنيتين العربية والأمازيغية، إلى جانب اللغة الفرنسية ثم الانجليزية. وإذا أردنا إدراج هذه الأخيرة يجب أن تتم العملية ضمن منظور شامل لهندسة لغوية شاملة.

·      الثانية: ضرورة النظر إلى هذه المسألة من الشق الإجرائي القانوني، إذ يجب الالتفات أيضا إلى الموارد البشرية، إضافة إلى الموارد البيداغوجية والمالية.

 وفي تصريحه لـ"العلم"، أكد المتحدث، على أن هذه تحديات تُطرح أمام هذا التغيير، مضيفًا "وإذا أردنا إدراج اللغة الإنجليزية في أفق 2030، يجب علينا الاشتغال على الموارد البشرية، وتطويرها لأنها باتت غير كافية للدخول في غمار هذه التجربة في الفترة الراهنة، هذا بالإضافة إلى الاشتغال على المناهج الدراسية".

وتابع، المتحدث، أن "القانون الإطار 51.17، يعد المرجع في هذه المسألة، حيث يوجد مرسوم "الهندسة اللغوية "، وهو مرسوم تمت إحالته من طرف الحكومة إلى المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، طبقا لاختصاصاته في الموضوع لإبداء الرأي، وقد أصدر المجلس رأيه في هذه المسألة، باعتبار أن أي تغيير في اللغة ينبغي أن يكون ضمن إطار شامل للهندسة اللغوية، لكن لحدود اليوم، لم يصدر هذا المرسوم، وبالتالي؛ أي إجراء للتغيير في لغة التدريس أو في تدريس اللغات، إذا لم يِؤطر ضمن هذا المرسوم، سيعتبر خارج القانون.

وتعليقا على الموضوع، قال عبد الناصر ناجي، رئيس الجمعية المغربية لتحسين جودة التعليم "أماكن"، وعضو المجلس الأعلى للتربية والتكوين سابقا، إن "موقع اللغة من جودة التعليم لا يجادل فيه أحد لأن التعلم لا يمكن أن يتم إلا باللغة وكلما تمكن المتعلم منها جيدا، كلما كانت فرصه أكبر في تحصيل دراسي جيد لباقي المواد الدراسية، لذلك تحرص الدول المتقدمة على تدريس كل المواد الدراسية بلغاتها الرسمية لأنها الأيسر في التعلم بحكم انغراسها في وجدان المتعلم.

 وحول الانفتاح على اللغات الأجنبية، شدد المتحدث، أنها "ليست هدفا في حد ذاته وإنما وسيلة لدعم التعلم ولفهم الآخر والتواصل معه"، مضيفا "حتى في الدول التي لا تنتج العلوم بلغاتها فإن التدريس يتم غالبا بهذه اللغات لسبب وحيد هو تمكينها من مواكبة التقدم المعرفي الذي يعرفه العالم وإلا حكم عليها بالانقراض كما هو حال العديد من لغات العالم".

وأكد رئيس "أماكن"، على أن "المغرب من ضمن الدول التي اختارت التعددية اللغوية، وهو شيء محمود لكن ما يعيب هذا التوجه هو الخلط بين تعلم اللغات الأجنبية والتدريس بها"، مبرزا أن، "الرؤية الاستراتيجية كانت واعية بهذا المعطى لذلك أوصت بتبني مبدأ التناوب اللغوي الذي يعني تدريس بعض المضامين فقط، في بعض المواد بلغات أجنبية من بينها الإنجليزية، مع الإبقاء على العربية بوصفها اللغة الأساس للتدريس".

وأشار إلى، أن "خروج القانون الإطار عن هذه القاعدة يفرضه تدريس المواد العلمية والتقنية، بلغات أجنبية ثم التأويل الخاطئ الذي وقع في التطبيق، بجعل الفرنسية اللغة الوحيدة المعتمدة، الشيء الذي أدى من جهة إلى تهميش اللغتين الرسميتين ومن جهة أخرى إلى تكريس هيمنة لغة أجنبية وحيدة لم تعد لا لغة العلم ولا لغة التواصل على المستوى الدولي وهو ما يجعل منظومتنا التربوية في وضع غير دستوري بما أن الدستور يتحدث عن اللغات الأجنبية الأكثر تداولا".

وأضاف، "رغم كل ذلك كان منتظرا من الحكومة على الأقل ترسيم الهندسة اللغوية بشكل قانوني من خلال إصدار المرسوم المنصوص عليه في القانون الإطار. لكن لا يبدو أن الموضوع يشغلها كثيرا خاصة وأنها انتظرت كثر من سنة ونصف لطلب رأي المجلس الأعلى للتربية في الموضوع بعد أن أعدت صيغة للنص التنظيمي لا تستوفي جميع الشروط المطلوبة. لا يمكن تفسير ذلك إلا بكون الوزارة مشغولة بأولويات أخرى وتعتبر الفرنسية هي الحل لمشاكل التعليم في المغرب كما تؤكد ذلك آخر مذكرة وزارية توصلت بها الأكاديميات. ولن يزيد ذلك سوى من تكريس الفوضى اللغوية السائدة التي تستفيد منها الفرنسية بما أنها تستحوذ على ثلثي زمن التدريس في التعليم الإلزامي. كما أن الإصرار على الفرنسية لغة تدريس المواد العلمية من شأنه أن يزيد من تدني المستوى الدراسي للتلامذة في هذه المواد بحكم ضعف مستواهم اللغوي في هذه اللغة الأجنبية المدللة".

من جانبه، قال فؤاد بوعلي رئيس الائتلاف الوطني للغة العربية، إن، " النقاش الذي عايشناه مع القانون الإطار ومستجداته، عن تمكين المتعلمين من اللغات الأجنبية، من أجل تملكهم الوظيفي لهذه اللغات طيلة مسارهم الدراسي، ليس إلا تأطيرا قانونيا لواقع مؤداه فرض اللغة الفرنسية عوض اختيار تعدد اللغات".

وتابع، رئيس الائتلاف الوطني للغة العربية، أن هذا القانون، "أصبحَ شعارا أكثر منه آلية تربوية، لها أطرها المرجعية والمنهجية، أي ليس تنويعا بين لغات التدريس المختلفة، وإنما انزياحا نحو التدريس باللغات الأجنبية أو بالأصح بالفرنسية، في الإعدادي والثانوي والجامعي والضحية الأولى هي اللغة العربية، التي تشهد هجوما منهجيا من كل المستويات وتغييبا متعمدا في المسالك والشعب ".

وأشار، إلى أن "التعليم بالمغرب، يطرح إشكالات عديدة منها ما يرتبط بالسياسة التربوية اللغوية، ومنها ما يتعلق بالرؤية المجتمعية ومنها ما يتعلق بالغايات المرادة من العملية التعليمية برمتها"، مضيفا  أن، "سؤال الجودة والفعالية ينبغي أن يسبق بأسئلة الإرادة والغاية، من مثل: ما نوع المدرسة التي نريد؟ وهل الأزمة أزمة مدرسة أم أزمة دولة ومجتمع؟ وهل نحن مؤهلون للإصلاح أم أن الكل يطلب وده دون الرغبة فيه؟"

 وفي ما يتعلق، بالمخططات والبرامج الإصلاحية التي تعاقبت على المنظومة التربوية بالمغرب، أجاب المتحدث، "بالرغم من المجهود المالي و الاعتمادات المهمة المرصودة من طرف الدولة، حيث تمثل ميزانية التربية و التعليم  28 بالمائة، من الميزانية العامة  و7 بالمائة من الناتج الخام الوطني"، مؤكدًا على أن، "آخر البيانات والمعطيات الإحصائية والتقارير الدولية والوطنية، تبرز أن منظومتنا التربوية تحتضر، بمعنى أن أزمة التعليم ليست في اللغة ولكن في غياب المشروع الوطني الذي ينطلق من ثوابت الذات قبل الانفتاح على الآخر".

 هشام الدحمان، هو أستاذ اللغة الإنجليزية بالسلك الثانوي التأهيلي، بدوره أكد على أن، "استبدال اللغة الفرنسية بالإنجليزية، يتطلب تغييرا جذريا وهو أمر صعب لأن أغلب التلاميذ أصبحوا أمام تحدي تعلم اللغة سواء الفرنسية أو الإنجليزية، الشيء الذي يدفعهم إلى النفور منها ومن تعلمها، وقد يكون أمر التدريس باللغة الإنجليزية جيدا بالنسبة للبعض وسيئا للبعض الآخر. وهذا في الحقيقة أمر يهم المنظومة التعليمية ككل".

وأضاف المتحدث:" صحيح أن اللغة الإنجليزية لها جانب إيجابي ألا وهو استقطاب الطالب الدولي فهي في الأساس، تفتح الباب أمامه للدراسة بهذه اللغة فيما بعد، فيكون قريبا بشكل أكبر منها، وحينما يصبح التعليم الجامعي باللغة الإنجليزية، سنتمكن من استقطاب طلبة من دول أخرى، وهنا سنكون أمام عولمة التعليم.

وأشار في معرض حديثه، إلى أن "التغيير على مستوى اللغة بحاجة إلى تغيير جذري وهيكلي لإنجاح هذه المسألة، وإلا سنكون أمام مشاكل أخرى وتحديات أبرزها عدم استيعاب التلميذ أو الطالب وغياب الفهم وبالتالي عرقلة التعلم"، مضيفا، أن تدريس اللغة يجب أن يتدرج من التعليم الأولي إلى التعليم الثانوي وليس العكس ليتمكن التلميذ من جمع قاموس لغوي تدريجيا ويعمل على تطويره و توظيفه حسب احتياجاته التعليمية مع تقدمه في السن".



في نفس الركن