2024 دجنبر 15 - تم تعديله في [التاريخ]

الحقيقة المسجونة بين المعلن والمضمر


العلم - بقلم عبد الله البقالي

تفرض كثير من المعطيات والتطورات المتعلقة بمصداقية السياسات الدولية المرتبطة بالتغيرات المناخية اهتماما متواصلا، وتشد إليها الانتباه بسبب ما تفرزه من حقائق متضاربة تلقي بركام هائل من الأسئلة الحارقة ترتبط بجدية ومصداقية ما يجري أمام أعين الرأي العام الدولي بصدد قضية أضحت كل المؤشرات تؤكد على أنها تزداد خطورة وتأزما، وبالتالي تتنامى الاهتمامات بها من طرف مختلف الأوساط..

وهكذا، تابع الرأي العام باهتمام كبير الرسالة المفتوحة التي وجهها نادي روما ووقعها معه عدد كبير من المسؤولين الأمميين السابقين وعلماء وخبراء في المناخ إلى الأمين العام التنفيذي للأمانة العامة للاتفاقية الإطارية بشأن تغير المناخ تزامنا مع انعقاد قمة (كوب 29) بباكو، كشفوا فيها عن الاختلالات في سياسات التغير المناخي واقترحوا إصلاحات جذرية لمنظومة قمم المناخ. وها هي شهادة أخرى صادرة عن جهة متخصصة في قضايا المناخ تكشف الهوة بين ما تهتم به قمم المناخ وما تصدر بشأنه من قرارات وتوقع عليه الأطراف من اتفاقيات وتتعهد به من التزامات، وواقع التغيرات المناخية الذي يزداد استفحالاً وتزيد تداعياته تأثيرا على الحياة، في تناقض واضح يخفي الحقائق المتستر عليها. 

فحسب دراسة صادرة مرة أخرى عن منظمة أممية ويتعلق الأمر باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16) المنعقدة بالسعودية، فإن ما يزيد قليلا عن 75 بالمائة من أراضي العالم "أصبحت أكثر جفافا بشكل دائم على مدى العقود الثلاثة الماضية" وأن "الأراضي الجافة صارت تغطي 40 بالمائة من مساحة اليابسة على الأرض، باستثناء القارة القطبية الجنوبية". وتنبه الدراسة إلى ما وصفته بـ"التهديد الوجودي الذي تفرضه مسارات تغير اتجاهها"، كاشفة في هذا الصدد عن "أن الأراضي الجافة التي تصعب زراعتها زادت بمقدار 4,3 مليون كيلومتر مربع في الفترة الممتدة بين سنوات 1990 إلى 2020. وتتحدث الدراسة بوضوح عن القحط الذي قال عنه الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر السيد إبراهيم ثياو، إنه "عكس الجفاف الذي هو فترات مؤقتة من انخفاض هطول الأمطار، وأن القحط يمثل تحولا دائما لا هوادة فيه". 

ويرجع التقرير أسباب هذا التحول المناخي الخطير إلى الاحتباس الحراري العالمي، الناجم عن انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري والتي تغير هطول الأمطار وتزيد من نسبة التبخر. وهي نفس الأسباب التي قيل إن قمم المناخ الـ29 التي انعقدت خلال الثلاثين سنة الماضية تدارستها وأصدرت في شأنها تدابير واتفق قادة الدول على التزامات بصددها.

والأكثر من ذلك كله، فإن الدراسة تشير إلى أن "2,3 مليار شخص يعيشون بالفعل في مناطق جافة تتوسع، مع تسجيل توقعات تحذر مما هو أسوأ، يتمثل في "توقع عيش 5 مليار شخص من ساكنة العالم في هذه الظروف، مع استمرار ارتفاع درجة حرارة الكوكب". 

هذه نقطة من فيض التغيرات المناخية التي تزداد وتيرتها نحو التدهور، وتتعاظم تداعياتها على الحياة فوق كوكب الأرض مهددة مستقبل هذا الكون برمته، وبالقدر الذي تبدي فيه كثير من الدول، وفي مقدمتها الدول العظمى اهتماما يبدو متزايدا، وتعقد من أجلها وبسببها القمم العالمية والمؤتمرات الدولية، ويوقع في شأنها قادة الدول اتفاقيات والتزامات تتضمن تعهدات ترسم حدودا للأنشطة البشرية والصناعية والتجارية لكي لا تصل مستوى الإضرار بالبيئة والمناخ، وتعلن عن تخصيص مبالغ مالية ضخمة لتمويل التصدي للتغيرات المناخية -على الورق على الأقل-، بالقدر نفسه الذي تعرف وتيرة التدهور البيئي والمناخي زيادة مفرطة في سرعتها وتتفاقم بذلك التداعيات السلبية والتأثيرات الخطيرة المترتبة عنها، مما يكشف العجز الكبير المسجل في مواجهة هذه التحديات والتصدي لها، وتعري في حقيقتها عن انعدام الجدية من طرف الدول التي تدعي تبنيها لسياسات واتخاذها لقرارات والتزامها بتعهدات في مواجهتها لأزمة التغيرات المناخية. 

وتلقي هذه الوثائق العلمية التي لا يمكن التقليل من أهميتها برزمة كبيرة من القلاقل والمخاوف بشأن هذه الهوة الكبيرة والعميقة التي تزداد خطورتها وتتسع مساحاتها بين الإرادة الدولية المعلنة في القمم وفي المؤتمرات والملتقيات الدولية، وبين الواقع المناخي كما هو سائد في وضعية تدهور مستمر في الزمان ومنتشر في مساحات جديدة، في مشهد سوريالي يشبه تقاسما للأدوار بين الكبار، أو ما يمكن وصفه بسياسة إلهاء خطيرة تفرض غض النظر عن الخطر الحقيقي والانشغال فقط بتنظيم القمم والمنتديات المتتالية. 



في نفس الركن