2022 دجنبر 6 - تم تعديله في [التاريخ]

العربي المساري بعيون إسبانية...

ترجمة جديدة لعبد الخالق نجمي تسبر أغوار "إسبانيا الأخرى" للدبلوماسي والوزير الأسبق


العلم الإلكترونية - حوار: أنس الشعرة

المغرب محطة التجلي والعبور الزمني والجغرافي، نحو إفريقيا بالنسبة لأوروبا، ونحو أوربا بالنسبة لإفريقيا، في هذا التجلي هوية وتاريخ، وفي العبور التقاء للمسافات التي تجسر هويةَ الزمان وجغرافية المكان.

أصرّ الراحل محمد العربي المساري، أن يستشرف أفاق "إسبانيا الأخرى"، تلكَ التي سلكت في مخيلته مسارًا منفتحًا على تجاهل الأحكام القاطعة في حق المغرب والمغاربة، ومن جهة أخرى نسجت تلكَ المخيلة من أحداث التاريخ، معانٍ متدفقة ومترابطة في فحص وفهم، طبيعة التشابك العلائقي الوجودي، والسياسي والتاريخي، بينَ إسبانيا والمغرب.

يظل كتاب العربي المساري، بيانًا دبلوماسيًا وتاريخيًا، استشرفَ اللحظات الأساس، التي ينبغي أن تصير إليها علاقة المغرب وإسبانيا. في هذا الحوار الذي أجراه المترجم المغربي عبد الخالق نجمي مع "العلم"، يبرز لنا دوافعَ ترجمةَ كتاب "إسبانيا الأخرى"، وتلقي الإسبان لهذهِ الترجمة، ومشاريعه الترجمية مستقبلا.

بداية كيف أتت فكرة ترجمة كتاب الراحل محمد العربي المساري؟

هذا العمل بدأ كمشروع تخرج بحث ماستر بمدرسة الملك فهد العليا للترجمة بطنجة، أوائل سنة 2016 تحت إشراف الأستاذ الدكتور المختص في الترجمة مراد زروق، وكان الهدف من ذلك، ترجمة حوالي 30 صفحة والقيام بالتعليق عليها وإبراز التقنيات الترجمية المستعملة، وكذا الصعوبات التي واجهتها، وهو ما تم بالفعل، وأثناء القيام بالترجمة حاولت التواصل مع الكاتب والدبلوماسي محمد العربي المساري من أجل ترجمة الكتاب كاملا، ولكن أفراد عائلته أخبروني أن حالته الصحية لا تسمح باستقبال الضيوف وتوفي الى رحمة الله بعد ذلك، وبعد التحافي بجامعة مدريد المستقلة بإسبانيا، والتقائي بمجموعة من المستعربين الإسبان، شجعوني لترجمة هذا العمل القيم، وخصوصا وأنه سبق لي وأن ترجمت كتابين. "قانون الصحافة والنشر" المغربي الذي حضي باهتمام كبير من طرف الصحافة والنقاد، وكذا كتاب "الجوار الحذر" للكاتب والصحافي نبيل الدريوش، والذي بدوره حضي باهتمام كبير وخصوصا، وصدر في مدريد خلال فترة تأزم العلاقات المغربية الإسبانية، بعد استقبال مدريد لزعيم الكيان الوهمي (البوليساريو)، إبراهيم غالي، فقمت بالاتصال بشقيق الراحل الفنان سعيد المساري وابنته منى المساري، اللذين أبديا ترحيبا بالفكرة وشجعاني على القيام بالترجمة.

أعتقد أن هذه الترجمة ستساهم في تنوير القارئ الإسباني، gفهم تشابك العلاقات المغربية الاسبانية، وسبل تجاوز العراقيل والصعوبات التي يفرضها الجوار والتاريخ وذلك من أجل مصلحة الشعبين الجارين.

ما الذي دفعكَ إلى ترجمة الكتاب هل هو السياق الجديد للعلاقات المغربية الإسبانية أم هناكَ دافع آخر؟

هناك عدة عوامل دفعتني لترجمة هذا الكتاب، وسأقتصر على ذكر ثلاثة عوامل لأهميتها:

 العامل الأول: أهمية الكتاب، حيث يعتبر مرجعا في العلاقات الدولية وخصوصا المغربية الإسبانية، وهو عبارة عن مجموعة من المقالات الصحفية نشرها محمد العربي المساري بجريدة "العلم" المغربية، ويقوم بجرد تاريخي للعلاقات الثنائية بين الرباط ومدريد، بدء من تواجد العرب والمسلمين بالأندلس حتى هجمات مدريد الدامية، ويغوص في تركيبة المجتمع الإسباني ويقوم بتحليل الوضع السياسي فيه، ودور الإعلام والمثقفين خلال فترة الانتقال الديمقراطي بإسبانيا، وكذا تسليط الضوء على قضية الصحراء المغربية من خلال وثائق وأدلة ملموسة لمغربية الصحراء، وموضوع الثغرين.

العامل الثاني: المكانة المهمة التي يحظى بها محمد العربي المساري لدى الطبقة السياسية والإعلامية الإسبانية وبصفة عامة عند الشعب الإسباني والأحزاب السياسية سواء كانت يمينية أو يسارية.

العامل الثالث: هو الظرفية الراهنة التي تمر بها العلاقات المغربية الإسبانية بعد تأييد، إسبانيا مقترح المغربي للحكم الذاتي بالصحراء وأخيرا، هناك نقص مهول وخصاص كبير فيما يتعلق بالكتب المغربية المهتمة بالعلاقات المغربية الاسبانية وخصوصا المكتوبة بالاسبانية أو المترجمة إليها. صراحة افتقدنا دبلوماسيا محنكا برحيل محمد العربي المساري وفقد المغرب جسرا مهما لتوطيد العلاقات بين مدريد والرباط. كان يتعامل مع الصحافة الإسبانية بذكاء كبير مُستفيدا من خبرته في الميدان الأكاديمي والدبلوماسي والإعلامي.

كيف تفاعلت الصحافة الإسبانية مع خبر ترجمة الكتاب؟

لا أخفيك، هناك اهتمام كبير من طرف الصحافة والأكاديميين الإسبان المهتمين بالعلاقات المغربية الإسبانية، وكل ما يُكتب أو ينشر عن إسبانيا في المغرب يهتم به بشكل كبير. ولذلك انتهزت فرصة انعقاد المؤتمر 38 لصحفيي الضفتين، لتقديم هذه الترجمة. كما قمت بتقديم هذه الترجمة بمدينة تطوان، مسقطَ رأس المؤلف، وقد شارك في هذا اللقاء المهم، حوالي 25 صحفيا إسبانيًا من مختلف الجهات الإسبانية، ومختلف وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية و الإلكترونية، وكلهم حصلوا على نسخة من الكتاب، وأبدوا اهتماما كبيرا بالموضوع، وخصوصا وأن مؤلف الكتاب كان عضوا نشيطا في هذه اللقاءات وأحد مؤسسي هذا المؤتمر، حيث يحظى باهتمام الكثير من هؤلاء الصحفيين، الذين أبدو رغبة في إجراء حوار مباشر معهم، والبداية ستكون مع قناة إقليم الأندلس فور عودتي لإسبانيا. الكثير من الصحفيين والأكاديميين الإسبان هنئوني على هذا العمل وسألوني عن كيفية الحصول على نسخة من الكتاب، وسأقوم بمعية دار النشر ديوان مدريد، بتقديم الكتاب بمختلف المدن الإسبانية كغرناطة ومدريد وبرشلونة وقرطبة. وأنا الآن بصدد التفاهم مع البيت العربي بالعاصمة الإسبانية لتقديم هذا العمل، وسنقدم الدعوة لبعض الدبلوماسيين الإسبان السابقين والمغاربة لتبادل الآراء، وسيكون هذا النشاط عبارة عن تكريم للمرحوم محمد العربي المساري، الذي راهن على حسن الجوار بين المغرب وإسبانيا، وأؤكد لك يوم أتلقى دعوات من منابر إعلامية، مختلفة في إسبانيا للحديث عن الكتاب و محمد العربي المساري والعلاقات المغربية الإسبانية.

ما هي دلالات تقديم الكتاب من طرف الدبلوماسي الإسباني الشهير ميغيل أنخيل موراتينوس؟

كما قلت سابقا، الأستاذ محمد العربي المساري، يحظى باحترام وتقدير كبيرين من طرف الطبقة السياسية والإعلامية الإسبانية، بمجرد أن اقترحنا على وزير خارجية إسبانية الأسبق ميغيل أنخيل موراتينوس، رحب بالفكرة وأشاد في هذه المقدمة بدور الراحل في تحسين العلاقات المغربية الإسبانية، لاسيما وأنه كان يتطلع لإسبانيا الأخرى، إسبانيا المتصالحة مع نفسها وتاريخها وكذا إسبانيا الصديقة للمغرب والمتعاونة معه في شتى المجالات لان هناك تاريخ وجغرافية مشتركة وأن هذه الاحتكاكات والاختلافات التي تقع أحيانا بين البلدين فهو أمر عادي بين بلدين جارين وبالفعل وجوابا على سؤالكم، نعم إن هذا الكتاب عبارة عن نظرة استشرافية للمستقبل التي كان يبحث عنها الراحل المساري، إسبانيا التي تعترف بوحدة المغرب الترابية.

قال موراتينوس أثناء التقديم: إن محمد العربي المساري كانَ دائمَ البحث عن إسبانيا التي تعيد اكتشافَ المشترك مع المغرب وتستشرف التاريخ المشترك مع المغرب وتستشرف شكلا جديدًا في العلاقة خلال القرن الواحد والعشرين، هل تعد العلاقات المغربية الإسبانية الجديدة استثمارًا لهذه النظرة الاستشرافية التي كان الراحل المساري يبحث عنها في إسبانيا الأخرى؟

بحكم أن محمد العربي المساري مارس العمل الدبلوماسي الرسمي و الموازي، بالإضافة لإتقانه اللغة الإسبانية وآدابها فان الرجل كانت له نظرة ثاقبة ومستقبلية للعلاقات المغربية الإسبانية وتنبأ بتغير الموقف الإسباني، حيث تحول من الحياد السلبي إلى دعم مقترح الحكم الذاتي للصحراء، وكان دائما يُراهن على التعاون بين البلدين في شتى المجالات. وفي الكتاب ينتقد جزءً من الطبقة السياسية المغربية السابقة لجهلها بتاريخ إسبانيا وثقافتها ولغتها، والتي كانت تنظر لإسبانيا من خلال النظارات الفرنسية وعبر جريدة لوموند، المساري راهن على العقلاء الإسبان الذين ينظرون للمغرب نظرة ايجابية بعيدا عن الصور النمطية ورواسب التاريخ، هذه هي إسبانيا الحقيقية والدور الذي يمكن أن تلعبه في هذا السياق، وتراهن على المصالح المشتركة للمملكتين في كل القضايا العالقة بين المغرب وإسبانيا.

محمد العربي المساري الأكاديمي والإعلامي يدعونا نحن المغاربة، في هذا الكتاب للتعامل مع إسبانيا المتصالحة مع ذاتها ومع تاريخها المشترك مع المغرب بشكل إيجابي، وحِلف الرباط ومدريد، أفضل بكثير للبلدين، من حلف مدريد والجزائر لأن هذا الأخير سيعيق التقدم والازدهار في هذه المنطقة المهمة من العالم.

هل لديكَ مشروع آخر يصب في ترجمة إحدى كتب المساري؟

فيما يتعلق بترجمة أعمال محمد العربي المساري فهو شرف لي أن أتابع ترجمة كتبه، وما يهمني الآن هو إعطاء الوقت الكافي لهذه الترجمة من خلال الترويج لها، فأنا في حديث يومي مع الناشر لتقديم الكتاب المترجم بمختلف الجامعات الإسبانية، وكذا الترويج للترجمة من خلال مَعارض الكتب التي تُنظم بإسبانيا ودول أمريكا اللاتينية، ومن جهة أخرى أنتظر بشغف كبير صدور ترجمة لي من الإسبانية للعربية لكتاب "مشكلة الصحراء المغربية، نظرة جيوسياسية" للكاتب والأكاديمي المكسيكي رومان لوبيث بيياكانيا، وهو عمل قيم ومُهم، وسيصدر ضمن منشورات المندوبية السامية للمقاومة وأعضاء جيش التحرير، يتحدث المؤلف والباحث عن مشكلة الصحراء المفتعلة، بطريقة علمية وبعيدا عن العاطفة. اعتمد الكاتب على مراجع مهمة وبحث ميداني، والآن أنا بصدد ترجمة عمل أدبي جديد بمعية المستعربة الإسبانية بيلار غاريدو "مقبرة المياه"، وهي رواية شيقة للكاتب الليبي محمد عبد المطلب الهوني، فبالنسبة لنا كمهتمين بالعلاقات المغربية الإسبانية.

محمد العربي المساري وحده مدرسة دبلوماسية، وأن يقوم وزير الخارجية الإسباني الأسبق ميغيل أنخل موراتينوس بكتابة مقدمة الترجمة، هو اعتراف كبير بمكانة محمد العربي المساري لدى الاسبان قبل المغاربة.



في نفس الركن