أستاذ الاقتصاد بكلية الحقوق بوجدة
العلم الإلكترونية - بقلم سوفيان بوشكور
كثر الحديث أخيرًا بوسائل الإعلام، وخاصة الإلكترونية، منها عن اختلاف التدابير المقترحة لتفسير ومعالجة نسبة التضخم من خلال خرجات والي بنك المغرب السيد الجواهري، وكذلك تصريحات المندوب السامي للتخطيط السيد أحمد الحليمي، فهل هناك اختلاف أو تضارب في الأفكار والمخرجات؟
كثر الحديث أخيرًا بوسائل الإعلام، وخاصة الإلكترونية، منها عن اختلاف التدابير المقترحة لتفسير ومعالجة نسبة التضخم من خلال خرجات والي بنك المغرب السيد الجواهري، وكذلك تصريحات المندوب السامي للتخطيط السيد أحمد الحليمي، فهل هناك اختلاف أو تضارب في الأفكار والمخرجات؟
شخصياً، لا أظن ذلك بقدر ما أرى في الأمر تكاملا بين القراءتين من أجل تدخل حكومي بين مختلف الأبعاد عوض الاكتفاء بتدخل مالي فقط، من خلال السياسة المالية.
ولتبسيط فهم ما يجري في الساحة الوطنية وتعميم الفائدة، سأتطرق بداية لشرح مفهوم التضخم وماذا يقصد به أولا؟
التضخم هو الارتفاع العام في مستوى الأسعار. وهو ما يتجلى من خلال نفس كمية النقود خلال المدة ة التي لم تعد تمكن المستهلك من شراء نفس كمية السلع مقارنة مع فترة زمنية سابقة. مثلا 100 درهم لم يعد المواطن يشتري بها نفس كمية الخضر كما كان في السابق، بل أقل بكثير.
وعندما ترتفع أسعار كل المنتجات والسلع نتحدث عن التضخم. وهو ما نسجله اليوم بالمغرب بعد الارتفاع العام لأثمنة الخضر والفواكه وكل السلع الأخرى على غرار الدول الأوروبية وحتى المتقدمة منها كبريطانيا وفرنسا..
ونستحضر في هذا الإطار منتصف السنة الماضية، حيث بلغت فيه نسبة التضخم 8.3% بأروبا و8.5% بمصر و7.5% بالسنغال على سبيل المقارنة لا القياس، تمكن المغرب في التحكم في نسبة التضخم في حدود 5.8% (خلال 8 أشهر الأولى من سنة 2022) بفضل دعم القطاعات الإنتاجية ب 40 مليار درهم ودعم القدرة الشرائية.
وتوقع قانون مالية 2023 أن يصل التضخم لمعدل 2% خلال سنة 2023، وذلك بعد تدابير السياسة النقدية بالمغرب كرفع سعر الفائدة الرئيسي إلى 2%. إلا أنه وبعد مرور أشهر قليلة ارتفع مستوى التضخم حسب المندوبية السامية للتخطيط إلى 10 %، رغم اتخاذ بنك المغرب لقرارات رفع سعر الفائدة الرئيسي في مناسبتين بعد الزيادة الأولى مرورا من 2.5 % إلى 3%. إلا أن ذلك تزامن مع موجة غير مسبوقة لارتفاع الأسعار خاصة مع حلول شهر رمضان المبارك والمتميز بارتفاع استهلاك الأسر المغربية.
كما لاحظ المتتبع خلال اليومين الأخيرين نقاشا صحيا حول تقارير ونشرات مؤسستين مهمتين بالبلاد، وهما بنك المغرب والمندوب السامية للتخطيط رغم اختلاف الكبير في مجالات تدخلهما، فالأولى مقررة ومساهمة في بلورة وتنزيل السياسة النقدية والمالية للمغرب وحريصة على الحفاظ على التوازنات الماكرو اقتصادية؛ والثانية مؤسسة إشعارية تنتج مؤشرات اليقظة لفائدة الحكومة المغربية ولا سلطة تقريرية لها
إن والي بنك المغرب بصفنه منفذ للسياسة النقدية والمالية، قدم في نشرات البنك وخرجاته معطيات تبريرية لاتخاذ القرارات كقرار رفع سعر الفائدة الرئيسي، كما سبق الإشارة لذلك، على غرار مجموعة من الدول الأجنبية، بتلك القرارات اعتبر بنك المغرب، من وجهة نظره وانطلاقا من معطياته وتحليلاته للظرفية، أن التضخم هو نتاج ارتفاع السيولة بالوطن.
والملاحظ هو رغم ارتفاع الأسعار لازال المستهلك لم يساهم في كبح الاستهلاك وهو ما يحفز العرض ولا يؤدي به للانخفاض، فبنك المغرب برفعه سعر الفائدة رغم تأثير ذلك على القطاع البنكي وعلى ولوج المواطنات والمواطنين للقروض وتأثير ذلك على قدرتهم الشرائية، الهدف منه تقليص الاستهلاك وجعل الطلب ينخفض، وبذلك ينخفض الثمن المحدد أصلا من التوازن بين العرض والطلب. أما المندوب السامي للتخطيط فهو مسؤول عن مؤسسة تنتج المؤشرات والتقارير ولا تنفذ مخرجاتها، بل تساهم في تزويد السلطة الحكومية بمعطيات للتدخل. وحسب آخر خرجة له، أكد السيد الحليمي أن التضخم أصبح بنيوي بالمغرب ولم يعد مصدره خارجي بل داخلي. والأصل أن والي بنك المغرب صرح بذلك كذلك منذ أول قرار للزيادة في سعر الفائدة المرجعي.
ارتفاع الأسعار كان سببه خارجي: أزمة كوفيد والحرب الروسية الأوكرانية في البداية، أما اليوم مع استمرار ارتفاع أسعار المنتوجات الأساسية كالطماطم والبصل وجميع الخضر والفواكه، أصبح أصل الزيادة في الأسعار داخلي مرتبط بتزويد الأسواق وندرة المنتجات الأساسية نتاج شح الأمطار والتغيرات المناخية وقلة الماء الموجه خلال السنة الاخيرة للتزود بالماء الشروب كأولوية.
وعليه، شخصيا لا أرى تضاربا في تقارير ونشرات المؤسستين، عكس بعض وسائل الإعلام. بقدر ما أعتبرها قراءات متعددة ومتكاملة، فهي تمنح الحكومة معطيات دقيقة من أجل التدخل وتقويم الاقتصاد الوطني. اختلاف القراءات والاستنتاجات يمكن من تنويع مستويات التدخل سواء من مدخل السياسة النقدية ومن باب السياسة الاقتصادية والفلاحية منها خصوصا.
بالإضافة إلى تدخلات بنك المغرب من خلال سعر الفائدة، الهدف اليوم في مجال القطاعات المنتجة والفلاحة على وجه الخصوص، تحيين أو تغيير الأولويات لأن المخطط الأخضر والجيل الأخضر لم يقويا على مواجهة الصدمات، والدليل استنزاف الفرشات المائية دون استدامة تزويد السوق بالمنتجات الأساسية للعيش الكريم. نعم ارتفع دخل الفلاحين الكبار لكن تضرر الفلاحون الصغار اليوم بعد استنزاف الفرشة وارتفاع تكاليف الإنتاج.
التنمية الفلاحية لم تكن مستدامة والأمر يحتاج لمخطط فلاحي للتقويم، لضمان الأمن الغذائي والمخزون الاستراتيجي من المواد الغذائية وتوفير السلع والمنتجات الأساسية على طول السنة بوفرة داخليا حتى تكون في متناول المواطنات والمواطنين. وهذا التوجه لا يتعارض مع تطوير فلاحة مصاحبة تسويقية وتصديرية ذات قيمة مضافة مرتفعة ومقتصدة في استهلاك الماء.
كما أن مجهودات الحكومة في مجال توفير المياه غير الاعتيادية من نقل المياه بين الأحواض وتحلية مياه البحر سيمكن من توفير وضمان ري مساحات شاسعة وتوفير المياه لأغراض فلاحية تمكن المغرب من بلوغ الهدف الاستراتيجي الذي حدده جلالة الملك نصره الله وهو ضمان الأمن الغذائي والمائي، وبذلك ضمان السيادة الوطنية.
وفي الأخير، أرى أن هذا النقاش الدائر اليوم حول مخرجات وخرجات التقارير ومسؤولي المؤسسات العمومية رغم صحته، ما كان ليكون بوجود تنسيق مؤسساتي. العقلانية تفرض اجتماعات دورية للمؤسستين بمسؤوليهما وبخبرائهما ويبلوران تصورا واحدا وقراءة مشتركة لواقع التضخم وتوصية سلة من المقترحات تقدم للحكومة المغربية كتوصية بهدف التقليص من التضخم وتخفيف العبء على المواطنات والمواطنين.
إن خرجة كل طرف دون استشارة الآخر هي أصل مشكل التنمية بالمغرب كما خلص لذلك تقرير النموذج التنموي الجديد عندما وصف كوابح التنمية بالمغرب ،وذكر من بينها ضعف أو غياب التقائية المتدخلين في مجال السياسات العمومية. فخرجتين متفرقتين لمؤسستين في موضوع موحد توحي أن القراءات متناقضة وأن الحلول المقترحة غير مناسبة في حين أن هناك تكاملا يكفي التنسيق المسبق من أجل نجاعة أكبر وتدخل حكومي رصين وما أحوجها لذلك في ظل الظرفية الدولية المتسمة بلا يقين مع توالي سنوات الجفاف وندرة المياه.