Quantcast
2023 نونبر 17 - تم تعديله في [التاريخ]

الرباط تحتضن ندوة علمية تخليدا لذكريي المسيرة الخضراء وعيد الاستقلال

رئاسة شعبة التاريخ تؤثث رحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط بندوة علمية أكاديمية خصصت لقراءة في كتاب "الصحراء في محك الاستعمار" للمؤرخ الجيلالي العدناني


العلم الإلكترونية - هشام الدرايدي 

تزامنا مع احتفالات الشعب المغربي بذكريي المسيرة الخضراء وعيد الاستقلال في شهر نونبر من كل سنة، نظمت شعبة التاريخ والحضارة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، ندوة علمية أكاديمية في إطار السلسلة الثالثة لأنشطتها، من خلال قراءة في كتاب "الصحراء في محك الاستعمار"، لمؤلفه المؤرخ الأستاذ جيلالي العدناني، يوم الخميس 16 نونبر 2023، بمدرج الشريف الإدريسي برحاب الكلية. 
 
وشكل اللقاء فسحة علمية وأكاديمية، أمه كل من ليلى منير عميدة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، وعبد العزيز الطاهري رئيس شعبة التاريخ بذات الكلية، وأدلى من الباحثون الأكاديميون في التاريخ المعاصر، بدلوهم الفياض بالمعرفة والمنهج عبر قراءاتهم في الكتاب، مبرزين الأهمية الكبرى التي تناولها الكاتب في فصوله، بخصوص الصحراء المغربية، والأساليب والطرق التي اعتمدها المستعمر لتفكيك و"تجزير"، التراب المغربي الذي ظل لقرون متواصلة، موحدا ومتماسكا، تحت سيادة الدولة والمخزن التقليدي، معتمدا على فيض من الوثائق الغميسة، التي أقبرها المستعمر الفرنسي في ردهات خزاناته بفرنسا، حيث وضع المؤرخ يده على بعض منها، ليكشف حقائق مثيرة، كان الاستعمار الفرنسي قد غير معالمها وأدلجها في أذهان الباحثين والعوام، ببيداغوجيا تعميم المعلومات التاريخية، ووضع سد أمام البحث الأكاديمي في تفاصيلها. 

وفي هذا الإطار، قال محمد أبيهي، أستاذ باحث في التاريخ المعاصر بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، وعضو اللجنة التنظيمية، إن هذا النشاط الأكاديمي الذي قدمته شعبة التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، يأتي في إطار السلسلة الثالثة من المحاضرات والندوات، التي تنظمها رئاسة الشعبة، التي اختارت موضوع قراءة كتاب مهم للاستاذ جلالي العدناني، بعنوان "الصحراء في محك الاستعمار" . 
 
وأكد أبيهي، أن هذا الكتاب ذو القيمة الأكاديمية، هو ثمرة جهود سنوات من العمل أضناها الكاتب لإخراجه، ويكون إحدى آليات الترافع في إطار مغربية الصحراء، والذي جاء بمجموعة من الحقائق المرتبطة ب "الأرشيف الفرنسي" ، حيث عمل أستاذ جيلال العدناني على فحص دقيق للأرشيفات الفرنسية، التي تؤكد كلها على المخططات الاستعمارية الفرنسية التي كانت ضد الوحدة الترابية المغربية. 
 
واعتبر أبيهي، أن الكتاب يكتنف أهمية علمية رصينة في الترافع العلمي الأكاديمي حول مغربية الصحراء من خلال ما استخرج من وثائق غميسة من الأرشيفات الفرنسية الاستعمارية، التي تناولت الحقائق الإدارية، من خلال خرائط المخططات التي قزمت من الوحدة الترابية المغربية، ما يضع الكتاب في طليعة المراجع المهمة للباحثين، خصوصا لدارسي القانون الدولي، والمهتمين بالدبلوماسية الموازية، والمهتمين بالدراسات التاريخية حول مغربية الصحراء. 
 

ومن جانبه، أكد محمد بوكبوط، عميد سابق بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس سايس، أن هذا العمل الذي قدمه الكاتب، يزخر بمعطيات وتحليلات هامة، تسلط أضواء كاشفة على السيرورة التاريخية للصحراء المغربية برمتها، وهي في لجة التكالب الاستعماري الأوروبي، مما يغري باستعراض مجمل تفاصيله وتطوراتها، لفهم عميق للنزاع الدائر حول الصحراء. 
 
وأضاف بوكبوط، أن كل فصل من فصول الكتاب، يستحق عرضا مسهبا للإحاطة بالعدة التوثيقية والمنهجية العلمية والتحليلية التي يعول عليها الأستاذ العدناني.
 
وآثر محمد بوكبوط، في قراءته للكتاب، التوقف بشكل سريع عند بعض الموضوعات التي يزخر بها العمل الذي يعتبر ثمرة مجهود علمي هائل، تجلى في المدة الزمنية التي أمضاها الباحث في ارتياد دور الأرشيف المختلفة في عدد من المناطق والبلدان بإفريقيا جنوب الصحراء، بدكار وباماكو، وغيرها، التي كانت ترتبط بالمغرب سواء تحت سيادة فعلية أو معنوية أو من خلال نفوذها التاريخية على محاور التجارة، وبالمدن الفرنسية، نانت وإكسون بروفنس وباريس التي تحتفظ بكم هائل من الأرشيفات الكولونيالية، موظفا جهدا ووقتا ومالا لا مثيل له، منتجا عملا موثقا توثيقا مكثف، يتضمن مادة تاريخية أصيلة، سمحت له بكشف خلفيات السياسات الاستعمارية ومناوراتها لاغتصاب الصحاري المغربية الشرقية و الأطلسية، وامتداداتها في بلاد شنقيط والسودان الغربي (مالي الحالية). 
 
وعرف بوكبوط أستاذ التاريخ، ببعض من المضامين الهامة التي جاء بها الكتاب، والجديرة بالدفاع عن مغربية الصحراء، وفضح مناورات الأعداء، وجذورها الاستعمارية، حيث رامت دراسة الكاتب مراجعة التاريخ من الأصول العميقة في قضية النزاع وفهم خطوات الاستعمار، ثم خطوات تصفيته، كما تم وضعها واتباعها منذئذ من قبل الجزائر الاستعمارية، ثم المستقلة، مشيرا إلى أن نزاع الصحراء أعيد وضعه بشكل سيء، وبالتالي أسيء فهمه. مفككا بذلك طرق تفكير وفعل السياسات الاستعمارية السابقة والجديدة، ومبرزا تزامن اشتغال الفيالق من الجنود المدججة بالأسلحة الثقيلة في الغزو المباشر والشامل مع اشتغال الدراسات المندرجة في العالم الاستعماري من خلال استطلاع وتصنيف الأراضي الصحراوية بجنوب المغرب، بسبب موقعها الاستراتيجي، في عقدة المواصلات بين المستعمرة الجزائرية، ومستعمرات إفريقيا الأطلسية الفرنسية. 
 

وسجل محمد معروف الدفالي، أستاذ التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بعين الشق، خلال مداخلته في قراءة كتاب العدناني، أن الأخير وظف في كتابه مضمونا كثيفا، وقراءة لوثائق ومصادر بنوع من الاستعانة بمقاربات علوم إنسانية من الجوار. 
 
واختار الدفالي، قراءته المنهجية للكتاب من خلال مدخل "المؤرخ واستكمال الوحدة الترابية"، وذلك من أجل محاولة تفسير تناقض، مبني على كون المؤرخ المغربي، وخاصة مؤرخ الفترة المعاصرة والراهنة، أعرف من غيره بالمسار التاريخي الذي تم عبره محاولة الفصل بين المغرب وبين صحاريه الشرقية و الأطلسية، وبمسلسل إمكانية استعادة هذا التراب بالتدريج، والعراقيل التي تعترض إمكانية التسريع بذلك. 
 
وحاول المؤرخ الدفالي، من خلال قراءته تتبع اهتمام المؤرخين بموضوع الصحراء، الذي تم تناوله من قبل الكثير من المغاربة وغيرهم منذ مدة زمنية بشكل اختلف بين الفترات والمراحل مع ما تزامن مع الكتابة في الموضوع، من واقع وأحداث. محددا هذه الفترات في ثلاث مراحل رئيسية، شكلت أولاها سنوات فترة الحماية، ثم سنوات بداية الاستقلال، وآخرها سنوات السبعينات وما بعدها إلى اليوم. 
 
وكشف، أن المرحلة الأولى طغت على كتابات زعامات الحركة الوطنية ومن سار على منوالها، الفكرة التحررية، وذكرت هذه الكتابات بواقع التجزيء و"التجزير"، الذي تعرض له المغرب قبل الاستعمار، مقارنا ذلك بما تعرضت له الصين لمدة قرن منذ النصف الثاني من القرن 19، رغم أن الأخيرة لم تفرض عليها أي اتفاقية تبرر الاحتلال مثلما وقع مع المغرب. 
 
وأوضح، الدفالي، طرق التعتيم على أجزاء ترابية مغربية، التي مورست من طرف المستعمر، من خلال تقسيم المغرب لثلاث مناطق، منطقة نفوذ الحماية الفرنسية، ومنطقة نفوذ الإسبان، والمنطقة الدولية (طنجة)، منذ سنة 1912، وحجب الصحاري المغربية من منطق التداول بها على أنها أراض تابعة للسيادة المغربية والإطباق عليها، لأسباب تتعلق بمخططات الاستعمار، دفع بكتابات المرحلة الأولى إلى التذكير بها، حيث حرص الوطنيون على التذكير بالمسكوت عنه من ذلك التراب، وتشبثوا بالخريطة التاريخية للمغرب، التي تعود إلى ما قبل وصول البعثات الأولى في الفترة الاستعمارية، حيث كانت تصل جنوبا إلى نهر السنغال، وتضم الصحراء الشرقية وموريتانيا والساقية الحمراء ووادي الذهب. 
 
وبخصوص المرحلة الثانية، فقد جعلها الدفالي بحسب قراءته، ترتبط بسنوات الاستقلال الأولى، التي كان ينتظر منها استكمال تحرير التراب المغربي، واسترجاع المناطق التي تأجل التفاوض حولها في مفاوضات الاستقلال التي انتهت، أوائل مارس 1956، حيث تناولت صحافة الأحزاب الوطنية بشكل مكثف مسألة حدود التراب المغربي، ومن بينها الكتابات حول موريتانيا والصحراء الشرقية، والساقية الحمراء ووادي الذهب، وقد تحرك على إثرها جيش التحرير بالجنوب لتحرير باقي التراب المغربي، تحالفت على ضوء ذلك القوى الإمبريالية الاستعمارية لكسره، مكررة ما وقع مع محمد بن عبد الكريم الخطابي. 

وكشف الأستاذ الباحث، أن المرحلة الثالثة تزامنت مع تطور ملف الصحراء الأطلسية في سبعينات القرن الماضي، ومع حدث المسيرة الخضراء وما تمخض عن ذلك من استرجاع الساقية الحمراء ووادي الذهب. وقد كانت الأحزاب السياسية، في هذه المرحلة على رأس من كتب حول موضوع الصحراء، وخصوصا منها الأحزاب التي كانت تعتبر نفسها سليلة الحركة الوطنية، وصاحبة نوع من المسؤولية حول إتمام تحرير مطالب الآباء الأولين بتحريره. فمثل ما كتب علال الفاسي، ومحمد بن حسن الوزاني، والمهدي بن بركة باسم أحزابهم في عهد الحماية حول الصحراء، وفي السنوات الأولى للاستقلال، كتب حولها في السبعينات باسم الأحزاب الوطنية، كـ كتابات محمد بوستة، وجدد الكتابة حوله محمد بن الحسن الوزاني. كما كتب حولها عبد الرحيم بوعبيد وعبد الله إبراهيم والفقيه البصري و عمر بن جلون وعلي يعتا. عبد السلام المودن. في إصدار سمي بأدبيات حزبية حول الموضوع. 
 

واعتبر مصطفى القادري، أستاذ باحث في التاريخ الراهن بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، أن الكتاب الذي قدمه الأستاذ جيلالي عدناني، وثيقة تاريخية مهمة تفيد البحث الأكاديمي، مادة من المواد الأساسية التي بني عليه البحث الأكاديمي، المغرب بحاجة لهذا النوع من الإصدارات التاريخية المنهجية الرصينة، التي تتضمن عددا من الوثائق النادرة، وهي درر تاريخية أصيلة، أخفاها المستعمر زمن الحماية، وظلت حبيسة الرفوف، نظرا للقوانين المؤطرة للوثائق بحسب قانون الأرشيف، والتي تعود تاريخها لثلاثين سنة فما فوق. 
 
ويرى القادري، أن هذه الوثائق الغميسة باتت تعرف انفراجة في المرحلة الحالية، ولو بشكل طفيف، وظهور ووثيقة بوثيقة، مما سيمكن الباحثين بنشرت مقالات أولية في هذا الموضوع الذي تناوله العدناني، منذ الثمانينات في فرنسا، بعد تمكنهم من الوصول إلى هذه الوثائق في مختلف أنواع الأرشيفات، ومن بينها أرشيف وزارة الداخلية، وأرشيفات، وزارة الخارجية الفرنسية، وأرشيفات الجيش، وأرشيفات ما وراء البحار والمستعمرات، ثم أرشيفات الحماية المغربية والتونسية. 
 
وأوضح القادري، أنه بمساعدة هذه الوثائق الكثيرة المؤرشفة، يمكن تشكيل صورة شاملة ومتكاملة عن الماضي، والبحث في طياته بحسناته ومساوئه. 
 
وأبرز الأستاذ الباحث في التاريخ المعاصر، أهمية الكتاب الذي أخرجه العدناني من خلال اعتماده على هذه الوثائق، للتذكير بما وقع تاريخيا، وكيف تعاملت فرنسا من وجهة نظر وزارة الداخلية، عند رسمها لحدود الجزائر التي كانت مقاطعة فرنسية تابعة كجزء لفرنسا، ثم موريتانيا ومالي التي كانت تعتبرها مستعمرة فرنسية، إذ حاولت رسم حدود وفق مصالحها، بحيث كانت تعتقد أن تلك المناطق التي استعمرتها ستبقى في نفوذها، وأن الحماية لها يوم وتنتهي، وبالتالي رسمت حدودا على حساب التراب المغربي لدولة هي جزء من دولتها كمقاطعات ملحقة لنفوذها، وذلك ما استغلته الجزائر بعد استقلالها، وورثها إرثا استعماريا ثقيلا، واستعملته لتحقيق مآربها البراغماتية نفسها التي كانت في ذهن الاستعماريين الفرنسيين. 
 

وتناول الجيلالي العدناني، أستاذ التاريخ الاجتماعي والذهني، وصاحب الإصدار موضوع القراءة، كلمة في ختام الندوة، مفسرا بعض الجزئيات التي نهجها في إخراج الكتاب، كونه اعتمد أسلوب الترجل على الأقدام في دراسته للوثائق الغميسة المتحصل عليها، وتتبع الحدود التي رسمها المستعمر بمنظور المحاور التجارية الثلاث، التي ربطت المغرب ببلاد السودان الغربي، حيث وقف من خلالها في دراسته لموضوع الصحراء على تفاصيل مهمة بشكل أقرب، كان المستعمر الفرنسي استعمل هذا الأسلوب في حملاته الاستطلاعية الأولى قبيل فرض الحماية على المغرب، و مستكملا قراءته للأحداث بمنظور شامل من خلال وثائق أخرى، مكنته من فهم سياسات وخطط المستعمر في تقزيم وحدة المغرب الترابية، و اقتطاع مناطق مهمة من ترابه وإلحاقها بنفوذه كمقاطعات استعمارية، لما لها من خصوصية محورية وتجارية. 
 
وأسدل الستار عن فعاليات الندوة الدسمة بمعطيات تاريخية مستدلة عبر وثائق وحجج، بمناقشة فياضة، تمخضت جراء أسئلة الحضور، وأجاب عنها الأساتذة المؤطرين لهذه الجلسة العلمية. 
 

              

















MyMeteo



Facebook
YouTube
Newsletter
Rss

الاشتراك بالرسالة الاخبارية
أدخل بريدك الإلكتروني للتوصل بآخر الأخبار