2020 نونبر 16 - تم تعديله في [التاريخ]

الدكتور امحمد امحور يكتب | | «اللص والكلاب» والعملية التعليمية التعلمية1/2

يكتسي النقل الديداكتيكي لمؤلف "اللص والكلاب " للروائي المصري نجيب محفوظ، المبرمج ضمن مقررات السنة الثانية بكالوريا، مسلك الآداب والعلوم الإنسانية أهمية خاصة ضمن التوجيهات المتعددة التي يتيحها منهاج اللغة العربية الذي يوحي بضرورة مراعاة احتياجات المتعلمين، والتركيز على قطب المتعلم باعتباره قطبا فعالا ومشاركا في العملية التعليمية التعلمية.


 
إن النقل الديداكتيكي لهذا "المؤلف" يقتضي استحضار المتعلم بوصفه قطبا محوريا يتلقى هذا العمل السردي من زوايا مختلفة توجهه مقصديته الخاصة في اكتشاف ما فيه من قيم ثقافية، وشعورية، وجمالية، ترتقي به فكريا ووجدانيا، وتؤهله للاندماج في محيطه الاجتماعي.
 

إن الهدف الاستراتيجي المتوخى من النقل الديداكتيكي لدرس المؤلفات يتمثل أساسا في إغناء الرصيد الأدبي، والعلمي، والتاريخي لدى المتعلمين، وصقل ذوقهم الفني، 
 
وتنمية حسن الاستمتاع إلى نبذات النص الروائي من أجل تطوير المهارات، والسمو بالميولات الفكرية و الأدبية، ومن ثم فإن هذا النقل يعين على بلورة المفاهيم التي يشتغل عليها النص، ويعمل كذلك على تعلم المعارف، وتعزيز قيم التعايش، وتعديل السلوك،
 
 والانفتاح على مختلف التجارب النصية بهدف فحصها، وقراءتها، ونقدها، مع الحفاظ ما أمكن على التوازن النفسي للمتعلمين، باعتباره مطلبا أساسيا هاما قد يساعد على الفهم السليم للقيم الإنسانية، ويساهم كذلك في جعل المتعلم يتفاعل مع النص الروائي على مستوى الفهم، والتحليل و التقويم.
 
ويعتبر مؤلف " اللص و الكلاب" نصا روائيا وإبداعيا طافحا بالدلالات الواقعية والرمزية، ويحفل في الوقت ذاته بثقافة علمية رصينة تنتمي إلى مرحلة سابقة، ولكنها مفيدة بالنسبة للمتعلم ليكتشف عن هذا الواقع المصري في حقبة أدبية اتسمت بالتوتر الاجتماعي، والتصدع النفسي والبحث عن القيم في مجتمع منحط يعاني من أمراض اجتماعية لا حصر لها.
 
إن المتعلم ـ من وجهة نظري الخاصة ـ لا ينبغي أن يكتفي بلذة القراءة بل يجب عليه أن يمارس فعل القراءة، وألا يقف عند حدود النص، بل يجب أن يمتد إلى الواقع والمجتمع، وأن ينظر إلى الواقع الذي أنتج هذا النص، وأن يكتشف العلائق الوطيدة الموجودة بين الكاتب الذي أنتج النص، والواقع الذي أوحى للكاتب بتبئير شخصيات تحاكي شخصيات واقعية، عرفها المجتمع المصري في حقبة زمنية اكتمل فيها البناء الفني للرواية عند نجيب محفوظ.
 
إن النص الروائي لا يعكس الواقع بتفاصيله المعقدة، وإنما يعيد يعيد بناءه على نحو يتداخل فيه الواقع بالخيال، وتمتزج فيه الحقيقة بالوهم، الأمر الذي يحتم على المدرس في حواره وتواصله مع المتعلم إقامة نوع من التماثل بين النص والواقع، ليس بهدف استنتاج حقائق ثابتة وجاهزة، وإنما لبيان كيف يشخص الأول الثاني بطريقة فنية توحي للمتلقي أن النص الروائي ينسخ الواقع اعتمادا على وسائط لغوية، والمنهج الذي قد يعين المدرس على إقامة هذا التماثل هو المنهج الثقافي، وما يتيحه من اقتراحات قد تعين المتعلم على تنظيم المحتويات، وامتلاك رؤية اجتماعية تسعفه على فهم العلاقة بين الرواية والواقع، واستخلاص الدلالات المناسبة، والتمييز بين القيم الأصيلة القائمة على الثبات، والقيم الزائفة التي تنهض على الخيانة والانتهازية.
 
إن النص الروائي لا يكشف عن الدلالات الاجتماعية بشكل مباشر، ولكي يلتقطها المتلقي لابد من اعتماد مقاربة تمتح من المنهج الثقافي، مستعينا بالمكون اللغوي بمظهريه الثقافي والاجتماعي دون إغفال لما تفرزه الروابط العالمية من مفاهيم مثل" التداخل الثقافي" هذا المصطلح قد يدل على سمات الثقافة التربوية الحديثة.
 
واعتقد أن مهمة المدرس ينبغي أن تنصب على صياغة المفاهيم الإجرائية المتداولة في الخطاب النقدي المعاصر حول السرد و الرواية ، وذلك بصياغتها في شكل تعاريف إجرائية مدرسية ليحقق شرط النقل الديداكتيكي، وهذا لن يتأتى إلا بالكشف عن: 
 
مناهج وتقنيات تحليل النص السردي.
بنية الشخصيات.
بنية الزمن والمكان.
أنماط الرؤية السردية.
 
إن ما يحرك هذه القراءة، هو كيف يمكن للمدرس أن يجعل المتعلم يمارس فعل القراءة والنقد على مؤلف" اللص و الكلاب" موظفا قدراته وكفاياته المختلفة المشكلة للنسق الثقافي الذي يشتغل بشكل متدرج ومتكامل، ولكي يصل المتعلم إلى مقصدية الكاتب والدلالة العميقة للنص الروائي يكون ملزما باستحضار الأنساق المعرفية والثقافية، والمنهجية، والتي ستعينه على مقاربة الواقع بشكل متدرج بتوظيف القدرات العقلية والمهارات الفردية، لفهم هذا النص ومحاورته، ومناقشة مضامينه، توجهه مقصدية خاصة قد تتفق مع مقصدية الكاتب أو تختلف، ولكن الأهم من كل ذلك هو أن تبني موقفا شخصيا من النص الروائي باعتباره عملا فنيا بامتياز يشي بالموجهات الثقافية والفكرية والمهارية التي تضبط تفكيره وسلوكه وتحدد مسلكه في الحياة.
 
إن المدرس مطالب بتوجيه المتعلم إلى ما يتأسس عليه النص من أبعاد اجتماعية متراكبة، و تحديد المنظور الاجتماعي الذي يمكنه من فهم النص بوصفه حدثا اجتماعيا يشتبك من خلاله المؤلف بعصره و الجماعة التي ينتمي إليها، إن الانفتاح على المناهج النقدية المعاصرة يمكن المتعلم من اكتساب الكفاية اللغوية في مقاربته للواقع في النص الروائي ، أي أن مقاربة هذا الواقع لا تتم إلا بواسطة لغة واصفة تستعين بمفاهيم وظيفية ذات صلة بالنقد الروائي.
 
فهذه المفاهيم تخلق التواصل اللغوي بين المتعلم باعتباره متلقيا وبين النص الروائي بوصفه حقلا دلاليا طافحا بالعلامات اللسانية الدالة، و التي تجنب المتلقي مزالق الانفلات من الإمساك بالمعنى، ومن ثم فإن مهمة المدرس تكمن في توجيه اهتمام المتعلم نحو النص الروائي ليجعله منطلقا لرصد هذه المفاهيم وتصنيفها وإبراز علاقتها بالمعرفة التي ينتجها المجتمع، واعتبار هذه المفاهيم مادة علمية ينبغي استيعابها بشكل ينسجم والمادة الأدبية التي يزخر بها النص الروائي، ذلك أن اكتساب المتعلمين المعارف والقيم والمواقف تمكنهم من الانخراط في المجتمع وثقافته.
 
والمتعلم أثناء تمثله المفاهيم السردية يكتسب القدرة على الاشتغال بها على النص الروائي، ويحول درس المؤلفات إلى مادة أدبية تتقاطع فيها المعارف والأفكار، ويعتبرها ذخيرة فكرية تساعد على اتخاذ مواقف إزاء الذات و الواقع...(يتبع)..
 
 
الدكتور امحمد امحور



في نفس الركن