العلم الإلكترونية - بقلم بدر بن علاش
" 3 مارس" تاريخ حفظناه عن ظهر قلب في الصبا،وكل ما اقترب إلا واشتد آنذاك التهييء والاستعداد والتنافس بين الفصول الدراسية لإبداع لوحات و أساليب احتفالية بذكرى غالية تخلد لجلوس الملك الراحل الحسن الثاني على العرش.
" 3 مارس" تاريخ حفظناه عن ظهر قلب في الصبا،وكل ما اقترب إلا واشتد آنذاك التهييء والاستعداد والتنافس بين الفصول الدراسية لإبداع لوحات و أساليب احتفالية بذكرى غالية تخلد لجلوس الملك الراحل الحسن الثاني على العرش.
و الكثيرون يتذكرون أن تلك الاحتفالات، رغم ما كان يقال عنها من تكاليف مالية ولوجيستيكية باهظة،فلا أحد ينكر الدور الكبير الذي كانت تقوم به من حشد للهمم، والشعور الوطني الجامح بين الصغير والكبير.
اليوم،وبعد مرور السنين، ألا يحق لنا أن نتساءل، أين نحن من هذا الشعور، ومدى ابتعادنا عن القيم الموحدة بين أبناء الشعب الواحد خاصة في هذه الفترة الاستثنائية التي استشعرت فيها الدولة أهمية السيادة الوطنية على كافة المستويات؟ والتي لا يمكن بلوغها دون الإيمان الجماعي بوحدة المصير في عالم لا يعترف إلا بالأقوياء، و "الماركة المستعجلة".
وإذا كانت المدرسة واحدة من بين أهم المؤثرين في التنشئة السياسية والتربية على المواطنة لدى الأفراد ،فلن أكون مبالغا في القول إنها فقدت الشيء الكثير عندنا،ولم يعد لها نفس الدور في تربية الأجيال، فبعد التباعد الذي حصل ما بين التربية و التعليم، على حساب غرس مشاعر الاعتزاز و الحب و الولاء الوطني في نفسية المتمدرسين، والتي كانوا يتلقونها في بعض المواد والأنشطة الموازية، خاصة التذكير بمقاصد الاحتفال بالأعياد الوطنية.
وقد لا نتفاجأ إذ سأل أحد الأطفال أو الشباب عن شعارات "الإلتراس"، ليسرع وبدون أي تردد في التغني بأعلى صوته بفريقه الكروي المفضل، لكن عندما تسأله عن أحد الوطنيين أو العلماء الذين كانت لهم إسهامات هامة في بناء دعائم الدولة المغربية، بل حتى اسم الشارع الذي يقطن به، والتي تحمل مثلا اسم " عبد الخالق الطريس" أو " العلامة "محمد المختار السوسي"، فلا عجب إن جهل بمعرفتهم، فكأنك تسأله عن من حرر موزامبيق من الاستعمار البرتغالي، بل إن الصورة تصبح أكثر قتامة عندما يجد الكثير منهم صعوبة حتى في ترديد النشيد الوطني...
بطبيعة الحال لا يمكن توجيه كامل اللوم إلى المدرسة أو إلى الأسرة أو إلى الإعلام أو إلى الفاعلين السياسيين والمجتمع المدني ،فالمسؤولية جماعية حول تراجع دفء الوطنية لدى الأفراد،وربما البعض يقول: إن الأمر لا يقتصر علينا بل هي "جائحة" عالمية في زمن العولمة والثورة العلمية والانفتاح التي أثرت بشكل سلبي على هذه القيمة الحياتية والجامعة.
ومهما قيل لا ينبغي فقدان الأمل، ولا أدل على ذلك ما أبانت عليه فئات عريضة من المجتمع من تعاضد و تماسك إبان أزمة فيروس كورونا،و الوقوف أمام النوافذ لترديد النشيد الوطني، وتقديم التحية لرجال السلطة على ماقدموه من تضحيات.
جائحة ينبغي استغلالها في تجديد المواطنة لدى الأفراد،وتحسيسهم بأهمية هذا الشعور الوطني، فالقدر الذي جمعنا في جغرافيا واحدة، يتطلب منا أن يبادر كل واحد إلى استحضار المصلحة الوطنية الجامعة،ووحدة المصير، والتمسك بثوابت أمة عمرت منذ أزيد من 12 قرنا، واستطاعت الخروج منتصرة حتى في أحلك الأوقات، و ترعرع بين ظهرانها علماء أجلاء بصموا العالم بانتاجاتهم المتعددة الروافد.
تجديد يجب أن يكون شاملا،و لا يقف عند الذات و الشعور الجامح،بل نحو وطنية مُجددة تقتحم عوالم أخرى بدءا من الاقتصاد بتشجيع المغاربة على منتوج"صنع في المغرب" لتشجيع الإنتاج الوطني، والعمل على تحقيق اكتفاء ذاتي وطني في مختلف المنتوجات، وخاصة تلك التي أبانت الجائحة على أهميتها،وفي مقدمتها صناعة الأدوية،و إيلاء الأهمية للبحث العلمي في مجال الطب والأدوية .
فالمواطنة لن تكتمل دعائمها،مادمت تبعيتنا للخارج مازالت تلقي بظلالها على كثير من المجالات، فالغرب الذي يقود قافلة العالم بصناعاته و براءات اختراعاته المختلفة، لا يهمه سوى الربح السريع،والخضوع والانصياع إلى توجيهات "تعليمات" بنكه الدولي، ولا ينظر بعين الرضا إلى مجموعة من قيمنا الجامعة التي لا تنسجم مع مبادئه التي تغلب الفردانية و الحريات.
ولعل التطورات الأخيرة التي عرفتها الساحة الوطنية أخيرا، وفي مقدمتها أحداث الكركرات،وتسارع وتيرة الاعتراف بسيادة المغرب على أراضيه الصحراوية، وما رافق ذلك من حماس جامح قاد المئات من المغاربة بشكل عفوي إلى الحدود المغربية الموريتانية للتعبير عن مساندتهم لجميع الخطوات، التي تقوم بها المملكة في ملف الوحدة الترابية،تؤكد أننا لسنا فقط في حاجة إلى وطنية متجددة، وإنما أيضا إلى وطنية مُجددة، تبتكر أساليب جديدة لدعم ملفنا العادل،و تقف سندا إلى جانب الديبلوماسية التي يقودها جلالة الملك محمد السادس بحكمة وهدوء وتبصر، والتي مكنت البلاد من التغلب على اشكالية "الكرسي الفارغ" والخروج من موقع المدافع عن حقه إلى مواجهة الخصوم ومباغتتهم بين الفينة و الأخرى بقرارات حاسمة و صادمة.
وطنية مُجددة تستدعي منا أيضا، استحضار أهمية الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2021، بدءا بالإسراع في التسجيل الجماعي باللوائح الانتخابية، بما يضمن المشاركة التي بدونها لا يمكن أبدا بلوغ التغيير باعتباره مطلبا شعبيا لتجاوز الإشكاليات الكبرى التي تواجه البلاد بعد سنوات عجاف لتدبير حكومي فاشل،مطلب لا ينبغي أن يبقى حبيس المواقف والآراء وجلسات المقاهي بل يجب أن يترجم إلى فعل حقيقي يدفع بمشاركة قوية لمن يرون فيه الأصلح لقيادة الشأن الحكومي في العقد الثاني من القرن الواحد و العشرين بتحدياته المصيرية الكبرى،أما من يرفع صوت التيئيس والتبخيس والمقاطعة فهو بذلك، سواء عن قصد أو غير قصد، يخدم أجندة فاعل سياسي اعتاد اقتناص الفرص الضائعة،و يتلذذ بأكل لحم الكتف لمرتين متتاليتين ويسعى إلى الثالثة...
وفي هذا السياق يستوقفني،حديث الأستاذ نزار بركة الأمين العام لحزب الاستقلال، ورجل المالية والاقتصاد، حينما شدد بمناسبة تخليد الذكرى 77 لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال على استحضار الوطنية المجددة لتعزيز كيان الأمة ووحدتها، عبر الالتفاف حول مقدسات البلاد وصيانة مكتسباتها، وترسيخ روابط الانتماء إلى الوطن، والحد من الشروخ داخل المجتمع وتقوية الوحدة الوطنية، وتعزيز الإنسية المغربية وتوطيد دعائم التماسك الاجتماعي،حاثا على المشاركة المواطنة في مسلسل اتخاذ القرار، واختيار المشاريع المجتمعية، وتقييم السياسات العمومية،وتقوية ثقة المواطنين في الأحزاب وفي المؤسسات المنتخبة ،وتقوية الحضور المواطناتي وخاصة في جانب الشباب في العملية السياسية، عبر تحفيزه على المشاركة السياسية، وانتشاله من الإحباط والعزوف والنفور من الممارسة السياسية، و تقوية آليات الإدماج في العملية الديمقراطية .
وخلاصة القول إننا نحن اليوم في لحظة مفصلية،لا تحتاج منا التردد في سلك الطريق الصحيح،فإما أن نكون أولا نكون، وحجم متطلبات المواطنين التواقين إلى تحسين أوضاعهم على كافة المستويات تؤكد بما لا يدع مجالا للشك، الحاجة الماسة إلى مواطنة "متجددة مُجددة".