2024 أغسطس/أوت 16 - تم تعديله في [التاريخ]

الجامعة المغربية ومأزق تصنيفات شنغهاي (ARWU):


الدكتور محمد أبيهي أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس بالرباط
العلم الإلكترونية - بقلم د. محمد أبيهي
 
يتجدد النقاش كل سنة حول الأسباب الكامنة وراء غياب الجامعات المغربية في تصنيفات شنغهاي (Academic Ranking of World University) الصادرة كل سنة حول ترتيب الجامعات العالمية، باستثناء دخول جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء وحيدة تصنيف “شنغهاي” الشهير لأفضل 1000 جامعة عبر العالم لسنة 2024، محتلة المرتبة 901 الأخيرة، ملقية بذلك الضوء على واقع “التعليم العالي بالمغرب،تصنيف شنغهاي هو الخاص بالتصنيف الأكاديمي المعتمد على معايير ذات الصلة بالنشر العلمي، والإشعاع العلمي الأكاديمي للمؤسسات الجامعية عبر العالم، الذي يشرف عليه المعهد العالي بشنغهاي، كما يعتمد على معايير أخرى كالحصول على جوائز نوبل في التخصصات العلمية والطبية والاقتصادية، بالإضافة إلى حجم الدراسات والبحوث المنشورة في المجلات ذات الصيت العالمي مثل قواعد بيانات( Scopus- Web Of Science- MathSciNet- Springer- JSTOR- ScienceDirect (، ورتب هذا التصنيف جامعة الحسن الثاني ضمن لائحة الألف جامعة عالمية خلال سنة 2024، مما يطرح أكثر من تساؤلات لدى الفاعلين والمتدخلين في قطاع البحث العلمي حول الغياب المستمر للجامعات المغربية الأخرى في هذا التصنيف السنوي، رغم توفرها على كفاءات وأطر عليا في تخصصات مختلفة قادرة على رفع التحدي للرقي بالبحث العلمي ببلادنا، وجعل الجامعة المغربية ضمن تصنيفات متقدمة على مستوى العالم، ويبقى هذا الرهان يؤرق المتدخلين في قطاع التعليم والبحث العلمي، ولابد من تشخيص الوضع المتأزم للجامعة المغربية بسبب ضعف ميزانية البحث العلمي ببلادنا. فما هي البدائل الممكنة للوصول بالجامعة المغربية إلى مستويات أفضل؟ وكيف سيساهم الرفع من ميزانية البحث العلمي في الإشعاع العلمي للجامعة المغربية وفق المعايير الدولية لتصنيفات شنغهاي؟
 
ظل هاجس الرقي بتصنيف الجامعات المغربية ضمن معامل التأثير الدولية محط أنظار المتدخلين في قطاع التعليم العالي بالمغرب، وحظي باهتمام المجلس الأعلى للتعليم للتربية والتكوين والبحث العلمي، الذي أصدر تقريرا مفصلا حول وضعية الإنتاج العلمي المفهرس، وانصب هذا التقرير في رصد تقدير تطور الإنتاج العلمي حسب التخصصات، وأهمية أفضلية لغات النشر، واعتمد التقرير على معايير علمية في التحليل البيوميتري للإنتاج العلمي المفهرس، واستند في ذلك على قياس الإنتاج العلمي(Scientométrie)، وأبرز التقرير كذلك أن عدد المنشورات العلمية المغربية وصل في قاعدة بيانات(Web of Science) إلى 4069 منشورا علميا سنة 2017، وجاء في التقرير القطاعي للبحث العلمي والتكنولوجي بالمغرب،الذي أعده المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي سنة 2022 ،أن انخفاض الإنتاجية العلمية يوثر بشكل مباشر في بروز الجامعات المغربية في التصنيفات الدولية للجامعات، حيث تستعمل بعض تلك التصنيفات الإنتاج العلمي والتميز كمعيارين ومؤشرين لرفع بعض الجامعات إلى المرتبة الأولى، واعتبارها جامعات من «الصنف العالمي...تتوفر هذه الجامعات على نظام بحث عالي الأداء،حيث ينتج باحثوها كثيرا، وفي ميادين علمية سباقة، وينشرون في المجلات العلمية الكبرى والمرموقة. تشكل بعض تلك التصنيفات العالمية مرجعا عالميا، بل وتدفع إلى القيام بإصلاحات في نظم التعليم العالي والبحث العلمي بالعديد من بلدان العالم، ويرجع ذلك إلى الميزانيات الضخمة المخصصة للبحث العلمي،فميزانية البحث العلمي بالولايات المتحدة الأمريكية حسب إحصائيات معهد اليونيسكو سنة 2018،قد وصلت إلى ما يقارب 476,46 مليار دولار، تليها الصين ب 370,59 مليار دولار، وأما بالبلدان الشمال الإفريقية، فتصدرت مصر هذه البلدان،بإنفاقها ما يقارب 6,116 مليار دولار على تطوير البحث العلمي، وأما المغرب فينفق 1,484 مليار دولار على البحث العلمي، وهي إحدى الأسباب التي أدخلت هذه البلدان ضمن تصنيف شنغهاي خصوصا مصر والسعودية.
 
أفرزت الثورة الرقمية تطورا هائلا في تدفق المعلومات والمعارف، وأثرت بشكل كبير في تطور العلوم ، وأصبح البحث العلمي بالجامعات العالمية مرتبطا بشكل وثيق بالشبكات الرقمية، وغذت المعرفة العلمية الأكاديمية مقياسا لتصنيف بلدان العالم في البحث العلمي، وارتبط ظهورها بالثورة التكنولوجية المواكبة للبحث العلمي، وتزامن ذلك مع الأهمية التي أصبحت تكتسيها قواعد البيانات العلمية في البحث العلمي وتسهيل ولوج الباحثين لعالم المعرفة العلمية للشبكات الضخمة للجامعات العالمية(Big Data)، التي أصبحت اليوم مقياسا لتصنيف الإنتاج العلمي المفهرس للجامعات العالمية، وأضحى الرفع من ميزانية البحث العلمي مدخلا حقيقيا لتحديث ودعم المختبرات العلمية للرفع من انتاجياتها وتوفير العتاد اللوجيستيكي لهذه المختبرات، وتحفيز الأساتذة الباحثين في شتى التخصصات العلمية، من أجل مواكبة التحولات الدولية التي يعرفها العالم في بنيات البحث العلمي، ويشكل التبادل العلمي الأكاديمي من بين الوسائل الناجعة لانفتاح الباحثين المغاربة على التجارب الناجحة في البحث العلمي، مما سيمكنهم من فتح آفاقا علمية تتيح لهم مواكبة البحث العلمي على الصعيد الدولي، ودعم التكوين المستمر للطلبة الباحثين، وتدبير وتأطير الأبحاث العلمية والتقنية في شتى المجالات، وتعزيز البنيات التحتية الوطنية للبحث العلمي في مجالات التكنولوجيا والعلوم بالانفتاح على التجارب الدولية في مجال النشر العلمي الأكاديمي المفهرس.
 
يطرح النشر العلمي بالإنجليزية تحديات لدى المجلات العلمية المغربية، باعتبار هذه اللغة الوسيلة الوحيدة لبروز هذه المجلات على الصعيد الدولي، بعد تراجع الأدوار العلمية للغة الفرنسية، وقد اتجهت وزارة التعليم العالي بالمغرب في الإصلاح الجديد إلى اعتماد الإنجليزية ضمن اللغات المعتمدة في تقييم المستوى العلمي للطلبة الباحثين، نظرا لوجود اختلالات تهم استعمال اللغات الحية في البحث العلمي بالمغرب، وأشار التقرير القطاعي للمجلس الأعلى للتعليم بالمغرب إلى أن عدم التمكن من الإنجليزية هو سبب عدم التردد عن نشر المقالات العلمية في المجلات المفهرسة، ولوحظ في الآونة الأخيرة بداية الاهتمام بالنشر باللغة الإنجليزية، التي أصبحت من أولويات النشر العلمي خصوصا في تخصصات العلوم الدقيقة والطبية، حيث صنفت 3 مجلات مغربية ضمن قاعدة بيانات (Web of Science)، و 28 مجلة ضمن قاعدة بيانات (DOAJ)، وأربعة مجلات مغربية في قاعدة بيانات(SCOPUS) حسب إحصائيات المعهد المغربي للإعلام العلمي والتقني، وهذه النسب لا تعكس المستوى الذي يمكن من خلاله الرقي بالإنتاجية العلمية للجامعات المغربية في قواعد بيانات الدولية المعتمدة في تصنيف شنغهاي الدولي.
 
يبقى نقاش تصنيف الجامعات المغربية ضمن الألف جامعة على الصعيد العالمي مفتوحا أمام الجهات الوصية والمتدخلين في قطاع البحث العلمي ببلادنا،فالمسؤولية على عاتقهم من أجل الرفع من ميزانية البحث العلمي ببلادنا ودعم بنيات البحث والمختبرات بالجامعات المغربية بغض النظر عن تخصصاتها وحقولها العلمية، وتبقى الإرادة السياسية للحكومة بمثابة المفتاح لتحديث الجامعة المغربية وعصرنتها من أجل الرفع من قيمة الإنتاج العلمي المغربي بين الجامعات الدولية، فالجامعة المغربية تحتضن كفاءات عليا وأساتذة باحثين من مستوى عالي، ولهم حضور وازن في الجامعات الدولية، فتحفيزهم وتوفير الظروف الملاءمة لاشتغالهم ستكون له نتائج إيجابية للرقي بالجامعة المغربية في تصنيف شنغهاي العالمي.محمد أبيهي-أستاذ التعليم العالي-جامعة محمد الخامس،الرباط.



في نفس الركن