2023 فبراير 10 - تم تعديله في [التاريخ]

العدناني: قطار أوروبا لن يدوس الوحدة الترابية للمغرب


الجيلالي العدناني باحث وأستاذ التعليم العالي
العلم الإلكترونية - بقلم الجيلالي العدناني 

بالنظر إلى الكم الهائل من القراءات حول موضوع الوحدة الترابية للمملكة المغربية و مراكمة زوايا النظر لمعالجة القضايا المدروسة أو العالقة، فقد تبين لنا أن تاريخ ورمزية القطار والسكة الحديدية تشكل أحد أهم المقاربات التاريخية وفي نفس الوقت البيداغوجية لشرح أصول القضايا الترابية ومن تم تسليط الضوء على المغالطات التي شكلت الأساس الذي بنيت عليه مسألة تصفية الاستعمار.
 
إن مبدأ تصفية الاستعمار يحتاج إلى تصفية ومراجعة على اعتبار أن الاستعمار لم يكن موجودا سوى في نقط محددة لا تتعدى الساحل والمدن والمصائد السمكية، وكون أن المستعمر لم يكن ليخلق التوازن السياسي والاجتماعي إلا بإعادة إنتاج المنظومة السياسية المخزنية في إدارة الجيش والقبائل والزوايا. ونفس الأمر يخص المناطق الصحراوية التي خضعت للمغرب أو التي اقتطعت لفائدة المستعمرة الجزائر.
 

وهم مبدأ تصفية الاستعمار كما يدل عليه مبدأ المحافظة على الأراضي الموروثة عن الاستعمار

 
إن مقابلة بسيطة بين المبدأين خاصة حين يتعلق الأمر بأن الأمر طبق على بلدين جارين و هما المغرب والجزائر، تبين على أن من يطالب بتصفية الاستعمار هو من خلق مبدأ المحافظة على الأراضي التي اقتطعت من المغرب. إنه إنجاز رجل القانون والسفير الجزائري في باريس وبعده بالأمم المتحدة، محمد بجاوي. ليتحول الجوار إلى جور مزدوج مع أن المغرب طالب بتصفية الاستعمار ما بين 1945 و 1975 قبل أن يحقق ذلك بعد اتفاقية مدريد في 14 نونبر 1975 وبالخصوص بعد استرجاع وادي الذهب في 14 غشت من سنة 1979.
 
فلماذا توقف المغرب عن المطالبة بمبدأ تصفية الاستعمار بينما لازالت تطالب به الجزائر و حلفاؤها ؟ وهل يمكن للمغرب من المطالبة بمراجعة مبدأ المحافظة على الإرث الترابي الاستعماري خاصة إذا تحولت الأراضي المقتطعة من المغرب كما هو حال منطقة تندوف والمناطق المجاورة التي تحولت منذ 1975 إلى قاعدة خلفية لأعمال عدوانية ؟ إن الانطلاق من أراضي مغربية لم تخضع لمبدأ تصفية استعمار بالرغم من أنها كانت خاضعة لقرون للإمبراطورية المغربية، بهدف تحقيق فضل ترابي جديد باتباع السياسة الاستعمارية الفرنسية لهو عدوان بوجهين يتماهى فيه الاستعمار والانفصال.
 

الانفصال ليس سوى تجسيد لروح الاقتطاع و الضم الاستعماري

 
لا يمكن معالجة الموضوع من دون الرجوع إلى مشروع السكة الحديدية الذي أدى إلى احتلال توات سنة 1900-1902 وإلى فصل الصحراء الشرقية لفائدة المستعمرة الجزائر. إن ضم توات و منطقة غير و الساورة كما سمحت بذلك اتفاقيات 1901 و1902 وكذلك الحدود التي رسمها المستعمر من جانب واحد سنوات 1910 و1912 و 1927 و 196-33 و 1955 و 1958 هي التي ستمكن من ضمان مستقبل لخط سككي مار على وادي درعة ويتجه نحو المحيط الأطلسي لفائدة المستعمرة الجزائر.
 
من هنا يكون خط السكة الفرنسي هو نفسه المشروع الأوروبي الذي تصورته بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا. لكن المهندس الحقيقي لهذا المشروع السككي العابر للصحراء والمتجه نحو إفريقيا الغربية ليس سوى المرتزق والرحالة البروسي رولفزRholfs Gerard الذي قدم تصوره للسلطات الفرنسية بالجزائر قبل أن ينخرط كجندي في الجيش الفرنسي.
 
وقد أسال هذا المشروع لعاب مختلف الدول الأوربية التي تصورته بحسب مخططاتها الاستعمارية و تصوراتها العسكرية والاقتصادية في إطار عملية الربط بين مصر وجنوب إفريقيا أو ليبيا و القرن الإفريقي أو الجزائر وإفريقيا الغربية. فقد تحول هذا المشروع من حلم تمكنت في ظله فرنسا من خلق رابط بين الجزائر وإفريقيا الغربية ولكن من دون تحقيق الخط الذي امتد من وهران في اتجاه بشار والحدود المغربية. لقد تحول هذا المشروع إلى وهم وسراب سيرته دعاة الحرية وتصفية الاستعمار.
 
لكن عواقب هذا الخط الوهمي سيفرض على المغرب حدودا لم تتوقف منذ سنة 1845 وإلى حدود سنة 1958. هذه الحدود ستتجه بقدرة المستعمر في اتجاه الغرب والمحيط الأطلسي مرورا بوادي درعة. وسنرى أنها ستتحول بقدرة قادر إلى حدود يتبناها الانفصاليون. فهل يعي دعاة التحرر بأنها حدود رسمها المستعمر لضمان خط سككي في اتجاه الأطلسي بعدما فشل مشروع ضم الجنوب المغربي للجزائر وكذلك بالنظر إلى التنازلات الإسبانية التي كانت سترت مناطق أوسع تصل إلى حدود تامكروت و جنوب سوس ولكنها اكتفت بما قدمه لها سفير فرنسا بمدريد جول كامبون المنظر الرئيسي للحدود الشرقية و الجنوبية للمغرب. إن حدود وادي درعة وحدود معاهدة الحماية قد وضعت لضمان مستقبل بحري أطلنتي لفائدة المستعمرة الجزائر.
 
ومع ازدياد المقاومة المسلحة التي كان لها شمال و جنوب، و تتأرجح بين أدرار وأنوال وتازة فيما بين 1906 و 1933، ارتأت القيادات العسكرية الفرنسية منح المغرب أراضيه الصحراوية بغرض إنهاء المقاومة والالتزام بمبدأ الوحدة الترابية الذي تضمنه مواثيق ومعاهدات مدريد سنة 1880 والمعاهدة المغربية البريطانية سنة 1895 و الخزيرات سنة 1906 والمعاهدة الفرنسية-الألمانية لسنة 1911 معاهدة الحماية سنة 1912.
 
لكن سنة 1930 التي يمكن القول أنها عرفت مرور قطارين وهميين آخرين ويتعلق الأول بما يسمى بالظهير البربري الذي حاول تكريس التفرقة الاجتماعية والسياسية وقطار آخر جاء نتاج السوسيولوجيا والجغرافيا الكولونيالية التي عقدت ندوتها الشهيرة سنة 1930 لتؤكد على الحدود الإثنية والترابية بين أمازيغ الأطلس الصغير وعرب وادي نون والساقية الحمراء من أجل تكريس حدود المغرب عند وادي درعة دفاعا عن حق الجزائر في الوصول للواجهة الأطلسية.
 
وهو الوهم الذي ظلت تدافع عنه فرنسا إلى حدود سنة 1962 عبر وضع خطة لمشروع انفصالي تبنته بشكل سري فيما بين 1957 و1962، لتتحول الجزائر المستقلة إلى تبني هذا المشروع الذي بدأ يسيل لعاب الجزائر واسبانيا خاصة بعد اكتشاف الفوسفاط وبداية استغلاله سنة 1963 ويتوصل البلدان إلى عقد شراكة استراتيجية تعتمد الاستغلال المشترك لحديد غار اجبيلات وفوسفاط بوكراع عبر إنشاء خط سككي في اتجاه العيون. وهو المشروع الذي سيدفع بممثل الجزائر بأديس أبابا سنة 1966 إلى اعتراضه على استقلال البدو بالصحراء الغربية لأن مجموعات بدوية لا تتعدى أربعين ألفا لا يمكنها أن تشكل دولة بالمنطقة.
 
لقد أدار الممثل الجزائري ظهره "لمكة الثوار" وتكلم عن ساكنة بدوية في زمن لم يكن قد اكتشفت فيه بعد مقولة وجود "شعب صحراوي". كما أنه لم يكتشف بأن القبائل الصحراوية المتواجدة في الجنوب لها فروعها في الشمال وكون أن المقاومة التي انطلقت من تنبكتو و أدرار قد نسجت علاقات لها بالريف و الأطلس المتوسط و الشاوية وهو الأمر الذي لم يتحقق بعد احتلال الجزائر سنة 1830 بحيث لا أثر لنجدة الشمال الجزائري من طرف الطوارق أو الشعانبة أو المزاب أو حتى أولاد سيدي الشيخ. فالنجدة و إلى حدود سنة 1955 لم تأت سوى من الغرب سواء في عهد مقاومة الأمير عبد القادر أو بوعمامة أو مع انطلاق الثورة الجزائرية. ومعناه أن المقاومة كانت تتبع المحاور التي تضبط الديناميات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وبالتالي التاريخية.
 

نقل قيادة التخوم من أكادير إلى تندوف سنة 1955 هو تسليم لمفاتيح الإنفصال

 
لقد سلمت مفاتيح الإنفصال الصدئة للطرف الخطأ على اعتبار أن حماية تندوف بغرض تسليمها للجزائر كان بهدف حماية موريتانيا والصحيح أن مفاتيح تندوف كان يتوفر عليها المغرب لأن تندوف كما توات وتافلالت بوابة 12 قرنا من التاريخ والتواصل والاقتصاد.
 
نحاول كيف سيساهم الفصل الترابي لمنطقة التخوم عن المغرب سنة 1955 أي قبيل استقلال المغرب في خلق مشكلة الصحراء "الغربية و الشرقية" على الرغم من أن المستعمر لم يتمكن من تهدئتها إلا بفضل النظام المخزني المتجذر فيها.
 
لقد مكنني أرشيف إكس من الوقوف على النصوص والأرشيفات التي أطرت وباشرت سياسة الاقتطاع على حساب المغرب وكذا الرصيد الخرائطي الذي يوثق له. لكن أرشيف الخارجية بنانط و لاكورنوف مكنني من القضايا الترابية التي نوقشت خلال سنوات الاستقلال أي الملفات التي تحتوي على وثائق سرية لأجل الدخول في مفاوضات مع المغرب من أجل ترسيم الحدود بدءا من سنة 1956. كما مكنني هذا الرصيد من الوقوف على تقارير تهم الموقف الجزائري سواء قبيل أو بعد الإستقلال. وهي وثائق بالغة الأهمية خاصة على مستوى التصريحات والاعترافات بمغربية الصحراء والرغبة في اقتسام الصحراء المغربية مع المغرب وهو ما يكشف النوايا الحقيقية للجزائر التي تحاول الظهور بكونها طرفا محايدا يساند مبدأ تقرير المصير.
 
لكن المفاجأة الكبرى وهي المتمثلة في اعتراف فرنسا من خلال سلطاتها المدنية والعسكرية بمغربية الصحراء وبالخصوص بمسألة وجود سلطة سياسية وروحية بالصحراء الشرقية والغربية وكون السلطات الإستعمارية التي كانت تنفي خلال بدايات الاحتلال أي وجود لسلطة السلطان والمغرب صارت في السر والعلن تعتمدها في الأقاليم الصحراوية عبر إعادة إنتاج رموز السلطة (خاتم/البرنس و الظهير) مع الحفاظ على نفوذ العائلات المخزنية حتى وإن شاركت في أعمال المقاومة.
 

الانفصال و تطبيق سياسة حدود وهمية لخدمة خط السكة الحديدية المتجه نحو الأطلسي

 
إن خلق قيادة التخوم سنة 1933 أو حذفها سنة 1955 لا يمكن وصفه سوى بالمؤامرة التاريخية على الوحدة الترابية للمغرب. لقد شهدت سنة 1930 تنظيم ندوتين بمعهد الدراسات العليا المغربية الأولى حول الجبل والثانية حول الصحراء. فندوة الصحراء هي التي استرعت بالإهتمام و نشرت أعمالها سنة 1930 في مجلة هسبريس حتى تعاكس مقولاتها مسألة الحدود المشتركة للمغرب مع إفريقيا الغربية، كما أكدت على ذلك معاهدة فرنسا ألمانيا لسنة 1911.
 
كما عرفت نفس السنة صدور تقارير من أعلى سلطة عسكرية ومدنية بالجزائر وفرنسا توافق على الاعتراف بالمناطق المغربية التي ستتحول إلى مناطق قيادة التخوم المغربية-الجزائرية لتنضاف إليها تسمية الموريتانية وفق اتفاقية تندوف سنة 1949.
 
وستستقر قيادة التخوم التي تحولت من ميدلت إلى تزنيت سنة 1933 ، بأكادير إلى سنة 1955 حيث أن حذفها جاء كقرار يعاكس استقلال المغرب مع الأراضي التي كان يديرها انطلاقا من أكادير. فندوة 1930 حول الصحراء هي انقلاب على مشروع فرنسي يرعاه العسكريون والمدنيون دفاعا على الحقوق التاريخية للمغرب. لقد جاء نقل قيادة التخوم حتى يتم استغلال القرب الجغرافي للمغرب من المناطق الصحراوية لأن تمويلها انطلاقا من الجزائر لم يكن ممكنا ولأن السلطات السياسية المخزنية والقبيلية كانت تساهم في تسهيل إدارتها وإخضاعها. كما أن خلق قيادة التخوم كان يخدم مشروع المحافظة لفائدة الجزائر على منفذ في اتجاه الأطلسي.
 
لكن عملية الحذف لسنة 1955 جاءت بسبب قرب استقلال المغرب و أيضا حتى لا يتم استرجاع منطقة تندوف الغنية بالمعادن و كذا لجعل المغرب خارج أي مشروع يهدد استغلال أكبر منجم حديد بموريتانيا قرب الزويرات. فإذا كان احتلال وتقسيم المغرب ووضع الحدود مرتبطا بالمحاور التجارية و بالعلاقات بين المغرب وإفريقيا جنوب الصحراء فإن اكتشاف خيرات باطن الأرض كان وراء ضم جزء من الصحراء الغربية و تسميته بموريتانيا العليا وضمها لموريتانيا سنة 1955 مع حذف قيادة التخوم وكذا بداية التفكير في خلق كيان وهمي فيما بين 1958 و1962 تخلت عنه فرنسا لتتبناه الجزائر بدءا من سنة 1973.
 

القطار و القافلة : نحو بيداغوجية جديدة لتفكيك أوهام الإنفصال

 
إن تتبع الحدود المغربية الجزائرية أو الحدود المغربية الموريتانية يمكنه أن يلاحظ بأن مناجم الملح و أهم الآبار خاصة البئر لحلو وتيفاريتي قد ضمتها فرنسا لأراضيها بغرض التحكم في التجارة الصحراوية. كما أنها ضمت مدن الواحات وخاصة تندوف وكلميم وأدرار وشنقيط لنفس الغرض. وبالتالي سنلاحظ أن كل التعريجات والرسوم الحدودية قد خضعت لهذا المنطق. لكن الجانب المدهش وفي نفس الوقت المنسي وهو أن الحدود التي فرضت على المغرب فيما بين 1900 و 1955 هي حدود تستجيب لضمان الربط بين مستعمرة الجزائر عبر التراب و بخاصة عبر مد خط سككي لم يتحقق ليومنا هذا.
 
وفي وجود عائق متمثل في الاحتلال الاسباني أو بالأحرى التزام فرنسا باقتسام المجالات الصحراوية مع إسبانيا فقد دافع المفاوض جول كامبون على حدود مغربية تقف عند وادي درعة حتى يتسنى لفرنسا ضمان ممر وواجهة أطلسية للمستعمرة الجزائر.
 
لقد مر زمن طويل قبل تبين خيوط الاستعمار ومن راهنوا على نسجها، بأنهم لا يجدون في محاولتهم تحقيق المشروع الكولونيالي. إن تطبيق مبدأ تصفية الاستعمار يحتاج بدوره إلى تصفية على اعتبار أن اعتماد الحدود التي رسمها المستعمر لا يمت بصلة إلى روح التحرر من الاستعمار، لأن هذه الحدود هي مسلسل لاقتطاعات ترابية كبيرة من التراب المغربي.
 
ومن المنطقي أن نحرر الأراضي التي استعمرتها فرنسا لا تلك التي اقتطعتها فرنسا لصالح الجزائر أو لصالح محتل اسباني استفاد من مناطق نفوذ و ليس من مستعمرات كما حاولت إسبانيا أن تفرض ذلك من خلال تسميات مستعمرة وادي الذهب أو الصحراء الإسبانية.كما أن وهم الانفصال المبني على السوسيولوجيا الكولونيالية التي أنتجت مؤتمر حول الصحراء الغربية سنة 1930 كما فكرة الظهير البربري في نفس السنة.
 
فإذا كانت من نكبة عاشها المغرب فهي تلك التي مست وحدته الاجتماعية و الثقافية و كذا وحدته الترابية. وإذا سجل الظهير المسمى بربريا ضرورة التمييز بين العرب والأمازيغ فإن نفس الأمر قد تم تبنيه للقول بأن حدود وادي درعة تفصل بين العالمين و بالتالي وجب إقبار المشروع المدني-العسكري لسنتي 1929-1930 و القاضي بتمتيع المغرب بتخومه و أقاليمه الجنوبية.
 
فمن أراد فهم موضوع الصحراء فما عليه إلا ركوب القطار وتتبع خطوط السكة التي ساهمت في اقتطاع الأراضي المغربية و في وضع سكة لوهم لم تحققه القوى الأوربية مجتمعة و يبقى خط السكة الصحراوي الرابط بين المغرب وإفريقيا ممكنا إذا اقتنع الاتحاد الأوربي بأن الوحدة الترابية للمغرب سابقة على مؤتمر برلين وبأن الطموح المغربي يفوق الجمع بين مستعمرتين و يسعى إلى الربط بين قارتين وإن شئنا بين عالمين.
 



في نفس الركن