كثر الحديث عن ياقة رئيس الوزراء المعوجة وهو يلتقي رئيس وزراء تركيا. لم يكن النقد موجها لياقة القميص بالذات.. بل يندرج التساؤل والانتقاد عن التأني وعن الوقوف أمام المرآة حيث لكل إمرئ مراياه ليس فقط في الشكل ولكن دلالته في المضمون..!
كثيرون في العراق وخاصة في الحقبة الأخيرة من تاريخ العراق، تلمس انفصاما بين الشكل والمضمون.. فالشخص الذي يأتي من البادية أو الصحراء أو من أعماق الهور ويدخل المدينة وهو يرتدي البدلة وربطة العنق الحريرية، تلمس ارتباكا في مشيته وتستطيع أن تكشف من خلاله نوعية المكان الذي كان والموقع الذي أصبح، سيما إذا كان يمشي وخلفه وأمامه، عدد من المدججين بالأسلحة ومسلحين بالقفازات التي تحمي الكفوف..!
شخص بحجم رئيس وزراء سواء وقف على الميزان أم لم يقف عليه لابد بروتوكوليا أن يذهب لموعد رئيس وزراء آخر أن يتقدم نحوه بموازاته وهنا كان يترتب على رئيس وزراء العراق أن يرافقه إختصاصيون في الأناقة بكل تفاصيلها ..!
البدوي الأرعن والدكتاتور المقيت "صدام حسين" كانت له مجموعة من النساء المتخصصات بالإزياء، وحين التقى الرئيس الفرنسي وقرر دعوته لعشاء من السمك المسكوف في حدائق السفارة العراقية بباريس، فإن مجموعة من مصممي الأزياء والمتخصصين في السلوك الدبلوماسي هم الذين قاموا بتدريب "السماجه (طهاة السمك)" وليس رئيس الوزراء، تدريبهم على التصرف الأنيق والمتزن في حدائق السفارة العراقية قبل زيارة صدام لفرنسا، بحيث خرج الفرنسيون مذهولين من بروتوكول العشاء.. وكانت صفقة طائرات الميراج في اليوم التالي صفقة ناجحة!
ليست ياقة رئيس الوزراء هي المشكلة الوحيدة بل أن الوفد بكاملة كان مشكلة، كانوا يصورون الحفل بالهواتف النقالة وأظهرت اللقطات التي انتشرت على مواقع التواصل الإجتماعي، كل عيوب الوفد وظهر بعض الوزراء وهم يمضغون البيتزا التركية بأفواه مفتوحة نهمة..!
يحتاج الوطن العراقي إلى "ياقة نظيفة" تلبس بشكل صحيح و"سترة نظيفة" و"دشداشة نظيفة" و"صاية نظيفة" و"عباءة نظيفة" و"يشماغ نظيف" و"عقال نظيف دك النجف وليس من تايلاند أو الصين" تلبس جميعها بشكل صحيح.. حينها يمشي الوطن متزنا صحيحا واثقا من نفسه ومن قدراته ويعرف حجم تاريخه وحجم ثرائه وخزائن أرضه وجمال وظلال نخيله الباسقات ويعطين رطباً جنيا.. يحتاج الوطن إلى "مواطن" أنيق صحيح الياقة، يعرف عظمة تاريخه وينظر إلى حاضره بعين المستقبل!
يحكى أن شخصا شاهدته حبيبته في السوق، وهو يمشي بـ"سترة" مائلة شوهت كل ما أحبته فيه، فنادت عليه: "دكّم سترتك زين.. لا عاد اشتّم"!
قاسم حول سينمائي وكاتب عراقي مقيم في هولندا