2022 أغسطس/أوت 29 - تم تعديله في [التاريخ]

اختلالات المناخ.. هل يُصلِح التشجير ما أفسدته أيدي البشر؟

ارتفاع درجة الحرارة وندرة المياه والحرائق الغابوية


العلم الإلكترونية - صلاح الدين الدمناتي (صحافي متدرب)

بقدوم فصل الصيف من كل سنة، ترتفع درجة الحرارة لتبلغ في بعض أقاليم المملكة الأكثر حرا مثل طاطا ووجدة ومراكش، درجات قصوى قد تفوق الأربعين درجة. لتصبح بذلك أبسط الأنشطة الحركية التي يقوم بها الإنسان يوميا ضربا من المشقة والألم.

وفيما تواصل درجات الحرارة، سنة بعد أخرى، تسجيل مستويات ارتفاع قياسية داخل المغرب وخارجه، بفعل تنامي الانبعاثات الغازية للأنشطة الاقتصادية عبر العالم، وأبخرة عوادم السيارات والنفايات المنزلية، بل وحتى من روث بعض الحيوانات كالأبقار... يُطرحُ على طاولة النقاش خيارالتشجير كحل طبيعي معقول لمشكلة ارتفاع درجة الحرارة، خصوصا خلال فصل الصيف.

والتشجير هو عبارة عن غرس مُعقلن واستراتيجي للأشجار بالفضاء العام، يهدفُ إلى خلق مساحات خضراء، سواء بالمجال الحضري أو القروي، مما يُساعد على تلطيف الجو وحفظ التوازن البيئي.

وتضطلع الأشجار بدور هام في الحفاظ على التوازن البيئي للكرة الأرضية. إذ تُقلل من نسبة التلوث الهوائي؛ حيثُ يُمكن لشجرة واحدة أن تمتص 20 كيلوغراما من الغبار، وتطلق 700 كيلوغراما من الأكسجين، وتمتص 20 طنا من ثاني أكسيد الكربون، وهو ما ينعكِسُ إيجابا على الغلاف الجوي ويُساعِدُ على تقليل أخطار الاحتباس الحراري.

بالإضافة إلى ذلك، يُمكِنُ للأشجار أن  تُسهم في تخفيض معدلات الحرارة بأربع درجات مئوية (°-4). حيث تحمينا أوراق الأشجار من الأشعة فوق البنفسجية وتعملُ على إنقاصِ وهج أشعة الشمس من خلال امتصاصها.

وفي هذا الصدد يُوضح "محمد سعيد قروق"، أستاذ علم المناخ بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء وعضو سابق بالهيأة البيحكومية الأممية للتغير المناخي، أن " للشجرة قدرة هائلة على امتصاص الإشعاع الشمسي، في حين تعجز الأرض الجرداء عن ذلك، وتقتصر على عكس الأشعة الشمسية". ويُكمل: " النتيجة أنه في الأماكن الغابوية، تتكون الميزانية الطاقية من طاقة حرارية تكمنُ داخل الشجرة. الشيء الذي يعمل على تلطيف الهواء خلال النهار، كما يضمنُ عدم انخفاض درجة الحرارة في الليل". ويُضيفُ قروق شارحاً: " تتيح الأشجار إمكانية تحقق عملية النتح: وهي عبارة عن تبخر مياه النباتات ما يؤدي، حسب الخبير المناخي، إلى ترطيب الأجواء المحيطة بالغابة."

ويُلاحظُ على سبيل المقارنة بين المدن المغربية، انخفاض معدلات الحرارة بالمدن التي تعرفُ انتشارا أكبر للمساحات الخضراء؛ مثل الرباط و طنجة، في مُقابل ارتفاعها في مناطق أخرى حيث يستأثر العمران بمعظم المساحات الشاغرة.

وتَتمثل الرباط؛ بحدائقها، ومنتزاتها، ومِساحاتها الخضراء التي تتخلل أحياء وشوارع المدينة المختلفة، كأفضل نموذج على حسن استغلال الفضاء العام من حيث نسبة المساحات الخضراء مقارنةً مع المساحة الإجمالية للمدينة. من أشهرها : غابة المعمورة، حدائق الأوداية، حديقة الحسن الثاني، و "رئة الرباط" الحزام الأخضرالممتد على مسار 5 كلم.

جمال طبيعي

يُشكلُ غرس الأشجار إمكانية مُتاحة لتلافي التشوه البصري الذي قد يعتري الحواضرالمغربية. إذ يُعدُّ التشجير، باعتباره تنسيقا وترتيبا لعناصر الطبيعة من أشجار ونباتات بما يتلائمُ مع مناخ ومقومات المدينة، آلية فعالة تُسهِمُ في تجميل المنظر العام وتوفرُ فضاءً للاستجمام يُساعِدُ على التخلص من التوتر والأعصاب.

فقد أشارت بعض الدراسات إلى أن الأشخاص الذين يعيشون في مناطق ذات مساحات خضراء، أو يتوفرون على حديقة منزلية خاصة بهم، يكونون أكثر انفتاحا على الحياة وأقل عرضة للإصابة بالأمراض النفسية من قبيل الإكتئاب.

خزان للمياه

تلقى المغرب منذ بداية هذا العام ضربات متوالية من قبضة الظروف المناخية. حيث أنبأت مجموعة من المؤشرات الطبيعية على قدوم سنة فلاحية قاسية. وهو ما تم تأكيده في ما بعد من خلال إحصاءات معدلات تساقط الأمطار في مختلف ربوع المملكة، التي اعتبرت الموسم الفلاحي الحالي "أسوأ موسم جفاف منذ أكثر من ثلاثين سنة". في ما أشارت وكالة الأنباء الأميركية "بلومبرغ" في مقال نُشر في وقت سابق إلى أن "نسبة التساقطات المطرية في المغرب هي الأدنى منذ ثلاثة عقود".

وقد عرفت حقينة السدود تراجعا ملحوظا وصل إلى مستويات قياسية توصف بـ "الحرجة". فإلى حدود يوم الخميس 18 غشت، سجلت نسبة ملئ السدود الوطنية 26.7 في المائة، في حين أنها كانت خلال اليوم نفسه من السنة الماضية مستقرة في 41.8 في المائة، ما يُشيرُ إلى تراجع بأزيد من 20 في المائة. و هو ما يُعزز الحاجة إلى إرساء خطط واستراتيجيات تنموية تُدخِلُ مشكلة الماء في صلب اهتماماتها، باعتباره عنصرا حيويا أولا، وصمامَ أمان الفلاحة التي تُمثِّلُ عماد الاقتصاد المغربي ثانيا. و من أمثلة هذه الخطط، "التشجير".
 
تعملُ الأشجار في الظروف المناخية الصعبة التي تتسم بالجفاف وقلة تساقط الأمطار بمثابة مستودع لتخزين المياه. حيث تلعبُ الأوراق في النصف العلوي للشجرة دور المستقبلات، التي تحول دون تبدُّد مياه المطر من خلال السقوط المباشر على سطح الأرض. في حين تُساعِدُ جذور الأشجار على تخفيض الجريان السطحي لمياه الأمطار، حيث تمتص الماء المتسرب إلى التربة فتمنعه من الضياع.

و يُؤكد الخبير، في هذا الإطار، على أن " الأشجار تستطيع بفضل جذورها الممتدة في باطن الأرض، والتي أصبحت عميقة بعد أن اكتملت في النضج والنمو، أن تمتص المياه من أماكن عميقة جدا، الشيء الذي يستحيل أن يتم في الأرض الجرداء حيث لا وجود للأشجار".
 
من جانبه أشار عبد السلام الحسناوي، الخبير في الفرشة المائية، إلى أن " امتداد الغطاء النباتي في بعده الأفقي يُشكِّلُ حزاما طبيعيا يُساهمُ في تخزين كميات مهمة من المياه عبر الفرشات المائية". إذ يُمكِنُ "لشجرة الحلفاء على سبيل المثال؛ أن تضطلع بدور كبير في تغذية الفرشة الباطنية، لا سيما في فترات تساقط الثلوج، حيث يُمكِنُ لشجرة واحدة حصر ما لا يقل عن 1 متر من الثلوج تستفيد منها الفرشة المائية بعد الذوبان".

إخطار أخير

يعيشُ المغربُ في خضم الأيام القليلة الماضية على وقع الفاجعة بعد تسجيل عدد من الحرائق الغابوية، خصوصا في شمال المملكة. آخرها كان الحريق الذي عرفتهُ جماعة فيفي، باب تازة بإقليم شفشاون، والذي تمكنت السلطات المغربية من محاصرته بنسبة 90 في المائة، بعد ما أتى على 510 هكتارا، وفق إحصاءات المركز الوطني لتدبير المخاطر المناخية بالوكالة الوطنية للمياه و الغابات. وقبله كانت الحرائق الغابوية بإقليم العرائش التي أتت على ما يقارب 12 ألف هكتار، بالإضافة إلى حريق إفران الذي اندلع مساء يوم الاثنين الماضي بضاحية المدينة. وتُشيرُ معطيات رسمية إلى أن هذا الحريق أتى على مساحة 830 هكتار من الأراضي المخصصة للرعي. فضلا عن التهامه حوالي 20 هكتارا من الغطاء الغابوي التابع للملك الغابوي.
 
وقد بلغت المساحة الغابوية التي التهمتها الحرائق بالمغرب، منذ مطلع السنة الجارية إلى بداية الأسبوع الماضي، ما يُعادل 25 ألف هكتار، وفق معطيات المركز الوطني لتدبير المخاطر المناخية بالوكالة الوطنية للمياه والغابات.
 
يؤدي هذا الخراب الذي تشهده المساحات الخضراء بالمغرب إلى تراجع الملك الغابوي، مما يُضاعِفُ من ضرورة وضع استراتيجية ليس فقط  للتشجير، وإنما لإعادة التشجير. وهو ما أعلنت عنه الحكومة المغربية يوم 22 يوليوز؛ إذ يعتزم المغرب إطلاق برنامج يرومُ تشجير نحو 9 آلاف هكتار من الغابات التي أتت عليها حرائق اندلعت مؤخراً شمال المملكة، في خطة تتضمن أيضا دعم المزارعين وإعادة بناء بيوت متضررة، فيما رصدت للبرنامج ميزانية تناهز 290 مليون درهم (نحو 28 مليون دولار).
 
وهي مبادرة تقتضي انخراط جميع الفاعلين المعنيين لمحاولة إنجاح أي خطة تنموية مستقبلا. إذ يُؤكد، الحسناوي على أنه "بالرغم من عمليات التشجير التي تهتمُّ بها إدارات المياه والغابات ومحاربة التصحر ومختلف فعاليات المجتمع المدني، يظلُّ العنصر البشري العامل الحاسم في نسبة الزيادة أو التراجع في مساحات الغطاء النباتي".

و يُشدد الخبير على أنه بالرغم من تمتع المغرب بالتنوع النباتي، الذي يظهر بشكل جليٍّ في توفربلدنا على أنواع مهمة من التشكيلات الشجرية و النباتية؛ كالأرز، و العرعار والبلوط الأخضر، يظلُّ من الضروري "خلق رؤيا استراتيجية مستقبلية شاملة ترتكزعلى حماية المنظومات الغابوية من التغيرات المناخية من جهة، و توسيع رقعة التشجير لضبط التوازن البيئي وتلطيف الجو من جهة ثانية".
 
وفي إطار الحديث عن أهمية الأشجار في  ضبط التوازن البيئي، نشر مختبر "كروثر" التابع للمعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا بتاريخ 5 يوليوز الماضي، دراسة في مجلة "ساينس". وقد كشفت الدراسة أنه يُمكن توسعة الغطاء النباتي دائم الخضرة في ظل الظروف المناخية الحالية، ليصِل إلى ما يُقارِبُ 4.4 مليار هكتار. علما أن المساحة المزروعة حاليا لا تتجاوز 2.8 مليار هكتار فقط.



في نفس الركن