العلم الإلكترونية - الرباط
شهد المغرب خلال هذه السنة ارتفاعا حادا في أسعار جل المواد الاستهلاكية، سواء تعلق الامر بالمواد الغذائية أو غير الغذائية مما أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم. وإذا كان هذا الارتفاع عاما، إلا أن مستوياته اختلفت حسب المواد، وإدراك المواطنين لأثرها على قفته اليومية تباينت حسب العادات الغذائية والاستهلاكية.
شهد المغرب خلال هذه السنة ارتفاعا حادا في أسعار جل المواد الاستهلاكية، سواء تعلق الامر بالمواد الغذائية أو غير الغذائية مما أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم. وإذا كان هذا الارتفاع عاما، إلا أن مستوياته اختلفت حسب المواد، وإدراك المواطنين لأثرها على قفته اليومية تباينت حسب العادات الغذائية والاستهلاكية.
وفي هذا الصدد، ارتأينا دراسة الارتفاع الصاروخي في أثمنة الطماطم (خصوصا في رمضان)، التي ارتبطت بالوعي الجمعي للمغاربة، لوفرة العرض وانخفاض الثمن، بل صار هذا المنتوج المصدر الأول للصادرات الفلاحية المغربية لدى المستهلكين الأجانب خاصة في الدول الأوربية. وإذا كانت أثمنة الطماطم قد استرجعت بعض الهدوء وتراجعت إلى مستوياتها المقبولة في الفترة الحالية، غير أننا سنحاول في هذه الورقة مناقشة الأسباب الهيكلية التي أدت إلى الارتفاع السابق لأثمنتها، وبالتالي إسقاط هذا التحليل على باقي المواد الفلاحية التي تعيش أزمات مماثلة.
يقوم تحليلنا لسوق الطماطم المغربية على مستويين. المستوى الأول يحلل بنية الإنتاج، والمستوى الثاني بنية التسويق.
أولا: قطاع إنتاج الطماطم.. بنية تقليدية وتطوير مؤجل
باستقصائنا لآراء بعض الفلاحين، أجمع هؤلاء على قيام المنتج المغربي بإنتاج الطماطم خارج دورتها الطبيعية، حيث يقوم بالزرع خلال شهري يوليوز وغشت على أساس جني المحصول في الفترة الممتدة بين شهر نونبر وشهر أبريل. ويحتاج هذا النمط من الإنتاج رعاية خاصة وتحكما في درجات الحرارة، حيث يتم غالب الإنتاج في البيوت الدفيئة البلاستيكية التقليدية، غير أنها لا تضمن التحكم في درجات الحرارة التي شهدت تقلبا كبيرا باستمرارها مرتفعة خلال شهور الخريف والشتاء المعتادة في المناخ المتوسطي المغربي. ما يستوجب التحكم في درجات الحرارة، عن طريق دفيئات حديثة زجاجية عالية الكلفة تصل إلى 8 ملايين درهم للهكتار.
ومع التغيرات المناخية التي نعيشها وما يصاحبها من استمرار درجات الحرارة المرتفعة طيلة شهر أكتوبر وبداية شهر نونبر، وانخفاض درجة الحرارة خلال شهري مارس وأبريل عن المعدلات المعتادة في المناخ المتوسطي المغربي صارت الحاجة ماسة إلى تلك الدفيئات الزجاجية قليلة الاستعمال، وهو ما أدى إلى انحسار المنتوج المغربي وتأثره بشكل كبير في السنة الحالية، وبالتالي فحديث الوزير عن منع التصدير لتوفير العرض المحلي مجانب للواقع، لأن المنتوج لم يكن متوفرا وكافيا للتصدير.
ولابد من التوضيح بخصوص الاستثمار في الدفيئات الزجاجية، حيث يستحيل استرجاع كلفة الاستثمار للولوج للتقنيات الحديثة المعتمدة على هذه الآلية في ظل بنية الأسعار الحالية المتراوحة بين 3 و4 دراهم للكيلوغرام كمعدل سنوي، مما يكبح برامج الاستثمار ويعطل تحديث البنية التحتية الإنتاجية لقطاع الطماطم.
وعلى الرغم من تنصيص مخطط المغرب الأخضر على منح مساعدات بسيطة في تهييئ الدفيئات، فإن تعقيد المساطر الإدارية التي تتطلب سنة كاملة يثني الفلاحين المتوسط منهم والكبير عن هذا المسار، ويدفعهم للاعتماد على إمكانياتهم الذاتية.
في نفس سياق خط الإنتاج، تُطرَح إشكالية البذور والتسميد والأدوية وباقي المدخلات في العملية الإنتاجية. فباقي السلع والخدمات، تأثرت أيضا بموجة التضخم وارتفعت أسعارها بشكل كبير، يجعل من المستحيل الحفاظ على بنية تسعير السنة الماضية، حيث تخضع هذه المدخلات للتضريب على القيمة المضافة ولا توجد على لوائح المنتجات المعفية رغم أن المنتوج النهائي غير خاضع للضريبة على القيمة المضافة، ما يمنع إمكانية الاسترجاع للضريبة على القيمة المضافة والتي تصل إلى 50 ألف درهم لكل هكتار.
أما محاولة إيجاد سبل لتخفيف الكلفة، تجدر طالب العاملون في القطاع باعتبارهم مصدرين بَيْنيِين على غرار العاملين بقطاع النسيج، غير أن السلطات الحكومية ماتزال ترفض الخوض في هذا المشكل ومناقشة إمكانية تنزيل هذا المقترح.
وعلى مستوى استهلاك الفرشة المائية، تحتاج للماء كباقي المزروعات، غير أن مردوديتها تبقى مهمة مقارنة مع الكثير من المنتجات الفلاحية الأخرى، إذ لا تكمن الإشكالية المائية في تصدير أو استيراد المياه التي تحتاجها المزروعات بقدر ما تمثله الخيارات العمومية من أولويات مقارنة مع الحاجيات الحقيقية للمغاربة وفكرة السيادة الغذائية التي عززتها ظروف الجائحة وتبعات التحولات التي يعيشها العالم إثر الحرب الروسية الأكرانية والاستقطابات الجيوسياسية والتحولات المناخية.
والأولى في هذه الظروف اللجوء إلى تطوير استغلال الموارد المائية البديلة، خاصة توسيع تقنية تحلية مياه البحر بمنطقة اشتوكة أيت باها، ولنا في التجربة الإسبانية مثال يحتذى به في السياسة المائية الاستباقية والتي أطلقتها قبل 20 سنة.
ثانيا: إشكاليات التسويق المحلي والدولي:
ينبغي أولا الحديث عن مسارات التسويق، والتي تتطلب تطويرا بنيويا ضروريا، يتعلق الأمر بأسواق الجملة والتي تعاني من سوء الهيكلة، وهي خاضعة لسلطة وتدبير وزارة الداخلية، وهذه الأسواق تكون بعيدة جدا عن مناطق الإنتاج، حيث ينبغي أن يتم توزيع أسواق الجملة وتموقعها قريبا من المناطق الإنتاج كي تستفيد هذه الأخيرة من نصيبها من التنمية. ويبلغ عدد هذه الأسواق حوالي 40 سوقا 20% منها بدون بنية تحتية، و63% لا تتوفر على مخازن مبنية بالطوب، فيما حجم معاملاتها 33% من إجمالي الإنتاج الوطني للخضر والفواكه، حسب تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
بالتالي، لجعل مسارات التسويق أكثر شفافية ينبغي في الأول تحرير أسواق الجملة، فكما هو الحال بالنسبة للحوم، فأسواق الجملة تخضع لنظام تدبير ريعي محض من خلال نظام المربعات الذي يفرض ضريبة تستفيد منها فئة من المستفيدين من رخص الاستغلال دونما مشاركة في عملية التسويق. وكما ورد في التقرير الصادر عن المجلس الاجتماعي والاقتصادي والبيئي بداية السنة الحالية، فإن بنية التسويق تخضع لهيمنة الوسطاء الذين يرفعون الثمن إلى أربعة أضعاف ثمن بيع الفلاح لمنتوجه، وتتأثر بضعف مسارات التسويق خارج أسواق الجملة المتسمة بعدم الانتظام والعشوائية، ناهيك عن غياب نظام معلومات حول الأسعار وتحديد معايير الجودة.
إجمالا، تبلغ تكلفة زراعة هكتار واحد من الطماطم حوالي 550000 درهم، وبإضافة مصاريف التسميد والنقل قد تصل ما بين 600000 إلى 620000، وبإنتاجية متوسطة تصل ل 170 طن في الهكتار، وهو ما يجعل تكلفة الإنتاج تصل ما بين 3.5 إلى 3.7 درهما للكيلوغرام. فعلى سبيل المثال، إذا أراد الفلاح أن يربح درهما عن كل كيلوغرام واحد يتوجب عليه بيعه بخمسة دراهم، لكنها قد تصل للمستهلك النهائي تقريبا ب 12 درهما في الدار البيضاء أو الرباط، وهذا الأمر ليس مقبولا اليوم، لأن الفلاح لم يبع قط منتوجه ب4 أو 5 دراهم، وإنما كان يبيعه بسعر يتراوح ما بين 2.30 و 2.40 درهم، بينما يعوض خسائره ببيع المنتوج الموجه للتصدير بإضافة درهم أو درهمين. بعد إصدار قرار منع التصدير، كان الفلاح ملزما بتغطية كلفة الإنتاج على الأقل بحكم استحالة تغطية الخسائر عن طريق السوق الخارجية، وهذا يفسر جزئيا تفاقم ارتفاع أثمان الطماطم رغم تفعيل قرار منع التصدير.
إن تعدد الوسطاء في شبكة التسويق ناهيك عن ظروف النقل والتعليب والتخزين وبنية استقبال أسواق الجملة المهترئة تؤدي إلى هذه الأثمنة المرتفعة في السوق المحلية. وفي هذا الإطار لابد من توضيح بخصوص تفسير ارتفاع أسعار الطماطم بتضخم أسعار المحروقات وارتفاع كلفة النقل. بعملية حسابية بسيطة لشاحنة من فئة 28000 كيلوغرام، كلفة نقل كيلوغرام واحد من أكادير إلى الدار البيضاء بزيادة درهمين في ثمن الغازوال ستزداد ب 2 و 3 سنتيمات للكيلوغرام، وهذا بعيد كل البعد عن تبرير الأسعار الخيالية التي وصلت ل 15 درهما للكيلوغرام.
وبخصوص التسويق على المستوى الدولي، تتركز الصادرات المغربية في الوجهة التقليدية المتمثلة في السوق الأوروبي، متبوعة بروسيا التي تراجعت حصتها بشكل كبير خلال السنة الماضية بسبب اعتماد روسيا على منتجات محيطها الجغرافي كبديل عن المنتوج المغربي، ثم السوق الإفريقية. ويعاني المغرب من غياب رؤية واضحة في سياسته التصديرية. وكمثال على ذلك، يرتبط المغرب مع أوروبا باتفاقية ثنائية على وشك انقضاء مدتها.
وبالنظر للمنافسة الكبيرة الأوربية في قطاع الطماطم، هل سيتم التضحية بهذا القطاع لحماية قطاعات أخرى كقطاعات الحليب واللحوم والحبوب، أم ستمكننا من التعبير عن قدراتنا وإمكانياتنا التنافسية بالمقارنة مع الأوروبيين؟ يطالب المنتجون بالمشاركة في جولات التفاوض بتجربتهم وخبراتهم كما كان الحال منذ ثمانينيات القرن الماضي إلى بداية القرن الحالي، وهو عكس واقعنا اليوم.
أما بخصوص السوق الإفريقية، يعاني المصدرون المغاربة من ارتفاع الرسوم الجمركية التي تتراوح بين 90ألف و120 ألف درهم لحمولة 20 طن، في مقابل استفادة البلدان الإفريقية التي تجمعنا معها اتفاقيات تجارية من إعفاء ضريبي. يضاف إلى هذا الإشكال عدم انتظام الرحلات البحرية وعدم تفعيل برامج التواجد الهيكلي في القارة، ونَسُوقُ كمثال المنصة التسويقية بأبيدجان التي لم تر النور بعد. وفي هذا السياق لا بد من التنويه بالأثر الإيجابي لتأمين معبر الكركرات على تيسير عملية عبور الصادرات المغربية نحو السوق الإفريقية.
وتجدر الإشارة إلى أن قرار منع التصدير خلف تبعات سلبية على برنامج التصدير للمحصول القادم، بفعل تضرر سمعة المصدرين المغاربة وتردد الزبناء الأجانب في توقيع اتفاقيات توريد في ظل ما وقع في السنة الحالية.
وكخلاصة لموضوع زراعة الطماطم في المغرب، ورغم الصورة الوردية التي يتم التسويق لها، فإن واقع الحال يكشف إشكالات بنيوية يمكن إسقاطها على باقي المنتجات الفلاحية. وإذا كانت مكانة الطماطم في قفة المواطن المغربي هي من منحت الموضوع زخما إعلاميا، غير أن مستوى التحليل ظل ظرفيا ولم يتطرق إلى البعد البنيوي. ونستطيع في ختام هذه القراءة أن نقدر أن الإشكالات البنيوية ترتبط بكل مراحل الإنتاج والتسويق، ولا تخلو هذه السلسلة من مظاهر ريعية وغياب منظومة حكامة ناجعة تجعل قطاع الطماطم في خصوصيته والقطاع الفلاحي في عموميته رهينة هذه الإشكالات التي تحتاج مقاربة تشاركية متجردة عن النفعية الذاتية والمقاربة الاستفرادية.