Quantcast
2024 يوليوز 7 - تم تعديله في [التاريخ]

الشريف طريبق يفكك خطاب الأزمة في السينما المغربية..

من المفارقات العجيبة والمضحكة أن الأزمة وجدت قبل أن توجد الأفلام المغربية


الشريف طريبق يفكك خطاب الأزمة في السينما المغربية..
العلم - بقلم محمد الشريف طريبق
 
طرحت هذه المداخلة في الندوة التي نظمها الملتقى الأول للسينما المغربية بالقنيطرة، حول حول "واقع السينما المغربية"، وشارك فيها بمشاركة المخرجين السينمائيين محمد مفتكر ومحمد الشريف طريبق بالإضافة إلى الناقد حمادي كيروم.

واعتبر المهرجان أن هذه الفقرة التي ضمها الملتقى، من أبرز نقط فعالياته والتي ستستمر في دوراته القادمة، حيث سيسلط الضوء على الوضع الحالي والآفاق المستقبلية للسينما المغربية. وسيستضيف مجموعة من السينمائيين والممثلين والنقاد والأكاديميين لتبادل الآراء والتجارب والأفكار، والنقاش حول مواضيع رئيسية مثل تطور السينما المغربية وتلقيها على المستوى الدولي والتحديات والفرص التي تواجه الصناعة اليوم.

ينطلق جزء مهم من الخطاب السائد حول السينما المغربية، ويستمد مشروعيته من افتراض وجود أزمة أو إشكالية تقاوم الزمن ومنطق التاريخ ويرفض الاعتراف بالتغيرات التي عرفها الواقع، ويبقى منغلقاً على ذاته يتأملها، حيث لا يشكل التطور الحاصل على أرض الواقع -بالنسبة له- إلا دليلاً آخر لتأكيد مواقفه والبرهنة عليها، ناعتاً الإنتاج الحالي بالتفاهة، والابتذال، والسطحية.

إنه من المفارقات العجيبة والمضحكة أن أزمة السينما المغربية وجدت قبل أن توجد الأفلام المغربية، الأفلام المغربية عوض السينما المغربية، لأنه هناك من مازال يعتبر أن الأفلام المنتجة بالمغرب لم يرقَ بعد إلى مستوى السينما الوطنية، والمفارقة الثانية هو الاعتراف بوجود السينما الوطنية يكون في حالة ارتباطها بالأزمة، وعدم الاعتراف بها في حالة وجود إنتاج.

لنتفق أولاً –أي قبل تشخيص وضع وحالة السينما المغربية، ونقرر بأننا نعيش مرحلة الأزمة– أن السينما الوطنية لا تعني سينما المؤلف، ولكن سينما بلد تتوفر على كل مقومات الصناعة السينمائية، دون الأخذ بعين الاعتبار كون هذه السينما تنتج تحفاً تحصل على جوائز أكبر المهرجانات أو تنتج فقط سينما جماهيرية، تكتفي بتوزيع داخلي، وفي أقصى الحالات تحصل على جوائز مهرجانات محلية.

كان قدر السينما المغربية إذن أن تولد مرادفة للأزمة، رغم كل التحولات الكمية والنوعية التي عرفتها، إذ لا تخلو أية مناسبة لنقاش السينما المغربية دون إشارة أحد المتدخلين أو الحاضرين إلى إشكالية السينما المغربية أو السينما المغربية كعنوان عريض وعام أو كمقولة كبرى، لا تحيل إلى أي واقع مادي ولا تستطيع البتة أن تنتقل - منذ أكثر منذ عقود - إلى معالجة هذه الأزمة أو إلى تحديد موضوعها، وما المقصود بها، وما هي طبيعتها، أو اقتراح حلول عملية وإجرائية للخروج من هذه الأزمة المفترضة.

إذا افترضنا جدلاً أو مؤقتاً أن هناك أزمة السينما المغربية، فماذا نعني بها؟ هل نعني بها مثلاً أن الترسانة القانونية التي تنظم القطاع وتأطره لم تعد مواكبة لتطورات القطاع والعصر، هل نعني بها عدم قدرة الإدارة الوصية على تسيير القطاع ورسم استراتيجية قادرة على تطويره، أم ضعف الدعم المخصص للإنتاج الوطني، أم نعني بها قلة القاعات السينمائية، وبالتالي عدم وجود سوق للفيلم المغربي، أو عزوف المتفرج عن الإقبال على الفيلم المغربي، أم نعني غياب منتجين حقيقيين أو قلتهم، أم نعني بها ندرة بعض الاختصاصات المهنية وعدم وجود تكوين مهني لها.

ماذا نعني بـ أزمة السينما المغربية، هل نعني بها أزمة إبداع؟ إذا كان الجواب كذلك، فما هو أفق التساؤل عن هذه الأزمة إذن؟ أي طرح السؤال يحتمل وجود جواب، الذي يبدو أنه تأخر كثيرا. فهل نطرح السؤال للبحث عن أجوبة عملية أم ليبقى الوضع كما هو عليه، ويستمر التلذذ بالسؤال واجتراره؟ ولنفترض أنها إشكالية أو أزمة، هل نحن راكمنا ما يكفي من الإنتاج، لكي نصل إلى مرحلة الأزمة بالشكل الذي حصل في شكل طفرات أو بشكل تدريجي في السينمات العالمية؟

هل هي أزمة تمكن من أدوات الكتابة وغياب مرجعية سينمائية وفكرية أم هي أزمة إبداع؟ هل يمكن أن نطرح الإبداع كموضوع للنقاش والتحليل لإيجاد حل لغيابه؟ ألا يتعلق الأمر فقط برغبة وأمل في تطور السينما المغربية؟ ألسنا نخلط بين سينما مُتقنة، ومصنوعة بانسجام وحرفية عالية وبلمسة فنية، وبضمير المتكلم ومضمون قوي، وتتناول مواضيع جديدة وبين الإبداع؟ أي سينما نريد؟ هل نريد سينما راقية، أم نريد سينما جماهيرية، أم نريد سينما راقية وجماهيرية في نفس الآن؟ ما هي الآليات المقترحة لجعل ذلك ممكنا، مع العلم أن سينما المؤلف في العالم تبقى هامشية وتعاني من غياب سوق، وتتقلص المساحة المخصصة لها يوما بعد يوم، ونجاحها الجماهيري يبقى استثنائيا ونسبيا.

الشريف طريبق يفكك خطاب الأزمة في السينما المغربية..
أولا إن كلمة ابداع/création تغيب في الحقل الدلالي لأدبيات سينما العالمية والحقيقية أن الأمر كذلك، باعتبار أن 90% من الإنتاج السينمائي العالمي يحترم مجموعة من الخطاطات الدرامية المتعارف عليها، ويستعمل اللغة السينمائية بنفس المنطق ويستعمل نفي التقنيات، أي أن الإبداع السينمائي هو في النهاية نوع من التنويع الجغرافي والشخصي، الدليل أن النقد المغربي يطالب السينمائي باستعمال اللغة السينمائية و صفق عندما يظهر له الأمر كذلك مع العلم أنه في الفنون الدرامية او السردية الأخرى، في المسرح والرواية مثلا لا يتم الحديث عن القواعد، أللهم اللغوية . والإبداع الخالص يعني أن أي فيلم مثلاً يكسر كل مرتكزات الكتابة السينمائية، أي يقطع مع اللغة المتعارف عليها ومع نمط الإنتاج السائد، لتكون النتيجة أفلام تجريبية من الصعب أن تؤسس لصناعة سينمائية وطنية لأنها أفلام لن تتجاوز عروض والمهرجانات والمتاحف. هل توجد في المغرب نسبة معقولة ومحترمة من الجمهور تواظب على فيلم المؤلف، الشيء الذي قد يشجع أصحاب القاعات على برمجتها والمنتجين على انتاجها، أو على الأقل أن يوجد منتجون وموزعون وقاعات متخصصة في هذه النوعية من الأفلام؟

ربما أن هناك خلط بين الاشكال والأزمة وعدم الرضى عن الإنتاج الحالي مقارنة مع الإنتاج العالمي والسينمات الوطنية الأخرى– وهي في نظري مقارنات مجحفة. أو ربما أن الأزمة الحقيقية التي يجب أن نتوقف عليها هي أزمة قاعات وأزمة تسويق، التي هي من الركائز الأساسية لوجود صناعة سينمائية واكتمال ووجود الإبداع السينمائي، لأن الفيلم لا يوجد خارج زمن العرض، ولأن فيلم لم يُعرض لا وجود له. وسينما لا تعرض ولا تلتقي جمهورها لا وجود لها. كيف سنُقيم سينمانا؟ هل نحتكم إلى الجوائز أم إلى الكتابات النقدية فقط؟ إذا احتكمنا إلى الجوائز فإننا نعرف أنه من مجموع إنتاج سينما وطنية في العالم هناك فقط نسبة قليلة أو لائحة قصيرة من الأفلام يمكن أن تحصل على جوائز. من المفروض أن يكون اختيار الفيلم ضمن مسابقة مهرجان والجوائز والكتابات عنه من آليات الترويج والدعاية للفيلم وليس هدفاً في حد ذاته، إلا في حالة الفيلم القصير. لمن يتوجه النقد عندما يقتصر عرض الفيلم على المهرجانات؟ هل يكتب النقد لحلقة ضيقة من المهتمين الذين يتقاسمون نفس الأفكار والمهنيين أم يهدف أن ستوجه إلى الجمهور الواسع؟
يبقى إذن العرض التجاري في قاعة سينمائية هو الحياة الحقيقية والطبيعية للفيلم، وهو المرجع الذي يمكن أن نعود ونحتكم إليه لتقييم الأفلام وتطوير السينما والنقد، لأنه الآلية الوحيدة الكفيلة بخلق جو المنافسة بين المنتجين، لأنه مرتبط بشكل وثيق لتحقيق العائدات المادية والضامن للحصول على التمويل ورفع ميزانية الفيلم، إما بإعادة توظيف جزء من المداخيل أو تشجيع الاستثمار الخاص وخلق نوع من الثقة لديهم، وبالتالي تطوير القطاع ونموه. وببساطة سيتطور الإنتاج ومعه الجودة عندما سيتحول المنتج من الربح من ميزانية الإنتاج التي تكون على حساب جودته الفنية إلى الربح من العائدات، وهذا لن يتأتى إلا إذا كان هناك تسويق.

يُلاحظ أن القاعات المتوفرة بالمغرب لا يصل إلى مداها الأقصى في التردد على الفيلم المغربي، حتى في الفيلم الكوميدي الذي يحقق ايرادات عالية، لكون أن هذه القاعات لا تغطي جميع مناطق المملكة، أي أن الأرقام التي يحققها التوزيع بالمغرب لا تعبر عن الواقع الحقيقي، وتبقى الأفلام الأخرى وحتى تلك التي تحصل على جوائز أكبر المهرجانات واستحسان النقاد في الصفوف الأخيرة -أو لا تخضع لأي ترتيب، حيث تُرفض في بعض الحالات من طرف الموزعين- ولا تجد إقبال خارج عروض المهرجانات والتظاهرات الثقافية.

بين قوسين وبكل بساطة، الأزمة الحقيقية في نظري هي أن مروجي خطاب الأزمة، والمطالبين بسينما لا يعرف أحد شكلها، والذين يتأسفون على غياب القاعات السينمائية لا يذهبون إلى السينما، لا التجارية ولا المجانية. ولا يعتبر تبني خطاب الأزمة وافتعال الإشكال إلا مبررًا لعدم الخروج من منطقة الراحة والحنين المرضي إلى ماض لن يعود.

أليس من المفروض أن تعيد الخطابات والأدبيات التي أنتجت إلى حد الآن حول السينما النظر في ذاتها لتستطيع أن تتجاوز خطاب الأزمة التي ورثها الوضع الحالي للسينما المغربية من مرحلة كان ينتج فيلما في السنة أي في الوقت التي كانت الأزمة تعني غياب الإنتاج وندرته، لتساير واقع السينما بالمغرب الذي مهما كان حكمنا عليه، وتقييمنا له فهو واقع جديد؟ ألا يجب أن ننتقل من خطاب عام بمقولات كبرى وشعارات إلى الحديث بشكل خاص عن الأفلام وعن التجارب السينمائية، أي تحليل الأفلام وإيجاد العلاقات بين الأفلام من داخل نفس السينما الوطنية وخارجها، وعلاقات الأفلام مع واقعها، واكتشاف إرهاصات هوية أسلوبية للسينما المغربية تميزها عن باقي السينمات الوطنية الأخرى؟ أليس أنه من الأحرى أن تُقلب المعادلة، ويستمع النقد والأكاديميين إلى السينمائيين ولكل العاملين في القطاع، والجمهور وأن يتحلى بنوع من الرواقية / stoïcisme والتواضع لكي لا يسقط في خطاب لا يرى الأفلام، ولكنه فقط يتأمل ذاته من خلال -بعضها- بنوع من الانتقائية، نقد متعالٍ وفي قطيعة مع موضوعه أو نقد فقد موضوعه، لأن النقد من المفروض أن يوجد بعد الإبداع وليس قبله.

لنتوقف قليلاً ونعود إلى تاريخ السينما، سنجد لا محالة أن اللحظات المفصلية التي عرفتها السينما عالمياً، والتي أدت إلى ظهور مدارس جديدة وأدت إلى تطورها كانت من داخل الإنتاج والممارسة وبمبادرة المخرجين ودعم المنتجين، وليس من خارجها، أي من داخل الفعل السينمائي وليس من خارجه. ولو وجدت أزمة في السينما المغربية، فإنها ستكون داخلية وطبيعية، ولن توجد أجوبتها إلا من الداخل، وليس من خارج السينما، لن توجد من داخل ردهات القرار السياسي والنقد والبحث الأكاديمي. إن الإبداع إذا افترضنا أنه هناك إبداع يتطور من الداخل بمنطقه الخاص وليس بتوجيه سياسي وأكاديمي، وإلا فإن الفيلم سيتراوح بين التمرين الأسلوبي، إذا كان بتوجيه أكاديمي، الفيلم الدعائي في حالة التوجيه السياسي.

الشريف طريبق يفكك خطاب الأزمة في السينما المغربية..

              

















MyMeteo



Facebook
YouTube
Newsletter
Rss

الاشتراك بالرسالة الاخبارية
أدخل بريدك الإلكتروني للتوصل بآخر الأخبار