العلم الإلكترونية - بقلم بدر بن علاش
أعتقد أن الجميع سيشاطرني الرأي بأن بلدنا وإن لم تنصفه الجغرافيا، التي وضعته بجانب بلد جار لدود ينظر دوما إلينا بعين الحسود، فقد أنصفته الأقدار الربانية حينما أنعمت عليه بخيرات ومكنوزات طبيعية فريدة قل نظيرها،جودة و وفرة، ومن ذلك شجرة الأركان أو "الكنز الأخضر" الذي اختار له مقاما طيبا بين أحضان تربة المغرب المعطاء،وبالضبط بمنطقتي سوس والصويرة،ومنحنا ذهبا سائلا طالما تعرض لمحاولات استيلاء متعمدة كان مصيرها الفشل، وهو ما حصل عندما قام الإسرائيليون مثلا بنقله إلى "صحراء النقب" بفلسطين المحتلة، إلا أن النتيجة رغم توفير إمكانيات لوجيستيكة ومادية ضخمة لم تحقق الغاية المرجوة، كون الإنتاج بقي بعيدا كل البعد عن جودة الأركان المغربي الأصيل.
كما أن بعض المستثمرين من دول أوروبية عديدة، كانوا يعمدون قبل سنوات إلى شراء منتوج الأركان من تعاونيات نسائية مغربية بثمن زهيد، ثم يضعونه في قارورات و أغلفة جديدة لبيعه بأسعار خيالية لمواطنيها، وهو الأمر الذي تنبهت له وزارة الفلاحة عندما وضعت حدا لمثل هاته السرقات الموصفة، بأن فرضت على أمثال هؤلاء ضرورة احترام حقوق الإنتاج للمنتجين المغاربة حماية له من هذه القرصنة المتعمدة.
والأكثر من ذلك، فإن هذه الشجرة المغربية الأصيلة أدارت عن قصد ظهرها للجار الحسود، عندما اعتقد واهما أن توفره على بضع شجيرات غير مثمرة بأغصانها وفروعها الخاوية على عروشها، والتي ضلت طريقها واستقر بها المقام عنده، قد تشفع له مجددا بأن يُسجل له هذا المورث الطبيعي باسمه في سجلات اليونسكو، بعدما اعتاد على مزاحمة المغرب في كل شيء، وهو ما تحقق له بالفعل في شأن منتوجات أخرى، بمكره حينا.. وتساهلنا أحيانا، خاصة عندما تمكن من تسجيل أشياء عديدة باسمه وضمن تراثه، كما حصل أخيرا بالنسبة الكسكس المغربي الأصيل، والذي تؤكد كافة المصادر و المخطوطات جنسيته المغربية الخالصة، طهيا و طريقة إعداد وحتى يوم تناوله، إذ لولا التساهل غير المفهوم من جانبنا لما تأتى لجار مقلق مزاحمتنا في نسبه في سجلات اليونيسكو.
ولأن المؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين أو مرات، فقد بادرت الجمعية العامة للأمم المتحدة، قبل أيام قليلة لاعتماد مشروع قرار قدمه المغرب بهدف جعل يوم العاشر من شهر ماي من كل سنة يوما عالميا لشجرة الأركان، بغرض الاحتفاء بهذه الشجرة الموجودة في المملكة كعامل لتحقيق التنمية المستدامة، سواء على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، أو حتى البيئي والثقافي، فضلا عن المجال الطبي وفن الطهي، على المستويين الوطني والدولي.
وبالتالي، فإن نجاح هذا المشروع لا ينبغي أن يمنعنا من السير على نفس الخطى لتحقيق نجاحات أخرى، إذا ما أحسن بلدنا الترافع عن تراثه الفريد و الأصيل وحمايته من سرقة نسبه مع سبق الإصرار والترصد.
وإذا كان الإقرار بطبيعة الحال سيتجرعه الجيران، تجرع العلقم، فإنهم سيناورون هنا وهناك بغرض بعثرة الأوراق، لكن الدرس الذي علينا أن نضعه في الحسبان، أن للمغرب تراث مادي ولا مادي لا خيار أمامه سوى تحصينه وتسجيله في اسمنا كمغاربة، فقد لا نتفاجأ إذا ما أراد نفس الجار، يوما مزاحمتنا مرة أخرى في مكنوزات مغربية خالصة، كالطبخ المغربي الأصيل من طجين و الحريرة و الرفيسة، وحلويات تقليدية ككعب الغزال و الشباكية و ملابس كالجلباب، والقفطان، وغيرهم كثير.
والسياق هنا يدفعني لاستحضار هرولة الجار ، إلى محاولة الاستيلاء على "فن الملحون" المغربي، حينما شرع في تسجيل قصائد أبدع في نظمها شعراء الزجل المغربي منذ سنوات قديمة ضمن ثراته غير المادي في عملية سرقة وتهجير قسري، في إطار مخطط منظم تصاعدت وتيرته منذ أن أظهر المغرب اهتمامه بهذا الفن المغربي الأصيل، ومبادرة جلالة الملك محمد السادس لمراسلة أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية السابق سنة 2021 بعد إنجاز الأكاديمية للجزء الرابع من موسوعة الملحون المغربي ضمن سلسلة التراث المغربي.
فالدرس الأساسي الذي علينا أن نستخلصه، هو أن التراث المغربي الأصيل، كيفما كان نوعه،يبقى ملكا مشتركا لجميع المغاربة باختلاف دياناتهم و أعراقهم و تقاليدهم، الأمر الذي يتطلب الإسراع باحصائه و جمعه و تحصينه، وكفانا من التساهل والتنازل عن حقوقنا وحقوق الأجيال المتعاقبة، فالتجربة و التاريخ علمنا بأن حسن النية مع بعض الأطراف لا تنفع في شيء، وهو ما وقف عليه الفيلسوف الألماني، إيمانول كانت، عندما قال "نكران الجميل هو أصل الوضاعة". فمن لا يمتلك تاريخ يبحث بكل السبل لصنع تاريخ مسروق له، معتقدا أنه بهذه الطريقة المفضوحة يستطيع أن يعاند تاريخ مملكة عمرت منذ أزيد من 12 قرنا.
المناسبة شرط
النصر الديبلوماسي الكبير الذي حققه المغرب،في أروقة الكاف عند اجتماعه الأخير بالرباط،وتمكنه بطريقة سلسلة وهادئة من قطع الطريق على جبهة البوليساريو الانفصالية للوصول إلى الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، يؤكد مرة أخرى أن طريق النجاح معبدة دوما بخصوص ملف وحدته الترابية،إذا ما أحسنا ترتيب أوراقنا،و عرفنا كيف ندبر الوقت بالشكل المطلوب،و لعبنا بخطة فعالة لا تتحمل أي شرود،وعملنا على استغلال تقنية "الفار" لتصحيح الأخطاء،فالخصوم في حالة ارتباك و تيهان،وتلقيهم للصدمات الواحدة تلوى الأخرى،أفقدتهم توازنهم،وبعثرت أوراقهم،ولم يعد لهم من مناوراتهم سوى الفم المفتوح،والكذب والبهتان الذي لم يعد ينفع في شيء أمام الدلائل و الحقائق الدامغة التي تؤكد أن رمال الصحراء مغربية ولن ترضى إلا أن تبقى مغربية.